التفسير العلمي لسورة الاخلاص

التفسير العلمي لسورة الاخلاص

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

استلمت هدية من صديق حميم عبارة عن كتيب صغير بعنوان تفسير سورة الاخلاص وفضائلها ولا تحتاج لقراءته لأكثر من نصف ساعة , وفكرة مثل هذه الكتيبات جيده حيث انها خفيفة على النفس وتعطي الكثير من المعلومات . وبصورة عامة فان موضوعاتها مهمة كما في هذا الكتيب, وعند قراءتي للكتيب احسست ان المعاني التي ذكرت طيبة لكنها غير كافية لإيصال المعنى الى القلب والعقل لتتوضح قيمة هذه السورة حيث انها استعملت الآراء المنقولة من عصر كان فيه الناس يفهمون لغتهم لغة العرب, واستعملت فيها طرق عرض التفصيل اللغوي الذي لا يستطيع عامة الناس مسايرته وفهمه لذا وجب استعمال امثال توضيحية مفهومة بلغة مقاربة لما هو متداول بين المثقفين لتكون اكثر اقناعا وافهاما.

ولان لغة العلم او العقل والمثل العلمي التطبيقي قد ساد في هذا العصر فإننا يجب ان نجعلها قسما مهما من اساليب التوضيح مما يجعل الموضوع اقرب الى قلب السامعين والقارئين, لذا راجعت الموضوع وناقشت بعض اهل العلم والاختصاص واجتهدت لأن اقدم هذه التفسير ارجو من الله قبوله خالصا له. كما ارجو ان اكون قد وفقت لإيصال هذا المعنى الى قلوب الناس في هذا الموضوع المهم.

ولكوني من البشر فاني اخطئ واصيب وارجو تصويبي ان كان في ما قلت خطا فانا لا اصر على الخطأ ولا حاجة لي بذلك. وهنا اقدم جزيل شكري للأستاذ الكبير محمود بن الجميل مؤلف الكتيب الذي سأتابع المعلومات من كتيبه دون الاشارة اليه, وشكري كذلك للأستاذ الدكتور كاصد ياسر الزيدي على كتابه القيم (الطبيعة في القرآن الكريم) الذي اقتبست منه الكثير دون الإشارة اليه.

والكتاب يباع بدولار واحد برسالة نصية من قبل الناشر , لذلك استقطعت منه جزء واحد لكي يطلع القارئ على اصل الموضوع .

 

تفسير(اللَّهُ الصَّمَدُ)

اقوال المفسرين في تفسير (الله الصمد)

نبتدأ بأقوال المفسرين في تفسير )اللَّهُ الصَّمَدُ( في ما نقله ابن كثير في تفسيره رحمه الله في معنى الصمد:

– الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد، وهذا يعني انما جاء بعدها مفسرا لها .

– الصمد: هو الذي يصمد اليه الخلق في حوائجهم ومسائلهم اي يقصدونه لأنه لا يستطيع احد قضائها غيره سبحانه وتعالى.

– الصمد : هو السيد الذي انتهت اليه السيادة في كل شيء وهو السيد الذي كمل سؤدده، والشريف الذي قد كمل شرفه، والعظيم الذي قد كملت عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، وهكذا في الصفات الحسنة.

– الصمد : هو المصمت الذي لا جوف له .

– الصمد : هو الذي لا يأكل ولا يشرب.

– الصمد : الباقي بعد فناء خلقه .

– الصمد : المستغني عن كل احد والمحتاج اليه كل واحد.

– الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .(تفسير ابن كثير).

وقال ابن عثيمين رحمه الله : )اللَّهُ الصَّمَدُ( هذه جملة مستأنفة ، بعد ان ذكر الاحدية ، ذكر الصمدية ، واتى بها بجملة معرفة في طرفيها لإفادة الحصر، اي : الله وحده الصمد ، فما معنى الصمد ؟

قيل ان (الصمد)هو الكامل في علمه ، وفي قدرته ، وفي حكمته ، وفي عزته ، وفي سؤدده ، وفي كل صفاته.

وقيل : (الصمد) هو الذي لا جوف له يعني : لا امعاء ولا بطن ، ولا ينافي هذا المعنى الاول ، لأنه يدل على غناه بنفسه عن جميع خلقه

وقيل : (الصمد) بمعنى المفعول اي : المصمود اليه ، اي الذي تصمد اليه الخلائق في حوائجها بمعنى : تميل اليه وتنتهي اليه وترفع اليه حوائجها ، فهو بمعنى الذي يحتاج اليه كل احد .

وينتهي ابن عثيمين رحمه الله الى القول : وهذه الاقاويل لا ينافي بعضها بعضا في ما يتعلق بالله عز وجل ، ولهذا نقول: ان المعاني كلها ثابتة لعدم المنافاة فيما بينها.

التفسير العلمي لـ(اللَّهُ الصَّمَدُ)

في القاموس المحيط جاء في معاني الصمد ( الصمدة صخرة راسية في الارض ويقال ناقة مصماد باقية على القر والجدب دائمة الرسل) وهذا معنى الصمود اي ان الصمد هو من صمد يصمد فهو صامد وصمد ، وهنا نريد ان نعرف هذا المعنى فان كان هناك صخرة راسية في الارض ثم جاءت اليها سيارة مسرعة وصدمتها ولم تتحرك الصخرة فإننا سنقول صمدت الصخرة ، ولو ضرب جدار بكتلة كبيرة متحركة لفحصه ولم يتأثر فسنقول صمد الجدار ، اي ان الفعل الخارجي المسلط عليه لم يؤثر فيه ، وكذلك اذا وضعنا على هذه الصخرة مدفعا ثم ضربنا المدفع ولم تتحرك هذه الصخرة الراسية بنتيجة رد الفعل فسنقول صمدت الصخرة ، وكذلك لو ربطنا جهازا نفاثا على جدار وشغلناه ولم يتأثر الجدار او يتحرك فسنقول صمد الجدار. وهذا قانون فيزيائي حيث ان لكل فعل رد فعل يساويه بالمقدار ويعاكسه بالاتجاه ، وكذلك القانون الاخر الذي ينص على ان (مجموع العزوم المسلطة على نقطة واحدة يجب ان يكون حاصلها صفرا في حالة السكون او الصمود) ، اي ان العزوم المسلطة على الجدار جابهتها عزوم ثبات الجدار ، وكما في باقي الصفات في اسماء الله الحسنى فان الله هو الكريم والرحيم والرؤوف فهو)اللَّهُ الصَّمَدُ(، فالله سبحانه ليس لفعله رد فعل مهما عظم هذا الفعل او صغر.

وسيقول الكثيرون ان افعال الله العظيمة في عظمته لا بد لها رد فعل عليه مساو لمقدار عظمة الفعل، او المقابل فان الافعال من المخلوقين مهما عظمت ليس لها اي تأثير عليه سبحانه لان )اللَّهُ الصَّمَدُ( ، لذا فان الله سبحانه يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ، اي لا يوجد ما يعقب او يتبع فعله سبحانه وتعالى .

فـ)اللَّهُ الصَّمَدُ(لا تأثير لأي فعل على قوته سبحانه ، ولا لفعله(مهما عظم) ردة فعل تعاكسه بالاتجاه ابدا ، فالصخرة جاء ثباتها او صمدت لان لها جزءا مثبتا في الارض ، اي ان ثباتها بثبات الارض التي تحتها ، ولو كانت بدون ثبات الارض لارتدت بالأفعال والقوى التي تؤثر عليها .

وكذلك الجدار فان ثباته بثبات اسسه اي انه لو كان بدون اساس لما صمد للمؤثر الخارجي، اي ان كل الخلائق تحتاج الى غيرها لثباتها ، وهو قانون ثابت في الفيزياء، وهو كذلك امر نسبي ، فالقوة التي تحتاجها لتحريك صخرة من مكانها هي ليست القوة التي تحتاجها لتحريك الكرة الارضية ، ومع هذا فليس هناك ما هو صامد بذاته الا الله سبحانه، لا بل ثبت ما لا يقبل الشك ان هذا الكون قد ينهار كله في لحظات، فلو تجنبنا نظرية الكرو مولات في تكوين النيوترونات والبروتونات في الذرة لعدم قطعيتها ، فان الكون من الذرة الى المجرة محتاج الى ثابت يستند اليه وهو قوة الله سبحانه وتعالى ، فالخلق كله يصمد الى الله ، او بقوة الله، وبأبسط مثال توضيحي لذلك فان تكوين الذرة وتكوين العناصر والصخور الصلدة ثم الكواكب والشموس والمجرات وكل العوالم قلق الى درجة ان العلماء لا يعرفون لأي منها صورة ثابتة ولا يعرفون ما الذي جعلها تصل الى هذه الحالة المتوازنة ولا صمود لها الا بقوة الله الصمد ، فالله هو )اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ( (الرعد 2) وهو الذي يمسك السماوات والارض ان تقع )أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ( (65 الحج) )إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا( (41 فاطر) وهو سبحانه يمنع الكون والخلائق من الانهيار والذهاب والانتهاء.

وهنا اخرجتنا)اللَّهُ الصَّمَدُ( مما يخطر على بال من ان الله قد يتأثر بالأفعال او ان يقول احد : انا استطيع التأثير بفعل جبار على الخالق ، او يعترض معترض ويقول : ان الله عندما خلق الكون ارتد عليه هذا الفعل العظيم وتعب ولزم له الراحة كما قالت اليهود ذلك.

 

One comment

اترك تعليقاً