ظلمات في بحر لجي
ظلمات في بحر لجي .
يقول سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ(39) (40) (النور)
مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أعمال الكفار باطلة وأنها لا شيء, عمل الكافر إذا كان على الوجه الصحيح أنه يجزى به في الدنيا ووجد الله عنده فوفـاه حسابه أي وفاه حسابه في الدنيا على هذا القول القيعة والقاع بمعنى وهو المنبسط المستوي المتسع من الأرض حال أعمالهم في الآخرة وأنها لا تنفعهم بل يضمحل ثوابها كما يضمحل السراب والثاني يقتضي حال أعمالهم في الدنيا وأنها في غاية الفساد والضلال والسراب هو ما يرى في الفلوات من ضوء الشمس في الهجيرة حتى يظهر كأنه ماء يجري الظمآن العطشان لم يجده شيئا أي شيئا ينتفع به أو شيئا موجودا على العموم لأنه معدوم والمشبه بالظلمات أعمال الكافر هم من الضلال والحيرة في مثل الظلمات المجتمعة من ظلمة البحر تحت الموج تحت السحاب في بحر لجي إذا أخرج يده لم يكد يراها المعنى مبالغة في وصف الظلمة رآها بعد عسر وشدة لأن كاد إذا نفيت تقتضي الإيجاب يجعل الله له نورا أي من لم يهده الله لم يهتد يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري اللجي العميق الكثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر لم يكد يراها مبالغة في لم يرها أي لم يقرب أن يراها فضلا عن أن يراها وشبهها ثانيا في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب ثم قال ومن لم يوله نور توفيقه وعصمته ولطفه فهو في ظلمة الباطل لا نور له حتى إذا جاءه أي جاء ما قدر رأى أنه ماء وقيل جاء موضع السراب لم يجده شيئا على ما قدره وحسبه كذلك الكافر يحسب أن عمله نافعه فإذا أتاه ملك الموت واحتاج إلى عمله لم يجد عمله وقيل قدم على الله فوفاه حسابه أي جزاء عمله مثل أعمالهم من فسادها وجهالتهم فيها كظلمات في بحر لجي يغشاه يعلوه موج من فوقه موج متراكم من فوقه سحاب وأراد بالظلمات أعمال الكافر وبالبحر اللجي قلبه وبالموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة وقيل معناه قرب من رؤيتها ولم يرها كما يقال كاد النعام يطير
والقيعة بمعنى القاع وهو الأرص الخالية عن النبات وغيره المستوية ووجد الله عنده عقابه أو زبانيته أو وجده محاسبا إياه روي أنها نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية تعبد في الجاهلية والتمس الدين فلما جاء الإسلام كفر , أعماله إن كانت حسنة فكالسراب وإن كانت قبيحة فكالظلمات , يغشاه اي يغشى البحر موج من فوقه موج أي أمواج مترادفة متراكمة من فوقه من فوق الموج الثاني سحاب غطى النجوم ويحجب أنوارها في هذا المثال اجزاء تقابل اجزاء من الممثل به فقال الظلمات الأعمال الفاسدة والمعتقدات الباطلة والبحر اللجي صدر الكافر وقلبه واللجي معناه ذو اللجة وهى معظم الماء وغمرة واجتماع ما به اشد لظلمته والموج هو الضلال والجهالة التي قد غمرت قلبه والسحاب هو شهوته في الكفر وإعراضه عن الإيمان قال ع وهذا التأويل سائغ وان لا يقدر هذا التقابل سائغ ويقال شبه قلب الكافر بالبحر العميق وشبه أعضاءه بالأمواج الثلاث , وطبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فهذه الظلمات الثلاث تمنعه عن الحق وسمى السراب سرابا لأنه يسرب أي يجري كالماء ويقال سرب الفحل أي مضى وسار في الأرض ويسمى الآل أيضا ولا يكون إلا في البرية والحر فيغتر به العطشان ووجد الله عنده أي وجد الله بالمرصاد , او كانت بخروج الشعاع من العين على هيئة مخروط مصمت أو مؤلف من خطوط مجتمعة في الجانب الذي يلي الرأس أولا على هيئة مخروط بل على استواء لكن مع ثبوت طرفه الذي يلي العين واتصاله بالمرئي أو بتكيف الشعاع الذي في العين بكيفية الهواء وصيرورة الكل آلة للرؤية كما ذهب إليه فرق الرياضيين أو كانت بانطباع شبح المرئي في جزء من الرطوبة الجليدية التي تشبه البرد والجمد كما ذهب إليه الطبيعيون وهذان المذهبان هما المشهوران للفلاسفة ونسب للإشراقيين منهم
التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآية
يقول سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ(39) (40) (النور)
هنا يتكلم سبحانه وتعالى عن فيزياء الانكسار والانعكاس الضوئي وبدقة علمية فائقة وفي هذا المثل يبين لنا سبحانه وتعالى ان مثل اعمال الكافرين كرجل في صحراء قاحله جافه تماما ينظر حوله فيرى سرابا فيقول هذا ما قدمة ، ماءا في كل مكان ، هذه أعمالي كثيرة جدا بقدر هذا الماء الذى حولي ويتباهى بعمله وهو في حالة بين كذب على نفسة فيصدقها وبين كذب على الاخرين الذين يظلهم فيأتي اليه ظمأن فيريه كم عنده من ماء ويمنيه فيسير معه الى العمل الباطل ولكن ما ان تنتهى حياته ويصل الى هذا السراب فلا يجد هو ولا الذى أظله شيئا بل يجد الله سبحانه وتعالى فيحاسبه حسابا عسيرا فيوفي له على قدر اعماله التي لم يجدها شيئا فهي سراب والله سريع الحساب ، وهنا يوضح سبحانه وتعالى لنا امرا وهو ان العين ليست هي الدالة القطعية على الاشياء فالعين رأت ماءا وسط الصحراء ولكن الحصيف النبه سيعرف انه سراب لا غير وخداعا لا اكثر ، لان الانعكاسات في الارض المقفرة التي لا خير فيها ستكون خادعه ، ولماذا نذهب الى السراب ونترك البيت الواضح في بلد نباته طيب وزرعه وافر يحمل ثمره كل حين ، وفي مثل هكذا بلد سوف لن ترى سرابا فمع المؤمنين فوز مستمر لا خسارة فيها فهم لا يشقى بهم جليسهم .والسراب علميا سببه ان حرارة الشمس في الصحراء الجافه وفي الاراضي المنبسطة ستسخن سطح الارض ، وسيسخن طبقة الهواء الملامسة للأرض ولما كان الهواء موصل سيء للحرارة لذلك فان طبقه بارتفاع قليل من الهواء ستسخن والنتيجة ان الطبقة التي فوقها لن تسخن الا بالحمل او بالحركة الهوائية، ونحن نعرف ان الكثافة في الغازات تتناسب عكسيا مع الحرارة أي ان كثافة الهواء الملامس للأرض ستكون اقل ، وحسب قوانين الانكسار الضوئي فان الانكسار يكون باتجاه الأكتف من الطبقتين اذا سقط مائلا والنتيجة هو الانكسار نحو الاعلى في حالة الهواء الساخن من الاسفل وسيكون الانكسار انعكاسا في حالة ان زاوية السقوط زائدا زاوية الانكسار اكثر من 180 درجه فينعكس الضوء على طبقة الهواء الساخنة ، ونضرا لان الهواء غبر متجانس الحرارة لذا فان الضوء المنعكس سوف يرى يتلألأ كالموج المائي فيضنه الرائي ماء وهذا ليس خداعا بصريا بل يمكن تصويره لذلك لم يقل عنه سبحانه وتعالى انه خداع او وهم بل اوضحه (حتى اذا جاءه) والسراب عند العرب غير معروف تفسيره العلمي في وقتها وهم لذلك احتار المفسرين في هذه النقطة لجهلهم بأسس هذه الظاهرة فكانوا اذا جاءوا الى السراب وتغيرت زاوية النضر فانه لن يرى المنعكس من الضوء فظنوه توهما , ولو راجعنا النص فان الله سبحانه وتعالى يوضح ان الظمآن يحسبه ماء فيذهب اليه فلا يجد الماء الذي رآه ولم يجد شيئا بسبب تغير وضع الرائي ومع هذا لم يقل عنه وهما او توهما او ما شابه , وهذا يختلف تماما عن التوهم الذي قد يحدث في حالة ان الظمآن اثر عليه العطش فبدا يتوهم ويرى اشباحا او ماء فالسراب ظاهرة فيزيائية وليست وهما ابدا مع العلم ان التوهم حاله ذهنيه لا علاقة لها بالحواس او بالفيزياء البصرية . بعد ذكر هذا المثل للانكسار والانعكاس من الفيزياء البصرية ننتقل الى مثل آخر من الفيزياء البصرية فيه التشتت والانكسار والانعكاس والاستطارة والفلترة .
يضرب الله سبحانه وتعالى الامثال لللأيمان والكفر ويذكر لنا مثلا اخر على اعمال الكفار فيقول سبحانه وتعالى في الآية التي تليها( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) ((40) (النور)
. وهذا المثل الثاني لأعمال الذين كفروا هو ظلمات كثيرة فكل ظلمة تذهب درجة من الاضاءة او جزا من النور الى ان تصل فيها درجة الاضاءة قليله جدا اقل من درجة الإضاءة الحرجة ( راجع الشكل 6 عن كتاب كانونك للفسلجه) ، فالمرشحات الضوئية تبدء من قوة نور الشمس الذى قوته مليار ملى لامبرتيز فيمر هذا الضوء من خلال الغيوم في يوم عاصف الذى فيه غيم كثيف فيمر هذا الضوء الى البحر اللجي وكلمة لجى تعنى عميق وكذلك له موج كثير فالضوء المار من الغيوم الكثيفة ينتشر على مساحة واسعه كما تفعل الورقة البيضاء اذا وضعت امام المصباح فينقص ضوء الشمس من مليار ملى لامبرتيز الى 1000-10.000 ملى لامبرتيز ( انظر الشكل 6 ) والضوء المتبقي سوف يتشتت او ينعكس من على الغيوم ويرتد نحو الاعلى ، وسيكون فعل الغيوم اضافه الى تقليله للإنارة ناشر للضوء من نقطة جديده أي انه في المرحلة اللاحقة سيكون هو مصدر الإضاءة أي ان مصدر الإضاءة سيكون قريب من الارض ( ارتفاع الغيوم من 1000 – 3000 متر ) وفي نفس الوقت سيكون هناك اكثر من نقطة مضيئة او لنقل ما لا نهاية من النقاط المضيئة وليس كالشمس التي تعتبر نقطة واحده تقريبا ، وسيكون سطح الغيم من الاسفل هو مصدر الإضاءة مع العلم ان الغيوم قد تكون كثيفة الى درجه انها تكون سوداء أي ان معظم ضوء الشمس سيتشتت او يمتص من الغيوم
المرشح الثاني للضوء هوانعكاس الضوء الصادر من الغيوم من خلال سطح البحر المتموج ، وهذه ظاهره لم تكن تخطر على بال عرب الجاهلية والصحراء والتخلف حيث ان الضوء وحسب قانون نيوتن سوف ينكسر في الماء لأن الماء اكثف من الهواء ولو سلطنا مصدرا للضوء خطى على الماء فإننا سنرى انه سينكسر فاذا املنا شعاع الضوء على الماء فان الانكسار على الخط العمودي يساوى زاوية السقوط + زاوية الانكسار ، ولو ازدادت زاوية السقوط بحيث ان زاوية السقوط + زاوية الانكسار أكثر من 180 درجة فهاذا يعنى ان الضوء سينعكس كليا وهذه ظاهره درست بعنايه واستعملت للحصول على اعلى درجة انعكاس فالمرآه لا تستطيع ان تعكس الا جزء من الضوء اما الموشور فانه يعكس كل الضوء تقريبا ، وفي حالة الماء فان وجود الموج يجعل الضوء الساقط عموديا على مستوى سطح الماء العام سوف لن ينعكس عند عدم وجود امواج اما في حاله وجود موج فان الضوء قد يصل الى الزاوية الحرجة فينعكس جزء من الضوء او كل الضوء الساقط ، ولتوضيح ذلك اكثر فلو اخذنا صحن فيه ماء ( الشكل رقم 7 أ ) ثم وجهنا له اضاءة
الشكل 7أ
مباشرة من الاعلى ثم احدثنا موجا فان الموج سوف يكون له ظل في اسفل الاناء ويكون كمية الضوء المنعكس او الظل المتكون متناسب مع كثرة الموج ، ولو ابعدنا مصدر الضوء عن الاناء فان الضوء العمودي سوف يكون اكثر قابليه للنفوذ الى قاع الاناء بالمقارنة مع شده الاضاءة عند السطح ، ولو قربنا مصدر الضوء الى الاناء فان زاوية السقوط ستكون تحت النور عموديه ولكن في اطراف الاناء سوف تكون بزاوية كبيرة مما يجعل الانعكاس اكبر أي ان كمية اكبر من الاضاءة ستتشتت ، واذا وضعنا ورقة بيضاء ( كمرشحة كما يحدث في الغيوم ) فان مصدر الضوء سيكون هو الورقة نفسها المرشحة وسيكون قريب من السطح مما يعطى زاوية سقوط اكبر أي احتمال انعكاس اكبر ( كما في الشكل 7 ب ) وفي هذه التجربة عندما تحدث موجا وفوقه ورقة بيضاء ثم يأتي مصدر الضوء ونقيس قوة الاضاءة تحت الماء سنجد ان هناك انحدارا كبيرا جدا في الاضاءة وبعد مرور الضوء من الموج الاول فان في البحر هناك طبقة موج اخرى في العمق ، وقد وجد العلماء ان هناك في معظم بحار العالم طبقتين من الموج ، الموج السطحي وهو معروف لدينا ونراه بأعيننا وطبقه اخرى موجوده في عمق البحر ( في اعماق مختلفة تعمد على درجة حرارة ماء
الشكل رقم 7ب
البحر وتكون بعمق قد يزيد على 20 متر) وبين طبقتي الماء سنجد ان هناك فرق في درجة الحرارة ، والطبقتين كأن بينهما حاجز يمنع اختلاطها ، ويحدث بين الطبقتين تموج أي ان السطح بينهما ليس مستويا ، ونظرا لاختلاف الكثافة بينهما واختلاف درجة الحرارة فان ظاهرة الانعكاس والانكسار تحدث بينهما كما تحدث في الموج العلوى ، ففي الموج العلوى فان الهواء اقل كثافه من الماء اما في الموج السفلى فان الماء العلوى اقل كثافه واخف وزننا واعلى حرارة من الماء في الطبقة السفلى حيث ان اعلى كثافه للماء هو في درجة حراره اربعه مئوي لذا يحدث الانكسار والانعكاس بنفس الاتجاه يعنى هذا ان هناك انعكاس اخر للضوء القادم من الاعلى والذى تشتت جزء منه في الامواج العلوية ان ظاهرة الانكسار وظاهرة الموج فوق الموج لا يمكن ان تعرف في عصر الرسالة ، ولا يمكن انه يفكر بها حتى ولا غطاسين اللؤلؤ الذين لا يستطيعون النزول الى العمق الكافي لهذه الظاهرة
وهناك ظلمة اخرى ومرشح اخر وهو البحر اللجي أي العميق فان البحر ملئ بالإنشات الخضراء وبذرات التراب الصغيرة والتي تؤدى الى ظاهرة استطارة الضوء فلا يخترق الا الضوء الاحمر وجزء كبير من الضوء سوف يتشتت في ماء البحر كما يحدث في ظاهرة السماء الزرقاء فتشتت الضوء على ذرات الغبار يعطى السماء اللون الازرق لذا ستمنع الكثير من الضوء من العبور الى العمق في البحار فأعماق البحار مظلمة جدا وخاصة السحيقة منها فالظلمات تظافرت الى ان وصلت قوة الاضاءة الى واحد على المليون من الملي لامبرتيز اي في درجة اضاءة تنعدم فيها الرؤيا بالنسبة الى قدرة العين البشرية فلو نظر احدنا الى يده لم يكد يراها , وهنا شبه سبحانه وتعالى انسانا في اعماق البحار ينظر الى يده أي على بعد لا يتجاوز المتر عن العين الى اقرب مدى ممكن وكي تتم الرؤيا لا بد من نظارات تحت الماء لان من الصعوبة بمكان فتح العين تحت الماء بهذا العمق ولكن نحن نتكلم عن عصر نزول القرآن في صحراء مقفرة بواد غير ذي زرع، ان عملية المرشحات من غيم الى موج الى موج الى بحر لجى هي ظلمات بعظها فوق بعض وهكذا عمل الكافر ففي كل درجة كفر يذهب نور الايمان ويترشح منه جزء ولن يبقى له شيء لا من الايمان ولا من نورة ، فهو لن يستطيع التفريق بين الحق والباطل ولا بين الصالح والطالح وسيصل الى درجة انه لا يستطيع ان يرى يده ، ومن لم يجعل الله له نورا فلن تضئ له الشمس ولا القمر ولا النجوم بل ما له من نور .في مثل هذه الدقة العلمية يظهر كلاما ادبيا جميلا ، كلاما لم يعترض عليه شعراء العرب ولا متكلميهم ولم يجدو فيه الا نصا جميلا وبموسيقى ووقع يهز القلوب والوجدان وهو لا يعرف ما الاستطارة وما الانعكاس وما قوانين نيوتن في الضوء ، وفي هذا الوقت نرى فيه ونحن الذين فقدنا الحس الادبي ما يهز اوتار القلب من الدقة العلمية التي لا يعقل عاقل ان تكون كتبت في مكة ممن لا يعرف القراءة والكتابة ، فما هي الا نور من الله وعلم انزله على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
اقوال المفسرين لمن يحب الرجوع اليها
أضواء البيان – الشنقيطي ج5/ص549
والذين كفروا أعمـالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مآء حتى إذا جآءه لم يجده شيئا ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أعمال الكفار باطلة وأنها لا شىء لأنه قال في السراب الذي مثلها به حتى إذا جاءه لم يجده شيئا وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من بطلان أعمال الكفار جاء موضحا في آيات أخر كقوله تعالى مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شىء وقوله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا إلى غير ذلك من الآيات
وقد قدمنا أن عمل الكافر إذا كان على الوجه الصحيح أنه يجزى به في الدنيا كما أوضحناه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى من عمل صـالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن
وقد دلت آيات من كتاب الله على انتفاع الكافر بعمله في الدنيا دون الآخرة كقوله تعالى من كان يريد حرث الاخرة نزد له فى حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى وقوله تعالى من كان يريد الحيواة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولـئك الذين ليس لهم فى الاخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وهذا الذي دلت عليه هذه الآيات من انتفاع الكافر بعمله الصالح في الدنيا دون الآخرة ثبت في صحيح مسلم وغيبره من حديث أنس رضي الله عنه كما أوضحناه في الكلام على آية النحل المذكورة وهو أحد التفسيرين في قوله تعالى ووجد الله عنده فوفـاه حسابه أي وفاه حسابه في الدنيا على هذا القول وقد بين الله جل وعلا في سورة بني إسرائيل أن ما دلت عليه الآيات من انتفاع الكافر بعمله الصالح في الدنيا أنه مقيد بمشيئة الله تعالى وذلك في قوله تعالى من كان يريد العـاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلـاها مذموما مدحورا
تنبيــه
في هذه الآية الكريمة سؤال معروف ذكرناه وذكرنا الجواب عنه في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب وذلك في قولنا فيه لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من أن الضمير في قوله جاءه يدل على شىء موجود واقع عليه المجيء لأن وقوع المجيء على العدم لا يعقل ومعلوم أن الصفة الإضافية لا تتقوم إلا بين متضائفين فلا تدرك إلا بإدراكهما فلا يعقل وقوع المجيء بالفعل إلا بإدراك فاعل واقع منه المجيء ومفعول به
واقع عليه المجيء وقوله تعالى لم يجده شيئا يدل على عدم وجود شىء يقع عليه المجيء في قوله تعالى جاءه
والجواب عن هذا من وجهين ذكرهما ابن جرير في تفسير هذه الآية الكريمة
قال فإن قال قائل كيف قيل حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فإن لم يكن السراب شيئا فعلام دخلت الهاء في قوله حتى إذا جاءه قيل إنه شىء يرى من بعيد كالضباب الذي يرى كثيفا من بعيد فإذا قرب منه رق وصار كالهواء وقد يحتمل أن يكون معناه حتى إذا جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئا فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه انتهى منه
والوجه الأول أظهر عندي وعنده بدليل قوله وقد يحتمل أن يكون معناه إلخ انتهى كلامنا في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب وقد رأيت فيه جواب ابن جرير الطبري عن السؤال المذكور وقوله تعالى في هذه الآية بقيعة قيل جمع قاع كجار وجيرة وقيل القيعة والقاع بمعنى وهو المنبسط المستوي المتسع من الأرض وعلى هذا فالقاع واحد القيعان كجار وجيران ألم تر أن الله يسبح له من فى السمـاوات والارض والطير صآفـات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون اعلم أن الضمير المحذوف الذي هو فاعل علم قال بعض أهل العلم إنه راجع إلى الله في قوله ألم تر أن الله يسبح له من فى السمـاوات وعلى هذا فالمعنى كل من المسبحين والمصلين قد علم الله صلاته وتسبيحه وقال بعض أهل العلم إن الضمير المذكور راجع إلى قوله كل أي كل من المصلين والمسبحين قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه وقد قدمنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى من عمل صـالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن كلام الأصوليين في أن اللفظ إن احتمل التوكيد والتأسيس حمل على التأسيس وبينا أمثلة متعددة لذلك من القرءان العظيم
وإذا علمت ذلك فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله كل قد علم صلاته وتسبيحه راجعا إلى قوله
التسهيل لعلوم التنزيل – الكلبى ج3/ص69
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة لما ذكر الله حال المؤمنين أعقب ذلك بمثالين لأعمال الكافرين الأول يقتضي حال أعمالهم في الآخرة وأنها لا تنفعهم بل يضمحل ثوابها كما يضمحل السراب والثاني يقتضي حال أعمالهم في الدنيا وأنها في غاية الفساد والضلال كالظلمات التي بعضها فوق بعض والسراب هو ما يرى في الفلوات من ضوء الشمس في الهجيرة حتى يظهر كأنه ماء يجري على وجه الأرض والقيعة جمع قاع وهو المنبسط من الأرض وقيل بمعنى القاع وليس بجمع يحسبه الظمآن ماء الظمآن العطشان أي يظن العطشان أن السراب ماء فيأتيه ليشربه فإذا جاء خاب ما أمل وبطل ما ظن وكذلك الكافر يظن أن أعماله تنفعه فإذا كان يوم القيامة لم تنفعه فهي كالسراب حتى إذا جاءه ضمير الفاعل للظمآن وضمير المفعول للسراب أو ضمير الفاعل للكافر وضمير المفعول لعمله لم يجده شيئا أي شيئا ينتفع به أو شيئا موجودا على العموم لأنه معدوم ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل للظمآن وضمير المفعول للسراب أو ضمير الفاعل للكافر وضمير المفعول لعمله ووجد الله عنده ضمير الفاعل في وجد للكافر والضمير في عنده لعمله والمعنى وجد الله عنده بالجزاء أو وجد زبانية الله أو كظلمات هذا هو المثال الثاني وهو عطف على قوله كسراب والمشبه بالظلمات أعمال الكافر أي هم من الضلال والحيرة في مثل الظلمات المجتمعة من ظلمة البحر تحت الموج تحت السحاب في بحر لجي منسوب إلى اللج وهو معظم الماء وذهب بعضهم إلى أن أجزاء هذا المثال قوبلت به أجزاء الممثل به فالظلمات أعمال الكافر والبحر اللجي صدره والموج جهله والسحاب الغطاء الذي على قلبه وذهب بعضهم إلى أنه تمثيل بالجملة من غير مقابلة وفي وصف هذه الظلمات بهذه الأوصاف مبالغة كما أن وصف النور المذكور قبلها مبالغة إذا أخرج يده لم يكد يراها المعنى مبالغة في وصف الظلمة والضمير في أخرج وما بعده للرجل الذي وقع في الظلمات الموصوفة واختلف في تأويل الكلام فقيل المعنى إذا أخرج يده لم يقارب رؤيتها فنفى الرؤية ومقاربتها وقيل بل رآها بعد عسر وشدة لأن كاد إذا نفيت تقتضي الإيجاب وإذا أوجبت تقتضي النفي وقال ابن عطية إنما ذلك إذا دخل حرف النفي على الفعل الذي بعدها فأما إذا دخل حرف النفي على كاد كقوله لم يكد فإنه يحتمل النفي والإيجاب ومن لم يجعل الله له نورا أي من لم يهده الله لم يهتد فالنور كناية عن الهدى والإيمان في الدنيا وقيل أراد في الآخرة أي من لم يرحمه الله فلا رحمة له والأول أليق بما قبله ألم تر أن الله يسبح له من في السموات ومن في الأرض
الدر المنثور – السيوطي ج6/ص196
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة قال أعمال الكفار اذا جاؤا رأوها مثل السراب اذا أتاه الرجل قد احتاج إلى الماء فأتاه فلم يجد شيئا
فذلك مثل عمل الكافر يرى أن له ثوابا وليس له ثواب أو كظلمات في بحر لجي إلى قوله لم يكد يراها فذلك مثل قلب الكافر ظلمة فوق ظلمة
– الزمخشري ج3/ص248
والذين كفروا أعمـالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مآء حتى إذا جآءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفـاه حسابه والله سريع الحساب 2
السراب ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري والقيعة بمعنى القاع أو جمع قاع وهو المنبسط المستوي من الأرض كجيرة في جار وقرىء بقيعات بتاء ممطوطة كديمات وقيمات في ديمة وقيمة وقد جعل بعضهم بقيعاة بتاء مدورة كرجل عزهاة شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التي يحسبها تنفعه عند الله وتنجيه من عذابه ثم تخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه العطش يوم القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال الله فيهم عاملة ناصبة الغاشية 3 وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا الكهف 104 وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا الفرقان 23 وقيل نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية وقد كان تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية ثم كفر في الإسلام
2 أو كظلمـات فى بحر لجى يغشـاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمـات بعضها فوق بعض إذآ أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور 2
اللجي العميق الكثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر وفي أخرج ضمير الواقع فيه لم يكد يراها مبالغة في لم يرها أي لم يقرب أن يراها فضلا عن أن يراها ومثله قول ذي الرمة إذا غير النأي المحبين لم يكد
رسيس الهوى من حب مية يبرح
أي لم يقرب من البراح فما باله يبرح شبه أعمالهم أولا في فوات نفعها وحضور ضررها بسراب لم يجده من خدعه من بعيد شيئا ولم يكفه خيبة وكمدا أن لم يجد شيئا كغيره من السراب حتى وجد عنده الزبانية تعتله إلى النار ولا يقتل ظمأه بالماء وشبهها ثانيا في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب ثم قال ومن لم يوله نور توفيقه وعصمته ولطفه فهو في ظلمة الباطل لا نور له وهذا الكلام مجراه مجرى الكنايات لأن الألطاف إنما تردف الإيمان والعمل أو كونهما مترقبين ألا ترى إلى قوله والذين جـاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا العنكبوت 69 وقوله ويضل الله الظـالمين إبراهيم 27 وقرىء سحاب ظلمات على الإضافة وسحاب ظلمات برفع سحاب وتنوينه وجر ظلمـات بدلا من ظلمـات الأولى
تفسير ابن كثير ج3/ص315
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا وتقدم الكلام على تفسير ذلك ولله الحمد والمنة وقوله تعالى أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا أي يوم القيامة لا يستوي
تفسير البغوي ج3/ص349
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة السراب الشعاع الذي يرى نصف النهار عند شدة الحر في البراري يشبه الماء الجاري على الأرض يظنه من رآه ماء فإذا قرب منه انفش فلم ير شيئا والأل ما ارتفع من الأرض وهو شعاع يرى بين السماء والأرض بالغدوات شبه الملاءة يرفع فيه الشخوص يرى فيه الصغير كبيرا والقصير طويلا والرقراق يكون بالعشايا وهو ما ترقرق من السراب أي جاء وذهب والقيعة جمع القاع وهو المنبسط الواسع من الأرض وفيه يكون السراب يحسبه الظمآن أي يتوهمه العطشان ماء حتى إذا جاءه أي جاء ما قدر رأى أنه ماء وقيل جاء موضع السراب لم يجده شيئا على ما قدره وحسبه كذلك الكافر يحسب أن عمله نافعه فإذا أتاه ملك الموت واحتاج إلى عمله لم يجد عمله أغنى منه شيئا ولا نفعه ووجده الله عنده أي عند عمله أي وجد الله بالمرصاد وقيل قدم على الله فوفاه حسابه أي جزاء عمله والله سريع الحساب 40 أو كظلمات وهذا مثل آخر ضربه الله لأعمال الكفار يقول مثل أعمالهم من فسادها وجهالتهم فيها كظلمات في بحر لجي وهو العميق الكثير الماء ولجة البحر معظمه يغشاه يعلوه موج من فوقه موج متراكم من فوقه سحاب قرأ ابن كثير برواية القواس سحاب بالرفع والتنوين ظلمات بالجر على البدل من قوله أو كظلمات وروى أبو الحسن البري عنه سحاب ظلمات بالإضافة وقرأ الآخرون سحاب ظلمات كلاهما بالرفع والتنوين فيكون تمام سورة النور من الآية 41 وحتى الآية 42 الكلام عند قوله سحاب ثم ابتدأ فقال ظلمات بعضها فوق بعض ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر بعضها فوق بعض أي ظلمة الموج على ظلمة البحر وظلمة الموج فوق الموج وظلمة السحاب على ظلمة الموج وأراد بالظلمات أعمال الكافر وبالبحر اللجي قلبه وبالموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة وبالسحاب الختم والطبع على قلبه قال أبي بن كعب في هذه الآية الكافر ينقلب في خمسة أيام من الظلم فكلامه ظلمة وعمله ظلمة ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار إذا أخرج يعني الناظر يده لم يكد يراها يعني لم يقرب من أن يراها من شدة الظلمة وقال الفراء يكد صلة أي لم يرها قال المبرد يعني لم يرها إلا بعد الجهد كما يقول القائل ما كدت أراك من الظلمة وقد رآه ولكن بعد يأس وشدة وقيل معناه قرب من رؤيتها ولم يرها كما يقال كاد النعام يطير ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور قال ابن عباس من لم يجعل الله له دينا وإيمانا فلا دين له وقيل من لم يهده الله فلا إيمان له ولا يهديه أحد وقال مقاتل نزلت هذه الآية في عتبة بن ربيعة بن أمية كان يلتمس الدين في الجاهلية ويلبس المسوح فلما جاء الإسلام كفر والأكثرون على أنه عام في جميع الكفار
