لا صبر على نار

 

لا صبر على نار

 
في موضع آخر في هذه المجموعة تطرقنا الى الآية الكريمة 174 من البقرة , ونستمر الى الآية 175 والتي لها موضوع علمي آخر (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)) ( البقرة  )

 

مختصر اقوال المفسرين في هذه الآية

ان الذين باعوا دينهم بدنياهم ووافقوا على استبدال الجنة واخذوا مكانها النار فكيف سيصبرون على النار ، وقال بعض المفسرين انهم كيف يصبرون على عمل يؤدي الى النار واختلفوا في التعجب بين منكر ومؤول انه للإنكار ومنهم من قال فما أصبرهم على النار والنار لا صبر عليها لأحد حتى استبدلوها بمغفرة الله فاعتاضوها منها بدلا . ومنهم من قال ( فهؤلاء نبذوا كتاب الله وأعرضوا عنه واختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار فكيف يصبرون عليها وأنى لهم الجلد عليها) ولم استطع وضع راي وسط في ذلك .

 

التفسير العلمي للآية

 
وهنا في الآية التالية يذكر سبحانه و تعالي أنهم اشتروا الضلالة بالهدى أي بدلوا الهدي الموجود عندهم ذكره في كتبهم المقدسة وتوضح بما لا يقبل الشك إنه هو الرسول صلى الله عليه و سلم , أبدلوه بالضلالة لذلك فالنتيجة أنهم استبدلوا بدلاً من اتباع رسول الله صلى الله عليه و سلم و المغفرة التي ستكون لهم بإتباعه استبدلوها بالعذاب في يوم القيامة لذلك يقول سبحانه و تعالي ( فما أصبرهم على النار ) فهل سيصبرون على النار ؟ هل يمكن علمياً المصابرة على النار ؟ أي هل هناك قابلية للإنسان للتعود على النار و الحرارة و الألم بصورة عامة ؟
إن حاسة الألم وهي من الحواس المحددة في جسم الإنسان ولها آثارها الخاصة ولها مسارها في الحبل الشوكي ولها طرق تحفيزها وهي نوعين ولها نوعين من الأعصاب ( هناك تفصيلات أكثر وأجزاء للأعصاب أكثر لا حاجة لذكرها في هذا المقام ) ولكل نوع من هذين النوعين نفس الطرق من التحفيز وقد سبق أن وضحنا ذلك ، والمهم هنا هو أن كل حواس الجسم لها قابلية التطبع ما عدا حاسة الألم فهي عكس ذلك فهي لها قابلية التجمع والتكالب والزيادة (كايتون للفسلجه ص600) ولنوضح ذلك أكثر ، فإن أي ضغط خفيف على الجلد سوف يحس به الإنسان ولكن بعد ذلك بوقت قليل نفقد الإحساس بهذا الضغط ، أو لو أمسكنا جسماً حرارته عشرة درجات مئوية فإننا سنحس بالبرودة وبعد مدة قليلة سنفقد معظم إحساسنا بالبرودة في هذا المكان ، وهذا يدخل فيه ما يسمي عامل المصابرة فكلما صبر الإنسان على ذلك الإحساس كلما قل إحساسه وتأثيره به وهكذا ، أما الألم ( وخاصة الم الحروق )فعلى العكس من ذلك حيث أن عامل الزمن لنفس مستوي التحفيز هو نحو الزيادة وخاصة في الجلد ، فالألم من الجلد ينتقل بنوعين من الأعصاب (كايتون للفسلجه ص600) (كانونك للفسلجة طبعه 21 ص 142) أي وجود النوعين النوع السريع الذي ينتقل بالأعصاب من النوع (A) والنوع البطيء الذي ينتقل بالأعصاب من النوع ( C) ، وبهذا فإن الألم سيكون من النوع القوي الحاد وينتقل في العصب أي ( A ) والألم من النوع البطيء وينتقل بالعصب ( c) واجتماع الألمين يؤدي إلى تعاظم الألم حيث يجتمع الألم القوي وألم التضجر مما يجعل حالة الألم في أسوأ ما يكون ، كما انه بمرور الوقت يزداد الألم و من طريقين ، الطريق الأول هو ازدياد تحفيز و استقبال نهايات العصب مما يؤدي إلى زيادة الإيعازات المارة بالعصب ، و الطريق الثاني هو زيادة ردود أفعال الدمار والتهتك في الأنسجة للتحفيز مما يترك أسوأ الأثر للألم في إحساس الإنسان ، وكلما طالت مدة الألم كلما زاد الشعور العام بالألم (كايتون للفسلجه ) وهذا يعني أنه ليست هناك مصابرة مع الألم الذي يأتي من الحرق والذي سينتقل بالطريقين البطيء والسريع، ومن هذا يقول سبحانه و تعالي ( فما أصبرهم على النار ) فوصلنا هنا ان الله سبحانه وتعالى يستهزئ بهم وهو العالم بخلقنا اننا لا نستطيع الصبر على النار ، فجعلها سبحانه وتعالى ان لا صبر لهم بل سيجزعون في نار جهنم.

اقوال المفسرين في الآية

 

التسهيل لعلوم التنزيل – الكلبى ج1/ص69
فما أصبرهم على النار تعجب من جرأتهم على ما يقودهم إلى النار أو من صبرهم على عذاب النار في الآخرة وقيل إنها استفهام وأصبرهم بمعنى صبرهم وهذا بعيد وإنما حمل قائله عليه اعتقاده أن التعجب مستحيل على الله لأنه استعظام خفي سببه وذلك لا يلزم فإنه في حق الله غير خفي السبب ذلك إشارة إلى العذاب

التفسير الكبير – الرازي ج5/ص25
اعلم أنه تعالى لما وصف علماء اليهود بكتمان الحق وعظم في الوعيد عليه وصف ذلك الجرم ليعلم أن ذلك العقاب إنما عظم لهذا الجرم العظيم واعلم أن الفعل إما أن يعتبر حاله في الدنيا أو في الآخرة أما في الدنيا فأحسن الأشياء الاهتداء والعلم وأقبح الأشياء الضلال والجهل فلما تركوا الهدى والعلم في الدنيا ورضوا بالضلال والجهل فلا شك أنهم في نهاية الخيانة في الدنيا وأما في الآخرة فأحسن الأشياء المغفرة وأخسرها العذاب فلما تركوا المغفرة ورضوا بالعذاب فلا شك أنهم في نهاية الخسارة في الآخرة وإذا كانت صفتهم على ما ذكرناه كانوا لا محالة أعظم الناس خسارا في الدنيا وفي الآخرة وإنما حكم تعالى عليهم بأنهم استروا العذاب بالمغفرة لأنهم لما كانوا عالمين بما هو الحق وكانوا عالمين بأن في إظهاره وإزالة الشبهة عنه أعظم الثواب وفي إخفائه وإلقاء الشبهة فيه أعظم العقاب فلما أقدموا على إخفاء ذلك الحق كانوا بائعين للمغفرة بالعذاب لا محالة
أما قوله فما أصبرهم على النار ففيه مسائل
المسألة الأولى اعلم أن في هذه اللفظة قولان أحدهما أن ما في هذه الآية استفهام التوبيخ معناه ما الذي أصبرهم وأي شيء صبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل وهذا قول عطاء وابن زيد وقال ابن الأنباري وقد يكون أصبر بمعنى صبر وكثيرا ما يكون أفعل بمعنى فعل نحو أكرم وكرم وأخبر وخبر الثاني أنه بمعنى التعجب وتقريره أن الراضي بموجب الشيء لا بد وأن يكون راضيا بمعلوله ولازمه إذا علم ذلك اللزوم فلما أقدموا على ما يوجب النار ويقتضي عذاب الله مع علمهم بذلك صاروا كالراضين بعذاب الله تعالى والصابرين عليه فلهذا قال تعالى فما أصبرهم على النار وهو كما تقول لمن يتعرض لما يوجب غضب السلطان ما أصبرك على التقيد والسجن إذا عرفت هذا ظهر أنه يجب حمل قوله فما أصبرهم على النار على حالهم في الدنيا لأن ذلك وصف لهم في حال التكليف وفي حال اشترائهم الضلالة بالهدى وقال الأصم المراد أنه إذا قيل لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون المؤمنون 108 فهم يسكتون
ويصبرون على النار لليأس من الخلاص وهذا ضعيف لوجوه أحدها أن الله تعالى وصفهم بذلك في الحال فصرفه إلى أنهم سيصيرون كذلك خلاف الظاهر وثانيها أن أهل النار قد يقع منهم الجزع والاستغاثة
المسألة الثانية في حقيقة التعجب وفي الألفاظ الدالة عليه في اللغة وههنا بحثان
البحث الأول في التعجب وهو استعظام الشيء مع خفاء سبب حصول عظم ذلك الشيء فما لم يوجد المعنيان لا يحصل التعجب هذا هو الأصل ثم قد تستعمل لفظة التعجب عند مجرد الاستعظام من غير خقاء السبب أو من غير أن يكون للعظمة سبب حصول ولهذا أنكر شريح قراءة من قرأ بل عجبت ويسخرون الصافات 12 بضم التاء من عجبت فإنه رأى أن خفاء شيء ما على الله محال قال النخعي معنى التعجب في حق الله تعالى مجرد الاستعظام وإن كان في حق العباد لا بد مع الاستعظام من خفاء السبب كما أنه يجوز إضافة السخرية والاستهزاء والمكر إلى الله تعالى لا بالمعني الذي يضاف إلى العباد
البحث الثاني اعلم أن للتعجب صيغتين أحدهما ما أفعله كقوله تعالى فما أصبرهم على النار والثاني أفعل به كقوله أسمع بهم وأبصر مريم 38
أما العبارة الأولى وهي قولهم ما أصبره ففيها مذاهب
القول الأول وهو اختيار البصريين أن ما اسم مبهم يرتفع بالابتداء وأحسن فعل وهو خبر المبتدأ وزيدا مفعول وتقديره شيء حسن زيدا أي صيره حسنا
واعلم أن هذا القول عند الكوفيين فاسدا واحتجوا عليه بوجوه الأول أنه يصح أن يقال ما أكرم الله وما أعظمه وما أعلمه وكذا القول في سائر صفاته ويستحيل أن يقال شيء جعل الله كريما وعظيما وعالما لأن صفات الله سبحانه وتعالى واجبة لذاته فإن قيل هذه اللفظة إذا أطلقت فيما يجوز عليه الحدوث كان المراد منه الاستعظام مع خفاء سببه وإذا أطلقت على الله تعالى كان المراد منه أحد شطريه وهو الاستعظام فحسب قلنا إذا قلنا ما أعظم الله فكلمة ما ههنا ليست بمعنى شيء فلا تكون مبتدأ ولا يكون أعظم خبرا عنه فلا بد من صرفه إلى وجه آخر وإذا كان كذلك ثبت أن تفسير هذه الآية بهذه الأشياء في مقام التعجب غير صحيح
الحجة الثانية أنه لو كان معنى قولنا ما أحسن زيدا شيء حسن زيدا لوجب أن يبقى معنى التعجب إذا صرحنا بهذا الكلام ومعلوم أنا إذا قلنا شيء حسن زيدا فإنه لا يبقى فيه معنى التعجب ألبتة بل كان ذلك كالهذيان فعلمنا أنه لا يجوز تفسير قولنا ما أحسن زيدا بقولنا شيء حسن زيدا
الحجة الثالثة أن الذي حسن زيدا والشمس والقمر والعالم هو الله سبحانه وتعالى ولا يجوز التعبير عنه بما وإن جاز ذلك لكن التعبير عنه سبحانه بمن أولى فكان ينبغي أنا لو قلنا من أحسن زيدا أن يبقى معنى التعجب ولما لم يبق علمنا فساد ما قالوه
الحجة الرابعة أن على التفسير الذي قالوا لا فرق بين قوله ما أحسن زيدا وبين قوله زيدا ضرب عمرا فكما أن هذا ليس بتعجب وجب أن يكون الأول كذلك

