درجة من الصمم فلن يسمعوا الحق بعدها
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم,
ذكر الصمم في القرآن الكريم بكل المستويات المعروفة علميا , أي من درجة الصمم النفسي الارادي الى درجة الصمم المركزي الاصيل ,وكلها ذكرت بأسلوب اعجازي ودقيق جدا يطابق آخر ما توصل اليه العلم الحديث, وبدون لي لعنق النص ولا اهلاك المعلومة الطبية الدقيقة .
للصمم درجات , والكلام هنا لكتب الفسلجة (علم وضائف الاعضاء )التي يعرفها الاطباء ولكتب علم الاذن والانف والحنجرة التي هي احدى الاختصاصات الدقيقة في الطب, يبتدا بالنوع الاول للصمم والمعروف بالصمم الارادي النفسي, ثم الصمم المقنع, ثم يليه صمم القناة الخارجية للاذن ثم الداخلية , ويليه صمم العصب السمعي , يليه الصمم المركزي بنوعيه مع التفصيلات الفرعية للصمم, وكما سنرى فكلها مذكورة بدقة عالية في المصحف مما يدهش الاطباء , والمعتصمين بالعلم الحديث
وقد ذكرنا في الجزء الاول اربعة انواع وهي الصمم الارادي النفسي و الصمم المقنع(MASKING) ثم صمم الانتقال الصوتي (CONDUCTION DEAFNESS) ونوع آخر من صمم الانتقال الصوتي (كأن في اذنيه وقرا) وذكرنا الآيات التي جاءت بها.
وفي الجزء الثاني ذكرنا ثلاثة انواع هي صمم الانتقال الصوتي (CONDUCTION DEAFNESS)(في اذنيه وقرا) وصمم مركزي (NERVE DEAFNESS) و صمم الانتقال الصوتي (CONDUCTION DEAFNESS وفي الاخير ذكرنا خطوة نحو صمم اعلى( اكنة ووقر وحجاب)
والان نذكر انواع جديده من الصمم
درجة من الصمم فلن يسمعوا الحق بعدها
يقول سبحانه وتعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) (الكهف)
مختصر اقوال المفسرين في هذه الآية
في هذه الآية الكريمة أنه لا أحد أظلم أي أكثر ظلما لنفسه ممن ذكر أي وعظ بآيات ربه وهي هذا القرآن العظيم فأعرض عنها أي تولى وصد بآيات ربه , فأعرض عنها أي تناساها ، أن المراد نفي أن يساوي أحد في الظلم من وعظ بآيات الله تعالى فأعرض عنها فلم يتدبرها ولم يتعظ بها ، ويسمع الآيات التنزيلية أو التكوينية أو مجموعهما وينسى ما قدمت يداه أي مع إعراضه عن التأمل في الدلائل والبينات يتناسى ما قدمت يداه من الأعمال المنكرة والمذاهب الباطلة ، أي انه في عمله من الكفر والمعاصي من الأعمال السيئة ولم يتفكر في عاقبتهما. إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أي جعلنا أعمالهم على قلوبهم أكنة أن يفقهوه بكفرهم , أي نحن منعنا الايمان من أن يدخل قلوبهم وأسماعهم بعد تمسكهم بالكفر ، وإن تدعهم إلى الهدى يمنعهم أن يستمعوه حق استماعه , وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا أي فلن يكون منهم اهتداء البتة مدة التكليف وإذن جزاء للشرط وجواب عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم المدلول عليه بكمال عنايته بإسلامهم . وقيل هذا في أقوام علم الله منهم أنهم لا يؤمنون.
التفسير العلمي والاعجاز القرآني لهذه الآية
يقول سبحانه وتعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا
في هذه الآية الكريمة يوضح سبحانه وتعالى ان اشد الظلم ان يظلم الانسان نفسه ، فكيف يظلم الانسان نفسه ؟ يوضح لنا سبحانه وتعالى الامر ، فالإنسان الذى اوعاه الله واعطاه عقلا ووصل الى درجة يفقه فيها الخطأ من الصحيح ، ثم اوصل اليه الحق الواضح البين الذي لا لبس فيه ، وهو عارف وواعي به ، ثم اوعده ان له الخير العظيم في هذا الصواب في الدنيا والآخرة ، فسمع ووعى وتذوق الحق بعد ان كان غارقا في باطل لم يجد به خيرا ، ومع هذا يدير وجهه لما عرف من الحق وما عرف من العلم الصحيح ، فاذا فعل ذلك فانه سيكون من المغضوب عليهم الذين لا يستحقون العقل الواعي ولا هذه الحواس التي اعطاها له الله سبحانه وتعالى , يقول سبحانه وتعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176))فهذا جعل سبحانه له مشابه من الحيوانات وهو الكلب ، وخاصة اذا كان قد جاء بعمل باطل وسيئات كثيرة فانه سيبتعد عن الله سبحانه وتعالى والنتيجة انه سيغضب الله عليه فلم يعد يستحق الا ان يضع الله على عقله ووعيه اكنة واقنعه واغلفه ( وكما وضحنا سالفا ) أي ان انتقال الايعازات الى المراكز الدماغية ووصولها الى الوعي الكامل للمسموع سوف يقل ويتشوش بسبب الحواجز او ما نسميه بالأقنعة وبكل انواعها(كانون للفسلجة) وان يجعل في اذانهم وقرا يسد آذانهم يجعل سمعهم للحق مشوش وغير واضح ، ومن اجتمعت هذه عليه من اذن معطله بسبب تجمع الاوساخ فيها وانسدادها وتوقف عملية التنظيف فتستقر هذه الاوساخ داخل الاذن لتكون ( الوقر ) ، ثم جعل عليه عوازل مركزية في مركز السمع وفي المراكز الاخرى في الدماغ في عدة مراحل في وعى المسموع وهذه التي قال عنها سبحانه وتعالى ( أكنه ) ، ثم شرود في العقل وقلة في التركيز وبلادة في الانفعال فاذا حدث له كل ذلك فلن يهتدى ابدا (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) حيث انه لن يسمع الحق الواضح مرة اخرى ولن يعي ما يسمع ولن تبقى له حكمة تقدير الامور ، وما له بعد ان اختار هذا الطريق الا ان يتجه الى الهاوية في نار جهنم والعياذ بالله , واذا قارنا هذه النتائج فإنها اقرب الى اعراض مرض زهيمر المعروف والعياذ بالله .
صمم العوازل (وما انت بمسمع من في القبور)
يقول سبحانه وتعالى( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) (فاطر)
مختصر اقوال المفسرين في هذه الآية
وما يستوي الأحياء ولا الأموات تمثيل لمن آمن فهو كالحي ومن لم يؤمن فهو كالميت قال المؤمن والكافر وقيل العلماء والجهال وشبه المؤمنين بالأحياء والكفرة بالأموات من حيث لا يفهمون الذكر ولا يقبلون عليه
وما يستوي الأحياء ولا الأموات مثل الأعمى والبصير كالكافر والمسلم والظلمات والنور مثل الكفر والإيمان والظل والحرور مثل الجنة والنار وما يستوي الأحياء ولا الأموات مثل العقلاء والجهال ،او مثل الذين دخلوا في الاسلام والذين لم يدخلوا فيه إن الله يسمع من يشاء عبارة عن هداية الله لمن يشاء ورد الأمر إلى مشيئة الله تعالى بقوله إن الله يسمع من يشاء أن يسمعه ويوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته او أي يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد حتى يتعظ ويجيب . ويسمع من يشاء يعني يفقه من يشاء أي يسمع أولياءه الذين خلقهم لجنته وما أنت بمسمع من في القبور عبارة عن عدم سماع الكفار للبراهين والمواعظ ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وإشباع في إقناطه صلى الله عليه وسلم من إيمانهم أي كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة إليها كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك , قال القاضي أبو محمد فهذه الآية لا تعارض حديث القليب لأن الله تعالى رد على أولئك أرواحهم في القليب ليوبخهم وهذا على قول عمر وابنه عبد الله وهو الصحيح إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أنتم بأسمع منهم وأما عائشة فمذهبها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمعهم وانه إنما قصد توبيخ الأحياء من الكفرة وجعلت هذه الآية أصلا واحتجت بها فمثل الله تعالى في هذه الآية الكفرة بالأشخاص التي في القبور وقرأ الحسن بن ابي الحسن بمسمع من على الإضافة
التفسير العلمي والاعجاز القرآني في هذه الآية
(وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ)
في هذه المرحلة من الصمم والتي هي ليست من فسلجه الانسان الداخلية ولكن من التأثير المحيطي وهو صمم العزل الصوتي حيث ان الصوت لا يستطيع الوصول الى اذن الانسان، واستعمل سبحانه وتعالى هذه الصفة لبيان ان الكافرين هم الذين ابتعدوا عن الحق ووضعوا العوازل بينهم وبين سماع الحق
وفي هذه الآية الكريمة يوضح لنا سبحانه وتعالى ان الاحياء لا يساوون الاموات ، وهذا امر واضح وجلى وقبلها الظلمات والنور ولا الظل ولا الحرور ، ولكن تقدم هذا الكلام اعطى انطباعا لما بعده ، وهذه الطريقة العظيمة في القران هي معجزة بحد ذاتها جعلت العرب في زمن الرسالة لا يعترضون على القران وهم اصحاب اللغة ، وتضمر في طياتها معنى آخر سينفع في المتقدم من الايام في وقتنا هذا ونعرف من كلامه علم كثير ، فالكلام الذى بعده يقول فيه سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ) فالله سبحانه وتعالى يسمع من يشاء ولا خلاف فيه ولكن الكلام وجه الى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) وان يسمع من في القبور من الاموات فذلك في علم الله سبحانه وتعالى لان الميت لا يستطيع ان يجيب فيقول لك سمعت ، وقد خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم الاموات في بدر وقد وضح لنا انهم وخصوصا وفي اول موتهم يسمعون ( وما انت بأسمع منهم ) وهذا في الصحيح، ولكن بعد ذلك تصعد الارواح الصالحة الى السماء وتهبط الارواح الضالة الى سقر حسب صلاحها وما يبقى في القبر الا الرمم ، والذى سينتهى ولا يبقى من الجسد الا عجب الذنب ، فهم العرب والمسلمين الاوائل الكلام وكانه للأموات حيث كان اسلوب تأخير (وما يستوي الاحياء ولا الاموات) بعد الموازنات الاخرى (وما يستوي الاعمى والبصير ولا الظلمات والنور ولا الظل ولا الحرور) فاصبح الكلام كانه موجه للموتى في القبور ولكن لو وضعنا حيا في قبر فهل سيسمع؟؟؟ ، فهنا نركز على عامل العزل الصوتي للقبر ، والقبر قد يكون على الطريقة الفرعونية والتي لا زالوا يستعملونها اهل مصر ، حيث ان القبور عباره عن سرداب تحت الارض يمكن ان يدخله الاحياء ، وهناك قبور الفراعنة وهى عبارة عن غرف واسعة مزينة بالرسوم والكتابات يوضع فيها الاموات ولكنها تحت الارض في كل الاحوال ومعزولة عن الخارج بعوازل كبيرة ، فالله سبحانه وتعالى يستطيع ان يسمع من يشاء فوق الارض او تحت الارض او في الانفاق في اعماق الارض او طائرا في السماء ، اما نحن فلا نستطيع اسماع من في القبور لوجود العازل الصوتي بيننا وبينهم ، وفي تجربة في مثل هذه الحالة فقد وجد ان عازل ترابي من 120 الى 170 سم ( وهذا هو العمق لمعظم القبور الاسلامية في المدافن ) سوف يقطع الصوت الاعتيادي ، ولكن ذلك يختلف حسب الذبذبة وحسب طاقة الصوت ونحن هنا نتكلم عن الانسان ، فالإنسان الاعتيادي والذى ذبذبة صوته هو من 120 الى 150 ذبذبة وبقوة صوت الانسان الاعتيادي والتي اعلى ما تصل اليه هو 120 دسبل في مثل هذا الصوت فانه لا يستطيع اختراق عمق القبر الاعتيادي ليسمع من تحته في القبر ، على اساس ان تراب الارض من النوع الناعم ( الرمل والصخور تخترقه الاصوات اسرع ) وهذا النوع من التراب هو الذى يصلح لحفر القبور حيث لا يمكن حفرها في الصخور في الحالة الاعتيادية وكذلك لا يمكن حفرها في الرمال المتداعية ، هناك احتمال فلو قلنا اننا سنستعمل مضخم صوت, فقد يسمع من هو في القبر من الاحياء ، او قد نستعمل اجهزة اتصال فنسمع من هو في اعمق من القبر ، لكن الله سبحانه وتعالى وبدقة قرآنه العظيم لم يقل وما انتم بمسمعين من في القبور فجعل الكلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما عندهم في ذلك الوقت من علم فانهم لا يستطيعون اسماع من في القبور لذلك كان الكلام محدودا وعليه توكيد (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) احياء او اموات.
اما قتلى بدر فقد كلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهم لم يدفنوا بعد حيث كانوا مرميين في القليب وكان ضحلا قبل ان يردم عليهم فالآية لا تخصهم فهم ليسوا في قبور ،حتى اذا رموا (من الرمم) لم يستطع احدا اسماعهم وذلك لان ارواحهم ابتعدت عنهم اما الى عليين او الى سجين،واسماع الاموات شيء لا يخص الفسلجة بل هو شيء غيبي يخص عالم الروح الذي لا نعرف عنه شيء الا من خلال الصحيح من المنقول، والتشبيه للكفار كان بانهم كالأموات ففهمنا نحن انهم لن يسمعوا وبما اننا نستطيع اسماع الموتى في اول موتهم على اقل احتمال والكلام سيفهم لعامة المسلمين لذلك قال الله سبحانه وتعالى لنبيه وما انت بمسمع من في القبور ففهمناها مع السياق الذي قبلها بانهم الموتى ، اما في وقتنا هذا فإننا نستطيع اسماع الاحياء الذين في القبور بواسطة الأجهزة من تلفون او مكبر صوت لذلك قال سبحانه وتعالى وما انت بمسمع من في القبور، انت يا محمد.
الاقفال الكامل على السمع او ما يعادل الصمم التام
يقول سبحانه وتعالى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (23-24) (محمد)
مختصر اقوال المفسرين لهذه الآية
إشارة لمن سبق ذكرهم من المنافقين أبعدهم الله عنه أو عن الخير فأصمهم فلا يسمعون الكلام المستبين وأعماهم فلا يتبعون الصراط المستقيم قال أصمهم ولم يقل أصم آذانهم وقال وأعمى أبصـارهم ولم يقل أعماهم وذلك لأن العين آلة الرؤية ولو أصابها آفة لا يحصل الإبصار والأذن لو أصابها آفة من قطع أو قلع تسمع الكلام لأن الأذن خلقت وخلق فيها تعاريج ليكثر فيها الهواء المتموج ولا يقرع الصماخ بعنف فيؤذي، او هو إشارة إلى مرضى القلوب المذكورين و لعنهم معناه أبعدهم أولئك الذين أفسدوا في الأرض وقطعوا أرحامهم لعنهم الله فقال أصمهم من غير ذكر الأذن وقال أعمى أبصـارهم مع ذكر العين لأن البصر ههنا بمعنى العين ، والوقر دون الصم وكذلك الطرش، أولـئك الذين لعنهم الله فأصمهم فلا يسمعون حقيقة الكلام وأعماهم فلا يتبعون طريق الإسلام، وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العلم عن الحسن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا الناس أظهروا العلم وضيعوا العمل وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا في الأرحام لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم ، و فأصمهم عن استماع الحق لتصامهم عنه بسوء اختيارهم وأعمى أبصارهم لتعاميهم عما يشاهدونه من الآيات المنصوبة في الأنفس والآفاق ، او جعلهم لا يسمعون ما ينفعهم ولا يبصرونه وسلبه الانتفاع بسمعه وبصره حتى لا ينقاد للحق ، إذا ذكر الصمم لم يبق حاجة إلى ذكر الآذان وأما العمى فلشيوعه في البصر والبصيرة، وقوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها اي على قلوب قاسية أو مظلمة وعلى بعض القلوب، إذ ليس على قلب قفل ظاهرا ، والأقفال أبلغ من الختم لأن الأقفال كأنها ليست إلا لها، او أراد به أقفالا مخصوصة هي أقفال الكفر والعناد
عن عروة رضي الله عنه قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شاب من أهل اليمن بل عليها أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقت فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به
وافلا يتدبرون القرآن توقيف وتوبيخ وإضافة الاقفال إليها للدلالة على أنها أقفال مخصوصة بها مناسبة لها غير مجانسة لسائر الأقفال المعهودة ،وعلى قلوب لهم أقفالها فلا يفهمون القرآن، وعلى قلوب أقفالها أي قد أغلق على ما فيها من الإعراض والغفلة والاعتراض وأقفلت وكذلك معناه أن أعمالهم لغير الله ختم على قلوبهم بالأقفال المختصة بها وهى اقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح نحو الرين والختم والطبع
وذكر الأقفال استعارة والمراد أن القلب يكون كالبيت المقفل لا يصل إليه الهدى ومعنى الآية أنه لا يدخل في قلوبهم الإيمان ولا يخرج منها الكفر والشرك
التفسير العلمي والاعجاز القرآني لهذه الآيه
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
وصلنا الان الى ما يشبه درجة الصمم والعمى التام ، ولكن هل هم عميان وصم حقا أي هل انهم لا يرون ولا يسمعون ، كيف ونحن نراهم بكامل صحتهم وعافيتهم ، وهؤلاء الملعونين تراهم يتلصصون ويتجسسون وراء اهل الحق ويتسمعون ما يقولون ولهم شامة النمل وينقلون الى اسيادهم كل شيء فكيف يكون صممهم اذا ؟ يوضح سبحانه وتعالى لنا ذلك بعد ان لعنهم الله بكفرهم فاضلهم (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) فكيف يكون ذلك ؟؟ .
كما عرفنا سابقا فان السمع يتم بعدة مراحل ابتداء من الاذن الخارجية فالوسطى فالداخلية ، وفي الاذن الداخلية في قوقعة الاذن تتحول الامواج الى ذبذبات كهربائية بواسطة الخلايا الشعرية ،تنتقل الامواج الكهربائية الى العصب السمعي الى المركز الدماغي في قشرة الدماغ المنطقة 41 ومجاورة المنطقه 41 ، وفي طريقها الى المنطقة 41 ستحط في ثلاث محطات ، وفي كل محطة سيحدث تغير جذري في هذه الايعازات لتنتقل بخلية عصبية جديدة ( كايتون وهل للفسلجة ص657 ) وسيحدث تحوير في الموجه، وهناك عدة مؤثرات على هذه الايعازات تؤثر على هذا التحوير ، في هذه السيطرات ستعمل ايعازات من قلب الدماغ(HYPOTHALAMUS) ومن قشرة الدماغ ومن المناطق المجاورة ومن مركز سيطرة مهم هو منطقة رنكز الدماغية ( WERNICK”S AREA) (( كايتون وهل للفسلجة ص718 ) وهذه المنطقة تتصل كذلك بكل المراكز الدماغية الاخرى في قشرة الدماغ وقلب الدماغ ومنطقة الفهم الكلامي ومنطقة تذكر الاسماء ومعرفة الوجوه ، وعند وصول الموجه الى المركز السمعي 41 ترسل المعلومات مرة اخرى الى منطقة رنكز( WERNICK”S AREA) وبالتعاون بين هذه المناطق سيحدث فهم الكلام ، وفي كل محطة من المحطات التي يمر بها الايعاز العصبي ممكن ان يحدث تثبيط او ما نسميه حجب او (اكنة) فتؤدي الى تحور في المسموع او تركز على جزء من المسموع او على نغمة او شدة خاصة ، والنتيجة النهائية لوعي المسموع ممكن ان يتغير كثيرا من شخص الى آخر ومن ضرف الى آخر ،( في حالة تحطم منطقة رنكز( WERNICK”S AREA) او حدوث تأثير من تحفيز خارجي فيوقف عملها فانه سيسمع كاملا بالتمام ويستطيع تمييز كامل الكلمات بدقه ولكنه لن يستطيع ترتيبها بما ينفع في الوعي وقد يقرا ولكن لن يستطيع الانتفاع عقليا منها ،) ( كايتون وهل للفسلجة ص718 نصيا) وسوف يقل عنده الذكاء بشكل مطرد فيتحول الى بلاده وعدم استجابة ( كايتون وهل للفسلجة ص718 ) فهكذا سيكون اثر لعنة الله عليهم بعد تمسكهم بالباطل وهم يعرفون الخير حق المعرفه (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) لذلك فهم لن يتدبروا القرآن بعد ذلك لا سماعا ولا قراءة بتأثير رباني وقفل الاهي على منطقة رنكز ( WERNICK”S AREA) ومناطق السمع ووعي المسموع والمراكز الاخرى ذات العلاقة ووضحها سبحانه وتعالى فقال (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ، انظر هنا دقة اللفظ القرآني انها عدة مراكز(قُلُوبٍ) وليست قلبا واحدا(هنا ليست على قلبهم لنفهم انه لكل انسان قلب واحد) حتى احتار فيها المفسرين فهل للإنسان اكثر من قلب، ولها اقفالها الخاصة وهذا قال بها المفسرين وحيث اننا نعرف علميا عدة مواد تقفل القلوب هذه وعدة ايعازات سوف تثبط عمل المركز هذا او ذاك مثال على ذلك مادة كاما اماينو بيترك اسد (GABA)ومركز النخاع المستطيل المثبط ، من ذلك عرفنا كيف ان لهم عيون، لا يبصرون بها وكيف ان لهم آذان لا يسمعون بها وكيف ان لهم قلوب لا يفقهون بها انهم كالأنعام التي لا تمتلك مثل هذا المركز(مركز ونكزWERNICK”S AREA) ) بدائي في الانعام) لا بل هم اضل ، فهم يسمعون القران ولكن لا يتدبرونه ولا يفهمون ما فيه او يتغابون عنه كليا فما الفائدة ان تسمع ولا تدرى ما تسمع ، فلو قيل لك ان نارا في ثوبك وحذروك بشدة ثم سمعتها ولم تقم باي ردة فعل حتى صارت النار عليك فما فائدة هذا السمع ، فكأنه لا يسمع وكذلك ما فائدة ان ترى امامك اسدا ولا تفر وتحتمى عنه حتى يهجم عليك فاذا لا فائدة من هذا النظر فهو كالأعمى بل اضل ، وسبب ذلك كله ان ختم الله على قلوبهم ووضع عليها اقفالا فلذلك لم يعد الكافر يتدبر القران ولا يعيه ولا يرى الخير فيه ، فهاذا يملك خبزا ويموت جوعا ويهلك .