جبار عنيد وعذاب غليظ
جبار عنيد وعذاب غليظ
يقول سبحانه وتعالي (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)) ( إبراهيم )
مختصر اقوال المفسرين
استفتح المؤمنين على الكافرين وطلبوا من الله الفتح فخاب الكفرة المتكبرين على طاعة الله وعلى المؤمنين . او استفتح المتجبرين لضنهم انهم قادرين على كل شيء فخابوا وخسروا ، فالنتيجة ان لهم جهنم لهم فيها انواع العذاب ومن عذابها ان يسقى الماء المنتن الذي فيه القيح وما يخرج من جلود الكفار وفضلاتهم . يتجرعونه بصعوبة فهو غير مستساغ واعتبروه من اشد العذاب (لأنه من أشد عذابها) ( الجواب يشبه أن تكون هذه الحالة أشد أنواع العذاب) لذلك سيأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت , وسيأتيه الموت من جهاتها الأربعة او الستة وله عذاب غليظ وهو حبس الانفاس على اكثر الاقوال
التفسير العلمي للآية
منظر الجبابرة يوم القيامة مخزي جداً ، فأول ما يرو جهنم تجرها الملائكة حتى تنهار آخر آمالهم لما فيها من شرر وعذاب ويسمع صوتها فتجثوا الأمم كلها حول نار جهنم وهم منكسون رؤوسهم لا يستطيعون النظر إليها ولا تسمع إلا همساً ، ثم تأتي ملائكة شداد غلاظ فيسحبون جبابرة الأرض الظلمة الذين ظلموا الخلق وعصوا الله سبحانه وتعالي فتختار الملائكة من هم أكثر تكبراً وتجبراً وعصياناً فتسحبهم ثم ترميهم في نار جهنم وفي عذابها الأليم ، منظر رهيب يشيب له الولدان فيدخلون نار جهنم أمام أتباعهم وأمام كل الخلائق وقبل أن يحاسب احد ، فكما للجنة عتقاء فإن للنار أصفياء والعياذ بالله ، فيا لخيبة هؤلاء الجبابرة العنيدين و يا للخسارة العظيمة وهل هناك خسارة أوضح من هذه ؟ وهل هناك خيبة أشد من هذه الخيبة ؟ فهم سيستفتحون نار جهنم فهم اول داخليها، يرى إتباعهم كيف يشربون الصديد ، فيذكره سبحانه و تعالى في هذه الآية بأنه ماء صديد ، يعني صديد سائل فيه نسبة ماء كثيره ولكن آثار القيح والدم وفضلات الجلود المحروقة و السوائل المقززة وما يخرج من الكافرين يختلط معه فينتن وتخرج منه رائحة فطيسة تقادم عليها الوقت في مكان رطب وحار فساح منها سائل كريه الريحة وساخناً جداً ، فيشربه الطاغية و يا لهول الموقف ، يختنق به من رداءته و حرارته وكراهته فيختنق ويتحشرج به وهو في وسط ناراً حامية ، يشرب هذا السوء الخانق فيأتيه الموت من كل الجهات حيث ان المواد الساخنة او الشديدة المرورة لها عمل انعكاسي على الحنجرة فتؤدي الى حاله من الاختناق متسبب من تشنج الاوتار الصوتية فيكون الانسان حينها في حالة من التهيج الشديد مع صدور صوت عالي عند اخذ النفس بصعوبة وتراه وكانه سيموت ولكن هيهات ان يموت ولن يموت بل سيتعذب عذاب من يتجه إلى الموت رعباً وحرقاً واختناقاً وألماً وما هو بميت ، إنه منظر إضافي للعذاب ، وهو بهذه الحالة الرهيبة الشديدة ما هي إلا مقدمة لعذاب أكبر, فعلميا لا يعتبر هذا عذاب اعظم ، فهنا يبين سبحانه وتعالي أن الكافر يشرب الماء الساخن النتن وما أن يدخل إلى بطنه فإنه لن يحس بألم حرق البطن والأمعاء فهي وكما وضحنا سابقاً عذاب من نوع أخر ، أما العذاب الغليظ فهو عندما يحترق جلده ففيها الألم الحقيقي الشديد الغليظ ، فكما عرفنا سابقاً فإن متحسسات الألم في البطن عن الحرارة غير موجودة ولن يحس إلا عند البلع أي وهو لا زال في الفم لذلك وضح سبحانه و تعالي بأن الكافر يتجرعه ولا يكاد يسيغه لعفنه وشكله وحرارته وألام الفم تختفي بسرعة بعد البلع وألام المعدة لا تذكر بتأثير الحرارة ، أما العذاب الغليظ فهو ما يصطلي به من عذاب جهنم والعياذ بالله فالعذاب الاكبر والاعظم هو عذاب الحرق والتي كلما خبت زادها سبحانه وتعالى سعيرا(للرجوع الى الاصول العلمية يراجع مقالة الالم في الجلد) وقد يقول قائل ان هذه الدقة العلمية ضربت حظ فجاءت هكذا، فهل حقا ممكن ان تكون ضربة حظ ؟
فلو راجعنا راي المفسرين فالراي البشري للمفسرين خالف العلم وهو يتكلم عن هذه الآية (لأنه من أشد عذابها) ( الجواب يشبه أن تكون هذه الحالة أشد أنواع العذاب) فلا سياق الآية ولا تفسيرها اللغوي يعطي هكذا معنى وما هو الا الراي البشري ، وشاهد آخر فلنقرا هذه الآية, يقول سبحانه وتعالى ( إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لألى الْجَحِيمِ (68))فبعد الزقوم وشوب الحميم وهذه آلامها على شدتها فهي علميا عذابها وقتي و قليلة امام الآم الحرق في الجحيم لذلك ذكر بعدها سبحانه وتعالى بان مرجعهم لألى الجحيم , النار المتأججة التي ليس بعد عذابها عذاب.
اقوال المفسرين في هذه الآية لمن يحب الاطلاع عليها
أضواء البيان – الشنقيطي ج2/ص245
والجبار المتجبر في نفسه والعنيد المعاند للحق قاله ابن كثير قوله تعالى من ورآئه جهنم وراء هنا بمعنى أمام كما هو ظاهر ويدل له إطلاق وراء بمعنى إمام في القرآن وفي كلام العرب فمنه في القرآن قوله تعالى وكان ورآءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا أي أمامهم ملك وكان ابن عباس يقرؤها وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ومن إطلاق وراء بمعنى أمام في كلام العرب قول لبيد وكان ورآءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا أي أمامهم ملك وكان ابن عباس يقرؤها وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ومن إطلاق وراء بمعنى أمام في كلام العرب قول لبيد
أليس ورائي إن تراخت منيتي
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
وقول الآخر وقول الآخر
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي
وقومي تميم والفلاة ورائيا
وقوله الآخر وقوله الآخر
ومن ورائك يوم أنت بالغه لا حاضر معجز عنه ولا باد
فوراء بمعنى أمام في الأبيات وقال بعض العلماء ومعنى من ورائه جهنم أي من بعد هلاكه جهنم وعليه فوراء في الآية بمعنى بعد ومن إطلاق وراء بمعنى بعد قول النابغة فوراء بمعنى أمام في الأبيات وقال بعض العلماء ومعنى من ورائه جهنم أي من بعد هلاكه جهنم وعليه فوراء في الآية بمعنى بعد ومن إطلاق وراء بمعنى بعد قول النابغة
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مذهب
أي ليس بعد الله مذهب قاله القرطبي والأول هو الظاهر وهو الحق قوله تعالى مثل الذين
التسهيل لعلوم التنزيل – الكلبى ج2/ص139
جبار أي قاهر أو متكبر عنيد مخالف للانقياد من ورائه في الموضعين والوراء هنا بمعنى ما يستقبل من الزمان وقيل معناه هنا أمامه وهو بعيد ويسقى معطوف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ويسقى وإنما ذكر هذا السقي تجريدا بعد ذكر جهنم لأنه من أشد عذابها يتجرعه ولا يكاد يسيغه أي يتكلف جرعه وتصعب عليه إساغته ونفي كاد يقتضي وقوع الإساغة بعد جهد ومعنى يسيغه يبتلعه ويأتيه الموت من كل مكان أي يجد الماء مثل ألم الموت وكربته من جميع الجهات وما هو بميت أي لا يراح بالموت
التفسير الكبير – الرازي ج19/ص80
واستفتحوا أي واستحكموا وسألوه القضاء بينهم وهو مأخوذ من الفتاحة وهي الحكومة كقوله ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق الأعراف 19
إذا عرفت هذا فنقول كلا القولين ذكره المفسرون أما على القول الأول فالمستفتحون هم الرسل وذلك لأنهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب لما أيسوا من إيمانهم قال نوح رب لا تذر على الارض من الكـافرين ديارا نوح 26 وقال موسى ربنا اطمس يونس 88 الآية وقال لوط رب انصرنى على القوم المفسدين العنكبوت 30 وأما على القول الثالث وهو طلب الحكمة والقضاء فالأولى أن يكون المستفتحون هم الأمم وذلك أنهم قالوا اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا ومنه قول كفار قريش اللهم إن كان هـاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الأنفال 32 وكقول آخرين ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصـادقين العنكبوت 29
المسألة الثانية قال صاحب الكشاف قوله واستفتحوا معطوف على قوله فأوحى إليهم وقرىء واستفتحوا بلفظ الأمر وعطفه على قوله لنهلكن أي أوحى إليهم ربهم وقال لهم لنهلكن وقال لهم استفتحوا
ثم قال تعالى واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد وفيه مسألتان
المسألة الأولى إن قلنا المستفتحون هم الرسل كان المعنى أن الرسل استفتحوا فنصروا وظفروا بمقصودهم وفازوا وخاب كل جبار عنيد وهم قومهم وإن قلنا المستفتحون هم الكفرة فكان المعنى أن الكفار استفتحوا على الرسل ظنا منهم أنهم على الحق والرسل على الباطل وخاب كل جبار عنيد منهم وما أفلح بسبب استفتاحه على الرسل
المسألة الثانية الجبار ههنا المتكبر على طاعة الله وعبادته ومنه قوله تعالى ولم يكن جبارا عصيا مريم 14 قال أبو عبيدة عن الأحمر يقال فيه جبرية وجبروة وجبروت وجبورة وحكى الزجاج الجبرية والجبر بكسر الجيم والباء والنجبار والجبرياء قال الواحدي فهي ثمان لغات في مصدر الجبار وفي الحديث أن امرأة حضرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أمرا فأبت عليه فقال دعوها فإنها جبارة أي مستكبرة وأما التفسير الكبير – الرازي ج19/ص81
العنيد فقد اختلف أهل اللغة في اشتقاقه قال النضر بن شميل العنود الخلاف والتباعد والترك وقال غيره أصله من العند وهو الناحية يقال فلان يمشي عندا أي ناحية فمعنى عاند وعند أخذ في ناحية معرضا وعاند فلان فلانا إذا جانبه وكان منه على ناحية
إذا عرفت هذا فنقول كونه جبارا متكبرا إشارة إلى الخلق النفساني وكونه عنيدا إشارة إلى الأثر الصادر عن ذلك الخلق وهو كونه مجانبا عن الحق منحرفا عنه ولا شك أن الإنسان الذي يكون خلقه هو التجبر والتكبر وفعله هو العنود وهو الانحراف عن الحق والصدق كان خائبا عن كل الخيرات خاسرا عن جميع أقسام السعادات
واعلم أنه تعالى لما حكم عليه بالخيبة ووصفه بكونه جبارا عنيدا وصف كيفية عذابه بأمور الأول قوله من ورائه جهنم وفيه إشكال وهو أن المراد أمامه جهنم فكيف أطلق لفظ الوراء على القدام والأمام
وأجابوا عنه من وجوه الأول أن لفظ وراء اسم لما يوارى عنك وقدام وخلف متوار عنك فصح إطلاق لفظ وراء على كل واحد منهما قال الشاعر
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرج قريب
ويقال أيضا الموت وراء كل أحد الثاني قال أبو عبيدة وابن السكيت الوراء من الأضداد يقع على الخلف والقدام والسبب فيه أن كل ما كان خلفا فإنه يجوز أن ينقلب قداما وبالعكس فلا جرم جاز وقوع لفظ الوراء على القدام ومنه قوله تعالى وكان وراءهم ملك يأخذ الكهف 79 أي أمامهم ويقال الموت من وراء الإنسان الثاني قال ابن الأنباري وراء بمعنى بعد قال الشاعر
وليس وراء الله للمرء مذهب
أي وليس بعد الله مذهب
إذا ثبت هذا فنقول إنه تعالى حكم عليه بالخيبة في قوله وخاب كل جبار عنيد
ثم قال ومن ورائه جهنم أي ومن بعده الخيبة يدخل جهنم
النوع الثاني مما ذكره الله تعالى من أحوال هذا الكافر قوله ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه وفيه سؤالات
السؤال الأول علام عطف ويسقى
الجواب على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ويسقى من ماء صديد
السؤال الثاني عذاب أهل النار من وجوه كثيرة فلم خص هذه الحالة بالذكر
الجواب يشبه أن تكون هذه الحالة أشد أنواع العذاب فخصص بالذكر مع قوله ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت
السؤال الثالث ما وجه قوله من ماء صديد
الجواب أنه عطف بيان والتقدير أنه لما قال ويسقى من ماء فكأنه قيل وما ذلك الماء فقال صديد والصديد ما يسيل جلود أهل النار وقيل التقدير ويسقى من ماء كالصديد وذلك بأن يخلق الله تعالى في جهنم ما يشبه الصديد في النتن والغلظ والقذارة وهو أيضا يكون في نفسه صديدا لأن كراهته تصد عن تناوله وهو كقوله وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم محمد 15 وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب الكهف 29
السؤال الرابع ما معنى يتجرعه ولا يكاد يسيغه
الجواب التجرع تناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار ويقال ساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغا وأساغه إساغة واعلم أن يكاد فيه قولان
القول الأول أن نفيه إثبات وإثباته نفي فقوله ولا يكاد يسيغه أي ويسيغه بعد إبطاء لأن العرب تقول ما كدت أقوم أي قمت بعد إبطاء قال تعالى فذبحوها وما كادوا يفعلون البقرة 7 يعني فعلوا بعد إبطاء والدليل على حصول الإساغة قوله تعالى يصهر به ما فى بطونهم والجلود الحج 20 ولا يحصل الصهر إلا بعد الإساغة وأيضا فإن قوله يتجرعه يدل على أنهم أساغوا الشيء بعد الشيء فكيف يصح أن يقال بعده إنه يسيغه ألبتة
والقول الثاني أن كاد للمقاربة فقول لا يكادون لنفي المقاربة يعني ولم يقارب أن يسيغه فكيف يحصل الإساغة كقوله تعالى لم يكد يراها النور 40 أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها
فإن قيل فقد ذكرتم الدليل على حصول الإساغة فكيف الجمع بينه وبين هذا الوجه
قلنا عنه جوابان أحدهما أن المعنى لا يسيغ جميعه كأنه يجرع البعض وما ساغ الجميع الثاني أن الدليل الذي ذكرتم إنما دل على وصول بعض ذلك الشراب إلى جوف الكافر إلا أن ذلك ليس بإساغة لأن الإساغة في اللغة إجراء الشراب في الحلق بقبول النفس واستطابة المشروب والكافر يتجرع ذلك الشراب على كراهية ولا يسيغه أي لا يستطيبه ولا يشربه شربا بمرة واحدة وعلى هذين الوجهين يصح حمل لا يكاد على نفي المقاربة والله أعلم
النوع الثالث مما ذكره الله تعالى في وعيد هذا الكافر قوله ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت إبراهيم 17 والمعنى أن موجبات الموت أحاطت به من جميع الجهات ومع ذلك فإنه لا يموت وقيل من كل جزء من أجزاء جسده
النوع الرابع قوله ومن ورائه عذاب غليظ وفيه وجهان الأول أن المراد من العذاب الغليظ كونه دائما غير منقطع الثاني أنه في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشد مما قبله قال المفضل هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد والله أعلم
الكشاف – الزمخشري ج2/ص512
واستفتحوا واستنصروا الله على أعدائهم إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الأنفال 19 أو استحكموا الله وسألوه القضاء بينهم من الفتاحة وهي الحكومة كقوله تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق الأعراف 89 وهو معطوف على أوحى إليهم وقرىء واستفتحوا بلفظ الأمر وعطفه على لتهلكن أي أوحى إليهم ربهم وقال لهم لنهلكن وقال لهم استفتحوا واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد معناه فنصروا وظفروا وأفلحوا وخاب كل جبار عنيد وهم قومهم وقيل واستفتح الكفار على الرسل ظنا منهم بأنهم على الحق والرسل على الباطل وخاب كل جبار عنيد منهم ولم يفلح باستفتاحه من ورائه من بين يديه قال
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرج قريب
وهذا وصف حاله وهو في الدنيا لأنه مرصد لجهنم فكأنها بين يديه وهو على شفيرها أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف فإن قلت علام عطف ويسقى قلت على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقي من ماء صديد كأنه أشد عذابها فخصص بالذكر مع قوله ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت فإن قلت ما وجه قوله تعالى من ماء صديد قلت صديد عطف بيان لماء قال ويسقى من ماء فأبهمه إبهاما ثم بينه بقوله صديد وهو ما يسيل من جلود أهل النار يتجرعه يتكلف جرعه ولا يكاد يسيغه دخل كاد للمبالغة يعني ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة كقوله لم يكد يراها النور 40 أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها ويأتيه الموت من كل مكان كأن أسباب الموت وأصنافه كلها قد تألبت عليه وأحاطت به من جميع الجهات تفظيعا لما يصيبه من الآلام وقيل من كل مكان من جسده حتى من إبهام رجله وقيل ن أصل كل شعرة ومن ورائه ومن بين يديه عذاب غليظ أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشد مما قبله وأغلظ وعن الفضيل هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – الأندلسي ج3/ص331
ويسقى من ماء وليس بماء لكن لما كان بدل الماء في العرف عندنا عد ماء ثم نعته ب صديد كما تقول هذا خاتم حديد والصديد القيح والدم وهو ما يسيل من أجساد أهل النار قاله مجاهد والضحاك
وقوله يتجرعه ولا يكاد يسيغه عبارة عن صعوبة أمره عليهم وروي أن الكافر يؤتى بالشربة من شراب أهل النار فيتكرهها فإذا أدنيت منه شوت وجهه وسقطت فيها فروة رأسه فإذا شربها قطعت أمعاءه
قال القاضي أبو محمد وهذا الخبر مفرق في آيات من كتاب الله
وقوله ويأتيه الموت من كل مكان أي من كل شعرة في بدنه قال إبراهيم التيمي وقيل من جميع جهاته الست وقوله وما هو بميت أي لا يراح بالموت وباقي الآية كأولها ووصف العذاب بالغليظ مبالغة فيه وقال الفضيل بن عياض العذاب الغليظ حبس الأنفاس في الأجساد وقيل إن الضمير في ورائه هنا هو للعذاب المتقدم
تفسير أبي السعود ج5/ص39
من ورائه جهنم أي بين يديه فإنه مرصد لها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخرة وقيل من وراء حياته وحقيقته ما توارى عنك ويسقى معطوف على مقدر جوابا عن سؤال سائل كأنه قيل فماذا يكون إذن فقيل يلقى فيها ويسقى من ماء مخصوص لا كالمياه المعهودة صديد وهو قيح أو دم مختلط بمدة يسيل من الجرح قال مجاهد وغيره هو ما يسيل من أجساد أهل النار وهو عطف بيان لما ابهم أولا ثم بين بالصديد تهويلا لأمره وتخصيصه بالذكر من بين عذابها يدل على أنه من أشد أنواعه يتجرعه قيل هو صفة لماء أو حال منه والأظهر أنه استئناف مبني على السؤال كأنه قيل فماذا يفعل به فقيل يتجرعه أي يتكلف جرعه مرة بعد أخرى لغلبة العطش واستيلاء الحرارة عليه ولا يكاد يسيغه أي لا يقارب أن يسيغه فضلا عن الإساغة بل يغص به فيشربه بعد اللتيا والتي جرعة غب جرعة فيطول عذابه تارة بالحرارة والعطش وأخرى بشربه على تلك الحال فإن السواغ انحدار الشراب في الحلق بسهولة وقبول نفس ونفيه لا يوجب نفي ما ذكر جميعا وقيل لا يكاد يدخله في جوفه وعبر عنه بالإساغة لما أنها المعهودة في الاشربة وهو حال من فاعل يتجرعه أو من مفعوله أو منهما جميعا ويأتيه الموت أي أسبابه من الشدائد من كل مكان ويحيط به من جميع الجهات أو من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله وما هو بميت أي والحال أنه ليس بميت حقيقة كما هو الظاهر من مجىء أسبابه لا سيما من جميع الجهات حتى لا يتألم بما غشية من أصناف الموبقات ومن ورائه من بين يديه عذاب غليظ يستقبل كل وقت عذابا اشد واشق مما كان قبله ففيه دفع ما يتوهم من الخفة بحسب الاعتياد كما في عذاب الدنيا وقيل هو الخلود في النار وقيل هو حبس الأنفاس
تفسير ابن كثير ج2/ص527
ولا يكاد يسيغه أي يزدرده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذي لا يستطاع ويأتيه الموت من كل مكان أي يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه قال عمرو بن ميمون بن مهران من كل عظم وعصب وعرق وقال عكرمة حتى من أطراف شعره وقال إبراهيم التيمي من موضع كل شعرة أي من جسده حتى من أطراف شعره وقال بن جرير ويأتيه الموت من كل مكان أي من أمامه وخلفه وفي رواية وعن يمينه وشماله ومن فوقه تفسير ابن كثير ج2/ص528
ومن تحت أرجله ومن سائر أعضاء جسده وقال الضحاك عن بن عباس ويأتيه الموت من كل مكان قال أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت ولكن لا يموت لأن الله تعالى قال لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ومعنى كلام بن عباس رضي الله عنه أنه مامن نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال ولهذا قال تعالى ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت وقوله ومن ورائه عذاب غليظ أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله وأدهى
تفسير البغوي ج3/ص29
ويسقى من ماء صديد أي من ماء هو صديد وهو ما يسيل به أبدان الكفار من القيح والدم وقال محمد بن كعب ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر 17 يتجرعه أي يتحساه ويشربه لا بمرة واحدة بل جرعة جرعة لمرارته وحرارته ولا يكاد يسيغه يكاد صلة أي لا يسيغه كقوله تعالى لم يكد يراها أي لم يرها قال ابن عباس لا يجيزه وقيل معناه يكاد لا يسيغه ويسيغه فيغلي في جوفه أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بشر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ويسقى من ماء صديد يتجرعه قال يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله عز وجل وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ويقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ويأتيه الموت من كل مكان يعني يجدهم الموت وألمه من كل مكان من أعضائه قال إبراهيم التيمي حتى من تحت كل شعرة من جسده وقيل يأتيه الموت من قدامه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وما هو بميت فيستريح قال ابن جريج تعلق بنفسه عند حنجرته ولا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة نظيرها لا يموت فيها ولا يحيى ومن ورائه أمامه عذاب غليظ شديد وقيل العذاب الغليظ الخلود في النار
تفسير البيضاوي ج3/ص342
ويسقى من ماء و صديد عطف بيان ل ماء وهو ما يسيل من جلود أهل النار يتجرعه يتكلف جرعه وهو صفة لماء أو حال من الضمير في يسقى ولا يكاد يسيغه ولا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه بل يغص به فيطول عذابه والسوغ جواز الشراب على الحلق بسهولة وقبول نفس ويأتيه الموت من كل مكان أي أسبابه من الشدائد فتحيط به من جميع الجهات وقيل من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله وما هو بميت فيستريح ومن ورائه ومن بين يديه عذاب غليظ أي يستقبل في كل وقت عذابا أشد مما هو عليه وقيل هو الخلود في النار وقيل حبس الأنفاس وقيل الآية منقطعة عن قصة الرسل نازلة في أهل مكة طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنيهم التي أرسل الله تعالى عليهم بدعوة رسوله فخيب رجاءهم فلم يسقهم ووعد لهم أن يسقيهم في جهنم بدل سقياهم صديد أهل النار
تفسير الثعالبي ج2/ص277
ويسقى من ماء صديد الصديد القيح والدم وهو ما يسيل من أجساد أهل النار قاله مجاهد والضحاك
وقوله يتجرعه ولا يكاد يسيغه عبارة عن صعوبة أمره عليهم وروي أن الكافر يؤتى بالشربة من شراب أهل النار فيتكرهها فإذا ادنيت منه شوت وجهه وسقطت فيها فروة رأسه فإذا شربها قطعت أمعاءه وهذا الخبر مفرق في آيات من كتاب الله عز وجل
ويأتيه الموت من كل مكان أي من كل شعرة في بدنه قاله إبراهيم التيمي وقيل من جميع جهاته الست
وما هو بميت لا يراح بالموت ومن ورائه عذاب غليظ قال الفضيل بن عياض العذاب الغليظ حبس الأنفاس في الأجساد وفي الحديث تخرج عنق من النار تكلم بلسان طلق ذلق لها عينان تبصر بهما ولها لسان تكلم به فتقول أني أمرت بمن جعل مع الله إلها آخر وبكل جبار عنيد وبمن قتل نفسا بغير نفس فتنطلق بهم قبل سائر الناس بخمس مائة عام فتنطوي عليهم فتقذفهم في جهنم خرجه البزار انتهى من الكوكب الدري
تفسير الجلالين ج1/ص332
من ورائه أي أمامه جهنم يدخلها ويسقى فيها من ماء صديد هو ما يسيل من جوف أهل النار مختلطا بالقيح والدم
17 يتجرعه يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته ولا يكاد يسيغه يزدرده لقبحه وكراهته ويأتيه الموت أي أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه بعد ذلك العذاب عذاب غليظ قوي متصل
تفسير السعدي ج1/ص424
من ورائه جهنم أي جهنم لهذا الجبار العنيد بالمرصاد فلا بد له من ورودها فيذوق حينئذ العذاب الشديد ويسقى من ماء صديد في لونه وطعمه ورائحته الخبيثة وهو في غاية الحرارة يتجرعه من العطش الشديد ولا يكاد يسيغه فإنه إذا قرب إلى وجهه شواه وإذا وصل إلى بطنه قطع ما أتى عليه من الأمعاء ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت أي يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من أنواع العذاب وكل نوع منه من شدته يبلغ إلى الموت ولكن الله قضى أن لا يموتوا كما قال تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ومن ورائه أي الجبار العنيد عذاب غليظ أي قوي شديد لا يعلم وصفه وشدته إلا الله تعالى
تفسير السمرقندي ج2/ص238
ثم قال ويسقى من ماء صديد يعني بماء يسيل من جلودهم من القيح والدم ويقال ماء كهيئة الصديد
قوله تعالى ويتجرعه يعني يرده في حلقه ولا يكاد يسيغه يقول ولا يقدر على ابتلاعه لكراهيته وقال ابن عباس ويأتيه الموت من كل مكان يعني يجتره من كل مكان من جسده ويقال من كل ناحية ومن كل عرق ومن كل موضع شعرة يجد طعم الموت وما هو بميت يعني لا يموت أبدا ومن ورائه يعني من بعد الصديد عذاب غليظ يعني شديد لا يفتر عنه
تفسير السمعاني ج3/ص109
وقوله ولا يكاد يسيغه يعني لا يسيغه وقيل معناه يكاد لا يسيغه ويسيغه ليغلي في جوفه وقوله ويأتيه الموت من كل مكان قال إبراهيم التيمي من كل شعرة من جسده وقيل يأتيه الموت من قدامه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله
وقوله وما هو بميت يعني عليه شدة الموت ولا يموت وهو في معنى قوله كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ
تفسير الطبري ج13/ص195
وقوله يتجرعه يتحساه ولا يكاد يسيغه يقول ولا يكاد يزدرده من شدة كراهته وهو يسيغه من شدة العطش
والعرب تجعل لا يكاد فيما قد فعل وفيما لم يفعل
فأما ما قد فعل فمنه هذا لأن الله جل ثناؤه جعل لهم ذلك شرابا وأما ما لم يفعل وقد دخلت فيه كاد فقوله حتى إذا أخرج يده لم يكد يراها فهو لا يراها
وبنحو ما قلنا من أن معنى قوله ولا يكاد يسيغه وهو يسيغه جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر الرواية بذلك حدثني محمد بن المثنى قال ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني قال ثنا بن المبارك عن صفوان
بن عمرو عن عبيد الله بن بسر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ويسقى من ماء صديد يتجرعه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله عز وجل وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ويقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب
حدثنا بن المثنى قال ثنا معمر عن بن المبارك قال ثنا صفوان بن عمرو عن عبيد الله بن بسر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ويسقى من ماء صديد فذكر مثله إلا أنه قال سقوا ماء حميما
حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال ثنا حيوة بن شريح الحمصي قال ثنا بقية عن صفوان بن عمرو قال ثني عبيد الله بن بسر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء
وقوله ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت فإنه يقول ويأتيه الموت من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله ومن كل موضع من أعضاء جسده
وما هو بميت لأنه لا تخرج نفسه فيموت فيستريح ولايحيا لتعلق نفسه بالحناجر فلا ترجع إلى مكانها
كما حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن بن جريج عن مجاهد في قوله يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت قال تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيجد لذلك راحة فتنفعه الحياة
تفسير القرطبي ج9/ص351
يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره يقول الله وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم محمد ويقول الله وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب الكهف خرجه الترمذي وقال حديث غريب وعبيد الله بن بسر الذي روى عنه صفوان بن عمرو حديث أبي أمامة لعله أن يكون أخا عبد الله بن بسر يتجرعه أي يتحساه جرعا لا مرة واحدة لمرارته وحرارته ولا يكاد يسيغه أي يبتلعه يقال جرع الماء واجترعه وتجرعه بمعنى وساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغا إذا كان سلسا سهلا وأساغه الله إساغة ويكاد صلة أي يسيغه بعد إبطاء قال الله تعالى وما كادوا يفعلون أي فعلوا بعد إبطاء ولهذا قال يصهر به ما في بطونهم والجلود فهذا يدل على الإساغة وقال بن عباس يجيزه ولا يمر به ويأتيه الموت من كل مكان قال بن عباس أي يأتيه أسباب الموت من كل جهة عن يمينه وشماله ومن فوقه وتحته ومن قدامه وخلفه كقوله لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل وقال إبراهيم التيمي يأتيه من كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره للآلام التي في كل مكان من جسده وقال الضحاك إنه ليأتيه الموت من كل ناحية ومكان حتى من إبهام رجليه وقال الأخفش يعني البلايا التي تصيب الكافر في النار سماها موتا وهي من أعظم الموت وقيل إنه لا يبقى عضو من أعضائه إلا وكل به نوع من العذاب لو مات سبعين مرة لكان أهون عليه من نوع منها في فرد لحظة إما حية تنهشه أو عقرب تلسبه أو نار تسفعه أو قيد برجليه أو غل في عنقه أو سلسلة يقرن بها أو تابوت يكون فيه أو زقوم أو حميم أو غير ذلك من العذاب وقال محمد بن كعب إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب فرآه مات موتات فإذا دنا منه مات موتات فإذا شرب منه مات موتات فذلك قوله ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت قال الضحاك لا يموت فيستريح وقال بن جريج تعلق روحه في حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة ونظيره قوله لا يموت فيها ولا يحيا طه وقيل يخلق الله في جسده آلا ما كل واحد منها كألم الموت ويل وما هو بميت لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته عليه ليكون ذلك زيادة في عذابه قلت ويظهر من هذا أنه يموت وليس كذلك لقوله تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها فاطر وبذلك وردت السنة فأحوال الكفار أحوال من استولى عليه سكرات الموت دائما والله أعلم ومن ورائه أي من أمامه عذاب غليظ أي شديد متواصل الآلام من غير فتور ومنه قوله وليجدوا فيكم غلظة التوبة أي شدة وقوة وقال فضيل بن عياض في قول الله تعالى ومن ورائه عذاب غليظ قال حبس الأنفاس
تفسير النسفي ج2/ص226
ويسقى معطوف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى من ماء صديد ما يسيل من جلود اهل النار وصديد عطف بيان الماء لأنه مبهم فبين بقوله صديد يتجرعه يشربه جرعة جرعة ولا يكاد يسيغه ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الاساغة كقوله لم يكد يراها أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها ويأتيه الموت من كل مكان اي اسباب الموت من كل جهة أو من كل مكان من جسده وهذا لفظيع لما يصيبه من الآلام أي لو كان ثمة موت لكان كل واحد منها مهلكا وما هو بميت لأنه لو مات لاستراح ومن ورائه ومن بين يديه عذاب غليظ أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشد مما قبله وأغلظ وعن الفضيل هو قطع الانفاس وحبسها في الاجساد
تفسير الواحدي ج1/ص580
يتجرعه يتحساه بالجرع لا بمرة لمرارته ولا يكاد يسيغه لا يجيزه في الحلق الا بعد ابطاء ويأتيه الموت أي أسباب من البلايا التي تصيب الكافر في النار من كل شعرة في جسده وما هو بميت موتا تنقطع معه الحياة ومن ورائه ومن بعد ذلك العذاب عذاب غليظ متصل اللآلام ثم ضرب مثلا لأعمال الكفار فقال
روح المعاني – الألوسي ج13/ص202
وجوز أبو حيان كونه حالا من ضمير يسقى والاستئناف أظهر وهو مبني على سؤال كأنه قيل فماذا يفعل به فقيل يتجرعه أي يتكلف جرعه مرة بعد أخرى لغلبة العطش واستيلاء الحرارة عليه ولا يكاد يسيغه أي لايقارب أن يسيغه فضلا عن الاساغة بل يغص به فيشربه بعد اللتيا والتي جرعة غب جرعة فيطول عذابه تارة بالحرارة والعطش وأخرى بشربه على تلك الحالة فان السوغ انحدار الماء انحدار الشراب في الحلق بسهولة وقبول نفس ونفيهلايفيد نفي ماذكر جميعا وقيل تفعل مطاوع فعل يقال جرعه فتجرع وقيل إنه موافق للمجرد أي جرعة كما تقول عدا الشيء وتعداه وقيل الاساغة الادخال في الجوف والمعنى لايقارب أن يدخله في جوفه قبل أن يشربه ثم شربه على حد ماقيل في قوله تعالى فذبحوها وماكادوا يفعلون أي ما قاربوا قبل الذبح وعبر عن ذلك بالاساغة لما أنها المعهودة في الأشربة أخرج أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وغيرهم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال في الآية يقرب اليه فيتكرهه فاذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فاذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله تعالى وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم وقال سبحانه وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ويسيغه بضم الياء لأنه يقال ساغ الشراب وأساغه غيره وهو الفصيح وإن ورد ثلاثيه متعديا أيضا على ماذكره أهل اللغة وجملة لايكاد إلى آخره في موضع الحال من فاعل يتجرعه أو من مفعوله أو منهما جميعا ويأتيه الموت أي أسبابه من الشدائد وأنواع العذاب فالكلام على المجاز أو بتقدير مضاف من كل مكان أي من كل موضع والمراد أنه يحيط به من جميع الجهات كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال ابراهيم التيمي من كل مكان في جسده حتى من أطراف شعره وروى نحو ذلك عن ميمون بن مهران ومحمد بن كعب واطلاق المكان على الأعضاء مجاز والظاهر أن هذا الاتيان في الآخرة وقال الأخفش أراد البلايا التي تصيب الكافر في الدنيا سماها موتا لشدتها ولا يخفى بعده لأن سياق الكلام في أحوال الكافر في جهنم وما يلقى فيها وما هو بميت أي والحال أنه ليس بميت حقيقة كما هو الظاهر من مجيء أسبابه على أتم وجه فيستريح مما غشيه من أصناف الموبقات ومن ورائه أي من بين يدي من حكم عليه بما مر عذاب غليظ
زاد المسير – ابن الجوزي ج4/ص351
يعني استنصروا وقرأ ابن عباس ومجاهد وعكرمة وحميد وابن محيص واستفتحوا بكسر التاء على الأمر وفي المشار إليهم قولان
أحدهما أنهم الرسل قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة
والثاني أنهم الكفار واستفتاحهم سؤالهم العذاب كقولهم ربنا عجل لنا قطنا ص 16 وقولهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية الانفال 32 هذا قول ابن زيد
قوله تعالى وخاب كل جبار عنيد قال ابن السائب خسر عند الدعاء وقال مقاتل خسر عند نزول العذاب وقال أبو سليمان الدمشقي يئس من الإجابة وقد شرحنا معنى الجبار والعنيد في هود 59 قوله تعالى من ورائه جهنم فيه قولان
أحدهما أنه بمعنى القدام قال ابن عباس يريد أمامه جهنم وقال أبو عبيدة من ورائه أي قدامه وأمامه يقال الموت من ورائك وأنشد أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي
وقومي تميم والفلاة ورائيا
والثاني أنها بمعنى بعد قال ابن الأنباري من ورائه أي من بعد يأسه فدل خاب على اليأس فكنى عنه وحملت وراء على معنى بعد كما قال النابغة حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مذهب
أراد ليس بعد الله مذهب قال الزجاج والوراء يكون بمعنى الخلف والقدام لأن ما بين يديك وما قدامك إذا توارى عنك فقد صار وراءك قال الشاعر أليس ورائي إن تراخت منيتي
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
قال وليس الوراء من الأضداد كما يقول بعض أهل اللغة وسئل ثعلب لم قيل الوراء للأمام فقال الوراء اسم لما توارى عن عينك سواء أكان أمامك أو خلفك وقال الفراء إنما يجوز هذا في المواقيت من الأيام والليالي والدهر تقول وراءك برد شديد وبين يديك برد شديد ولا يجوز أن تقول للرجل وهو بين يديك هو وراءك ولا للرجل وراءك هو بين يديك
قوله تعالى ويسقى من ماء صديد قال عكرمة ومجاهد واللغويون الصديد القيح والدم قاله قتادة وهو ما يخرج من بين جلد الكافر ولحمه
وقال القرظي هو غسالة أهل النار وذلك مايسيل من فروج الزناة وقال ابن قتيبة المعنى يسقى الصديد مكان الماء قال ويجوز أن يكون على التشبيه أي مايسقي ماء كأنه صديد
قوله تعالى يتجرعه والتجرع تناول المشروب جرعة جرعة لا في مرة واحدة وذلك لشدة كراهته له وأنما يكرهه على شربه
قوله تعالى ولا يكاد يسيغه قال الزجاج لا يقدر على ابتلاعه تقول ساغ لي الشيء وأسغته وروى أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يقرب إليه فيكرهه فاذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فاذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره
قوله تعالى ويأتيه الموت أي هم الموت وكربه وألمه من كل مكان وفيه ثلاثة أقوال
أحدها من كل شعرة في جسده رواه عطاء عن ابن عباس وقال سفيان الثوري من كل عرق وقال ابن جريج تتعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فتموت ولا ترجع إلى مكانها فتجد راحة
فتح القدير – الشوكاني ج3/ص100
ويسقى من ماء صديد معطوف على مقدر جوابا عن سؤال سائل كأنه قيل فماذا يكون إذن قيل يلقي فيها ويسقى والصديد ما يسيل من جلود أهل النار واشتقاقه من الصد لأنه يصد الناظرين عن رؤيته وهو دم مختلط بقيح والصديد صفة لماء وقيل عطف بيان منه ويتجرعه في محل جر على أنه صفة لماء أو في محل نصب على أنه حال وقيل هو استئناف مبني على سؤال والتجرع التحسي أى يتحساه مرة بعد مرة لا مرة واحدة لمرارته وحرارته ولا يكاد يسيغه أي يبتلعه يقال ساغ الشراب فى الحلق يسوغ سوغا إذا كان سهلا والمعنى ولا يقارب إساغته فكيف تكون الإساغة بل يغص به فيطول عذابه بالعطش تارة ويشربه على هذه الحال أخرى وقيل إنه يسيغه بعد شدة وإبطاء كقوله وما كادوا يفعلون أي يفعلون بعد إبطاء كما يدل عليه قوله تعالى فى آية أخرى يصهر به ما فى بطونهم ويأتيه الموت من كل مكان أى تأتيه أسباب الموت من كل جهة من الجهات أو من كل موضع من مواضع بدنه وقال الأخفش المراد بالموت هنا البلايا التى تصيب الكافر فى النار سماها موتا لشدتها وما هو بميت أى والحال أنه لم يمت حقيقة فيستريح وقيل تعلق نفسه فى حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيحيا ومثله قوله تعالى لا يموت فيها ولا يحيى وقيل معنى وما هو بميت لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته عليه والأولى تفسير الآية بعدم الموت حقيقة لما ذكرنا من قوله سبحانه لا يموت فيها ولا يحيى وقوله لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ومن ورائه عذاب غليظ أى من أمامه أو من بعده عذاب شديد وقيل هو الخلود وقيل حبس النفس
معاني القرآن – النحاس ج3/ص523
ثم قال تعالى يتجرعه ولا يكاد يسيغه آية 17 أي يبلعه
18 ثم قال تعالى ويأتيه الموت من كل مكان آية 17
أي من كل مكان من جسده
19 ثم قال تعالى وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ آية 17
أي من أمامه عذاب جهنم
حدثني أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا أحمد بن الحسين قال قال فضيل بن عياض في قول الله تبارك وتعالى ومن ورائه عذاب غليظ قال حبس الأنفاس