الحجة الخامسة أن كل صفة ثبتت للشيء فثبوتها له إما أن يكون له من نفسه أو من غيره فإذا كان المؤثر في تلك الصفة نفسه أو غيره وعلى التقديرين فشيء صيره حسنا إما أن يكون ذلك الشيء هو نفسه أو غيره فإذن العلم بأن شيئا صيره حسنا علم ضروري والعلم بكونه متعجبا منه غير ضروري فاذن لا يجوز تفسير قولنا ما أحسن زيدا بقولنا شيء حسن زيدا
الحجة السادسة أنهم قالوا المبتدأ لا يجوز أن يكون نكرة فكيف جعلوا ههنا أشد الأشياء تنكيرا مبتدأ وقالوا لا يجوز أن يقال رجل كاتب لأن كل أحد يعلم أن في الدنيا رجلا كاتبا فلا يكون هذا الكلام مفيدا وكذا كل أحد يعلم أن شيئا ما هو الذي حسن زيدا فأي فائدة في هذا الإخبار
الحجة السابعة دخول التصغير الذي هو من خاصية الأسماء في قولك ما أحسن زيدا فإن قيل جواز دخول التصغير إنما كان لأن هذا الفعل قد لزم طريقة واحدة فصار مشابها للاسم فأخذ خاصيته وهو التصغير قلنا لا شك أن للفعل ماهية وللتصغير ماهية فهاتان الماهيتان إما أن يكونا متنافيتين أو لا يكون متنافيتين فإن كانتا متنافيتين استحال اجتماعهما في كل المواضع فحيث اجتماعهما ههنا علمنا أن هذا ليس بفعل وإن لم يكونا متنافيتين وجب صحة تطرق التصغير إلى كل الأفعال ولما لم يكن كذلك علمنا فساد هذا القسم
الحجة الثامنة تصحيح هذه اللفظة وإبطال إعلاله فإنك تقول في التعجب ما أقوم زيدا بتصحيح الواو كما تقول زيد أقوم من عمرو ولو كانت فعلا لكانت واوه ألفا لفتحة ما قبلها ألا تراهم يقولون أقام يقيم فإن قيل هذه اللفظة لما لزمت طريقة واحدة صارت بمنزلة الاسم وتمام التقرير أن الإعلال في الأفعال ما كان لعلة كونها فعلا ولا التصحيح في الأسماء لعلة الإسمية بل كان الإعلال في الأفعال لطلب الخفة عند وجوب كثرة التصرف وعدم الإعلال في الأسماء لعدم التصرف وهذا الفعل بمنزلة الاسم في علة التصحيح والإمتناع من الإعلال قلنا لما كان الإعلال في الأفعال لطلب الخفة فكان ينبغي أن يجعل خفيفا ثم يترك على خفته فإن هذا أقرب إلى العقل
الحجة التاسعة أن قولك أحسن لو كان فعلا وقولك زيدا مفعولا لجاز الفصل بينهما يا لظرف فيقال ما أحسن عندك زيدا وما أجمل اليوم عبد الله والرواية الظاهرة أن ذلك غير جائز فبطل ما ذهبتم إليه

الحجة العاشرة أن الأمر لو كان على ما ذكرتم لكان ينبغي أن يجوز التعجب بكل فعل متعد مجردا كان أو مزيدا ثلاثيا كان أو رباعيا وحيث لم يجز إلا من الثلاثي المجرد دل على فساد هذا القول واحتج البصريون على أن أحسن في قولنا ما أحسن زيدا فعل بوجوه أولها بأن أحسن فعل بالاتفاق فنحن على فعليته إلى قيام الدليل الصارف عنه وثانيها أن أحسن مفتوح الآخر ولو كان اسما لوجب أن يرتفع إذا كان خبرا لمبتدأ وثالثها الدليل على كونه فعلا اتصال الضمير المنصوب به وهو قولك ما أحسنه
والجواب عن الأول أن أحسن كما أنه قد يكون فعلا فهو أيضا قد يكون اسما حين ما يكون كلمة تفضيل وأيضا فقد دللنا بالوجوه الكثيرة على أنه لا يجوز أن يكون فعلا وأنتم ماطلبتمونا إلا بالدلالة
والجواب عن الثاني أنا سنذكر العلة في لزوم الفتحة لآخر هذه الكلمة
والجواب عن الثالث أنه منتقض بقولك لعلي وليتني والعجب أن الاستدلال بالتصغير على الإسمية أقوى من الإستدلال بهذا الضمير على الفعلية فإذا تركتم ذلك الدليل القوي فبأن تتركوا هذا الضعيف أولى فهذا جملة الكلام في هذا القول
القول الثاني وهو اختيار الأخفش قال القياس أن يجعل المذكور بعد كلمة ما وهو قولك أحسن صلة لما ويكون خبر ما مضمرا وهذا أيضا ضعيف لأكثر الوجوه المذكورة منها أنك لو قلت الذي أحسن زيدا ليس هو بكلام منتظم وقولك ما أحسن زيدا كلام منتظم وكذا القول في بقية الوجوه
القول الثالث وهو اختيار الفراء أن كلمة ما للاستفهام وأفعل اسم وهو للتفضيل كقولك زيد أحسن من عمرو ومعناه أي شيء أحسن من زيد فهو استفهام تحته إنكار أنه وجد شيء أحسن منه كما يقول من أخبر عن علم إنسان فأنكره غيره فيقول هذا المخبر ومن أعلم من فلان إظهارا منه ما يدعيه منازعه على خلاف الحق وأن لا يمكنه إقامة الدليل عليه ويظهر عجزه في ذلك عند مطالبتي إياه بالدليل ثم قولك أحسن وإن كان ينبغي أن يكون مرفوعا كما في قولك ما أحسن زيد إذا استفهمت عن أحسن عضو من أعضائه إلا أنه نصب ليقع الفرق بين ذلك الاستفهام وبين هذا فإن هناك معنى قولك ما أحسن زيد أي عضو من زيد أحسن وفي هذا معناه أي شيء من الموجودات في العالم أحسن من زيد وبينهما فرق كما ترى واختلاف الحركات موضوع للدلالة على اختلاف المعاني والنصب قولنا زيدا أيضا للفرق لأنه هناك خفض لأنه أضيف أحسن إليه ونصب هنا للفرق وأيضا ففي كل تفضيل معنى الفعل وفي كل ما فضل عليه غيره معنى المفعول فإن معنى قولك زيد أعلم من عمرو أن زيدا جاوز عمرا في العلم فجعل هذا المعنى معتبرا عند الحاجة إلى الفرق
القول الرابع وهو أيضا قول بعض الكوفيين قال إن ما للاستفهام وأحسن فعل كما يقوله البصريون معناه أي شيء حسن زيدا كأنك تستدل بكمال هذا الحسن على كمال فاعل هذا الحسن ثم تقول إن عقلي لا يحيط بكنه كماله فتسأل غيرك أن يشرح لك كماله فهذا جملة ما قيل في هذا الباب
وأما تحقيق الكلام في أفعل به فسنذكره إن شاء الله في قوله أسمع بهم وأبصر
ا
لدر المنثور – السيوطي ج1/ص409
فما أصبرهم على النار قال ما أجرأهم على عمل النار
وأخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر الدر المنثور – السيوطي ج1/ص410
وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية في قوله فما أصبرهم على النار قال والله ما لهم عليها من صبر ولكن يقول ما أجرأهم على النار
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله فما أصبرهم قال ما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله فما أصبرهم على النار قال هذا على وجه الاستفهام يقول ما الذي أصبرهم على النار

الكشاف – الزمخشري ج1/ص242
فما أصبرهم على النار
تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم كما تقول لمن يتعرض لما يوجب غضب السلطان ما أصبرك على القيد والسجن تريد انه لا يتعرض لذلك الا من هو شديد الصبر على العذاب
وقيل فما أصبرهم فأي شيء صبرهم يقال أصبره على كذا وصبره بمعنى
وهذا أصل معنى فعل التعجب
والذي روي عن الكسائي انه قال قال لي قاضي اليمن بمكة اختصم الي رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له ما أصبرك على الله فمعناه ما أصبرك على عذاب الله

تفسير أبي السعود ج1/ص192
فما أصبرهم على النار تعجيب من حالهم الهائلة التي هي ملابستهم بما يوجب النار إيجابا قطعيا كأنه عينها وما عند سيبويه نكره تامة مفيدة لمعنى التعجب مرفوعة بالابتداء وتخصصها كتخصص شر في أهر ذا ناب خبرها ما بعدها أي شئ ما عظيم جعلهم صابرين على النار وعند الفراء استفهامية وما بعدها خبرها أي أي شئ اصبرهم على النار وقيل هي موصولة وقيل موصوفة بما بعدها والخبر محذوف أي الذي اصبرهم على النار او شئ اصبرهم على النار أمر عجيب فظيع

تفسير ابن أبي حاتم ج1/ص286
1537حدثنا عصام بن رواد ثنا ادم عن ابي جعفر عن الربيع عن ابي العالية في قوله اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى يقول اختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة وروى عن قتادة والربيع بن انس نحو ذلك قوله فما اصبرهم على النار
وبه عن ابي العالية قوله فما اصبرهم على النار قال ما اصبرهم واجراهم على عمل اهل النار وروى عن الحسن وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء وابراهيم وقتادة والربيع بن انس ويزيد بن ابي حبيب نحو ذلك وقال مجاهد ما اعلمهم باعمال اهل النار

تفسير ابن كثير ج1/ص207
فما أصبرهم على النار يخبر تعالى أنهم في عذاب شديد عظيم هائل يتعجب من رآهم فيها من صبرهم على ذلك مع شدة ماهم فيه من العذاب والنكال والأغلال عياذا بالله من ذلك وقيل معنى قوله فما أصبرهم على النار أي فما أدومهم لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النار
تفسير البيضاوي ج1/ص451
فما أصبرهم على النار تعجب من حالهم في الالتباس بموجبات النار من غيره مبالاة وما تامة مرفوعة بالابتداء وتخصيصها كتخصيص قولهم
< شر أهر ذا ناب > أو استفهامية وما بعدها الخبر أو موصولة وما بعدها صلة والخبر محذوف

تفسير الثعالبي ج1/ص131
فما أصبرهم على النار قال جمهور المفسرين ما تعجب وهو في حيز المخاطبين أي هم أهل إن تعجبوا منهم ومما يطول مكثهم في النار وفي التنزيل قتل الإنسان ما أكفره واسمع بهم وأبصر وقال قتادة والحسن وابن جبير والربيع أظهر التعجب من صبرهم على النار لما علموا عمل من وطن نفسه عليها وتقديره ما أجرأهم على النار إذ يعملون عملا يؤدي إليها وذهب معمر بن المثنى إلى أن ما استفهام معناه أي شيء صبرهم على النار والأول أظهر وقوله سبحانه

تفسير الثوري ج1/ص55
عن سفين عن عبد الملك بن أبي سليمن عن مجاهد في قوله جل وعز فما أصبرهم على النار قال ما أجرأهم على النار قال ما أحملهم علىي عمل أهل النار الآية 175

تفسير الجلالين ج1/ص35
أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى أخذوها بدله في الدنيا والعذاب بالمغفرة المعدة لهم في الآخرة لو لم يكتموا فما أصبرهم على النار أي ما أشد صبرهم وهو تعجب للمؤمنين من ارتكابهم موجباتها من غير مبالاة وإلا فأي صبر لهم

تفسير السعدي ج1/ص82
فهؤلاء نبذوا كتاب الله وأعرضوا عنه واختاروا الضلالة على الهدى والعذاب علي المغفرة فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار فكيف يصبرون عليها وأنى لهم الجلد عليها

تفسير السمرقندي ج1/ص142
فما أصبرهم على النار يقول فما الذي أجرأهم على فعل أهل النار ويقال معناه فما أبقاهم في النار كما يقال فما أصبر فلانا على الحبس أي أبقاه ذلك أي ذلك العذاب

تفسير السمعاني ج1/ص171
فما أصبرهم على النار قال ابن عباس معناه أي شيء صبرهم على النار
وقال الكسائي والفراء معناه فما أجرأهم على النار وحكى الكسائي أن أعرابيين اختصما إلى قاض فحلف المنكر فقال له المدعي ما أصبرك على النار أي ما أجرأك على النار
وقال بعض النحويين معناه فما أبقاهم في النار يقال فلان ما أصبره على الحبس أي ما أبقاه في الحبس وما للتعجب هاهنا

تفسير الطبري ج2/ص90
يعني تعالى ذكره بقوله أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى أولئك الذين أخذوا الضلالة وتركوا الهدى وأخذوا ما يوجب لهم عذاب الله يوم القيامة وتركوا ما يوجب لهم غفرانه ورضوانه
فاستغنى بذكر العذاب والمغفرة من ذكر السبب الذي يوجبهما لفهم سامعي ذلك لمعناه والمراد منه
وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى وكذلك بينا وجه اشتروا الضلالة بالهدى باختلاف المختلفين والدلالة الشاهدة بما اخترنا من القول فيما مضى قبل فكرهنا إعادته
القول في تأويل قوله تعالى فما أصبرهم على النار
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم معنى ذلك فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار تفسير الطبري ج2/ص91
ذكر من قال ذلك حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة فما أصبرهم على النار يقول فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار
حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله فما أصبرهم على النار يقول فما أجرأهم عليها
حدثني المثنى قال ثنا عمرو بن عون قال ثنا هشيم عن بشر عن الحسن في قوله فما أصبرهم على النار قال والله ما لهم عليها من صبر ولكن ما أجرأهم على النار
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ثنا أبو أحمد الزبيري قال ثنا مسعر
وحدثني المثنى قال ثنا أبو بكير قال ثنا مسعر عن حماد عن مجاهد أو سعيد بن جبير أو بعض أصحابه فما أصبرهم على النار ما أجرأهم
حدثت عن عمار بن الحسن قال ثنا بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله فما أصبرهم على النار يقول ما أجرأهم وأصبرهم على النار
وقال آخرون بل معنى ذلك فما أعملهم بأعمال أهل النار
ذكر من قال ذلك حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فما أصبرهم على النار قال ما أعملهم بالباطل
حدثني المثنى قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل عن بن أبي نجيح عن مجاهد مثله
واختلفوا في تأويل ما التي في قوله فما أصبرهم على النار فقال بعضهم هي بمعنى الاستفهام وكأنه قال فما الذي صبرهم أي شيء صبرهم ذكر من قال ذلك حدثني موسى بن هارون قال ثنا عمرو قال ثنا أسباط عن السدي فما أصبرهم على النار هذا على وجه الاستفهام يقول ما الذي أصبرهم على النار
حدثني عباس بن محمد قال ثنا حجاج الأعور قال أخبرنا بن جريج قال قال لي عطاء فما أصبرهم على النار قال ما يصبرهم على النار حين تركوا الحق واتبعوا الباطل
حدثنا أبو كريب قال سئل أبو بكر بن عياش فما أصبرهم على النار قال هذا استفهام ولو كانت من الصبر قال فما أصبرهم رفعا قال يقال للرجل ما أصبرك ما الذي فعل بك هذا حدثني يونس قال أخبرنا بن وهب قال قال بن زيد في قوله فما أصبرهم على النار قال هذا استفهام يقول ما هذا الذي صبرهم على النار حتى جرأهم فعملوا بهذا وقال آخرون هو تعجب يعني فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل النار تفسير الطبري ج2/ص92
ذكر من قال ذلك حدثنا سفيان بن وكيع قال ثنا أبي عن بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد فما أصبرهم على النار قال ما أعملهم بأعمال أهل النار
وهو قول الحسن وقتادة وقد ذكرناه قبل
فمن قال هو تعجب وجه تأويل الكلام إلى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أشد جراءتهم بفعلهم ما فعلوا من ذلك على ما يوجب لهم النار كما قال تعالى ذكره قتل الإنسان ما أكفره تعجبا من كفره بالذي خلقه وسوى خلقه
فأما الذين وجهوا تأويله إلى الاستفهام فمعناه هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار والنار لا صبر عليها لأحد حتى استبدلوها بمغفرة الله فاعتاضوها منها بدلا
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال ما أجرأهم على النار بمعنى ما أجرأهم على عذاب النار وأعملهم بأعمال أهلها وذلك أنه مسموع من العرب ما أصبر فلانا على الله بمعنى ما أجرأ فلانا على الله وإنما يعجب الله خلقه بإظهار الخبر عن القوم الذين يكتمون ما أنزل الله تبارك وتعالى من أمر محمد ونبوته واشترائهم بكتمان ذلك ثمنا قليلا من السحت والرشا التي أعطوها على وجه التعجب من تقدمهم على ذلك مع علمهم بأن ذلك موجب لهم سخط الله وأليم عقابه
وإنما معنى ذلك فما أجرأهم على عذاب النار ولكن اجتزئ بذكر النار من ذكر عذابها كما يقال ما أشبه سخاءك بحاتم بمعنى ما أشبه سخاءك بسخاء حاتم وما أشبه شجاعتك بعنترة

تفسير القرطبي ج2/ص236
قوله تعالى فما أصبرهم على النار مذهب الجمهور منهم الحسن ومجاهد أن ما معناه التعجب وهو مردود إلى المخلوقين كأنه قال أعجبوا من صبرهم على النار ومكثهم فيها وفي التنزيل قتل الإنسان ما أكفره عبس وأسمع بهم وأبصر مريم وبهذا المعنى صدر أبو علي قال الحسن وقتادة وبن جبير والربيع ما لهم والله عليها من صبر ولكن ما أجراهم على النار وهي لغة يمنية معروفة قال الفراء أخبرني الكسائي قال أخبرني قاضي اليمن أن خصمين اختصما إليه فوجبت اليمين على أحدهما فحلف فقال له صاحبه ما أصبرك على الل ه أي ما أجرأك عليه والمعنى ما أشجعهم على النار إذ يعملون عملا يؤدي إليها وحكى الزجاج أن المعنى ما أبقاهم على النار من قولهم ما أصبر فلانا على الحبس أي ما أبقاه فيه وقيل المعنى فما أقل جزعهم من النار فجعل قله الجزع صبرا وقال الكسائي وقطرب أي ما أدومهم على عمل أهل النار وقيل ما استفهام معناه التوبيخ قاله بن عباس والسدي وعطاء وأبو عبيدة معمر بن المثنى ومعناه أي أي شيء صبرهم على عمل أهل النار وقيل هذا على وجه الاستهانة بهم والاستخفاف بأمرهم

تفسير النسفي ج1/ص86
فما أصبرهم على النار فأى شيء أصبرهم على عمل يؤدى إلى النار وهذا استفهام معناه التوبيخ

تفسير الواحدي ج1/ص146
فما أصبرهم أي فأي شيء صبرهم على النار ودعاهم إليها حين تركوا الحق واتبعوا الباطل وهذا استفهام معناه التوبيخ لهم وقيل ما أجرأهم على النار
تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ج1/ص24
فما أصبرهم على النار يقول فما أجرأهم على النار ويقال فما الذي أجرأهم على النار ويقال فما أعملهم بعمل أهل النار

زاد المسير – ابن الجوزي ج1/ص177
أي ما أبقاه فيه ذكره الزجاج والرابع أن المعنى فأي شيء صبرهم على النار قاله ابن الأنباري وفي ما قولان أحدهما أنها للاستفهام تقديرها ما الذي أصبرهم قاله عطاء والسدي وابن زيد و أبو بكر بن عياش والثاني أنها للتعجب كقولك ما أحسن زيدا وما أعلم عمرا وقال ابن الانباري معنى الآية التعجب والله يعجب المخلوقين ولا يعجب هو كعجبهم

فتح القدير – الشوكاني ج1/ص171
ذهب جمهور ومنهم الحسن ومجاهد إلى أن معناه التعجب والمراد تعجيب المخلوقين من حال هؤلاء الذين باشروا الأسباب الموجبة لعذاب النار فكأنهم بهذه المباشرة للأسباب صبروا على العقوبة في نار جهنم وحكى الزجاج أن المعنى ما أبقاهم على النار من قولهم ما أصبر فلانا على الحبس أي ما أبقاه فيه وقيل المعنى ما أقل جزعهم من النار فجعل قلة الجزع صبرا وقال الكسائي وقطرب أي ما أدومهم على عمل أهل النار وقيل ما استفهامية ومعناه التوبيخ أي أي شيء أصبرهم على عمل النار قاله ابن عباس والسدي وعطاء وأبو عبيدة

اترك تعليقاً