تفسير البيضاوي ج4/ص192
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة والذين كفروا خالهم على ضد ذلك فإن أعمالهم التي يحسبونها صالحة نافعة عند الله يجدونها لاغية مخيبة في العاقبة كالسراب وهو ما يرى في القلاة من لمعان الشمس عليها وقت الظهيرة فيظن أنه ماء يسرب أي يجري والقيعة بمعنى القاع وهو الأرص الخالية عن النبات وغيره المستوية وقيل جمعه كجار وجيرة وقرئ < بقيعات > كديمات في ديمة يحسبه الظمآن ماء أي العطشان وتخصيصه لتشبيه الكافر به ي شدة الخيبة عند ميس الحاجة حتى إذا جاءه جاء ما توهمه ماء أو موضعه لم يجده شيئا مما ظنه ووجد الله عنده عقابه أو زبانيته أو وجده محاسبا إياه فوفاه حسابه استعراضا أو مجازاة والله سريع الحساب لا يشغله حساب ن حساب روي أنها نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية تعبد في الجاهلية والتمس الدين فلما جاء الإسلام كفر أو كظلمات عطف على كسراب و أو للتخيير فإن أ مالهم لكونها لاغية لا منفعة لها كالسراب ولكونها خالية عن نور الحق كالظلمات المتراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب أو للتنويع فإن أعماله إن كانت حسنة فكالسراب وإن كانت قبيحة فكالظلمات أو للتقسيم باعتبار وقتين فإنها كالظلمات في الدنيا كالسراب في الآخرة في بحر لجي ذي لج أي عميق منسوب إلى اللج وهو معظم الماء يغشاه يغشى البحر موج من فوقه موج أي أمواج مترادفة متراكمة من فوقه من فوق الموج الثاني سحاب غطى النجوم ويحجب أنوارها والجملة صفة أخرى لل بحر ظلمات أي هذه ظلمات بعضها فوق بعض وقرأ ابن كثير ظلمات بالجر على إبدالها من الأولى أو بإضافة ال سحاب إليها في رواية البزي إذا أخرج يده وهي أقرب ما يرى إليه لم يكد يراها لم يقرب أن يراها فضلا أن يراها كقول ذي الرمة < إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح > والضمائر للواقع في البحر وإن لم يجر ذكره لدلالة المعنى عليه ومن لم يجعل الله له نورا ومن لم يقدر له الهداية ليوقفه لأسبابها فما له من نور خلاف الموفق الذي له نور على نور
تفسير الثعالبي ج3/ص123
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة وهى جمع قاع والقاع المنخفض البساط من الأرض ويريد بجاءه جاء موضعه الذى تخيله فيه ويحتمل أن يعود الضمير فى جاءه على السراب ثم يكون في الكلام بعد ذلك متروك يدل عليه الظاهر تقديره فكذلك الكافر يوم القيامة يظن عمله نافعا حتى اذا جاءه لم يجده شيأ
وقوله ووجد الله عنده اي بالمجازات والظمير فى عنده عائد على العمل وباقى الآية وعيد بين
وقوله تعالى او كظلمات عطف على قوله كسراب وهذا المثال الأخير تضمن صفة اعمالهم فى الدنيا اي انهم من الضلال فى مثل هذه الظلمات المجتمعة من هذه الأشياء وذهب بعض الناس الى ان فى هذا المثال اجزاء تقابل اجزاء من الممثل به فقال الظلمات الأعمال الفاسدة والمعتقدات الباطلة والبحر اللجى صدر الكافر وقلبه واللجى معناه ذو اللجة وهى معظم الماء وغمرة واجتماع ما به اشد لظلمته والموج هو الضلال والجهالة التى قد غمرت قلبه والسحاب هو شهوته فى الكفر وإعراضه عن الإيمان قال ع وهذا التأويل سائغ وان لايقدر هذا االتقابل سائغ
وقوله إذا أخرج يده لم يكد يراها لفظ يقتضى مبالغة الظلمة واختلف فى هذه اللفظة هل معناها انه لم يريده البتة او المعنى انه رءاها بعد عسر وشدة وكاد ان لا يراها ووجه ذلك ان كاد اذا صحبها حرف النفي وجب الفعل الذى بعدها واذا لم يصحبها انتفى الفعل وكاد معناها قارب
وقوله تعالى ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور قالت فرقة يريد فى الدنيا اي من لم يهده الله لم يهتد وقالت فرقة اراد فى الآخرة اي من لم يرحمه الله وينور حاله بالمغفرة والرحمة فلا رحمة له قال ع والأول ابين واليق بلفظ الآية وايضا فذلك متلازم ونور الآخرة انما هو لمن نور قلبه فى الدنيا
الجلالين ج1/ص465
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة جمع قاع أي في فلاة وهو شعاع يرى فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري يحسبه يظنه الظمآن أي العطشان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا مما حسبه كذلك الكافر يحسب أن عمله كصدقة ينفعه حتى إذا مات وقدم على ربه لم يجد عمله أي لم ينفعه ووجد الله عنده أي عند عمله فوفاه حسابه أي جازاه عليه في الدنيا والله سريع الحساب أي المجازاة
40 أو الذين كفروا أعمالهم السيئة كظلمات في بحر لجي عميق يغشاه موج من فوقه أي الموج موج من فوقه أي الموج الثاني سحاب أي غيم هذه ظلمات بعضها فوق بعض ظلمة البحر وظلمة الموج الأول وظلمة الثاني وظلمة السحاب إذا أخرج الناظر يده في هذه الظلمات لم يكد يراها أي لم يقرب من رؤيتها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور أي من لم يهده الله لم يهتد
تفسير السعدي ج1/ص569
هذان مثلان ضربهما الله لأعمال الكفار في بطلانها وذهابها سدى وتحسر عامليها منها
فقال والذين كفروا بربهم وكذبوا رسله أعمالهم كسراب بقيعة أي بقاع لا شجر فيه ولا نبات يحسبه الظمآن ماء شديد العطش الذي يتوهم ما لا يتوهم غيره بسبب ما معه من العطش وهذا حسبان باطل فيقصده ليزيل ظمأه حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فندم ندما شديدا وازداد ما به من الظمأ بسبب انقطاع رجائه كذلك أعمال الكفار بمنزلة السراب ترى ويظنها الجاهل الذي لا يدري الأمور أعمالا نافعة فتغره صورتها ويخلبه خيالها ويحسبها هو أيضا أعمالا نافعة لهواه وهو أيضا محتاج إليها كاحتياج الظمآن للماء حتى إذ قدم على أعماله يوم الجزاء وجدها ضائعة ولم يجدها شيئا والحال إنه لم يذهب لا له ولا عليه بل ووجد الله عنده فوفاه حسابه لم يخف عليه من عمله نقير ولا قطمير ولن يعدم منه قليلا ولا كثيرا الله سريع الحساب فلا يستبطىء الجاهلون ذلك الوعد فإنه لا بد من إتيانه ومثلها الله بالسراب الذي بقيعة أي لا شجر فيه ولا نبات وهذا مثال لقلوبهم لا خير فيها ولا بر فتزكو فيها الأعمال وذلك للسبب المانع وهو الكفر والمثل الثاني لبطلان أعمال الكفار كظلمات في بحر لجي بعيد قعره طويل مداه يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ظلمة البحر اللجي ثم فوقه ظلمة الأمواج المتراكمة ثم فوق ذلك ظلمة السحب المدلهمة ثم فوق ذلك ظلمة الليل البهيم فاشتدت الظلمة جدا بحيث أن الكائن في تلك الحال إذا أخرج يده لم يكد يراها مع قربها إليه فكيف بغيرها كذلك الكفار تراكمت على قلوبهم الظلمات ظلمة الطبيعة التي لا خير فيها وفوقها ظلمة الكفر وفوق ذلك ظلمة الجهل وفوق ذلك ظلمة الأعمال الصادرة عما ذكر فبقوا في الظلمة متحيرين وفي غمرتهم يعمهون وعن الصراط المستقيم مدبرون وفي طرق الغي والضلال يترددون وهذا لأن الله خذلهم فلم يعطهم من نوره ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور لأن نفسه ظالمة جاهلة فليس فيه من الخير والنور إلا ما أعطاها مولاها ومنحها ربها يحتمل أن هذين المثالين لأعمال جميع الكفار كل منهما منطبق عليها وعددهما لتعدد الأوصاف ويحتمل أن كل مثال لطائفة وفرقة فالأول للمتبوعين والثاني للتابعين والله أعلم
تفسير السمرقندي ج2/ص515
ثم ضرب مثلا لعمل الكفار فقال عز وجل والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يعني مثل أعمالهم الخبيثة في الآخرة كسراب بقيعة يعني كمثل سراب في مفازة ويقال قاع وقيعة وقيعان يعني أرضا مستوية كما يقال صبي وصبية وصبيان يحسبه الظمآن ماء يعني العطشان إذا رأى السراب من بعيد يعني يجده ماء حتى إذا جاءه يعني فإذا أتاه ليشرب منه لم يجده شيئا مما طلبه وأراده فكذلك الكافر يظن أنه يثاب في صدقته وعتقه وسائر أعماله فإذا جاءه يوم القيامة وجده هباء منثورا ولا ثواب له ووجد الله عنده أي يوم
القيامة عند عمله وهذا كما قال إن ربك لبالمرصاد الفجر 14 يعني مصير الخلائق إليه فوفاه حسابه يعني يوفيه ثواب عمله والله سريع الحساب فكأنه حاسب ويقال سريع الحفظ ويقال إذا حاسب فحسابه سريع فيحاسبهم جميعا فيظن كل واحد منهم أنه يحاسبه خاصة فلا يشغله حساب أحدهم عن الآخر لأنه لا يحتاج إلى أخذ الحساب ولا يجري فيه الغلط ولا يلتبس عليه ويحفظ على كل صاحب حساب حسابه ليذكره فهذا المثل لأعمال الكفار والتي في ظاهرها طاعة فأخبر أنه لا ثواب لهم بها
ثم ضرب مثلا آخر للكافر فقال عز وجل أو كظلمات قال بعضهم الألف زيادة ومعناه وكظلمات يعني ومثلهم أيضا كظلمات ويقال أو للتخيير يعني إن شئت فاضرب لهم المثل بالسراب وإن شئت بالظلمات فقال أو كظلمات في بحر لجي يعني مثل الكفار كمثل من في الظلمات فشبه قلب المؤمن بالقنديل وشبه قلب الكافر بالظلمات يعني كمثل رجل يكون في بحر عميق في ليل كثير الماء يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات يعني يكون في ظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة السحاب فكذلك الكافر في ظلمة الكفر وظلمة الجهل وظلمة الجور والظلم ويقال يغشاه موج من فوقه موج يعني المعاصي ومن فوقه العداوة والحسد والبغضاء و من فوقه سحاب يعني الخذلان من الله تعالى
ثم قال ظلمات بعضها فوق بعض كما قال للمؤمن نور على نور فيكون للكافر ظلمة على ظلمة قوله ظلمة وعمله ظلمة وإعتقاده ظلمة وقال أبو العالية يتقلب في خمس من الظلم كلامه ظلمة وعلمه ظلمة ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ومصيره إلى الظلمة وهو النار ويقال شبه قلب الكافر بالبحر العميق وشبه أعضاءه بالأمواج الثلاث طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فهذه الظلمات الثلاث تمنعه عن الحق
ثم قال إذا أخرج يده لم يكد يراها يعني من شدة الظلمة فإذا أبرز يده لم يكد يراها من شدة الظلمة يعني لم يكن شيء أقرب إليه من نفسه فلم ير نفسه فكذلك الكافر لم ينظر إلى القبر ولم يتفكر في أمر نفسه أيضا كقوله عز وجل وفي أنفسكم أفلا تبصرون الذاريات
ثم قال ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور يعني من لم يكرمه الله بالهدى فما له من مكرم بالمعرفة قرأ إبن كثير ظلمات بكسر التاء والتنوين فكأنه يجعله بمنزلة قوله كظلمات وقرأ الباقون بالضم على معنى الإبتداء وقرئ في الشاذ سحاب ظلمات على معنى الإضافة
تفسير الصنعاني ج3/ص61
عبد الرزاق قال أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى كسراب بقيعة قال بقيعة من الأرض يحسبه الظمآن ماء فهو مثل ضربه الله لعمل الكافر يحسب أنه في شيء كما يحسب هذا السراب ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا وكذلك الكافر إذا مات لم يجد عمله شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه
معمر عن قتادة في قوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي قال في بحر عميق وهو مثل ضربه للكافر أنه يعمل في ظلمة وحيرة قال ظلمات بعضها فوق بعض
تفسير القرطبي ج12/ص282
قوله تعالى والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة لما ضرب الله مثل المؤمن ضرب مثل الكافر قال مقاتل نزلت في شيبة بن ربيعة بن عبد شمس كان يترهب متلمسا للدين فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر أبو سهل في أهل الكتاب الضحاك في أعمال الخير للكافر كصلة الرحم ونفع الجيران والسراب ما يرى نصف النهار في اشتداد الحر كالماء في المفاوز يلتصق بالأرض والآل الذي يكون ضحا كالماء إلا أنه يرتفع عن الأرض حتى يصير كأنه بين الأرض والسماء وسمى السراب سرابا لأنه يسرب أي يجري كالماء ويقال سرب الفحل أي مضى وسار في الأرض ويسمى الآل أيضا ولا يكون إلا في البرية والحر فيغتر به العطشان قال الشاعر فكنت كمهريق الذي في سقائه لرقراق آل فوق رابية صلد وقال آخر فلما كففنا الحرب كانت عهودهم لمع سراب بالفلا متألق وقال امرؤ القيس ألم أنض المطي بكل خرق أمق الطول لماع السراب والقيعة جمع القاع مثل جيرة وجار قاله الهروي وقال أبو عبيدة قيعة وقاع واحد حكاه النحاس والقاع ما انبسط من الأرض واتسع ولم يكن فيه نبت وفيه يكون السراب وأصل القاع الموضع المنخفض الذي يستقر فيه الماء وجمعه قيعان قال الجوهري والقاع المستوي من الأرض والجمع أقوع وأقواع وقيعان صارت الواو ياء لكسر ما قبلها والقيعة مثل القاع وهو أيضا من الواو وبعضهم يقول هو جمع يحسبه الظمآن أي العطشان ماء أي يحسب السراب ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا مما قدره ووجد أرضا لا ماء فيها وهذا مثل ضربه الله تعالى للكفار يعولون على ثواب أعمالهم فإذا قدموا على الله تعالى وجدوا ثواب أعمالهم محبطة بالكفر أي لم يجدوا شيئا كما لم يجد صاحب السراب إلا أرضا لا ماء فيها فهو يهلك أو يموت ووجد الله عنده أي وجد الله بالمرصاد فوفاه حسابه أي جزاء عمله قال امرؤ القيس فولى مدبرا يهوى حثيثا وأيقن انه لاقى الحسابا وقيل وجد وعد الله بالجزاء على عمله وقيل وجد أمر الله عند حشره والمعنى متقارب وقرىء بقيعات المهدوي ويجوز أن تكون الألف مشبعة من فتحة العين ويجوز أن تكون مثل رجل عزه وعزهاة للذي لايقرب النساء ويجوز أن يكون جمع قيعة ويكون على هذا بالتاء في الوصل والوقف وروي عن نافع وأبي جعفر وشيبة الظمان بغير همز والمشهور عنهما بالهمز يقال ظمىء يظمأ ظمأ فهو ظمآن وإن خففت الهمزة قلت الظمان وقوله والذين كفروا ابتداء أعمالهم ابتداء ثان والكاف من كسراب الخبر والجملة خبر عن الذين ويجوز ان تكون أعمالهم بدلا من الذين كفروا أي وأعمال الذين كفروا كسراب فحذف المضاف
قوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي ضرب تعالى مثلا آخر للكفار أي أعمالهم كسراب بقيعة أو كظلمات قال الزجاج إن شئت مثل بالسراب وإن شئت مثل بالظلمات فأو للإباحة حسبما تقدم من القول في أو كصيب وقال الجرجاني الآية الأولى في ذكر أعمال الكفار والثانية في ذكر كفرهم ونسق الكفر على أعمالهم لأن الكفر أيضا من أعمالهم وقد قال تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور أي من الكفر إلى الإيمان وقال أبو علي أو كظلمات أو كذي ظلمات ودل على هذا المضاف قوله تعالى إذا أخرج يده فالكناية تعود إلى المضاف المحذوف قال القشيري فعند الزجاج التمثيل وقع لأعمال الكفار وعند الجرجاني لكفر الكافر وعند أبي علي للكافر وقال بن عباس في رواية هذا مثل قلب الكافر في بحر لجي قيل هو منسوب إلى اللجة وهو الذي لا يدرك قعره واللجة معظم الماء والجمع لجج والتج البحر إذا تلاطمت أمواجه ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ركب البحر إذا التج فقد برئت منه الذمة والتج الأمر إذا عظم واختلط وقوله تعالى حسبته لجة النمل أي ما له عمق ولججت السفينة أي خاضت اللجة بضم اللام فأما اللجة بفتح اللام فأصوات الناس يقول سمعت لجة الناس أي أصواتهم وصخبهم قال أبو النجم في لجة أمسك فلانا عن فل والتجت الأصوات أي اختلطت وعظمت يغشاه موج أي يعلو ذلك البحر اللجي موج من فوقه موج أي من فوق الموج موج ومن فوق هذا الموج الثاني سحاب فيجتمع خوف الموج وخوف الريح وخوف السحاب وقيل المعنى يغشاه موج من بعده موج فيكون المعنى الموج يتبع بعضه بعضا حتى كأن بعضه فوق بعض وهو أخوف ما يكون إذا توالى موجه وتقارب ومن فوق هذا الموج سحاب وهو أعظم للخوف من وجهين أحدهما أنه قد غطى النجوم التي يهتدى بها الثاني الريح التي تنشأ مع السحاب والمطر الذي ينزل منه ظلمات بعضها فوق بعض قرأ بن محيصن والبزي عن بن كثير سحاب ظلمات بالإضافة والخفض قنبل سحاب منونا ظلمات بالجر والتنوين الباقون بالرفع والتنوين قال المهدوي من قرأ من فوقه سحاب ظلمات بالاضافة فلأن السحاب يرتفع وقت هذه الظلمات فأضيف إليها كما يقال سحاب رحمة إذا ارتفع في وقت المطر ومن قرأ سحاب ظلمات جر ظلمات على التأكيد لظلمات
الأولى أو البدل منها وسحاب ابتداء ومن فوقه الخبر ومن قرأ سحاب ظلمات فظلمات خبر ابتداء محذوف التقدير هي ظلمات أو هذه ظلمات قال بن الأنباري من فوقه موج غير تام لأن قوله من فوقه سحاب صلة للموج والوقف على قوله من فوقه سحاب حسن ثم تبتدئ ظلمات بعضها فوق بعض على معنى هي ظلمات بعضها فوق بعض وروي عن أهل مكة أنهم قرؤوا ظلمات على معنى أو كظلمات ظلمات بعضها فوق بعض فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على السحاب ثم قيل المراد بهذه الظلمات ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة الليل وظلمة البحر فلا يبصر من كان في هذه الظلمات شيئا ولا كوكبا وقيل المراد بالظلمات الشدائد أي شدائد بعضها فوق بعض وقيل أراد بالظلمات أعمال الكافر وبالبحر اللجي قلبه وبالموج فوق الموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة وبالسحاب الرين والختم والطبع على قلبه روى معناه عن بن عباس وغيره أي لا يبصر بقلبه نور الإيمان كما أن صاحب الظلمات في البحر إذا أخرج يده لم يكد يراها وقال أبي بن كعب الكافر يتقلب في خمس من الظلمات كلامه ظلمة وعمله ظلمة ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات في النار وبئس المصير إذا أخرج يده يعني الناظر لم يكد يراها أي من شدة الظلمات قال الزجاج وأبو عبيدة المعنى لم يرها ولم يكد وهو معنى قول الحسن ومعنى لم يكد لم يطمع أن يراها وقال الفراء كاد صلة أي لم يرها كما تقول ما كدت أعرفه وقال المبرد يعني لم يرها إلا من بعد الجهد كما تقول ما كدت أراك من الظلمة وقد رآه بعد يأس وشدة وقيل معناه قرب من الرؤية ولم ير كما يقال كاد العروس يكون أميرا وكاد النعام يطير وكاد المنتعل يكون راكبا النحاس وأصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها فإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة ومن لم يجعل الله له نور يهتدي به حين أظلمت عليه الأمور وقال بن عباس أي من لم يجعل الله له دينا فما له من دين ومن لم يجعل الله له نورا يمشي به يوم القيامة لم يهتد
إلى الجنة كقوله تعالى ويجعل لكم نورا تمشون به الحديد وقال الزجاج ذلك في الدنيا والمعنى من لم يهده الله لم يهتد وقال مقاتل بن سليمان نزلت في عتبة بن ربيعة كان يلتمس الدين في الجاهلية ولبس المسوح ثم كفر في الإسلام الماوردي في شيبة بن ربيعة وكان يترهب في الجاهلية ويلبس الصوف ويطلب الدين فكفر في الإسلام قلت وكلاهما مات كافرا فلا يبعد أن يكونا هما المراد بالآية وغيرهما وقد قيل نزلت في عبد الله بن جحش وكان أسلم وهاجر إلى أرض الحبشة ثم تنصر بعد إسلامه وذكر الثعلبي وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى خلقني من نور وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر وعائشة من نور أبي بكر وخلق المؤمنين من أمتي من نور عمر وخلق المؤمنات من أمتي من نور عائشة فمن لم يحبني ويحب أبا بكر وعمر وعائشة فماله من نور فنزلت ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور
تفسير مجاهد ج2/ص443
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يعني السراب يكون بقاع من الأرض والسراب عمل الكافر
أنبا عبد الرحمن قال نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله حتى إذا جاءه قال اتيانه إياه موته وفراقه الدنيا ووجد الله عنده فراقه الدنيا فوفاه حسابه
أنبا عبد الرحمن قال ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
روح المعاني – الألوسي ج18/ص179
والذين كفروا إلى آخره عطف على ما قبله عطف القصة على القصة أو على مقدر ينساق إليه ما قبله كأنه قيل الذين آمنوا أعمالهم حالا ومآلا كما وصف الذين كفروا أعمالهم كسراب أي أعمالهم التي هي من أبواب البر كصلة الأرحام وفك العناة سقاية الحاج وعمارة البيت وإغاثة الملهوفين وقري الأضياف ونحو ذلك على ما قيل وقيل أعمالهم التي يظنون الإنتفاع بها سواء كان مما يشترط فيها الإيمان كالحج أم كانت مما لا يشترط فيها ذلك كسقاية الحاج وسائر ما تقدم وقيل المراد بها ما يشمل الحسن والقبيح ليتأتى التشبيهان وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك والسراب بخار رقيق يرتفع من قعور القيعان فإذا اتصل به ضوء الشمس أشبه من بعيد الماء السارب أي الجري واشترط فيه الفراء اللصوق في الأرض وقيل هو ما ترقرق من الهواء في الهجير في فيافي الأرض المنبسطة وقيل هو الشعاع الذي يرى نصف النهار عند اشتداد الحر في البر يخيل للناظر أنه ماء سارب قال الشاعر فلما كففنا الحرب كانت عهودكم كلمع سراب في الفلا متألق وإلى هذا ذهب الطبرسي وفسر الآل بأنه شعاع يرتفع بين السماء والأرض كالماء ضحوة النهار بقيعة متعلق بمحذوف هو صفة سراب أي كائن بقيعة وهي الأرض المنبسطة المستوية وقيل هي جمع قاع كجيرة في جار ونيرة في نار وقرأ مسلمة بن محارب بقيعات بتاء طويلة على أنه جمع قيعة كديمات وقيمات في ديمة وقيمة وعنه أنه قرأ بقيعاة بتاء مدورة ويقف عليها بالهاء فيحتمل أن يكون جمع قيعة ووقف بالهاء على لغة طيء كما قالوا البناه والإخواه ويحتمل كما قال صاحب اللوامح أن يكون مفردا وأصله قيعة كما في قراءة الجمهور لكنه أشبع الفتحة فتولدت منها الألف يحسبه الظمآن ماءا صفة أخرى لسراب وجوز أن يكون هو الصفة وبقيعة ظرفا لما يتعلق به الكاف وهو الخبر والحسبان الظن على المشهور وفرق بينهما بأن الظن يخطر النقيضان بباله ويغلب أحدهما على الآخر والحسبان أن يحكم بأحدهما من غير أن يخطر الآخر بباله فيعقد عليه الأصبع ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك وتخصيص الحسبان بالضمآن مع شموله لكل من يراه من العطشان والريان لتكميل التشبيه بتحقيق شركة طرفية في وجه الشبه الذي هو المطلع المطمع والمقطع المؤيس وقرأ شيبة وأبو جعفر ونافع بخلاف عنهما الظمآن بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الميم حتى إذا جاءه أي إذا جاء العطشان ما حسبه ماء وقيل إذا جاء موضعه لم يجده أي لم يجد ما حسبه ماء وعلق رجاءه به شيئا أصلا لا محققا ولا مظنونا كان يراه من قبل فضلا عن وجه أنه ماء ونصب شيئا قيل على الحالية وأمر الإشتقاق سهل وقيل على أنه مفعول ثان لوجد بناء على أنها من أخوات ظن وجوز أن يكون منصوبا على البدلية من الضمير ويجوز إبدال النكرة من المعرفة بلا نعت إذا كان مفيدا كما صرح به الرضي واختاره أبو البقاء أنه منصوب على المصدرية كأنه قيل لم يجده وجدانا وهو كما ترى ووجد الله عنده عطف على جملة لم يجده فهو داخل في التشبيه أي ووجد الظمآن مقدوره تعالى من الهلاك عند السراب المذكور وقيل أي وجد الله تعالى محاسبا إياه على أن العندية بمعنى الحساب لذكر التوفية بعد بقوله سبحانه فوفيه حسابه أي أعطاه وافيا كاملا حساب عمله وجزاءه أو أتم حسابه بعرض الكتبة ما قدمه والله سريع الحساب
39
لا يشغله حساب عن حساب وفي إرشاد العقل السليم أن بيان أحوال الكفرة بطريق التمثيل قد تم بقوله سبحانه لم يجده شيئا وقوله عالى ووجد الخ بيان لبقية أحوالهم العارضة لهم بعد ذلك بطريق التكملة لئلا يتوهم أن قصارى أمرهم هو الخيبة والقنوط فقط كما هو شأن الظمآن ويظهر أنه يعتريهم بعد ذلك من سوء الحال ما لا قدر للخيبة عنده أصلا فليست الجملة معطوفة على لم يجده شيئا بل على ما يفهم منه بطريق التمثيل من عدم وجدان الكفرة من أعمالهم عينا ولا أثرا كما في قوله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا كيف لا وأن الحكم بأن أعمال الكفرة كسراب يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا حكم بأنها بحيث يحسبونها في الدنيا نافذ لهم في الآخرة حتى إذا جاءوها لم يجدوها شيئا كأنه قيل حتى إذا جاء الكفرة يوم القيامة أعمالهم التي كانوا في الدنيا يحسبونها نافعة لهم في الآخرة لم يجدوها شيئا ووجدوا الله أي حكمه وقضاءه عند المجيء وقيل عند العمل فوفاهم أي أعطاهم وافيا حسابهم أي حساب أعمالهم المذكورة وجزاءها اعتقادهم لنفعها بغير إيمان وعملهم بموجبه كفر على كفر موجب للعقاب قطعا وإفراد الضميرين الراجعين إلى الذين كفروا إما لإرادة الجنس كالظمآن الواقع في التمثيل وإما للحمل على كل واحد منهم وكذا إفراد ما يرجع إلى أعمالهم انتهى ولا يخفى ما فيه من البعد وارتكاب خلاف الظاهر وأيما كان فالمراد بالظمآن مطلق الظمآن وقيل المراد بع الكافر وإليه ذهب الزمخشري قال شبه سبحانه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجده ويجد زبانية الله تعالى عنده يأخذونه فيسقونه الحميم والغساق وكأنه مأخوذ مما أخرجه عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق السدي في غرائبه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الكفار يبعثون يوم القيامة وردا عطاشا فيقولون أين الماء فيمثل لهم السراب فيحسبونه ماء فينطلقون إليه فيجدون الله تعالى عنده فيوفيهم حسابهم والله سريع الحساب واستطيب ذلك العلامة الطيبي حيث قال إنما قيد المشبه به برؤية الكافر وجعل أحواله ما يلقاه يوم القيامة ولم يطلق لقوله تعالى ووجد الله عنده الخ لأنه من تتمة أحوال المشبه به وهذا الأسلوب أبلغ لأن خيبة الكافر أدخل وحصوله على خلاف ما يؤمله أعرق
وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم من حمل الظمآن على الكافر تشبيه الشيء بنفسه ورد بأن التشبيه على ما ذكره جار الله تمثيلي أو مقيد لا مفرق كما توهم فلا يلزم من اتحاد بعض المفردات في الطرفين تشبيه الشيء بنفسه كاتحاد الفاعل في أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى وبالجملة هو أحسن مما في الإرشاد كما لا يخفى على من سلم ذهنه من غبار العتاد
والآية على ما روي عن مقاتل نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية ثم كفر في الإسلام ولا يأبى ذلك قوله تعالى والذين كفروا لأنه غير خاص بسبب النزول وإن دخل فيه دخولا أوليا ولا يرد عليه أن الآية مدنية نزلت بعد بدر وعتبة قتل في بدر فإن كثيرا من الآيات نزل بسبب الأموات وليس في ذلك محذورا أصلا ثم لا يبعد أن يكون في حكم هؤلاء الكفرة الفلاسفة ومتبعوهم من المتزيين بزي الإسلام فإن اعتقاداتهم وأعمالهم حيث لم تكن على وفق الشرع كسراب بقيعة
أو كظلمات عطف على كسراب وكلمة أو قيل لتقسيم حال أعمالهم الحسنة وجوز الإطلاق باعتبار وقتين فإنها كالسراب في الآخرة من حيث عدم نفعها وكالظلمات في الدنيا من حيث خلوها عن نور الحق وخص هذا بالدنيا لقوله تعالى ومن لم يجعل اله له نورا فما له من نور فإنه ظاهر في الهداية والتوفيق المخصوص بها والأول بالآخرة لقوله تعالى ووجد الخ وقدم أحوال الآخرة التي هي أعظم وأهم لاتصال ذلك بما يتعلق بها من قوله سبحانه ليجزيهم الخ ثم ذكر أحوال الدنيا تتميما لها
وجوز أن يعكس ذلك فيكون المراد من الأول تشبيه أعمالهم بالسراب في الدنيا حال الموت ومن الثاني تشبيهها بالظلمات في القيامة كما في الحديث الظلم ظلمات يوم القيامة ويكون ذلك ترقيا مناسبا للترتيب الوقوعي وليس بذلك لما سمعت وقيل للتنويع وذلك أنه أثر ما مثلت أعمالهم التي كانوا يعتمدون عليها أقوى اعتماد ويفتخرون بها في كل واد وناد بما ذكر من حال السراب مثلت أعمالهم القبيحة التي ليس فيها شائبة خيرية يغتر بها المغترون بالظلمات المذكورة وزعم الجرجاني أن المراد هنا تشبيه كفرهم فقط وهو كما ترى والظاهر على التنويع أن يراد من الأعمال في قوله تعالى أعمالهم ما يشمل النوعين
واعترض بأنه يأبى ذلك قوله تعالى ووجد الله عنده بناء على دخوله في التشبيه لأن أعمالهم الصالحة وإن سلم أنها لا تنفع مع الكفر لا وخامة في عاقبتها كما يؤذن به قوله سبحانه ووجد الخ وأجيب بأنه ليس فيه ما يدل على أن سبب العقاب الأعمال الصالحة بل وجد أن العقاب بسبب قبائح أعمالهم لكنها ذكرت جميعها لبيان أن بعضها جعل هباء منثورا وبعضها معاقب به وجوز أن تكون للتخيير في التشبيه لمشابهة أعمالهم الحسنة أو مطلقا السراب لكونها لاغية لا منفعة فيها والظلمات المذكورة لكونها خالية عن نور الحق واختاره الكرماني واعترض بأن الرض كغيره ذكر أنها لا تكون للتخيير إلا في الطلب وأجيب بأنه اشتهر ذلك فقد ذهب كثير إلى عدم اختصاصه به كائن مالك والزمخشري ووقوعه في التشبيه كثير وأيا ما كان فليس في الكلام مضاف محذوف وقال أبو علي الفارسي فيه مضاف محذوف والتقدير أو كذي ظلمات ودل عليه ما يأتي من قوله سبحانه إذا أخرج يده والتشبيه هنا يحتمل أن يكون للأعمال على نمط التشبيه السابق ويقدر أو كاعمال ذي ظلمات ويحتمل أن يكون للكفرة ويقدر أو هم كذي ظلمات والكل خلاف الظاهر وأمر الضمير سيظهر لك إن شاء الله تعالى وقرأ سفيان بن حسين أو كظلمات بفتح الواو ووجه ذاك في البحر بأنه جعلها واو عطف تقدمت عليها الهمزة التي لتقرير التشبيه الخالي عن محض الإستفهام وقيل هي أو التي في قراءة الجمهور وفتحت الواو للمجاورة كما كسرت الدال لها في قوله تعالى الحمد لله على بعض القراآت في بحر لجي أي عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر وقيل اللجة وهي أيضا معظمة وهو صفة بحر وكذا جملة قوله تعالى يغشاه أي يغطي ذلك البحر ويستره بالكلية موج وقدمت الأولى لإفرادها وقيل الجملة صفة ذي المقدر والضمير راجع إليه وقد علمت حال ذلك التقدير وقوله تعالى من فوقه موج جملة من مبتدأ وخبر محلها الرفع على أنها صفة لموج أو الصفة الجار والمجرور وما بعده فاعل له لاعتماده على الموصوف والمراد يغشاه أمواج متراكمة متراكبة بعضها على بعض وقوله تعالى من فوقه سحاب صفة لموج الثاني على أحد الوجهين المذكورين أي من فوق ذلك الموج سحاب ظلماني ستر أضواء النجوم وفيه إيماء إلى غاية تراكم الأمواج وتضاعفها حتى كأنها بلغت السحاب ظلمات خبر مبتدأ محذوف أي هي ظلمات بعضها فوق بعض أي متكاثفة متراكمة وهذا بيان لكمال شدة الظلمات كما أن قوله تعالى نور على نور بيان لغاية قورة النور خلا أن ذلك متعلق بالمشبه وهذا بالمشبه به كما يعرب عنه ما بعده وأجاز الحوفي أن يكون ظلمات مبتدأ خبره قوله تعالى بعضها فوق بعض وتعقبه أبو حيان وتبعه ابن هشام بأن الظاهر أنه لا يجوز لما فيه من الإبتداء بالنكرة من غير مسوغ إلا أن يقدر صفة لها يؤذن بها التنوين أي ظلمات مثيرة أو عظيمة وهو تكلف وأجاز أيضا أن يكون بعضها بدلا من ظلمات وتعقب بأنه لا يجوز من جهة المعنى لأن المراد والله تعالى أعلم الإخبار بأنها ظلمات وأن بعض تلك الظلمات فوق بعض أي هي ظلمات متراكمة لا الإخبار بأن بعض ظلمات فوق بعض من غير إخبار بأن تلك الظلمات السابقة متراكمة وقرأ قنبل ظلمات بالجر على أنه بدل من ظلمات الأولى لا تأكيد لها وجملة بعضها فوق بعض في موضع الصفة له وقرأ البزي سحاب ظلمات بإضافة سحاب إلى ظلمات وهذه الإضافة كالإضافة في لجين الماء أو لبيان أن ذلك السحاب ليس سحاب مطر ورحمة وإذا أخرج أي من ابتلى بها وإضماره من غير ذكر لدلالة المعنى عليه دلالة واضحة وكذا تقدير ضمير يرجع إلى ظلمات واحتيج إليه لأن جملة إذا أخرج الخ في موضع الصفة لظلمات ولا بد لها من رابط ولا يتعين ما أشرنا إليه وقيل ضمير الفاعل عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل على حد لا يشرب الخمر وهو مؤمن أي إذا أخرج المخرج فيها يده وجعلها بمرأى منه قريبة من عينيه لينظر إليها لم يكد يراها أي لم يقرب من رؤيتها وهي أقرب شيء إليه فضلا عن أن يراها وزعم ابن الأنباري زيادة يكد وزعم الفراء والمبرد أن المعنى لم يرها إلا بعد الجهد فإنه قد جرى العرف أن يقال ما كاد يفعل ولم يكد يفعل في فعل قد فعل بجهد مع استبعاد فعله وعليه جاء قوله تعالى فذبحوها وما كادوا يفعلون ومن هنا خطأ ابن شبرمة ذا الرمة بقوله إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح وناداه يا أبا غيلان أراه قد برح ففك وسلم له ذو الرمة ذلك فغير لم يكد بلم يكن أو لم أجد والتحقيق أن الذي يقتضيه لم يكد وما كاد يفعل أن الفعل لم يكن من أصله ولا قارب في الظن أن يكون ولا يشك في هذا
وقد علم أن كاد موضوعة لشدة قرب الفعل من الوقوع ومشارفته فمحال أن يوجب نفيه وجود الفعل لأنه يؤدي إلى أن يكون ما قارب كذلك فالنظر إلى أنه إذا لم يكن المعنى على أن ثمت حالا يبعد معها أن تكون ثم تغيرت كما في قوله تعالى فذبحوها الخ يلتزم الظاهر ويجعل المعنى أن الفعل لم يقارب أن يكون فضلا عن أن يكون والآية على ذلك وكذا البيت وقد ذكر أن لم يكد فيهما جواب إذا فيكون مستقبلا وإذا قلت إذا خرجت لم أخرج فقد نفيت خروجا في المستقبل فاستحال أن يكون المعنى فيهما على أن الفعل قد كان
وهذا التحقيق خلاصة ما حقق الشيخ في دلائل الإعجاز ومنه يعلم تخطئة من زعم أن كاد نفيها إثبات وإثباتها نفي
وفي الحواشي الشهابية أن نفي كاد على التحقيق المذكور أبلغ من نفي الفعل الداخلة عليه لأن نفي مقاربته يدل عليه نفيه بطريق برهاني إلا أنه وقع في الماضي لا ينافي ثبوته في المستقبل وربما أشعر بأنه وقع بعد اليأس منه كما في آية البقرة وإذا وقع في المستقبل لا ينافي وقوعه في الماضي فإن قامت قرينة على ثبوته فيه أشعر بأنه انتفى وأيس منه بعد ما كان ليس كذلك كما في هذه الآية فإنه لشدة الظلمة لا يمكنه رؤية يده التي التي كانت نصب عينيه ثم فرع على هذا أن لك أن تقول إن مراد من قال إن نفيها إثبات وإثباتها نفي أن نفيها في الماضي يشعر بالثبوت في المستقبل وعكسه كما سمعت وهذا وجه تخطئة ابن شبرمة وتغيير ذي الرمر لأن مراده أن قديم هواها لم يقرب من الزوال في جميع الأزمان ونفيه في المستقبل يوهم ثبوته في الماضي فلا يقال إنهما من فصحاء العرب المستشهد بكلامهم فكيف خفي ذلك عليهما ولذا استبعده في الكشف وذهب إلى أن قصتهما موضوعة أوصي بحفظ ذلك حيث قال فاحفظه فإنه تحقيق أنيق وتوفيق دقيق سنح بمحض اللطف والتوفيق انتهى
ولعمري أن ما أول به كلام القائل بعيد غاية البعد ولا أظنه يقع موقع القبول عنده ونفي كل فعل في الماضي لا ينافي ثبوته في المستقبل ونفيه في المستقبل لا ينافي وقوعه في الماضي ولا اختصاص لكاد بذلك فياليت شعري هل دفع الإيهام ما غير إليه ذو الرمة بيته فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك ثم إن ظاهر الآية يقتضي أن مانع الرؤية شدة الظلمة وهو كذلك لأن شرط الرؤية بحسب العادة في هذه النشأة الضوء سواء كانت بمحض خلق الله تعالى كما ذهب إليه أهل الحق أو كانت بخروج الشعاع من العين على هيئة مخروط مصمت أو مؤلف من خطوط مجتمعة في الجانب الذي يلي الرأس أولا على هيئة مخروط بل على استواء لكن مع ثبوت طرفه الذي يلي العين واتصاله بالمرئى أو بتكيف الشعاع الذي في العين بكيفية الهواء وصيرورة الكل آلة للرؤية كما ذهب إليه فرق الرياضيين أو كانت بانطباع شبح المرئى في جزء من الرطوبة الجليدية التي تشبه البرد والجمد كما ذهب إليه الطبيعيون وهذان المذهبان هما المشهوران للفلاسفة ونسب للإشراقيين منهم واختاره شهاب الدين القتيل أن الرؤية بمقابلة المستنير للعضو الباصر الذي فيه رطوبة وإذا وجدت هذه الشروط مع زوال المانع يقع للنفس علم إشراقي حضوري على البصر فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جلية بلا شعاع ولا انطباع واختار الملا صدرا أنها بإنشاء صورة مماثلة للمرئى بقدرة الله تعالى من عالم الملكوت النفساني مجردة عن المادة الخارجية حاضرة عند النفس المدركة قائمة بها قيام الفعل بفاعله لا قيام المقبول بقابله وتحقيق ذلك بما له وما عليه في مبسوطات كتب الفلسفة وربما يظن أن الظلمة سواء كانت وجودية أو عدم ملكة من شروط الرؤية كالضوء لكن بالنسبة إلى بعض الأجسام كالأشياء التي تلمع بالليل ونفى ابن سينا ذلك وقال لا سيما أن تكون الظلمة شرطا لوجود اللوامع مبصرة وذلك لأن المضيء مرئي سواء كان الرائي في الظلمة أو في الضوء كالنار نراها مطلقا وأما الشمس فإنما لا يمكننا أن نراها في الظلمة لأنها متى طلعت لم تبق الظلمة وأما الكواكب واللوامع فإنما ترى في الظلمة دون النهار لأن ضوء الشمس غالب على ضوئها وإذا انفعل الحس عن الضوء القوي لا جرم لا ينفعل عن الضعيف فأما في الليل فليس ضوء غالب على ضوئها فلا جرم ترى وبالجملة فصيرورتها غير مرئية ليس لتوقف ذلك على الظلمة بل لوجود المانع عن الرؤية وهو وجود الضوء الغالب انتهى ويمكن أن يقال إن ضوء الشمس على ما ذكرنا مانع عن رؤية اللوامع ورفع مانع الرؤية شرط لها ودفع الضوء هو الظلمة فالظلمة شرط رؤية اللوامع بالليل وهو المطلوب فتدبر ولا تغفل والله تعالى أعلم بحقائق الأمور ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور
زاد المسير – ابن الجوزي ج6/ص49
ثم ضرب الله مثلا للكفار فقال والذين كفروا أعمالهم كسراب قال ابن قتيبة السراب ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار والآل ما رأيته في أول النهار وآخره وهو يرفع كل شئ والقيعة والقاع واحد وقرأ أبي ابن كعب وعاصم الجحدري وابن السميفع بقيعات وقال الزجاج القيعة جمع قاع مثل جار وجيرة والقيعة والقاع ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماء يجري وذلك هو السراب والآل مثل السراب إلا انه يرتفع وقت الضحى كالماء بين السماء والأرض يحسبه الظمآن وهو الشديد العطش ماء حتى إذا جاء إلى موضع السراب رأى أرضا لاماء فيها فأعلم الله ان الكافر الذي يظن أن عمله قد نفعه عند الله كظن الذي يظن السراب ماء وعمله قد حبط قوله تعالى ووجد الله عنده أي قدم على الله فوفاه حسابه أي جازاه بعمله وهذا في الظاهر خبر عن الظمآن والمراد به الخبر عن الكافر
قوله تعالى والله سريع الحساب مفسر في البقرة
قوله تعالى أو كظلمات في هذا المثل قولان
أحدهما أنه لعمل الكافر قاله الجمهور واختاره الزجاج
والثاني أنه مثل لقلب الكافر في أنه لا يعقل ولا يبصر قاله الفراء فأما اللجي فهو العظيم اللجة وهو العميق يغشاه أي يعلو ذلك البحر موج من فوقه أي من فوق الموج موج والمعنى يتبع الموج موج حتى كان بعضه فوق بعض من فوقه أي من فوق ذلك الموج سحاب
ثم ابتدأ فقال ظلمات يعني ظلمة البحر وظلمة الموج الأول وظلمة الموج الذي فوق الموج وظلمة السحاب وقرأ ابن كثير وابن محيصن سحاب ظلمات مضافا إذا أخرج يده يعني إذا أخرجها مخرج لم يكد يراها فيه قولان
أحدهما أنه لم يرها قاله الحسن واختاره الزجاج قال لأن في دون هذه الظلمات لا يرى الكف وكذلك قال ابن الأنباري معناه لم يرها البتة لأنه قد قام الدليل عند وصف تكاثف الظلمات على ان الرؤية معدومة فبان بهذا الكلام أن يكد زائدة للتوكيد بمنزلة ما في قوله عما قليل ليصبحن نادمين المؤمنون
والثاني أنه لم يرها إلا بعد الجهد قاله المبرد قال الفراء وهذا كما تقول ما كدت أبلغ إليك وقد بلغت قال الفراء وهذا وجه العربية فصل
فأما وجه المثل فقال المفسرون لما ضرب الله للمؤمن مثلا بالنور ضرب للكافر هذا المثل بالظلمات والمعنى أن الكافر في حيرة لا يهتدي لرشد وقيل الظلمات ظلمة الشرك وظلمة المعاصي وقال بعضهم ضرب الظلمات مثلا لعمله والبحر اللجي لقلبه والموج لما يغشى قلبه من الشرك والجهل والحيرة والسحاب للرين والختم على قلبه فكلامه ظلمة وعمله ظلمة ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة
قوله تعالى ومن لم يجعل الله له نورا فيه قولان
أحدهما دينا وإيمانا قاله ابن عباس والسدي والثاني هداية قاله الزجاج
فتح القدير – الشوكاني ج4/ص38
ذكر سبحانه حال المؤمنين وما يئول إليه أمرهم ذكر مثلا للكافرين فقال والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة المراد بالأعمال هنا هى الأعمال التى من أعمال الخير كالصدقة والصلة وفك العانى وعمارة البيت وسقاية الحاج والسراب ما يرى في المفاوز من لمعان الشمس عند اشتداد حر النهار على صورة الماء في ظن من يراه وسمى سرابا لأنه يسرب أى يجرى كالماء يقال سرب الفحل أى مضى وسار في الأرض ويسمى الآل أيضا وقيل الآل هو الذى يكون ضحى كالماء إلا أنه يرتفع عن الأرض حتى يصير كإنه بين السماء والأرض قال أمرو القيس
ألم أنض المطى بكل خرق
طويل الطول لماع السراب
وقال آخر
فلما كففنا الحرب كانت عهودهم
كلمع سراب بالفلا متألق
والقيعة جمع قاع وهو الموضع المنخفض الذى يستقر فيه الماء مثل جيرة وجار قاله الهروى وقال أبو عبيد قيعة وقاع واحد قال الجوهرى القاع المستوى من الأرض والجمع أقوع وأقواع وقيعان صارت الواو ياء لكسر ما قبلها والقيعة مثل القاع قال وبعضهم يقول هو جمع يحسبه الظمآن ماء هذه صفة ثانية لسراب والظمآن العطشان وتخصيص الحسبان بالضمآن مع كون الريان يراه كذلك لتحقيق التشبيه المبنى على الطمع حتى إذا جاءه لم يجده شيئا أى إذا جاء العطشان ذلك الذى حسبه ماء لم يجده شيئا مما قدره وحسبه ولا من غيره والمعنى أن الكفار يعولون على أعمالهم التي يظنونها من الخير ويطمعون في ثوابها فإذا قدموا على الله سبحانه لم يجدوا منها شيئا لأن الكفر أحبطها ومحا أثرها والمراد بقوله حتى إذا جاءه مع أنه ليس بشىء أنه جاء الموضع الذى كان يحسبه فيه ثم ذكر سبحانه ما يدل على زيادة حسرة الكفرة وأنه لم يكن قصارى أمرهم مجرد الخيبة كصاحب السراب فقال ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أي وجد الله بالمرصاد فوفاه حسابه أى جزاء عمله كما قال امرؤ القيس
فولى مدبرا يهوى حثيثا
وأيقن أنه لاقى الحسابا
وقيل وجد وعد الله بالجزاء على عمله وقيل وجد أمر الله عند حشره وقيل وجد حكمه وقضاءه عند المجىء وقيل عند العمل والمعنى متقارب وقرأ مسلمة بن محارب بقيعاه بهاء مدورة كما يقال رجل عزهاه وروى عنه أنه قرأ بقيعات بتاء مبسوطة قيل يجوز أن تكون الألف متولدة من إشباع العين على الأول وجمع قيعة على الثانى وروى عن نافع وأبى جعفر وشيبة أنهم قرءوا الظمان بغير همز والمشهور عنهم الهمز أو كظلمات معطوف على كسراب ضرب الله مثلا آخر لأعمال الكفار كما أنه تشبه السراب الموصوف بتلك الصفات فهى أيضا تشبه الظلمات قال الزجاج أعلم الله سبحانه أن أعمال الكفار إن مثلت بما يوجد فمثلها كمثل السراب وإن مثلت بما يرى فهى كهذه الظلمات التي وصف قال أيضا إن شئت مثل بالسراب وإن شئت مثل بهذه الظلمات فأو للإباحة حسبما تقدم من القول في أو كصيب قال الجرجانى الآية الأولى فى ذكر أعمال الكفار والثانية في ذكر كفرهم ونسق الكفر على أعمالهم لأنه أيضا من أعمالهم قال القشيرى فعند الزجاج التمثيل وقع لأعمال الكفار وعند الجرجانى لكفر الكفار في بحر لجي اللجة معظم الماء والجمع لجج وهو الذى لايدرك لعقمه ثم وصف سبحانه هذا البحر بصفة أخرى فقال يغشاه موج أى يعلو هذا البحر موج فيستره ويغطيه بالكلية ثم وصف هذا الموج بقوله من فوقه موج أى من فوق هذا الموج موج ثم وصف الموج الثاني فقال من فوقه سحاب أي فوق ذلك الموج الثانى سحاب فيجتمع حينئذ عليهم خوف البحر وأمواجه والسحاب المرتفعة فوقه وقيل إن المعنى يغشاه موج من بعده موج فيكون الموج يتبع بعضه بعضا حتى كأن بعضه فوق بعض والبحر أخوف ما يكون إذا توالت أمواجه فإذا انضم إلى ذلك وجود السحاب من فوقه زاد الخوف شدة لأنها تستر النجوم التى يهتدى بها من في البحر ثم إذا أمطرت تلك السحاب وهبت الريح المعتادة في الغالب عند نزول المطر تكاثفت الهموم وترادفت الغموم وبلغ الأمر إلى الغاية التي ليس وراءها غاية ولهذا قال سبحانه ظلمات بعضها فوق بعض أى هى ظلمات أو هذه ظلمات متكاثفة مترادفة ففى هذه الجملة بيان لشدة الأمر وتعاظمه وقرأ ابن محيصن والبزى سحاب ظلمات بإضافة سحاب إلى ظلمات ووجه الإضافة أن السحاب يرتفع وقت هذه الظلمات فأضيف إليها لهذه الملابسة وقرأ الباقون بالقطع والتنوين
ومن غرائب التفاسير أنه سبحانه أراد بالظلمات أعمال الكافر وبالبحر اللجى قلبه وبالموج فوق الموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة والسحاب الرين والختم والطبع على قلبه وهذا تفسير هو عن لغة العرب بمكان بعيد ثم بالغ سبحانه في هذه الظلمات المذكورة بقوله إذا أخرج يده لم يكد يراها وفاعل أخرج ضمير يعود على مقدر دل عليه المقام أى إذا أخرج الحاضر في هذه الظلمات أو من ابتلى بها قال الزجاج وأبو عبيدة المعنى لم يرها ولم يكد وقال الفراء إن كاد زائدة والمعنى إذا أخرج يده لم يرها كما تقول ما كدت أعرفه وقال المبرد يعنى لم يرها إلا من بعد الجهد قال النحاس أصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها فإذن لم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة وجملة ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور مقررة لما قبلها من كون أعمال الكفرة على تلك الصفة والمعنى ومن لم يجعل الله له هداية فما له من هداية قال الزجاج ذلك في الدنيا والمعنى من لم يهده الله لم يهتد وقيل المعنى من لم يجعل له نورا يمشى به يوم القيامة فما له من نور يهتدي به إلى الجنة
معاني القرآن – النحاس ج4/ص540
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة
قال الفراء قيعة جمع قاع كما يقال جيرة وجار
وقال أبو عبيدة قيعة وقاع واحد
والقاع والقيعة عند أهل اللغة ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبت ثم قال جل وعز يحسبه الظمآن ماء أي العطشان والسراب ما ارتفع نصف النهار فإذا رؤي من بعد ظن أنه ماء
50 ثم قال جل وعز حتى إذا جاءه لم يجده شيئا
أي حتى إذا جاء إلى الموضع الذي فيه السراب لم يجده شيئا مما قدره ووجد أرضا لا ماء فيها
وفي الكلام حذف فكذلك مثل الكافر يتوهم أن عمله ينفعه حتى إذا جاءه أي مات لم يجد عمله شيئا لأن الله جل وعز قد محقه وأبطله بكفره ووجد الله عنده أي عند عمله فوفاه حسابه أي جزاءه
فمثل جل وعز عمل الكافر بما يوجد ثم مثله بما يرى
جل وعز أو كظلمات في بحر لجي
وهو منسوب إلى اللج وهو وسط البحر
قال أبي بن كعب الكافر كلامه ظلمة وعمله ظلمة ومصيره إلى ظلمة
52 وقوله جل وعز إذا أخرج يده لم يكد يراها
قال أبو عبيدة أي لم يرها و لم يكد يراها 6 أي لا يراها إلا على بعد
قال أبو أبو جعفر وأصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها وإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة
53 وقوله جل وعز ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه