بردا وسلاما لا بردا سلاما
بردا وسلاما لا بردا سلاما
قال تعالى (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) ( الأنبياء 69 )
مختصر اقوال المفسرين في الآية
ان الله سبحانه وتعالى امر النار ان تكون بارده حتى لا تحرق نبي الله ابراهيم عليه السلام ، واختلف المفسرين في( وسلاما) فقال البعض منهم انها سلاما من البرد الشديد الذي قد يقتل نبي الله ، وآخرين نفوا ذلك وقالوا (والجواب ذلك بعيد لأن برد النار لم يحصل منها وإنما حصل من جهة الله تعالى فهو القادر على الحر والبرد فلا يجوز أن يقال كان البرد يعظم لولا قوله سلاما) , ( لو لم يقل سلاما لهلك إبراهيم من البرد) , ( وقد أضربنا عما ذكره الناس في قصة إبراهيم لعدم صحته ولأن ألفاظ القرآن لا تقتضيه) والنتيجة ان الله سلم نبيه وخليله من اضرار النار.
التفسير العلمي لهذه الآية
قصة إحراق نبي الله إبراهيم عليه السلام معروفة فبعد أن كسر نبي الله إبراهيم الأصنام التي كانوا يعبدونها ويعظمونها ، وعرفوا أنه هو الفاعل وقد أفحمهم في الحجة ، فكيف لآلهتهم أن تحطم ولا تتكلم ولا تطلب النجدة ولا تخبرهم من فعل بهم هكذا ، فهذه آلهة تافهة لا تستحق العبادة ، قالوا إذا انصروا انتم آلهتكم وأحرقوا إبراهيم ، وجمعوا له الحطب فبنوا مكاناً عظيماً لإيقاد النار على إبراهيم ، وبعد أن أمتلأ بالحطب و الخشب ما يكفي لإحراق ألف رجل قاموا بإيقادها ثم وضعوه في منجنيق ورموه في النار فوقع وسطها فخرج منها سالماً معافى لم يصب بأذى أبداً ، وهذه القصة ذكرها سبحانه و تعالي ووضحتها الأحاديث النبوية و فصلت كثيراً في السير والتفاسير ، والمهم هنا هو في الخبر من الله سبحانه و تعالي عندما رموا نبي الله إبراهيم في النار أمر الله النار بكلمات دقيقة فقال سبحانه و تعالي ( يا نار كوني برداً و سلاماً على إبراهيم ) والنار أن تكون باردة فهذا معلوم ولكن لماذا سلاماً ؟ فلو أن رجلاً في زمن نزول الرسالة أوقد ناراً لحاجة كأن يطبخ عليها طعامه ثم ولأي سبب وضع يده فيها ولم يحترق سيقول إن هذه نار باردة لم تصلح أن تطبخ عليها الطعام ، وهي في نفس الوقت تعتبر آمنه، وميزان عدم الإحراق هو ميزان السلام ، ولكن سبحانه وتعالي أكد بقوله ذلك فقال ( يا نار كوني برداً ) وأضاف إليها ( وسلاماً ) مما دفع كثير من المفسرين إلى الاعتقاد ان النار أصبحت باردة جداً إلى درجة أن بردها القارس قد يهلك نبي الله إبراهيم لذلك أضاف سبحانه وتعالي على كلمة( برداً) كلمة ( وسلاماً) ، وبمراجعة هذا الرأي بدقة نري فيه شيئاً من التكلف سببه عدم وجود معلومات علمية في وقت كتابة هذا التفسير حيث أن النار البادرة هي التي لا تحرق وليس التي يتجمد بها الإنسان ، ولو كانت سلاما تخص البرد لقال سبحانه وتعالى بردا سلاما لا بردا وسلاما ، و لو كان عندهم معلومات القرن العشرين لما احتاجوا إلى مثل هذا التأويل، ثم اغفل كل المفسرين قوله تعالى (على ابراهيم) ،فالنار لم تنطفئ فلو بردت بعامتها حتى لا تحرق ابراهيم عليه السلام لوصلت حرارتها الى الدرجة دون حرارة اتقاد الخشب لانطفأت وعلميا لا بد للنار لتستمر في اشتعالها ان تكون ساخنه لذلك قال سبحانه وتعالى ( على ابراهيم) اي ان النار بارده على ابراهيم فقط (يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم) فلم يقل( يا نار كوني بردا وسلا ما) لانطفأت لبردها ،اذا لم تبرد النار وكان تخصيص المعجزة هو حماية نبي الله ابراهيم من شرها ولو لم يقل سبحانه وتعالى على ابراهيم لكان هذا خطا علميا فاضحا وهذا من الاعجاز القرآني الذي لم يستطع المفسرين القدامى معرفته بمعلوماتهم البشرية.
في دراسات معمقه لحرائق الغابات حول العالم وخاصة تلك التي حدثت في غابات استراليا ، وبعد استعمالهم للأقنعة الخاصة و الملابس الحافظة من الحرائق وبعد دخولهم إلى وسط الحرائق ومراقبتها عن كثب ، وبعد إجراء دراسات التشريح لما بعد الموت للذين ماتوا في هذه الحرائق الكبيرة ، وجدوا أن النار الكبيرة جداً الناتجة عن حرائق الخشب أو أشجار الغابات تصدر مواداً سامة قد تؤدي إلى الموت وكانت النتائج المقررة لأسباب الوفاة لهؤلاء الذين ماتوا بسبب حرائق الغابات حسب التسلسل التالي :
1- الموت بالتسمم بغاز سيانيد الخشب وأول أكسيد الكربون.
2- الوفاة بسبب التسمم بثاني أكسيد الكربون .
3- الاختناق من نقص الأكسيجين .
4- الموت بسبب الحرارة و الاحتراق .(سسل لوب للأمراض الباطنية)
ومن هذا نجد أن معظم الذين يموتون في الحرائق الكبيرة في الغابات لا يموتون حرقاً أو لنقل بصورة أدق لا يموتون بسبب حرارة النار ، وما حدث لنبي الله إبراهيم عليه السلام أنه وضع في نار كبيرة والذي يدخلها ولم يحترق فإنه سيختنق بغازات سامة ثم قد يختنق بثاني أوكسيد الكربون أو يموت بسبب نقص الأكسيجين ولو بقي بعد ذلك على قيد الحياة فإن حرارة النار ستقتله حرقاً وهكذا لو نزل القرآن ( يا نار كوني برداً على إبراهيم ) لظهر قصوره وبطلانه ولقلنا في هذا العصر عصر العلم أنه ليس من عند الله ، لأن نبي الله إبراهيم سيموت اختناقاً أو بتأثير الغازات السامة أو بتأثير ثاني أوكسيد الكربون المنطلق من حرق الخشب ، لذلك قال سبحانه و تعالي ( يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ) برداً من حرارة النار وسلاماً من الغازات السامة والاختناق وباقي المواد الضارة ، وقالها سبحانه وتعالي على ابراهيم حتى لا تنطفئ النار و لأنه هو خالق الكون وهو منزل القرآن والعالم بالإنسان.
لذلك الدقة اللفظية المطابقة لأدق المعلومات العلمية في نقطتي الاعجاز في هذه الآية فبرد النار على ابراهيم وليس على كل الناس لان ذلك يؤدي الى انطفائها وهي لم تنطفئ، ثم ان الله سبحانه وتعالى قال بردا وسلاما ليسلم نبيه من حرارة النار التي يعرفا الناس في كل زمان ومن غازاتها السامه والاختناق ونقص الاوكسجين التي عرفها علماء القرن العشرين والواحد والعشرين ولن يكون ذلك الا من العالم بكل شيء الرحمن الرحيم خالق الانسان العالم به فسبحان الله.
اقوال المفسرين في هذه الآية
وفي القصة أنهم ألقوه من ذلك البنيان العالي بالمنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس يعنون الأكراد وأن الله خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة قال تعالى قالوا ابنوا له بنيـانا فألقوه فى الجحيم والمفسرون يذكرون من شدة هذه النار وارتفاع لهبها وكثرة حطبها شيئا عظيما هائلا وذكروا عن نبي الله إبراهيم أنهم لما كتفوه مجردا ورموه إلى النار قال له جبريل هل لك حاجة قال أما إليك فلا وأما الله فنعما قال لم لا تسأله قال علمه بحالي كاف عن سؤالي
وما ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه أمر النار بأمره الكوني القدري أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم ـ يدل على أنه أنجاه من تلك النار لأن قوله تعالى كونى بردا يدل على سلامته من حرها وقوله وسلـاما يدل على سلامته من شر بردها الذي انقلبت الحرارة إليه وانجاؤه إياه منها الذي دل عليه أمره الكوني القدري هنا جاء مصرحا به في العنكبوت في قوله تعالى فأنجاه الله من النار وأشار إلى ذلك هنا بقوله ونجينـاه ولوطا
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة وأرادوا به كيدا فجعلنـاهم الاخسرين يوضحه ما قبله فالكيد الذي أرادوه به إحراقه بالنار نصرا منهم لآلهتهم في زعمهم وجعله تعالى إياهم الأخسرين أي الذين هم أكثر خسرانا لبطلان كيدهم وسلامته من نارهم
وقد أشار تعالى إلى ذلك أيضا في سورة الصافات في قوله فأرادوا به كيدا فجعلنـاهم الاسفلين وكونهم الأسفلين واضح لعلوه عليهم وسلامته من شرهم وكونهم الأخسرين لأنهم خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين وفي القصة أن الله سلط عليهم خلقا من أضعف خلقه فأهلكهم وهو البعوض وفيها أيضا أن كل الدواب تطفىء عن إبراهيم النار إلا الوزغ فإنه ينفخ النار عليه
وقد قدمنا الأحاديث الواردة بالأمر بقتل الأوزاغ في سورة الأنعام وعن أبي العالية لو لم يقل الله وسلـاما لكان بردها أشد عليه من حرها ولو لم يقل على إبراهيم لكان بردها باقيا إلى الأبد وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم لو لم يقل وسلاما لمات إبراهيم من بردها وعن السدي لم تبق في ذلك اليوم نار إلا طفئت وعن كعب وقتادة لم تحرق النار من إبراهيم إلا وثاقه وعن المنهال بن عمرو قال إبراهيم ما كنت أياما قط أنعم مني في الأيام التي كنت فيها في النار وعن شعيب الحماني أنه ألقي في النار وهو ابن ست عشر سنة وعن ابن جريج ألقي فيها وهو ابن ست وعشرين وعن الكلبي بردت نيران الأرض جميعا فما أنضجت ذلك اليوم كراعا وذكروا في القصة أن نمروذ أشرف على النار من الصرح فرأى إبراهيم جالسا على السرير يؤنسه ملك الظل فقال نعم الرب ربك لأقرين له أربعة آلاف بقرة وكف عنه وكل هذا من الإسرائيليات والمفسرون يذكرون كثيرا منها في هذه القصة وغيرها من قصص الأنبياء
وقال البخاري في صحيحه حدثنا أحمد بن يونس أراه قال حدثنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمـانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال كان آخرهم قول إبراهيم حين ألقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل ـ انتهى
التسهيل لعلوم التنزيل – الكلبى ج3/ص29
التفسير الكبير – الرازي ج22/ص163
أما قوله تعالى قلنا ياذا نار كونى بردا وسلـاما على إبراهيم ففيه مسائل
المسألة الأولى قال أبو مسلم الأصفهاني في تفسير قوله تعالى قلنا ياذا نار كونى بردا المعنى أنه سبحانه جعل النار بردا وسلاما لا أن هناك كلاما كقوله أن يقول له كن فيكون أي يكونه وقد احتج عليه بأن النار جماد فلا يجوز خطابه والأكثرون على أنه وجد ذلك القول ثم هؤلاء لهم قولان أحدهما وهو قول سدي أن القائل هو جبريل عليه السلام والثاني وهو قول الأكثرين أن القائل هو الله تعالى وهذا هو الأليق الأقرب بالظاهر وقوله النار جماد فلا يكون في خطابها فائدة قلنا لم لا يجوز أن يكون المقصود من ذلك الأمر مصلحة عائدة إلى الملائكة
المسألة الثانية اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أقوال أحدها أن الله تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والإحراق وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق والله على كل شيء قدير وثانيها أن الله تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار وثالثها أنه سبحانه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول أثر النار إليه قال المحققون والأول أولى لأن ظاهر قوله قلنا يانار كونى بردا أن نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تأثيرها لا أن النار بقيت كما كانت فإن قيل النار جسم موصوف بالحرارة واللطافة فإذا كانت الحرارة جزء من مسمى النار امتنع كون النار باردة فإذا وجب أن يقال المراد من النار الجسم الذي هو أحد أجزاء مسمى النار وذلك مجاز فلم كان مجازكم أولى من المجازين الآخرين قلنا المجاز الذي ذكرناه يبقى معه حصول البرد وفي المجازين اللذين ذكرتموهما لا يبقى ذلك فكان مجازنا أولى
أما قوله تعالى كونى بردا وسلـاما على إبراهيم فالمعنى أن البرد إذا أفرط أهلك كالحر بل لا بد من الإعتدال ثم في حصول الاعتدال ثلاثة أوجه أحدها أنه يقدر الله تعالى بردها بالمقدار الذي لا يؤثر وثانيها أن بعض النار صار بردا وبقي بعضها على حرارته فتعادل الحر والبرد وثالثها أنه تعالى جعل في جسمه مزيد حر فسلم من ذلك البرد بل قد انتفع به والتذ ثم ههنا سؤالات
السؤال الأول أو كل النار زالت وصارت بردا الجواب أن النار هو اسم الماهية فلا بد وأن يحصل هذا البرد في الماهية ويلزم منه عمومه في كل أفراد الماهية وقيل بل اختص بتلك النار لأن الغرض إنما تعلق ببرد تلك النار وفي النار منافع للخلق فلا يجوز تعطيلها والمراد خلاص إبراهيم عليه السلام لا إيصال الضرر إلى سائر الخلق
السؤال الثاني هل يجوز ما روي عن الحسن من أنه سلام من الله تعالى على إبراهيم عليه السلام الجواب الظاهر كما أنه جعل النار بردا جعلها سلاما عليه حتى يخلص فالذي قاله يبعد وفيه تشتيت الكلام المرتب
السؤال الثالث أفيجوز ما روي من أنه لو لم يقل وسلاما لأتى البرد عليه والجواب ذلك بعيد لأن برد النار لم يحصل منها وإنما حصل من جهة الله تعالى فهو القادر على الحر والبرد فلا يجوز أن يقال كان البرد يعظم لولا قوله سلاما
السؤال الرابع أفيجوز ما قيل من أنه كان في النار أنعم عيشا منه في سائر أحواله والجواب لا يمتنع ذلك لما فيه من مزيد النعمة عليه وكمالها ويجوز أن يكون إنما صار أنعم عيشا هناك لعظم ما ناله من السرور بخلاصه من ذلك الأمر العظيم ولعظم شروره بظفره بأعدائه وبما أظهره من دين الله تعالى
الدر المنثور – السيوطي ج3/ص305
فقال ابن عباس لو لم يتبع بردا سلاما لمات إبراهيم من بردها ولم يبق يومئذ في الأرض نار إلا طفئت ظنت أنها هي تعنى فلما طفئت النار نظروا إلى إبراهيم فإذا هو ورجل آخر معه ورأس إبراهيم في حجره يمسح عن وجهه العرق وذكر أن ذلك الرجل ملك الظل فأنزل الله نارا فانتفع بها بنو آدم وأخرجوا إبراهيم فأدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه