يرى في ضوء البرق
يرى في ضوء البرق
يقول سبحانه وتعالى(أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(19) (20)
(البقرة)
مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية
احسن ما قاله المفسرين في هذه الآية الامام الرازي ويكاد يختصر كل اقوال المفسرين, يقول الامام الرازي((على الآية أسئلة وأجوبة السؤال الأول أي التمثيلين أبلغ والجواب التمثيل الثاني لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأغاليظ ولذلك تراهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ السؤال الثاني لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك الجواب من وجوه أحدها لأن أو في أصلها تساوي شيئين فصاعدا في الشك ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوي في غير الشك كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين تريد أنهما سيان في استصواب أن تجالس أيهما شئت ومنه قوله تعالى ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا الإنسان 24 أي أن الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما فكذا قوله أو كصيب معناه أن كيفية المنافقين شبيهة بكيفتي هاتين القصتين فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب وإن مثلتها بهما جميعا فكذلك وثانيها إنما ذكر تعالى ذلك لأن المنافقين قسمان بعضهم يشبهون أصحاب النار وبعضهم يشبهون أصحاب المطر ونظيره قوله تعالى وقالوا كونوا هودا أو نصـارى البقرة 135 وقوله وكم من قرية أهلكنـاها فجاءها بأسنا بيـاتا أو هم قائلون الأعراف 4 وثالثها أو بمعنى بل قال تعالى وأرسلنـاه إلى مائة ألف أو يزيدون الصافات 147 ورابعها أو بمعنى الواو كأنه قال وكصيب من السماء نظيره قوله تعالى ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج النور 61 وقال الشاعر فوقد زعمت ليلى بأني فاجر
لنفسي تقاها أو عليها فجورها
وهذه الوجوه مطردة في قوله ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة البقرة 74 السؤال الثالث المشبه بالصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق ما هو الجواب لعلماء البيان ههنا قولان أحدهما أن هذا تشبيه مفرق ومعناه أن يكون المثل مركبا من أمور والممثل يكون أيضا مركبا وجهين الأول لو قال أو كصيب فيه ظلمات احتمل أن يكون ذلك الصيب نازلا من بعض جوانب السماء دون بعض أما لما قال من السماء دل على أنه عام مطبق آخذ بآفاق السماء فكما حصل في لفظ الصيب مبالغات من جهة التركيب والتنكير أيد ذلك بأن جعله مطبقا الثاني من الناس من قال المطر إنما يحصل من ارتفاع أبخرة رطبة من الأرض إلى الهواء فتنعقد هناك من شدة برد الهواء ثم تنزل مرة أخرى فذاك هو المطر ثم إن الله سبحانه وتعالى أبطل ذلك المذهب ههنا بأن بين أن ذلك الصيب نزل من السماء كذا قوله وأنزلنا من السماء ماء طهورا الفرقان 48 وقوله وينزل من السماء من جبال فيها من برد النور 43 السؤال السادس ما الرعد والبرق الجواب الرعد الصوت الذي يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتقض وترتعد إذا أخذتها الريح فصوت عند ذلك من الارتعاد والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا إذا لمع السؤال السابع الصيب هو المطر والسحاب فأيهما أريد فما ظلماته الجواب أما ظلمات السحاب فإذا كان أسحم مطبقا فظلمته سحمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل وأما ظلمة المطر فظلمته تكاثفه وانسجامه بتتابع القطر وظلمته إظلال الغمامة مع ظلمة الليل السؤال الثامن كيف يكون المطر مكانا للرعد والبرق وإنما مكانهما السحاب الجواب لما كان التعليق بين السحاب والمطر شديدا جاز إجراء أحدهما مجرى الآخر في الأحكام السؤال التاسع هلا قيل رعود وبروق كما قيل ظلمات الجواب الفرق أنه حصلت أنواع مختلفة من الظلمات على الاجتماع فاحتيج إلى صيغة الجمع أما الرعد فإنه نوع واحد وكذا البرق ولا يمكن اجتماع أنواع الرعد والبرق في السحاب الواحد فلا جرم لم يذكر فيه لفظ الجمع السؤال العاشر لم جاءت هذه الأشياء منكرات الجواب لأن المراد أنواع منها كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف السؤال الحادي عشر إلى ماذا يرجع الضمير في يجعلون الجواب إلى أصحاب الصيب وهو وإن كان محذوفا في اللفظ لكنه باق في المعنى ولا محل لقوله يجعلون لكونه مستأنفا لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلا قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقال يكاد البرق يخطف أبصـارهم البقرة 20 السؤال الثاني عشر رءوس الأصابع هي التي تجعل في الآذان فهلا قيل أناملهم الجواب المذكور وإن كان هو الأصبع لكن المراد بعضه كما في قوله فاقطعوا أيديهما المائدة 38 المراد بعضهما السؤال الثالث عشر ما الصاعقة الجواب إنها قصف رعد ينقض منها شعلة من نار وهي نار لطيفة قوية لا تمر بشيء إلا أتت عليه إلا أنها مع قوتها سريعة الخمود السؤال الرابع عشر ما إحاطة الله بالكافرين الجواب إنه مجاز والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة ثم فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه عالم بهم قال تعالى وأن الله قد أحاط بكل شيء علما الطلاق 12 وثانيها قدرته مستولية عليهم والله من وراءهم محيط البروج 20 وثالثها يهلكهم من قوله تعالى إلا أن يحاط بكم يوسف 66 السؤال الخامس عشر ما الخطف الجواب إنه الأخذ بسرعة وقرأ مجاهد يخطف بكسر الطاء والفتح أفصح وعن ابن مسعود يختطف وعن الحسن يخطف بفتح الياء والخاء وأصله يختطف وعنه يخطف بكسرهما على اتباع الياء الخاء وعن زيد بن علي يخطف من خطف وعن أبي يتخطف من قوله ويتخطف الناس من حولهم العنكبوت 67 أما قوله تعالى كلما أضاء لهم مشوا فيه البقرة 20 فهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول كيف يصنعون في حالتي ظهور البرق وخفائه والمقصود تمثيل شدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة ولو شاء الله لزاد في قصف الرعد فأصمهم وفي ضوء البرد فأعماهم وأضاء إما متعد بمعنى كلما نور لهم مسلكا أخذوه فالمفعول محذوف وإما غير متعد بمعنى كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره ويعضده قراءة ابن أبي عبلة كلما ضاء فإن قيل كيف قال مع الإضاءة كلما ومع الإظلام إذا قلنا لأنهم حراص على إمكان المشيء فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها وليس كذلك التوقف والأقرب في أظلم أن يكون غير متعد وهو الظاهر ومعنى قاموا وقفوا وثبتوا في مكانهم ومنه قامت السوق وقام الماء جمد ومفعول شاء محذوف لأن الجواب يدل عليه))وهنا بعض الآراء المأخوذة من كلام المفسرين الآخرين,
ضرب مثله في القرآن فيه ظلمات يقول ابتلاء ,, ورعد وبرق تخويف, يكاد البرق يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين , فيه رعد شديد وصواعق وبرق فجعلا كلما أصابتهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا , الظلمات فالضلالة وأما البرق فالإيمان
يخطف أبصارهم أي لشدة ضوء الحق , مثل ضربه الله للمنافق لجنبه لا يسمع صوتا إلا ظن أنه قد أتي ولا يسمع صياحا إلا ظن أنه قد أتي ولا يسمع صياحا إلا ظن أنه ميت ,
وكل شيء في القرآن يكاد وأكاد وكادوا فإنه لا يكون أبدا
والصيب المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع ويقال للسحاب صيب أيضا والصاعقة قصفة رعد تنقض معها شقة من نار قالوا تنقدح من السحاب اذا اصطكت أجرامه وهي نار لطيفة حديدة
وقوله تعالى ظلمات بالجمع إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن ومن حيث تتراكب وتتزايد واختلف العلماء في الرعد فقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب وغيرهم هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه طار النار من فيه فهي الصواعق واسم هذا الملك الرعد وقيل الرعد اسم الصوت المسموع وأكثر العلماء على أن الرعد ملك وذلك صوته يسبح ويزجر السحاب واختلفوا في البرق فقال علي بن أبي طالب هو مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب فهنا لم يخطف البرق الأبصار والخطف الانتزاع بسرعة
والتنوين في الكل للتفخيم والتهويل كأنه قيل فيه ظلمات شديدة داجية ورعد قاصف وبرق خاطف وكاد من افعال المقاربة وضعت لمقاربه الخبر من الوجود لتأخذ اسبابه وتعاضد مباديه لكنه لم يوجد بعد لفقد شرط او لعروض مانع
يتأولان قوله يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت أن ذلك من الله جل ثناؤه صفة للمنافقين بالهلع , أو كصيب من السماء شروع في تمثيل لحالهم إثر تمثيل وبيان لكل دقيق منها وجليل فهم أئمة الكفر الذين تفننوا فيه وتفؤا ظلال الضلال بعد أن طاروا إليه بقدامى النفاق وخوافيه فحقيق أن تضرب في بيداء بيان أحوالهم الوخيمة خيمة الأمثال وتمد أطناب الأطناب في شرح أفعالهم ليكون أفعى لهم ونكالا بعد نكال وكل كلام له حظ من البلاغة وقسط من الجزالة والبراعة لا بد أن يوفى فيه حق كل من مقام الأطناب والإيجاز فماذا عسى أن يقال فيما بلغ الذروة العليا من البلاغة والبراعة والأعجاز الصعق وهو الصراخ
في ذكر الجعل موضع الإدخال فإن جعل شيء في شيء أدل على إحاطة الثاني بالأول من إدخاله فيه وهل هذا من المجاز اللغوي لتسمية الكل باسم جزئه أو للتجوز في الجعل أو هو من المجاز العقلي بأن ينسب الجعل للأصابع وهو للأنامل فيه خلاف والمشهور هو الأول وعليه الجمهور
التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآية
يقول سبحانه وتعالى(أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(19) (20)
يستمر سبحانه وتعالى ضرب الامثال والتوضيح لمى عليه المنافقين فأمرهم يحتاج الى الكثير من التوضيح ، الكفار كان امرهم واضحا وبآيتين اشارت اليهم فأصبح امرهم جليا ، اما المنافقين فيجب ان نعرفهم جيدا فهم من طبيعتهم التخفي والتلون فبعد ان اعطانا الله لهم وصفا ثم اعطانا مثلا عنهم اراد ان يوضح لنا امرهم اكثر فضرب لهم مثلا اخر . جاء عليهم صيب ,والصيب هو المطر, وفي هذا الصيب ظلمات فالغيوم احجبت اخر ضوء للنجوم في ليل مظلم ففيه اكثر من ظلمه تتداخل مع بعضها , والمقصود بالظلمة هي عملية فلتره للضوء حتى لا يصل الى العين وعمليه فلتره للإيعازات حتى لا تصل الى منطقة الفهم للمنظور في الدماغ او توقف فهم المنظور منه ، وكذلك فيه رعد وبرق ،والرعد والبرق سببها تفريغ لشحنات كهربائية تتجمع على قطرات الماء الصغيرة
وهنا يعطى سبحانه وتعالى للمنافق صوره الخائف المهزوز فلما جاء صوت الرعد وضع اصابعه في اذانه خوفا وهلعا فهو يخاف ان تسقط عليه صاعقه فتقتله ، صوره ادبيه جميله ولكن الذى وضع هذه الصورة خبير علمي دقيق بكل التفاصيل الصغيرة لفسلجة العين والاذن والاعمال الانعكاسية ، نبتدأ من العاصفة الشديدة التي رأى فيها ظلمات وبرق ورعد ففر من امامها خوفا ولكنه في هذا الظلام الدامس لم يعد يرى شيئا بسبب حالته النفسية حيث تؤثر على قوه الابصار فحاول الاعتماد في سيره على البرق لذلك فانه يسير كلما برقت السماء ثم يتوقف خائفا غير مبصرا يحطم اعصابه الرعد ، فكلما ارعدت ظن ان الصاعقة نزلت عليه, فماذا سيحدث له علميا .
العاصفة القوية التي جاءت مسرعة يحدث فيها تقلب كثيرا مما يجعل معدل التكاثف سريع ويؤدى الى زيادة حجم قطرات الماء ، وبزيادة حجم قطرات الماء فان الكهربائية الاستاتيكية المشحونة بها القطرات سوف تتعاظم على سطحها ، ولا نريد هنا ان ندخل بالتفصيل ولكن يجب ان نعرف ان الكهربائية تتجمع على السطوح مع العلم ان جمع عشرة قطرات في قطرة واحدة معناه ان المساحة السطحية ستقل كثيرا أي زيادة شدة الجهد الكهربائي المتجمع على سطح القطرة الكبيرة من عشرة قطرات صغيرة وشدة هذه الكهربائية تتناسب عكسيا مع المساحة التي تشغلها ، فعندما تتركز الكهربائية الى الدرجة التي تصبح فيها فرق الجهد بألاف الفولتات فان تفريغا كهربائيا يحدث وستكون نتيجته البرق ، وهذا البرق سوف يسخن الهواء الذى حوله فالشحنات عند تفريغها بين نقطتين في السحاب فان مجرى مرور الشحنات في الهواء سيسخن بسبب وجود تيار ومقاومه , وتصل الحرارة الى مئات الآلاف من الدرجات المؤيه فيحدث تمدد سريع جدا لكتله هوائية محدثة ما يشبه الانفجار ، فيهدر صوتا قويا هو صوت الرعد ، ولكن قد يكون البرق بعيدا عنا فإننا نستطيع ان نراه من مسافة بعيدة جدا وسوف لن نسمع الرعد الذى يصاحبه دائما لان الرعد سرعان ما تخف موجته وتتفرق ، لذا فوجود الرعد وسماعه دلالة على ان البرق يحدث قريبا منا أي ان الاصابة بالصواعق اكثر احتمالا عندما نسمع الرعد وخاصة ان الرعد يكون صوته اقوى كلما كان مستوى الغيوم أوطأ ، وكلما كان مستوى الغيوم أوطأ كلما ازداد احتمال حدوث الصواعق ، فالعاصفة كان فيها ظلمات ورعد وبرق اذا هي خطرة ، يشعر بخطرها كل انسان, في حالة حدوث التفريغ الكهربائي نحو الارض فان نقطة التفريغ على الارض سترفع حرارتها الى درجه كبيره وقد تمحي بشرا بالتمام اذا اصابته فهي خطره جدا .
فيكون العمل الانعكاسي من الانسان لأى صوت هادر هو ان يضع اصابعه على أذنيه ويخفض راسه , فلماذا قال سبحانه وتعالى (يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم) مما احتار له المفسرون فالإنسان يضع اصبعا واحدا في كل اذن لا بل جزء من راس الاصبع وهو الانامل فقط في الاذن ولكن لنرجع الى اللغة , يقول الامام الألوسي في تفسيره (في ذكر الجعل موضع الإدخال فإن جعل شيء في شيء أدل على إحاطة الثاني بالأول من إدخاله فيه وهل هذا من المجاز اللغوي لتسمية الكل باسم جزئه أو للتجوز في الجعل أو هو من المجاز العقلي بأن ينسب الجعل للأصابع وهو للأنامل فيه خلاف والمشهور هو الأول وعليه الجمهور) ولو رجعنا الى العمل الانعكاسي علميا والذي يؤيد ان الاصابع توضع بمجموعها على الاذنين فسيكون ان اللغة والعلم يؤيدان ان الاصابع بمجموعها وضعت على الاذنين , لقد وجد علميا ان الانسان الاعتيادي يقوم بحركة انعكاسيه للصوت العالي متمثلة بوضع الاصابع على الاذنين وليس اليدين وليس الانامل في الاذن, مع احناء الراس والركبتين وبدون ما تفكير ، ووجد ان سبب ذلك هو ان العصب السمعي عند مروره الى الدماغ يعطي فروعا الى الشبكة الدماغية المنشطة (reticular activating system of the brain stem) والتي تعطي فروعا الى الحبل الشوكي والى العضلات لتعطي هذا الانعكاس(كايتون وهل للفسلجه ص 658) ووجد كذلك ان الحالة النفسية السيئة سوف تزيد من الشد العضلي والانعكاس من محفزات الاذن ، ولكنهم وجدوا ان الخوف من الموت تحدث حاله من الافراط في الانعكاس حيث تنطبع الصورة المرعبة للصوت في اللاوعي وتحدث ارتداد شديد جدا ( عن تقرير في احدى الصحف العلمية الأمريكية تصف حالة الجنود الامريكان في العراق والذين تعرضوا للانفجارات وادت الى حالات موت لزملائهم)، وأقوى صوت هادر سيكون مع الصاعقة التي تصيب الارض حيث يكون صوتها مدويا وعاليا جدا لذا سيضع أصابعه على أذنيه ويخفض رأسه عملا انعكاسيا من صوت الصاعقة حذر الموت، ولكن هل سيستطيع تجنب الصاعقة لو جاءته في اعشار الثانية او اقل ؟ وهل عمله هذا سيمنع الموت عنه لو ضربته الصاعقة وهم لا يعلمون ان الله محيط بالكافرين عالما بهم ، ماذا سيحدث في مثل هذه الظروف ، في ظلام دامس سماها سبحانه وتعالى ( فيه ظلمات ) وفيها برق شديد ، يقول سبحانه وتعالى (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ) ، بالرجوع الى( شكل 6) فان قوة اضاءة البرق هي اكثر من عشرة بلايين ملى لامبرتيز ، وفي مستوى هذه الاضاءة فان عامل التأثر على العين وعلى الابصار سيعتمد على زمن التعرض لهذا الضوء ، أي كل ما زاد زمن التعرض كلما كان التأثير السلبي على العين اكبر ،
الشكل رقم 6
وفي حاله البرق فالمدة الزمنية والتي هي اقل من ثانية لكل برق وبشدة الاضاءة التي قد تصل الى عشرة بلايين ملى لامبرتيز فلن يؤدى الى تلف الشبكية ولكنه سيؤدى الى حاله اقل من ذلك نتيجتها يعتمد على الاضاءة المسبقة قبل التعرض للبرق ، أي ان وجود اضاءة في السماء سوف يخفف اثر ضوء البرق على العين ولكن في حاله وجود ظلمات فإننا وجدنا ان البرق وبالرغم من انه لن يؤدى الى تلف الشبكية بهذه الدرجة من الاضاءة بل انه سيؤدى الى حاله من فقدان البصر المؤقت فقط, فبالمقارنة مع ضوء اللحام بالقوس الكهربائي ( الولدن ) الذى يؤدى الى تلف وحروق في قرنية العين وفي شبكيتها مع انحدار شديد في كيمياويات الشبكية, اما ما يحدث هنا اي في حالة البرق هو ان ضوء قويا يصل الى الحلقة المحيطة لمركز الشبكية حيث ان البؤبؤ متمددا ومتوسعا في ليل اظلم وفي عاصفة فيها ظلمات ، وكما في الشكل رقم 4 سيؤدى هذا الى تثبيط للرؤيا المركزية ، ونظرا لأن التعرض لمدة قليلة جدا فانا وجدناه يكاد ان يخطف البصر ويؤدى الى العمى الوقتي كما عرفنا ذلك سابقا( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) ويكاد تعنى اقل من 50 % فوجد ان معدل البرق الشديد يؤدى الى تأثير 37 / 45 % ( كانون للفسلجة ، ادلر للفسلجه ) من شدة ومدة الضوء الذى يؤدى الى العمى الوقتي وهنا يجب ان نوضح ان العمى الوقتي قد يحدث من ضوء متأين ذو موجه عالية او من ضوء عادي ذو شده عالية فعامل الزمن في البرق مهم وبالرجوع الى الجدول نجد ان البرق موضوع بجانب الذي يؤدي الى التلف تماما(يكاد) لذلك فانهم سيسيرون كلما اضاء البرق لهم وسيضطرون الى التوقف عند ذهاب الضوء ، ويقول سبحانه وتعالى (وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ) فهل البرق سيكون عليهم مظلما فكيف يظلم البرق ، بدراسة شبكية العين وبعد ما يحدث من التعرض لهذا البرق فان ظلام في عملية الابصار يحدث لمدة ثواني بسبب تعرض محيط شبكية العين للضوء الساطع لمدة قليلة لذلك ستحدث حالة من الممانعة العصبية سببها مرور صورة الضوء المتكون من البرق في طبقة الخلايا الثانية والثالثة مما يؤدى الى انحدار كيمياوي في الريدوبسين مما يحدث ظلام مؤقتا لمدة قصيرة قال سبحانه وتعالى عنه (وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ) أي ان حاله من العمى المؤقت تحدث بعد كل ومضة برق أي ان البرق هو الذي سيظلم عليهم فبعد ان يكون قد استعمل البرق كإضاءة يضطر الى التوقف لأنه لن يرى شيئا بعدها وهذا ما ذكره ابن كثير رحمه الله عندما قال ( ومضات نور في قلوب المنافقين توجههم الى الايمان ولكن الظلام يعم على قلوبهم فيرتكسوا , ويقول سبحانه وتعالى (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فالله سبحانه وتعالى لو شاء فان ابصارهم كلها ستذهب فتتلف الشبكية او تضمحل او يضعف العصب البصرى او يحدث انفصال او نزف في شبكية العين ، وهناك الكثير من الامور التي تؤدى الى العمى بدون ان يظهر عليها اي شيء خارجيا و تراها كأنها سليمة ، فالله سبحانه وتعالى يستطيع اخد سمعهم وابصارهم فهو على كل شيء قدير .
اقوال المفسرين لمن يحب الاطلاع عليها
أضواء البيان – الشنقيطي ج1/ص13
أو كصيب من السمآء الآية الصيب المطر وقد ضرب الله في هذه الآية مثلا لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم بالمطر لأن بالعلم والهدى حياة الأرواح كما أن بالمطر حياة الأجسام
وأشار إلى وجه ضرب هذا المثل بقوله جل وعلا والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لا يخرج إلا نكدا وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المثل المشار إليه في الآيتين في حديث أبي موسى المتفق عليه حيث قال صلى الله عليه وسلم إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به
فيه ظلمات ضرب الله تعالى في هذه الآية المثل لما يعتري الكفار والمنافقين من الشبه والشكوك في القرءان بظلمات المطر المضروب مثلا للقرءان وبين بعض المواضع التي هي كالظلمة عليهم لأنها تزيدهم عمى في آيات أخر لقوله وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله لأن نسخ القبلة يظن بسببه ضعاف اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس على يقين من أمره حيث يستقبل يوما جهة ويوما آخر جهة أخرى كما قال تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها
وصرح تعالى بأن نسخ القبلة كبير على غير من هداه الله وقوى يقينه بقوله وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وكقوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة فى القرءان لأن ما رآه ليلة الإسراء والمعراج من الغرائب والعجائب كان سببا لاعتقاد الكفار أنه صلى الله عليه وسلم كاذب لزعمهم أن هذا الذي أخبر به لا يمكن وقوعه فهو سبب لزيادة الضالين ضلالا وكذلك الشجرة الملعونة في القرءان التي هي شجرة الزقوم فهي سبب أيضا لزيادة ضلال الضالين منهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم قالوا ظهر كذبه لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة فكيف ينبت في أصل النار
وكقوله تعالى وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا لأنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ قوله تعالى عليها تسعة عشر قال بعض رجال قريش هذا عدد قليل فنحن قادرون على قتلهم واحتلال الجنة بالقوة لقلة القائمين على النار التي يزعم محمد صلى الله عليه وسلم أنا سندخلها
والله تعالى إنما يفعل ذلك اختبارا وابتلاء وله الحكمة البالغة في ذلك كله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ورعد ضرب الله المثل بالرعد لما في القرءان من الزواجر التي تقرع الآذان وتزعج القلوب وذكر بعضا منها في آيات أخر كقوله فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة وكقوله من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها وكقوله إن هو إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد
وقد ثبت في صحيح البخاري في تفسير سورة الطور من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون إلى قوله_ المصيطرون كاد قلبي أن يطير إلى غير ذلك من قوارع القرءان وزواجره التي خوفت المنافقين حتى قال الله تعالى فيهم يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو والآية التي نحن بصددها وإن كانت في المنافقين فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب قوله تعالى برق ضرب تعالى المثل بالبرق لما في القرءان من نور الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة وقد صرح بأن القرءان نور يكشف الله به ظلمات الجهل والشك والشرك كما تكشف بالنور الحسي ظلمات الدجى كقوله وأنزلنا إليكم نورا مبينا وقوله ولاكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وقوله واتبعوا النور الذى أنزل معه
والله محيط بالكافرين قال بعض العلماء محيط بالكافرين أي مهلكهم ويشهد لهذا القول قوله تعالى لتأتننى به إلا أن يحاط بكم أي تهلكوا عن آخركم وقيل تغلبوا والمعنى متقارب لأن الهالك لا يهلك حتى يحاط به من جميع الجوانب ولم يبق له منفذ للسلامة ينفذ منه وكذلك المغلوب ومنه قول الشاعر الطويل
أحطنا بهم حتى إذا ما تيقنوا
بما قد رأوا مالوا جميعا إلى السلم
ومنه أيضا بمعنى الهلاك قوله تعالى وأحيط بثمره وقوله تعالى وظنوا أنهم أحيط بهم الآية قوله تعالى
2
يكاد البرق يخطف أبصراهم أي يكاد نور القرءان لشدة ضوئه يعمي بصائرهم كما أن البرق الخاطف الشديد النور يكاد يخطف بصر ناظره ولا سيما إذا كان البصر ضعيفا لأن البصر كلما كان أضعف كان النور أشد إذهابا له كما قال الشاعر الكامل مثل النهار يزيد أبصار الورى
نورا ويعمي أعين الخفاش
وقال الآخر الطويل
خفافيش أعماها النهار بضوئه ووافقها قطع من الليل مظلم
وبصائر الكفار والمنافقين في غاية الضعف فشدة ضوء النور تزيدها عمى وقد صرح تعالى بهذا العمى في قوله أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى وقوله وما يستوى الاعمى والبصير إلى غير ذلك من الآيات
وقال بعض العلماء يكاد البرق يخطف أبصارهم أي يكاد محكم القرءان يدل على عورات المنافقين كلمآ أضآء لهم مشوا فيه وإذآ أظلم عليهم قاموا ضرب الله في هذه الآية المثل للمنافقين بأصحاب هذا المطر إذا أضاء لهم مشوا في ضوئه وإذا أظلم وقفوا كما أن المنافقين إذا كان القرءان موافقا لهواهم ورغبتهم عملوا به كمناكحتهم للمسلمين وإرثهم لهم والقسم لهم من غنائم المسلمين وعصمتهم به من القتل مع كفرهم في الباطن وإذا كان غير موافق لهواهم كبذل الأنفس والأموال في الجهاد في سبيل الله المأمور به فيه وقفوا وتأخروا وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين وقال بعض العلماء كلمآ أضآء لهم مشوا فيه أي إذا أنعم الله عليهم بالمال والعافية قالوا هذا الدين حق ما أصابنا منذ تمسكنا به إلا الخير وإذآ أظلم عليهم قاموا أي وإن أصابهم فقر أو مرض أو ولدت لهم البنات دون الذكور قالوا ما أصابنا هذا إلا من شؤم هذا الدين وارتدوا عنه وهذا الوجه يدل له قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين
وقال بعض العلماء إضاءته لهم معرفتهم بعض الحق منه وإظلامه عليهم ما يعرض لهم من الشك فيه
قوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم أشار في هذه الآية إلى ثلاثة براهين من براهين البعث بعد الموت وبينها مفصلة في آيات أخر
الأول خلق الناس أولا المشار إليه بقوله
2 اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لأن الإيجاد الأول أعظم برهان على الإيجاد الثاني وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة كقوله وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وقوله كما بدأنا أول خلق نعيده وكقوله فسيقولون من يعيدنا قل الذى فطركم أول مرة وقوله قل يحييها الذى أنشأها أول مرة وقوله أفعيينا بالخلق الاول بل هم فى لبس وكقوله يا أيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب وكقوله ولقد علمتم النشأة الاولى
ولذا ذكر تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي الإيجاد الأول كما في قوله وضرب لنا مثلا ونسى خلقه وقوله ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر إلإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ثم رتب على ذلك نتيجة الدليل بقوله فوربك لنحشرنهم إلى غير ذلك من الآيات
التسهيل لعلوم التنزيل – الكلبى ج1/ص39
أو كصيب عطف على الذي استوقد والتقدير أو كصاحب صيب أو للتنويع لأن هذا مثل آخر ضربه الله للمنافقين والصيب المطر وأصله صيوب ووزنه فعيل وهو مشتق من قولك صاب يصوب وفي قوله من السماء إشارة إلى قوته وشدة انصبابه قال ابن مسعود إن رجلين من المنافقين هربا إلى المشركين فأصابهما هذا المطر وأيقنا بالهلاك فعزما على الإيمان ورجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامهما فضرب الله ما أنزل فيهما مثلا للمنافقين وقيل المعنى تشبيه المنافقين في حيرتهم في الدين وفي خوفهم على أنفسهم بمن أصابه مطر فيه ظلمات ورعد وبرق فضل عن الطريق وخاف الهلاك على نفسه وهذا التشبيه على الجملة وقيل إن التشبيه على التفصيل فالمطر مثل للقرآن أو الإسلام والظلمات مثل لما فيه من الإشكال على المنافقين والرعد مثل لما فيه من الوعيد والزجر لهم والبرق مثل لما فيه من البراهين الواضحة فإن قيل لم قال رعد وبرق بالإفراد ولم يجمعه كما جمع ظلمات فالجواب أن الرعد والبرق مصدران والمصدر لا يجمع ويحتمل أن يكونا اسمين وجمعهما لأنهما في الأصل مصدران يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق أي من أجل الصواعق قال ابن مسعود كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فهو على هذا حقيقة في المنافقين والصواعق على هذا ما يكرهون من القرآن والموت هو ما يتخوفونه فهما مجازان وقيل لأنه راجع لأصحاب المطر المشبه بهم فهو حقيقة فيهم والصواعق على هذا حقيقة وهي التي تكون من المطر من شدة الرعد ونزول قطعة نار والموت أيضا حقيقة وقيل إنه راجع للمنافقين على وجه التشبيه لهم في خوفهم بمن جعل أصابعه في آذانه من شدة الخوف من المطر والرعد فإن قيل لم قال أصابعهم ولم يقل أناملهم والأنامل هي التي تجعل في الآذان فالجواب أن ذكر الأصابع أبلغ لأنها أعظم من الأنامل ولذلك جمعها مع أن الذي يجعل في الآذان السبابة خاصة والله محيط بالكافرين أي لا يفوتونه بل هم تحت قهره وهو قادر على عقابهم يخطف أبصارهم إن رجع إلى أصحاب المطر وهم الذين شبه بهم المنافقين فهو بين في المعنى وإن رجع إلى المنافقين فهو تشبيه بمن أصابه البرق على وجهين أحدهما تكاد براهين القرآن تلوح لهم كما يضيء البرق وهذا مناسب لتمثيل البراهين بالبرق حسبما تقدم والآخر يكاد زجر القرآن ووعيده يأخذهم كما يكاد البرق يخطف أبصار أصحاب المطر المشبه بهم كلما أضاء لهم مشوا فيه إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم يمشون بضوء البرق إذا لاح لهم وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه يلوح لهم من الحق ما يقربون به من الإيمان وإذا أظلم عليهم قاموا إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم إذا زال عنهم الضوء وقفوا متحيرين لا يعرفون الطريق وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه إذا ذهب عنهم ما لاح لهم من الإيمان ثبتوا على كفرهم وقيل إن المعنى كلما صلحت أحوالهم في الدنيا قالوا هذا دين مبارك فهذا مثل الضوء وإذا أصابتهم شدة أو مصيبة عابوا الدين وسخطوا فهذا مثل الظلمة فان قيل لم قال مع الإضاءة كلما ومع الظلام إذا فالجواب أنهم لما كانوا حراصا على المشي ذكر معه كلما لأنها تقتضي التكرار والكثرة ولو شاء الله الآية إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى لو شاء الله لأذهب سمعهم بالرعد وأبصارهم بالبرق وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى لو شاء الله لأوقع بهم العذاب والفضيحة وجاءت العبارة عن ذلك بإذهاب سمعهم وأبصارهم والباء للتعدية كما هي في قوله تعالى ذهب الله بنورهم يا أيها الناس الآية لما قدم اختلاف الناس في الدين وذكر ثلاث طوائف المؤمنين والكافرين والمنافقين أتبع ذلك بدعوة الخلق إلى عبادة الله
التفسير الكبير – الرازي ج2/ص70
اعلم أن هذا هو المثل الثاني للمنافقين وكيفية المشابهة من وجوه أحدها أنه إذا حصل السحاب الذي فيه الظلمات والرعد والبرق واجتمع مع ظلمة السحاب ظلمة الليل وظلمة المطر عند ورود الصواعق عليهم يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت وأن البرق يكاد يخطف أبصارهم فإذا أضاء لهم مشوا فيه وإذا ذهب بقوا في ظلمة عظيمة فوقفوا متحيرين لأن من أصابه البرق في هذه الظلمات الثلاث ثم ذهب عنه تشتد حيرته وتعظم الظلمة في عينه وتكون له مزية على من لم يزل في الظلمة فشبه المنافقين في حيرتهم وجهلهم بالدين بهؤلاء الذين وصفهم إذ كانوا لا يرون طريقا ولا يهتدون وثانيها أن المطر وإن كان نافعا إلا أنه لما وجد في هذه الصورة مع هذه الأحوال الضارة صار النفع به زائلا فكذا إظهار الإيمان نافع للمنافق لو وافقه الباطن فإذا فقد منه الإخلاص وحصل معه النفاق صار ضررا في الدين وثالثها أن من نزل به هذه الأمور مع الصواعق ظن المخلص منها أن يجعل أصابعه في أذنيه وذلك لا ينجيه مما يريده تعالى به من هلاك وموت فلما تقرر ذلك في العادات شبه تعالى حال المنافقين في ظنهم أن إظهارهم للمؤمنين ما أظهروه ينفعهم مع أن الأمر في الحقيقة ليس كذلك بما ذكر ورابعها أن عادة المنافقين كانت هي التأخر عن الجهاد فرارا من الموت والقتل فشبه الله حالهم في ذلك بحال من نزلت هذه الأمور به وأراد دفعها يجعل إصبعيه في أذنيه وخامسها أن هؤلاء الذين يجعلون أصابعهم في آذانهم وإن تخلصوا عن الموت في تلك الساعة فإن الموت والهلاك من ورائهم لا مخلص لهم منه فكذلك حال المنافقين في أن الذي يخوضون فيه لا يخلصهم من عذاب النار وسادسها أن من هذا حاله فقد بلغ النهاية في الحيرة لاجتماتع أنواع الظلمات وحصول أنواع المخافة وحصل في المنافقين نهاية الحيرة في باب الدين ونهاية الخوف في الدنيا لأن المنافق يتصور في كل وقت أنه لو حصل الوقوف على باطنه لقتل فلا يكاد الوجل والخوف يزول عن قلبه مع النفاق وسابعها المراد من الصيب هو الإيمان والقرآن والظلمات والرعد والبرق هو الأشياء الشاقة على المنافقين وهي التكاليف الشاقة من الصلاة والصوم وترك الرياسات والجهاد مع الآباء والأمهات وترك الأديان القديمة والانقياد لمحمد صلى الله عليه وسلم مع شدة استنكافهم عن الانقياد له فكما أن الإنسان يبالغ في الاحتراز عن المطر الصيب الذي هو أشد الأشياء نفعا بسبب هذه الأمور المقارنة فكذا المنافقون يحترزون عن الإيمان والقرآن بسبب هذه الأمور المقارنة والمراد من قوله كلما أضاء لهم مشوا فيه أنه متى حصل لهم شيء من المنافع وهي عصمة أموالهم ودمائهم وحصول الغنائم لهم فإنهم يرغبون في الدين وإذا أظلم عليهم قاموا أي متى لم يجدوا شيئا من تلك المنافع فحينئذ يكرهون الإيمان ولا يرغبون فيه فهذه الوجوه ظاهرة في التشبيه وبقي على الآية أسئلة وأجوبة السؤال الأول أي التمثيلين أبلغ والجواب التمثيل الثاني لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأغاليظ ولذلك تراهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ السؤال الثاني لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك الجواب من وجوه أحدها لأن أو في أصلها تساوي شيئين فصاعدا في الشك ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوي في غير الشك كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين تريد أنهما سيان في استصواب أن تجالس أيهما شئت ومنه قوله تعالى ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا الإنسان 24 أي أن الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما فكذا قوله أو كصيب معناه أن كيفية المنافقين شبيهة بكيفتي هاتين القصتين فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب وإن مثلتها بهما جميعا فكذلك وثانيها إنما ذكر تعالى ذلك لأن المنافقين قسمان بعضهم يشبهون أصحاب النار وبعضهم يشبهون أصحاب المطر ونظيره قوله تعالى وقالوا كونوا هودا أو نصـارى البقرة 135 وقوله وكم من قرية أهلكنـاها فجاءها بأسنا بيـاتا أو هم قائلون الأعراف 4 وثالثها أو بمعنى بل قال تعالى وأرسلنـاه إلى مائة ألف أو يزيدون الصافات 147 ورابعها أو بمعنى الواو كأنه قال وكصيب من السماء نظيره قوله تعالى ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على النور 61 وقال الشاعر فوقد زعمت ليلى بأني فاجر
لنفسي تقاها أو عليها فجورها
وهذه الوجوه مطردة في قوله ثم قست قلوبكم من بعد ذالك فهى كالحجارة أو أشد قسوة البقرة 74 السؤال الثالث المشبه بالصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق ما هو الجواب لعلماء البيان ههنا قولان أحدهما أن هذا تشبيه مفرق ومعناه أن يكون المثل مركبا من أمور والممثل يكون أيضا مركبا وجهين الأول لو قال أو كصيب فيه ظلمات احتمل أن يكون ذلك الصيب نازلا من بعض جوانب السماء دون بعض أما لما قال من السماء دل على أنه عام مطبق آخذ بآفاق السماء فكما حصل في لفظ الصيب مبالغات من جهة التركيب والتنكير أيد ذلك بأن جعله مطبقا الثاني من الناس من قال المطر إنما يحصل من ارتفاع أبخرة رطبة من الأرض إلى الهواء فتنعقد هناك من شدة برد الهواء ثم تنزل مرة أخرى فذاك هو المطر ثم إن الله سبحانه وتعالى أبطل ذلك المذهب ههنا بأن بين أن ذلك الصيب نزل من السماء كذا قوله وأنزلنا من السماء ماء طهورا الفرقان 48 وقوله وينزل من السماء من جبال فيها من برد النور 43 السؤال السادس ما الرعد والبرق الجواب الرعد الصوت الذي يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتقض وترتعد إذا أخذتها الريح فصوت عند ذلك من الارتعاد والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا إذا لمع السؤال السابع الصيب هو المطر والسحاب فأيهما أريد فما ظلماته الجواب أما ظلمات السحاب فإذا كان أسحم مطبقا فظلمته سحمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل وأما ظلمة المطر فظلمته تكاثفه وانسجامه بتتابع القطر وظلمته إظلال الغمامة مع ظلمة الليل السؤال الثامن كيف يكون المطر مكانا للرعد والبرق وإنما مكانهما السحاب الجواب لما كان التعليق بين السحاب والمطر شديدا جاز إجراء أحدهما مجرى الآخر في الأحكام السؤال التاسع هلا قيل رعود وبروق كما قيل ظلمات الجواب الفرق أنه حصلت أنواع مختلفة من الظلمات على الاجتماع فاحتيج إلى صيغة الجمع أما الرعد فإنه نوع واحد وكذا البرق ولا يمكن اجتماع أنواع الرعد والبرق في السحاب الواحد فلا جرم لم يذكر فيه لفظ الجمع السؤال العاشر لم جاءت هذه الأشياء منكرات الجواب لأن المراد أنواع منها كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف السؤال الحادي عشر إلى ماذا يرجع الضمير في يجعلون الجواب إلى أصحاب الصيب وهو وإن كان محذوفا في اللفظ لكنه باق في المعنى ولا محل لقوله يجعلون لكونه مستأنفا لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلا قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقال يكاد البرق يخطف أبصـارهم البقرة 20 السؤال الثاني عشر رءوس الأصابع هي التي تجعل في الآذان فهلا قيل أناملهم الجواب المذكور وإن كان هو الأصبع لكن المراد بعضه كما في قوله فاقطعوا أيديهما المائدة 38 المراد بعضهما السؤال الثالث عشر ما الصاعقة الجواب إنها قصف رعد ينقض منها شعلة من نار وهي نار لطيفة قوية لا تمر بشيء إلا أتت عليه إلا أنها مع قوتها سريعة الخمود السؤال الرابع عشر ما إحاطة الله بالكافرين الجواب إنه مجاز والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة ثم فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه عالم بهم قال تعالى وأن الله قد أحاط بكل شىء علما الطلاق 12 وثانيها قدرته مستولية عليهم والله من وراءهم محيط البروج 20 وثالثها يهلكهم من قوله تعالى إلا أن يحاط بكم يوسف 66 السؤال الخامس عشر ما الخطف الجواب إنه الأخذ بسرعة وقرأ مجاهد يخطف بكسر الطاء والفتح أفصح وعن ابن مسعود يختطف وعن الحسن يخطف بفتح الياء والخاء وأصله يختطف وعنه يخطف بكسرهما على اتباع الياء الخاء وعن زيد بن علي يخطف من خطف وعن أبي يتخطف من قوله ويتخطف الناس من حولهم العنكبوت 67 أما قوله تعالى كلما أضاء لهم مشوا فيه البقرة 20 فهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول كيف يصنعون في حالتي ظهور البرق وخفائه والمقصود تمثيل شدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة ولو شاء الله لزاد في قصف الرعد فأصمهم وفي ضوء البرد فأعماهم وأضاء إما متعد بمعنى كلما نور لهم مسلكا أخذوه فالمفعول محذوف وإما غير متعد بمعنى كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره ويعضده قراءة ابن أبي عبلة كلما ضاء فإن قيل كيف قال مع الإضاءة كلما ومع الإظلام إذا قلنا لأنهم حراص على إمكان المشيء فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها وليس كذلك التوقف والأقرب في أظلم أن يكون غير متعد وهو الظاهر ومعنى قاموا وقفوا وثبتوا في مكانهم ومنه قامت السوق وقام الماء جمد ومفعول شاء محذوف لأن الجواب يدل عليه والمعنى ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بهما وههنا مسألة وهي أن المشهور أن لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ومنهم من أنكر ذلك وزعم أنها لا تفيد إلا الربط واحتج عليه بالآية والخبر أما الآية فقوله تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون الأنفال 23 فلو أفادت كلمة لو انتفاء الشيء لا انتفاء غيره للزم التناقض لأن قوله ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم يقتضي أنه ما علم فيهم خيرا وما أسمعهم وقوله ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون يفيد أنه تعالى ما أسمعهم وأنهم ما تولوا ولكن عدم التولي خير فلزم أن يكون قد علم فيهم خيرا وما علم فيهم خيرا وأما الخبر فقوله عليه السلام نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فعلى مقتضى قولهم يلزم أنه خاف الله وعصاه وذلك متناقض فقد علمنا أن كلمة لو لا تفيد إلا الربط والله أعلم
وأما قوله إن الله على كل شىء قدير ففيه مسائل
المسألة الأولى منهم من استدل به على أن المعدوم شيء قال لأنه تعالى أثبت القدرة على الشيء والموجود لا قدرة عليه لاستحالة إيجاد الموجود فالذي عليه القدرة معدوم وهو شيء فالمعدوم شيء والجواب لو صح هذا الكلام لزم أن ما لا يقدر الله عليه لا يكون شيئا فالموجود لما لم يقدر الله عليه وجب أن لا يكون شيئا
المسألة الثانية احتج جهم بهذه الآية على أنه تعالى ليس بشيء قال لأنها تدل على أن كل شيء مقدور لله والله تعالى ليس بمقدور له فوجب أن لا يكون شيئا واحتج أيضا على ذلك بقوله تعالى ليس كمثله شىء الشورى 11 قال لو كان هو تعالى شيئا لكان تعالى مثل نفسه فكان يكذب قوله ليس كمثله شىء فوجب أن لا يكون شيئا حتى لا تتناقض هذه الآية واعلم أن هذا الخلاف في الاسم لأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم واحتج أصحابنا بوجهين الأول قوله تعالى قل أى شىء أكبر شهـادة قل الله الأنعام 19 والثاني قوله تعالى كل شىء هالك إلا وجهه القصص 88 والمستثنى داخل في المستثنى منه فيجب أن يكون شيئا
المسألة الثالثة احتج أصحابنا بهذه الآية على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى خلافا لأبي علي وأبي هاشم وجه الاستدلال أن مقدور العبد شيء وكل شيء مقدور لله تعالى بهذه الآية فيلزم أن يكون مقدور العبد مقدورا لله تعالى
المسألة الرابعة احتج أصحابنا بهذه الآية على أن المحدث حال حدوثه مقدور لله خلافا للمعتزلة فإنهم يقولون الاستطاعة قبل الفعل محال فالشيء إنما يكون مقدورا قبل حدوثه وبيان استدلال الأصحاب أن المحدث حال وجوده شيء وكل شيء مقدور وهذا الدليل يقتضي كون الباقي مقدورا ترك العمل به فبقي معمولا به في محل النزاع لأنه حال البقاء مقدوره على معنى أنه تعالى قادر على إعدامه أما حال الحدوث فيستحيل أن يقدر الله على إعدامه لاستحالة أن يصير معدوما في أول زمان وجوده فلم يبق إلا أن يكون قادرا على إيجاده
المسألة الخامسة تخصيص العام جائز في الجملة وأيضا تخصيص العام جائز بدليل العقل لأن قوله والله على كل شيء قدير البقرة 284 يقتضي أن يكون قادرا على نفسه ثم خص بدليل العقل فإن قيل إذا كان اللفظ موضوعا للكل ثم تبين أنه غير صادق في الكل كان هذا كذبا وذلك يوجب الطعن في القرآن قلنا لفظ الكل كما أنه يستعمل في المجموع فقد يستعمل مجازا في الأكثر وإذا كان ذلك مجازا مشهورا في اللغة لم يكن استعمال اللفظ فيه كذبا والله أعلم
القول في إقامة الدلالة على التوحيد والنبوة والمعاد
الدر المنثور – السيوطي ج1/ص80
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولوشاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير
ولايبصرونه ولا يعقلونه أو كصيب هو المطر
ضرب مثله في القرآن فيه ظلمات يقول ابتلاء ورعد وبرق تخويف يكاد البرق يخطف أبصارهم يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقون من الإسلام اطمأنوا فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله ومن الناس من يعبد الله على حرف
الحج الآية 11 الآية
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا الآية
قال إن ناس دخلوا في الإسلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ثم نافقوا فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقدا نارا أضاءت ما حوله من قذى أو أذى فأبصره حتى عرف ما يتقى
فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم فعرف الحلال من الحرام والخير من الشر بينا هو كذلك إذ كفر فصار لايعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشر فهم صم بكم فهم الخرس فهم لا يرجعون إلى الإسلام
وفي قوله أو كصيب الآية
قال كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله
فيه رعد شديد وصواعق وبرق فجعلا كلما أصابتهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا
قاما مكانهما لا يمشيان فجعلا يقولان
ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمد فنضع أيدينا في يده فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما
فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام قوله أو كصيب الآية
قال الصيب المطر
وهو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله وعمل مراءاة للناس فإذا خلا وحده عمل بغيره فهو في ظلمة ما أقام على ذلك وأما الظلمات فالضلالة وأما البرق فالإيمان
وهم أهل الكتاب وإذا أظلم عليهم فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله مثلهم الآية
قال ضرب الله مثلا للمنافقين يبصرون الحق ويقولون به حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فتركهم في ظلمات الكفر لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق صم بكم عمي عن الخير فهم لا يرجعون إلى هدى ولا إلى خير
وفي قوله أو كصيب الآية
يقول هم من ظلمات ماهم فيه من الكفر والحذر من القتل على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم على مثل ما وصف من الذي هم في ظلمة الصيب فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين منزل ذلك بهم من النقمة يكاد البرق يخطف أبصارهم أي لشدة ضوء الحق كلما أضاء لهم مشوا فيه أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا أي متحيرين ولو شاء الله لذهب بسمعهم أي لما سمعوا تركوا من الحق بعد معرفته قال هذا مثل ضربه الله للمنافق لجنبه لا يسمع صوتا إلا ظن أنه قد أتي ولا يسمع صياحا إلا ظن أنه قد أتي ولا يسمع صياحا إلا ظن أنه ميت
أجبن قوم وأخذله للحق
وقال الله في آية أخرى يحسبون كل صيحة عليهم المنافقون الآية4 يكاد البرق يخطف أبصارهم الآية
قال البرق هو الإسلام و الظلمة هو البلاء والفتنة
فإذا رأى المنافق من الإسلام طمأنينة وعافية ورخاء وسلوة من عيش قالوا إنا معكم ومنكم وإذا رأى من الإسلام شدة وبلاء فقحقح عند الشدة فلا يصبر لبلائها ولم يحتسب أجرها ولم يرج عاقبتها
إنما هو صاحب دنيا لها يغضب ولها يرضى وو كما هو نعته الله
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو يعلى في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة من طرق عن ابن عباس في قوله أو كصيب من السماء قال المطر
وأخرج ابن جرير عن مجاهد والربيع وعطاء
مثله
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما الصيب من ههنا
وأشار بيده إلى السماء
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله يكاد البرق قال يلتمع يخطف أبصارهم ولما يخطف
وكل شيء في القرآن يكاد وأكاد وكادوا فإنه لا يكون أبدا
وأخرج وكيع عن المبارك بن فضالة قال سمعت الحسين يقرؤها يكاد البرق يخطف أبصارهم
الكشاف – الزمخشري ج1/ص113
ثم ثنى الله سبحانه في شأنهم بتمثيل آخر ليكون كشفا لحالهم بعد كشف وايضاحا غب إيضاح
وكما يجب على البليغ في مظان الإجمال والايجاز ان يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والاشباع ان يفصل ويشبع
أنشد الجاحظ
يوحون بالخطب الطوال وتارة
وحي الملاحظ خيفة الرقباء
ومما ثنى من التمثيل في التنزيل قوله
وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات فاطر 21 وألا ترى الى ذي الرمة كيف صنع في قصيدته
أذاك ام نمش بالوشي أكرعه
أذاك ام خاضب بالسي مرتعه
فإن قلت قد شبه المنافق في التمثيل الأول بالمستوقد نارا وإظهاره الإيمان بالإضاءة وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار فما ذا شبه في التمثيل الثاني بالصيب وبالظلمات وبالرعد وبالبرق وبالصواعق قلت لقائل ان يقول شبه دين الإسلام بالصيب لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر
وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات
وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق
وما يصيب الكفرة من الإفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق
والمعنى أو كمثل ذوي صيب والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة فلقوا منها ما لقوا
فإن قلت هذا تشبيه أشياء بأشياء فأين ذكر المشبهات وهلا صرح به كما في قوله
وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء غافر58 وفي قول امرىء القيس
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالي
قلت كما جاء ذلك صريحا فقد جاء مطويا ذكره على سنن الاستعارة كقوله تعالى
وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج فاطر12
ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل الزمر39 والصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطونه ان التمثيلين جميعا من جملة التمثيلات المركبة دون المفرقة لا يتكلف الواحد واحد شيء يقدر شبهه به وهو القول الفحل والمذهب الجزل بيانه ان العرب تأخذ أشياء فرادى معزولا بعضها من بعض لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها كما فعل امرؤ القيس وجاء في القرآن وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها كقوله تعالى
مثل الذين حملوا التوراة الجمعة5 الآية
الغرض تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوراة وآياتها الباهرة بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة وتساوي الحالتين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من
أو كصيب
معناه ان كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتي هاتين القصتين وان القصتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل فبأيتهما مثلتها فانت مصيب وإن مثلتها بهما جميعا فكذلك
والصيب المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع ويقال للسحاب صيب أيضا قال الشماخ
وأسحم دان صادق الرعد صيب
وتنكير صيب لأنه أريد نوع من المطر شديد هائل
كما نكرت النار في التمثيل الأول وقرىء كصائب والصيب أبلغ والسماء هذه المظلة
وعن الحسن انها موج مكفوف فإن قلت قوله
من السماء ما الفائدة في ذكره والصيب لا يكون الا من السماء
قلت الفائدة فيه انه جاء بالسماء معرفة فنفي ان يتصوب من سماء أي من أفق واحد من بين سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء كما أن كل طبقة من الطباق سماء في قوله
وأوحى في كل سماء امرها فصلت12
الدليل عليه قوله
ومن بعد أرض بيننا وسماء
والمعنى انه غمام مطبق آخذ بآفاق السماء كما جاء بصيب
وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء والتنكير
أمد ذلك بان جعله مطبقا وفيه ان السحاب من السماء ينحدر ومنها يأخذ ماءه لا كزعم من يزعم انه يأخذه من البحر ويؤيده قوله تعالى
وينزل من السماء من جبال فيها من برد النور43 فإن قلت بم ارتفع ظلمات قلت بالظرف على الاتفاق لاعتماده على موصوف
والرعد الصوت الذي يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتقض اذا حدتها الريح فتصوت عند ذلك من الارتعاد
والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا اذا لمع
فإن قلت قد جعل الصيب مكانا للظلمات فلا يخلو من ان يراد به السحاب او المطر فأيهما أريد فما ظلماته قلت اما ظلمات السحاب فاذا كان أسحم مطبقا فظلمتا سجمته وتطبيقه مضمومة اليهما ظلمة الليل
واما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه وانتساجه بتتابع القطر وظلمة إظلال غمامه مع ظلمة الليل
فإن قلت كيف يكون المطر مكانا للبرق والرعد وإنما مكانهما السحاب قلت إذا كانا في أعلاه ومصبه وملتبسين في الجملة فهما فيه
ألا تراك تقول فلان في البلد وما هو منه الا في حيز يشغله جرمه فإن قلت هلا جمع الرعد والبرق أخذا بالأبلغ كقول البحتري
يا عارضا متلفعا ببروده
يختال بين بروقه ورعوده وكما قيل ظلمات قلت فيه وجهان احدهما ان يراد العينان ولكنهما لما كانا مصدرين في الأصل يقال رعدت السماء رعدا وبرقت برقا روعى حكم أصلهما بأن ترك جمعهما وإن أريد معنى الجمع
والثاني ان يراد الحدثان كأنه قيل وإرعاد وإبراق
وإنما جاءت هذه الأشياء منكرات لأن المراد أنواع منها كانه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف
وجاز رجوع الضمير في يجعلون الى أصحاب الصيب مع كونه محذوفا قائما مقامه الصيب كما قال
او هم قائلون الأعراف4 لأن المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه
ألا ترى الى حسان كيف عول على بقاء معناه في قوله
يسقون من ورد البريص عليهم
بردى يصفق بالرحيق السلسل
حيث ذكر يصفق لأن المعنى ماء بردى ولا محل لقوله
يجعلون
لكونه مستأنفا لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلا قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل
يجعلون أصابعهم في ءاذانهم
ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقيل يكاد البرق يخطف أبصارهم
فإن قلت رأيس الأصبع هو الذي يجعل في الأذن فهلا قيل اناملهم قلت هذا من الاتساعات في اللغة التى لا يكاد الحاصر يحصرها كقوله
فاغسلوا وجوهكم وأيدكم المائدة6
فاقطعوا أيديهما المائدة6 أراد البعض الذي هو الى المرفق والذي الى الرسغ
وأيضا ففي ذكر الأصابع من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل
فإن قلت فالأصبع التى تسد بها الأذن اصبع خاصة فلم ذكر الاسم العام دون الخاص قلت لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن ألا ترى أنهم قد استبشعوها فكنوا عنها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدعاءة
فإن قلت فهلا ذكر بعض هذه الكنايات قلت هي ألفاظ مستحدثة لم يتعارفها الناس في ذلك العهد وإنما احدثوها بعد
وقوله
من الصواعق
متعلق بيجعلون أي من اجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم كقولك سقاه من العيمة
والصاعقة قصفة رعد تنقض معها شقة من نار قالوا تنقدح من السحاب اذا اصطكت أجرامه وهي نار لطيفة حديدة
لا تمر بشيء الا اتت عليه الا انها مع حدتها سريعة الخمود
يحكى انها سقطت على نخلة فأحرقت نحو النصف ثم طفئت
ويقال صعقته الصاعقة اذا اهلكته فصعق أي مات إما بشدة الصوت أو بالاحراق ومنه قوله تعالى
وخر موسى صعقا الأعراف143
وقرأ الحسن من الصواقع وليس بقلب للصواعق لأن كلا البنائين سواء في التصرف واذا استويا كان كل واحد بناء على حياله
الا تراك تقول صقعه على رأسه وصقع الديك وخطيب مصقع مجهر بخطبته ونظيره جبذ في جذب ليس بقلبه لاستوائهما في التصرف وبناؤها إما ان يكون صفة لقصفة الرعد او للرعد والتاء مبالغة كما في الراوية او مصدرا كالكاذبة والعافية
وقرأ ابن أبي ليلى حذار الموت وانتصب على انه مفعول له كقوله
واغفر عوراء الكريم ادخاره
والموت فساد بنية الحيوان وقيل عرض لا يصح معه احساس معاقب للحياة
وإحاطة الله بالكافرين مجاز والمعنى انهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة وهذه الجملة اعتراض لا محل لها والخطف الأخذ بسرعة وقرأ مجاهد يخطف بكسر الطاء والفتح أفصح وأعلى وعن ابن مسعود يختطف وعن الحسن يخطف بفتح الياء والخاء وأصله يختطف
وعنه يخطف بكسرهما على اتباع الياء الخاء
وعن زيد بن علي يخطف من خطف وعن أبي يتخطف من قوله
وتخطف الناس من حولهم العنكبوت67
كلما أضاء لهم
استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون التأنيث من التذكير
ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى والشيء مذكر وهو أعم العام كما أن الله أخص الخاص يجري على الجسم والعرض والقديم
تقول شيء لا كالأشياء أي معلوم لا كسائر المعلومات وعلى المعدوم والمحال فإن قلت كيف قيل
على كل شيء قدير
وفي الأشياء ما لا تعلق به للقادر كالمستحيل وفعل قادر آخر قلت مشروط في حد القادر ان لا يكون الفعل مستحيلا فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على الأشياء كلها فكأنه قيل على كل شيء مستقيم قدير
ونظيره فلان امير على الناس أي على من وراءه منهم ولم يدخل فيهم نفسه وان كان من جملة الناس
واما الفعل بين قادرين فمختلف فيه فإن قلت مم اشتقاق القدير قلت من التقدير لأنه يوقع فعله على مقدار قوته واستطاعته وما يتميز به عن العاجز
ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – الأندلسي ج1/ص101
أو كصيب معطوف على كمثل الذي
وقال الطبري أو بمعنى الواو
قال القاضي أبو محمد وهذه عجمة والصيب المطر من صاب إذا انحط من علو إلى سفل ومنه قول علقمة بن عبدة
كأنهم صابت عليهم سحابة
وصواعقها لطيرهن دبيب
الطويل
وقول الآخر
فلست لإنسي ولكن لملأك
تنزل من جو السماء يصوب
الطويل
وأصل صيب صيوب اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت كما فعل في سيد وميت
وقال بعض الكوفيين أصل صيب صويب على مثال فعيل وكان يلزمه أن لا يعل كما لم يعل طويل فبهذا يضعف هذا القول
وقوله تعالى ظلمات بالجمع إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت وكون الدجن مظلما هول وغم للنفس بخلاف السحاب والمطر إذا انجلى دجنه فإنه سار جميل ومنه قول قيس بن الخطيم
فما روضة من رياض القطا
كأن المصابيح حوذانها
بأحسن منها ولا مزنة
دلوح تكشف أدجانها
المتقارب
واختلف العلماء في الرعد فقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب وغيرهم هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه طار النار من فيه فهي الصواعق واسم هذا الملك الرعد وقيل الرعد ملك وهذا الصوت تسبيحه وقيل الرعد اسم الصوت المسموع قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا هو المعلوم في لغة العرب وقد قال لبيد في جاهليته
فجعني الرعد والصواعق بالفارس
يوم الكريهة النجد المنسرح
وروي عن ابن عباس أنه قال الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت
وقيل الرعد اصطكاك أجرام السحاب
وأكثر العلماء على أن الرعد ملك وذلك صوته يسبح ويزجر السحاب
واختلفوا في البرق فقال علي بن أبي طالب هو مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب
وقال ابن عباس هو سوط نور بيد الملك يزجي به السحاب
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن البرق ملك يتراءى وقال قوم البرق ماء وهذا قول ضعيف
والصاعقة قال الخليل هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحيانا نار يقال إنها من المخراق الذي بيد الملك وقيل في قطعة النار إنها ماء يخرج من فم الملك عند غضبه
وحكى الخليل عن قوم من العرب الساعقة بالسين
وقال النقاش يقال صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنى واحد
وقرأ الحسن بن أبي الحسن من الصواقع بتقديم القاف
قال أبو عمرو وهي لغة تميم
وقرأ الضحاك بن مزاحم حذار الموت بكسر الحاء وبألف
واختلف المتأولون في المقصد بهذا المثل وكيف تترتب أحوال المنافقين الموازنة لما في المثل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق
فقال جمهور المفسرين مثل الله تعالى القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال عليهم
والعمى هو الظلمات وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أن تبهرهم هو البرق وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعل أصابعهم في آذانهم وفضح نفاقهم واشتهار كفرهم وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوه هي الصواعق
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه وهذا كله صحيح بين
وروي عن ابن مسعود أنه قال إن رجلين من المنافقين هربا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله وأيقنا بالهلاك فقالا ليتنا أصبحنا فنأتي محمدا ونضع أيدينا في يده فأصبحا وأتياه وحسن إسلامهما فضرب الله ما نزل بهما مثلا للمنافقين
وقال أيضا ابن مسعود إن المنافقين في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فضرب الله المثل لهم
قال القاضي أبو محمد وهذا وفاق لقول الجمهور الذي ذكرناه
وقال قوم الرعد والبرق هما بمثابة زجر القرآن ووعيده
و محيط بالكافرين معناه بعقابه وأخذه يقال أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذا حاصرا من كل جهة ومنه قوله تعالى وأحيط بثمره الكهف 42 ففي الكلام حذف مضاف ويكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي فهنا لم يخطف البرق الأبصار والخطف الانتزاع بسرعة
واختلفت القراءة في هذه اللفظة فقرأ جمهور الناس يخطف أبصارهم بفتح الياء والطاء وسكون الخاء على قولهم في الماضي خطف بكسر الطاء وهي أفصح لغات العرب وهي القرشية
وقرأ علي بن الحسين ويحيى بن وثاب يخطف بفتح الياء وسكون الخاء وكسر الطاء على قول بعض العرب في الماضي خطف بفتح الطاء ونسب المهدوي هذه القراءة إلى الحسن وأبي رجاء وذلك وهم
وقرأ الحسن وأبو رجاء وعاصم الجحدري وقتادة يخطف بفتح الياء وكسر الخاء والطاء وتشديد الطاء وهذه أصلها يختطف أدغمت التاء في الطاء وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين
وحكى ابن مجاهد قراءة لم ينسبها إلى أحد يخطف بفتح الياء والخاء وتشديد الطاء المكسورة
قال أبو الفتح أصلها يختطف نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت التاء في الطاء
وحكى أبو عمرو الداني عن الحسن أيضا أنه قرأ يخطف بفتح الياء والخاء والطاء وشدها
وروي أيضا عن الحسن والأعمش يخطف بكسر الثلاثة وشد الطاء منها
وهذه أيضا أصلها يختطف أدغم وكسرت الخاء للالتقاء وكسرت الياء إتباعا
وقال عبد الوارث رأيتها في مصحف أبي بن كعب يتخطف بالتاء بين الياء والخاء
وقال الفراء قرأ بعض أهل المدينة بفتح الياء وسكون الخاء وشد الطاء مكسورة
قال أبو الفتح إنما هو إختلاس وإخفاء فيلطف عندهم فيرون أنه إدغام وذلك لا يجوز
قال القاضي أبو محمد لأنه جمع بين ساكنين دون عذر
وحكى الفراء قراءة عن بعض الناس بضم الياء وفتح الخاء وشد الطاء مكسورة
قال القاضي أبو محمد رحمه الله كأنه تشديد مبالغة لا تشديد تعدية ومعنى يكاد البرق يخطف أبصارهم تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم ومن جعل البرق في المثل الزجر والوعيد قال يكاد ذلك يصيبهم
و كلما ظرف والعامل فيه مشوا وهو أيضا جواب كلما و أضاء صلة ما ومن جعل أضاء يتعدى قدر له مفعولا ومن جعله بمنزلة ضاء استغنى عن ذلك
وقرأ ابن أبي عبلة أضا لهم بغير همز وهي لغة
وفي مصحف أبي بن كعب مروا فيه
وفي قراءة ابن مسعود مضوا فيه
وقرأ الضحاك وإذا أظلم بضم الهمزة وكسر اللام و قاموا معناه ثبتوا لأنهم كانوا قياما ومنه قول الأعرابي وقد أقام الدهر صعري بعد أن أقمت صعره يريد أثبت الدهر ومعنى الآية فيما روي عن ابن عباس وغيره كلما سمع المنافقون القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم
وروي عن ابن مسعود أن معنى الآية كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد مبارك
وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوه وثبتوا في نفاقهم
وقال قوم معنى الآية كلما خفي عليكم نفاقهم وظهر لكم منهم الإيمان مشوا فيه فإذا افتضحوا عندكم قاموا ووحد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع
وحكى النقاش أن من العلماء من قرأ بأسماعهم
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة ولو شاء الله لأذهب أسماعهم وأبصارهم وخص الأسماع والأبصار لتقدم ذكرها في الآية
ويشبه هذا المعنى في حال المنافقين أن الله لو شاء لأوقع بهم ما يتخوفونه من الزجر والوعيد أو لفضحهم عند المؤمنين وسلط المؤمنين عليهم وبكل مذهب من هذين قال قوم
وقوله تعالى على كل شيء لفظه العموم ومعناه عند المتكلمين على كل شيء يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه و قدير بمعنى قادر وفيه مبالغة وخص هنا صفته التي هي القدرة بالذكر لأنه قد تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك
تفسير أبي السعود ج1/ص52
أو كصيب تمثيل لحالهم اثر تمثيل ليعم البيان منها كل دقيق وجليل ويوفي حقها من التفظيع والتهويل فإن تفننهم في فنون الكفر والضلال وتنقلهم فيها من حال الى حال حقيق بأن يضرب في شأنه الامثال ويرخي في حلبته اعنة المقال ويمد لشرحه اطناب الاطناب ويعقد لأجله فصول وابواب لما ان كل كلام له حظ من البلاغة وقسط من الجزالة والبراعة لا بد ان يوفي فيه حق كل من مقامي الإطناب والإيجاز فما ظنك بما في ذروة الإعجاز من التنزيل الجليل ولقد نعى عليهم في هذا التمثيل تفاصيل جناياتهم وهو عطف على الاول على حذف المضاف لما سيأتي من الضمائر المستدعية لذلك أي كمثل ذوي صيب وكلمة او للإيذان بتساوي القصتين في الاستقلال بوجه التشبيه وبصحة التمثيل بكل واحدة منهما وبهما معا والصيب فيعل من الصوب وهو النزول الذي له وقع وتأثير يطلق على المطر وعلى السحاب قال الشماخ
عفا آيه نسج الجنوب مع الصبا
واسحم دان صادق الوعد صيب
ولعل الاول هو المراد ههنا لاستلزامه الثاني وتنكيره لما انه اريد به نوع منه شديد هائل كالنار في التمثيل الاول وامد به ما فيه من المبالغات من جهة مادة الاولى التي هي الصاد المستعلية والياء المشددة والباء الشديدة ومادته الثانية اعنى الصوب المنبئ عن شدة الانسكاب ومن جهة بنائه الدال على الثبات وقرئ او كصائب من السماء متعلق بصيب او بمحذوف وقع صفة له والمراد بالسماء هذه المظلة وهي في الاصل كل ما علاك من سقف ونحوه وعن الحسن انها موج مكفوف أي ممنوع بقدرة الله عز وجل من السيلان وتعريفها للإيذان بإن انبعاث الصيب ليس من افق واحد فإن كل افق من آفاقها أي كل ما يحيط به كل افق منها سماء على حدة قال ومن بعد ارض بيننا وسماء كما ان كل طبقة من طباقها سماء قال تعالى وأوحى في كل سماء أمرها والمعنى انه صيب عام نازل من غمام مطبق آخذ بالآفاق وقيل المراد بالسماء السحاب واللام لتعريف الماهية فيه ظلمات أي انواع منها وهي ظلمة تكاثفه وانتساجه بتتابع القطر وظلمة إظلال ما يلزمه من الغمام الأسحم المطبق الآخذ بالآفاق مع ظلمة الليل وجعله محلا لها مع ان بعضها لغيره كظلمتي الغمام والليل لما انهما جعلتا من توابع ظلمته مبالغة في شدته وتهويلا لأمره وإيذانا بأنه من الشدة والهول بحيث تغمر ظلمته ظلمات الليل والغمام وهو السر في عدم جعل الظلمات هو الاصل المستتبع للبواقي مع ظهور ظرفيتها للكل اذ لو قيل او كظلمات فيها صيب الخ لما افاد ان للصيب ظلمة خاصة به فضلا عن كونها غالبة على غيرها ورعد وهو صوت يسمع من السحاب والمشهور انه يحدث من اصطكاك اجرام السحاب بعضها ببعض او من انقلاع بعضها عن بعض عند اضطرابها بسوق الرياح اياه سوقا عنيفا وبرق وهو ما يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا أي لمع وكلاهما في الاصل مصدر ولذلك لم يجمعا وكونهما في الصيب باعتبار كونهما في اعلاه ومصبه ووصول اثرهما اليه وكونهما في الظلمات الكائنة فيه والتنوين في الكل للتفخيم والتهويل كأنه قيل فيه ظلمات شديدة داجية ورعد قاصف وبرق خاطف وارتفاع الجميع بالظرف على الفاعلية لتحقق شرط العمل بالاتفاق وقيل بالابتداء والجملة اما صفة لصيب او حال منه لتخصصه بالصفة أو بالعمل فيما بعده من الجار أو من المستكن في الظرف الأول على تقدير كونه صفة لصيب والضمائر في قوله عز وجل يجعلون أصابعهم في آذانهم للمضاف الذي أقيم مقامه المضاف إليه فإن معناه باق وإن حذف لفظه تعويلا على الدليل كما في قوله تعالى وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون فإن الضمير للأهل المدلول عليه بما قام مقامه من القرية قال حسان رضي الله عنه
يسقون من ورد البريص عليهم
بردى يصفق بالرحيق السلسل
فإن تذكير الضمير المستكن في يصفق لرجوعه إلى الماء المضاف إلى بردى وإلا لأنث حتما وإيثارا لجعل المنبئ عن دوام الملابسة واستمرار الاستقرار على الإدخال المفيد لمجرد الانتقال من الخارج إلى الداخل للمبالغة في بيان سد المسامع باعتبار الزمان كما أن إيراد الاصابع بدل الانامل للإشباع في بيان سدها باعتبار الذات كأنهم سدوها بحملتها لا بأناملها فحسب كما هو المعتاد ويجوز أن يكون هذا إيماء إلى كمال حيرتهم وفرط دهشتهم وبلوغهم إلى حيث لا يهتدون إلى استعمال الجوارح على النهج المعتاد وكذا الحال في عدم تعيين الإصبع المعتاد أعني السبابة وقيل ذلك لرعاية الأدب والجملة استئناف لامحل لها من الاعراب مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل عند بيان أحوالهم الهائلة فماذا يصنعون في تضاعيف تلك الشدة فقيل يجعلون الخ وقوله تعالى من الصواعق متعلق بيجعلون أي من أجل الصواعق المقارنة للرعد من قولهم سقاه من العيمة والصاعقة قصفة رعد هائل تنقض معها بثقة نار لا تمر بشيء الا اتت عليه من الصعق وهو شدة الصوت وبناؤها اما ان يكون صفة لقصفه الرعد او للرعد والتاء للمبالغة كما في الرواية او مصدرا كالعافية وقد تطلق على كل هائل مسموع او مشاهد يقال صعقته الصاعقة اذا اهلكته بالإحراق او بشدة الصوت ولاالآذان انما يفيد على التقدير الثاني دون الاول وقرئ من الصواقع وليس ذلك بقلب من الصواعق لاستواء كلا البناءين في التصرف يقال صقع الديك وخطيب مصقع أي مجهر بخطبته حذر الموت منصوب بيجعلون على العلة وان كان معرفة بالإضافة كقوله واغفر عوراء الكريم ادخاره
واصفح عن شتم اللئيم تكرما ولا ضير في تعدد المفعول له فإن الفعل يعلل بعلل شتى وقيل هو نصب على المصدرية أي يحذرون حذرا مثل حذر الموت والحذر والحذار هو شدة الخوف وقرئ حذار الموت والموت زوال الحياة وقيل عرض يضادها لقوله تعالى خلق الموت والحياة ورد بأن الخلق بمعنى التقدير والأعدام مقدرة والله محيط بالكافرين أي لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط شبه شمول قدرته تعالى لهم وانطواء ملكوته عليهم بإحاطة المحيط بما احاط به في استحالة الفوت او شبه الهيئة المنتزعة من شئونه تعالى معهم بالهيئة المنتزعة من احوال المحيط مع المحاط فالاستعارة المبنية على التشبيه الاول استعارة تبعية في الصفة متفرعة على ما في مصدرها من الاستعارة والمبنية على الثاني تمثيلية قد اقتصر من طرف المشبه به على ما هو العمدة في انتزاع الهيئة المشبه بها اعنى الإحاطة والباقي منوى بألفاظ متخيلة بها يحصل التركيب المعتبر في التمثيل كما مر تحريره في قوله عز وجل ختم الله على قلوبهم والجملة اعتراضية منبهة على ان ما صنعوا من سد الآذان بالأصابع لا يغنى عنهم شيئا فإن القدر لا يدافعه الحذر والحيل لا ترد بأس الله عز وجل وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير الراجع الى اصحاب الصيب الإيذان بأن ما دهمهم من الأمور الهائلة المحكية بسبب كفرهم على منهاج قوله تعالى كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته فإن الإهلاك الناشيء من السخط اشد وقيل هذا الاعتراض من جملة احوال المشبه على ان المراد بالكافرين المنافقون قد دل به على انه لا مدافع لهم من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة وإنما وسط بين احوال المشبه مع ان القياس تقديمه او تأخيره لإظهار كمال العناية وفرط الاهتمام بشأن المشبه يكاد البرق استئناف آخر وقع جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل فكيف حالهم مع ذلك البرق فقيل يكاد ذلك يخطف أبصارهم أي يختلسها ويستلها بسرعة وكاد من افعال المقاربة وضعت لمقاربه الخبر من الوجود لتآخذ اسبابه وتعاضد مباديه لكنه لم يوجد بعد لفقد شرط او لعروض مانع ولا يكون خبرها إلامضارعا عاريا عن كلمة ان وشذ مجيئه اسما صريحا كما في قوله
< فأبت الى فهم وما كدت آيبا
وكذا مجيئه مع ان حملا لها على عسى كما في قول رؤبة قد كاد من طول البلى ان يمحصا
كما تحمل هي عليها بالحذف لما بينهما من المقارنة في اصل المقاربة وليس فيها شائبة الإنشائيه كما في عسى وقرئ يخطف بكسر الطاء ويختطف بفتح الياء والخاء بنقل فتحة التاء الى الخاء وادغامها في الطاء ويخطف بكسرهما على اتباع الياء والخاء ويخطف من صيغة التفعيل ويتخطف من قوله تعالى ويتخطف الناس من حولهم كلما أضاء لهم كل ظرف وما مصدرية والزمان محذوف أي كل زمان اضاءة وقيل ما نكرة موصوفة معناها الوقت والعائد محذوف أي كل وقت اضاء لهم فيه والعامل في كلما جوابها وهو استئناف ثالث كأنه قيل ما يفعلون في اثناء ذلك الهول ايفعلون بأبصارهم ما فعلوا بآذانهم ام لا فقيل كلما نور البرق لهم ممشى ومسلكا على ان اضاء متعد والمفعول محذوف او كلما لمع لهم على انه لازم ويؤيد قراءة كلما اضاء مشوا فيه أي في ذلك المسلك او في مطرح نوره خطوات يسيره مع خوف ان يخطف ابصارهم وايثار المشي على ما فوقه من السعي والعدو للإشعار بعدم استطاعتهم لهما وإذا أظلم عليهم أي خفى البرق واستتر والمظلم وان كان غيره لكن لما كان الإظلام دائرا على استتارة اسند اليه مجازا تحقيقا لما اريد من المبالغة في موجبات تخبطهم وقد جوز ان يكون متعديا منقولا من ظلم الليل ومنه ما جاء في قول ابي تمام هما اظلما حالى ثمت اجليا
ظلاميهما عن وجه امرد اشيب ويعضده قراءة اظلم على البناء للمفعول قاموا أي وقفوا في اماكنهم على ما كانوا عليه من الهيئة متحيرين مترصدين لخفقةأخرى عسى يتسنى لهم الوصول إلى المقصد أو الالتجاء إلى ملجأ يعصمهم وإيراد كلما مع الإضاءة وإذ مع الظلام للإيذان بانهم حراص على المشى مترقيون لما يصححه فكلما وجدوا فرصة انتهزوها ولا كذلك الوقوف وفيه من الدلالة على كمال التحير وتطاير اللب مالا يوصف ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم كلمة لو لتعليق حصول أمر ماض هو الجزاء بحصول أمر مفروض فيه هو الشرط لما بينهما ن الدوران حقيقة أو ادعاء ومن قضية مفروضية الشرط دلالتها على انتفائه قطعا والمنازع فيه مكابر وأما دلالتها على انتفاء الجزاء فقد قيل والحق الذي لا محيد عنه أنه أن كان ما بينهما من الدوران كليا أو جزئيا قد بنى الحكم على اعتباره فهى دالة عليه بواسطة مدلولها الوضعي لا محالة ضرورة استلزام انتفاء العلة لا نتفاء المعلول أما في مادة الدوران الكلى كما في قوله عز وجل ولو شاء لهداكم أجمعين وقولك لو جئتنى لأكرمتك فظاهر لأن وجود المشيئة علة لوجود الهداية حقيقة ووجود المجئ علة لوجود الإكرام ادعاء وقد انتفيا بحكم المفروضية فانتفى معلولاهما حتما ثم أنه قد يساق الكلام لتعليل انتفاء الجزاء بانتفاءالشرط كما في المثالين المذكورين وهو الاستعمال الشائع لكلمة لو ولذلك قيل هي لامتناع الثاني لامتناع الأول وقد يساق للاستدلال بانتفاء الثاني لكونه ظاهرا أو مسلما على ابتغاء الأول لكونه خفيا أو متنازعا فيه كما في قوله سبحانه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وفي قوله تعالى لو كان خيرا ما سبقونا فإن فسادهما لازم لتعدد الآلهة حقيقة وعدم سبق المؤمنين إلى الإيمان لازم لخيريته في زعم الكفرة ولاريب في انتفاء اللازمين انتفاء الملزومين حقيقة في الأول وادعاء باطلا في الثاني ضرورة استلزام انتفاء اللازم لانتفاء الملزوم لكن لا بطريق السببية الخارجية كما في المثالين الأولين بل بطريق الدلالة العقلية الراجعة إلى سببية العلم بانتفاء الثاني للعلم بانتفاء الأول ومن لم يتنبه له زعم أنه لانتفاء الأول لانتفاء الثاني وأما في مادة الدوران الجزئي كما في قولك لو طلعت الشمس لوجد الضوء فلأن الجزاء المنوط بالشرط الذي هو طلوعها ليس وجود أي ضوء كان كضوء القمر المجامع لعدم الطلوع مثلا بل إنما وجود الضوء الخاص الناشئ من الطلوع ولا ريب في انتفائه بانتفاء الطلوع هذا إذا بني الحكم على اعتبار الدوران وأما إذا بني على عدمه فإما أن يعتبر هناك تحقق مدار آخر له أولا فإن اعتبر فالدلالة تابعة لحال المدار فإن كان بينه وبين انتفاء الأول منافاة تعين الدلالة كما إذا قلت لو لم تطلع الشمس يوجد الضوء فإن وجود الوضوء وإن علق صورة بعدم الطلوع لكنه في الحقيقة بسبب آخر له ضرورة أن عدم الطلوع من حيث هو هو ليس مدارا لوجود الضوء قي الحقيقة وإنما وضع موضع المدار لكونه كاشفا عن تحقق مدار آخر له فكانه قيل لو لم تطلع الشمس لوجد الضوء بسبب آخر كالقمر مثلا ولا ريب في أن هذا الجزاء منتف عند انتفاء الشرط لاستحالة وجود الضوء القمري عند طلوع الشمس وإن لم يكن بينهما منافاة تعين عدم الدلالة كما في قوله صلى الله عليه وسلم في بنت أبي سلمة لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة فإن المدار المعتبر في ضمن الشرط أعنى كونها ابنة أخيه عليه السلام من الرضاعة غير مناف لانتفائه الذي هو كونها ربيبته عليه السلام بل مجامع له ومن ضرورته مجامعه أثريهما أعنى الحرمة الناشئة من كونها ربيبته عليه السلام والحرمة الناشئة من كونها ابنة أخيه من الرضاعة وإن لم يعتبر هناك تحقق مدار آخر بل بنى الحكم على اعتبار عدمه فلا دلالة لها على ذلك أصلا كيف لا ومساق الكلام حينئذ لبيان ثبوت الجزاء على كل حال يتعليقه بما ينافيه ليعلم ثبوته عند وقوع مالا ينافيه بالطريق الأولى كما في قوله عز وجل قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم وقوله عليه السلام < لو كان الإيمان في الثريا لناله رجال من فارس > وقول علي رضي الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فإن الأجزية المذكورة قد نيطت بما ينافيها ويستدعى نقائضها إيذانا بأنها في أنفسها بحيث يجب ثبوتها مع فرض انتفاء أسبابها أو تحقق أسباب انتفائها فكيف إذا لم يكن كذلك على طريقة لو الوصلية في مثل قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ولها تفاصيل وتفاريع حررناها في تفسير قوله تعالى قال أولو كنا كارهين وقول عمر رضي الله عنه نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه إن حمل على تعليق عدم العصيان في ضمن عدم الخوف بمدار آخر نحو الحياء والإجلال وغيرهما مما يجامع الخوف كان من قبيل حديث ابنه أبي سلمة وإن حمل على بيان استحالة عصيانه مبالغة كان من هذا القبيل والآية الكريمة واردة على الاستعمال الشائع مفيدة لكمال فظاعة حالهم وغاية هول ما دهمهم من المشاق وأنها قد بلغت من الشدة إلى حيث لو تعلقت مشيئة الله تعالى بإزالة مشاعرهم لزالت لتحقق ما يقتضية اقتضاء تاما وقيل كلمة لو فيها لربط جزائها بشرطها مجردة عن الدلالة على انتفاء أحدهما لانتفاء الآخر بمنزلة كلمة أن ومفعول المشيئة محذوف جريا على القاعدة المستمرة فانها إذا وقعت شرطا وكان مفعولها مضمونا للجزاء فلا يكاد يذكر إلا أن يكون شيئا مستغربا كما في قوله
فلو شئت أن أبكى دما لبكيته عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
أي لو شاء أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لفعل ولكن لم يشأ لما يقتضيه من الحكم والمصالح وقرئ لأذهب بأسماعهم على زيادة الباء كما في قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة والإفراد في المشهورة لأن السمع مصدر في الأصل والجملة الشرطية معطوفة على ما قبلها من الجمل الاستئنافية وقيل على كلما أضاء الخ وقوله عز وجل إن الله على كل شيء قدير تعليل للشرطية وتقرير لمضمونها الناطق بقدرته تعالى على ازالة مشاعرهم بالطريق البرهاني والشيء بحسب مفهومه اللغوي يقع على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كائنا ما كان على أنه في الأصل مصدر شاء اطلق على المفعول واكتفى في ذلك باعتبار تعلق المشيئة به من حيث العلم والإخبار عنه فقط وقد خص ههنا بالممكن موجودا كان او معدوما بقضية اختصاص تعلق القدرة به لما انها عبارة عن التمكن من الإيجاد والإعدام الخاصين به وقيل هي صفة تقتضي ذلك التمكن والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل والقدير هو الفعال لكل ما يشاء كما يشاء ولذلك لم يوصف به غير الباري جل جلاله ومعنى قدرته تعالى على الممكن الموجود حال وجوده إنه إن شاء إبقاءه على الوجود أبقاه عليه فإن علة الوجود هي علة البقاء وقد مر تحقيقة في تفسير قوله تعالى رب العالمين وإن شاء إعدامه أعدمه ومعنى قدرته على المعدوم حال عدمه أنه أن شاء إيجاده أوجده وإن لم يشأ لم يوجده وقيل قدرة الإنسان هيئة بها يتمكن من الفعل والترك وقدرة الله تعالى عبارة عن نفي العجز واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل بقدر ما تقتضيه إرادته او بقدر قوته وفيه دليل على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى حقيقة لأنه شئ وكل شئ مقدور له تعالى واعلم أن كل واحد من التمثيلين وإن احتمل أن يكون من قبيل التمثيل المفرق كما في قوله كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالي بأن يشبه المنافقون في التمثيل الأول بالمستوقدين وهداهم الفطري بالنار وتأييدهم أياه بما شاهدوه من الدلائل باستيقادها وتمكنهم التام من الانتفاع به بإضاءتها ما حولهم وإزالته بإذهاب النور الناري واخذ الضلالة بمقابلته بملابستهم الظلمات الكثيفة وبقائهم فيها ويشبهوا في التمثيل الثاني بالسابلة والقرآن وما فيه من العلوم والمعارف التي هي مدار الحياة الأبدية بالصيب الذي هو سبب الحياة الأرضية وما عرض لهم بنزوله من الغموم والأحزان وانكساف البال بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق وتصامهم عما يقرع أسماعهم من الوعيد بحال من يهوله الرعد والبرق فيخاف صواعقه فيسد أذنه عنها ولاخلاص له منها واهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه أو رفد يحرزونه بمشيهم في مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم وتحيرهم في أمرهم حين عن لهم مصيبة بوقوفهم إذا أظلم عليهم لكن الحمل على التمثيل المركب الذي لا يعتبر فيه تشبيه كل واحد من المفردات الواقعه في أحد الجانبين بواحد من المفردات الواقعة في الجانب الآخر على وجه التفصيل بل ينتزع فيه من المفردات الواقعة في جانب المشبه هيئة فتشبه بهيئة أخرى منتزعة من المفردات الواقعة في جانب المشبة به بأن ينتزع من المنافقين وأحوالهم المفصلة في كل واحد من التمثيلين هيئة على حدة وينتزع من كل واحد من المستوقدين وأصحاب الصيب وأحوالهم المحكية هيئة بحيالها فتشبية كل واحده من الأوليين بما يضاهيها من الأخريين هو الذي يقتضيه جزالة التنزيل ويستدعيه فخامة شأنه الجليل لاشتماله على التشبيه الأول إجمالا مع أمر زائد هو تشبيه الهيئة وإيذانه بأن اجتماع تلك المفردات مستتبع لهيئة عجيبة حقيقة بأن تكون مثلا في الغرابة
تفسير ابن كثير ج1/ص55
هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أخرى فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم كصيب والصيب المطر قاله بن مسعود وبن عباس وناس من الصحابة وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحسن البصري وقتادة وعطية العوفي وعطاء الخرساني والسدي والربيع بن أنس وقال الضحاك هو السحاب والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق ورعد وهو ما يزعج القلوب من الخوف فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى يحسبون كل صيحة عليهم وقال ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون والبرق هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان ولهذا قال يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين أي ولا يجدي عنهم حذرهم شيئا لأن الله محيط بقدرته وهم تحت مشيئته وإرادته كما قال هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بهم ثم قال يكاد البرق يخطف أبصارهم أي لشدته وقوته في نفسه وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للايمان وقال علي بن أبي طلحة عن بن عباس يكاد البرق يخطف أبصارهم يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين وقال بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن بن عباس يكاد البرق يخطف أبصارهم أي لشدة ضوء الحق كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين وقال علي بن أبي طلحة عن بن عباس كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه واذا أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن بن عباس كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا أي متحيرين وهكذا قال أبو العالية والحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس والسدي بسنده عن الصحابة وهو أصح وأظهر والله أعلم وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أخرى ومنهم من يمشي على الصراط تارة ويقف أخرى ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخلص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا وقال في حق المؤمنين يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار الآية وقال تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير
نور المؤمنين
ذكر الحديث الوارد في ذلك قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى يوم ترى المؤمنين والمؤمنات الآية ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أو بين صنعاء ودون ذلك حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه رواه بن جرير ورواه بن أبي حاتم من حديث عمران بن داود القطان عن قتادة بنحوه وهذا كما قال المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم وأدناهم نورا على إبهامه يطفأ مرة ويقد مرة وهكذا رواه بن جرير عن بن مثنى عن بن ادريس عن أبيه عن المنهال وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن علي بن محمد الطنافسي حدثنا بن إدريس سمعت أبي يذكر عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود نورهم يسعى بين أيديهم قال على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ أخرى وقال بن أبي حاتم أيضا حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا أبو يحيى الحماني حدثنا عتبة بن اليقظان عن عكرمة عن بن عباس قال ليس أحد من أهل التوحيد إلا يعطى نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره فالمؤمن مشفق مما يرى من إطفاء نور المنافقين فهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وقال الضحاك بن مزاحم يعطى كل من كان يظهر الإيمان في الدنيا يوم القيامة نورا فإذا انتهى إلى الصراط طفئ نور المنافقين فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا فقالوا ربنا أتمم لنا نورنا فإذا تقرر هذا صار الناس أقساما مؤمنون خلص وهم الموصوفون بالآيات الأربع في أول البقرة وكفار خلص أو في قوله تعالى أو كصيب من السماء بمعنى الواو كقوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا أو تكون للتخيير أي أضرب لهم مثلا بهذا وان شئت بهذا قال القرطبي أو للتساوي مثل جالس الحسن أو بن سيرين على ماوجهه الزمخشري ان كلا منهما مساو للآخر في إباحة الجلوس إليه ويكون معناه على قوله سواء ضربت لهم مثلا بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم قلت وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة ومنهم ومنهم ومنهم يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم والله أعلم كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين في قوله تعالى والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة إلى أن قال أو كظلمات في بحر لجي الآية فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين والله أعلم بالصواب تفسير البغوي ج1/ص53
أو كصيب أي كأصحاب صيب وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى للمنافقين بمعنى إن شئت مثلهم بالمستوقد وإن شئت بأهل الصيب وقيل أو بمعنى الواو يريد وكصيب كقوله تعالى أو يزيدون بمعنى ويزيدون والصيب المطر وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب فعيل من صاب يصوب أي نزل من السماء أي من السحاب وقيل هي السماء بعينها والسماء كل ما علاك فأظلك وهي من أسماء الأجناس يكون واحدا وجمعا فيه أي في الصيب وقيل في السماء أي في السحاب ولذلك ذكره وقيل السماء يذكر ويؤنث قال الله تعالى السماء منفطر به وقال إذا السماء انفطرت ظلمات جمع ظلمة ورعد وهو الصوت الذي يسمع من السحاب وبرق وهو النار التي تخرج منه قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب وقيل الصوب زجر السحاب وقيل تسبيح الملك وقيل الرعد نطق الملك والبرق ضحكه وقال مجاهد الرعد اسم الملك ويقال لصوته أيضا رعد والبرق اسم ملك يسوق السحاب وقال شهر بن حوشب الرعد ملك يزجر فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق وقيل الرعد صوت انحراق الريح بين السحاب والأول أصح يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه ويقال لكل عذاب مهلك صاعقة وقال الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله على من يشاء روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك قوله حذر الموت أي مخافة الهلاك تفسير البغوي ج1/ص54
والله محيط بالكافرين أي عالم بهم وقيل جامعهم قال مجاهد يجمعهم فيعذبهم وقيل مهلكهم دليله قوله تعالى إلا أن يحاط بكم أي أي تهلكوا جميعا ويميل أبو عمرو والكسائي الكافرين في محل النصب أو لخفض ولا يميلان أول كافر به 20 يكاد البرق أي يقرب يقال كاد يفعل إذا قرب ولم يفعل يخطف أبصارهم يختلسها والخطف استلاب بسرعة كلما كل حرف جملة ضم إلى ما الجزاء فصار أداة للتكرار ومعناهما متى ما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي وقفوا متحيرين فالله تعالى شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة وسواد في ليلة مظلمة أصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها أن الساري لا يمكنه المشي فيها ورعد من صفته أن يضم السامعون أصابعهم إلى آذانهم من هوله وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويعميها من شدة توقده فهذا مثل ضربه الله للقرآن وصنيع الكافرين والمنافقين معه فالمطر القرآن لأنه حياة الجنان كما أن المطهر حياة الأبدان والظلمات ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك والرعد ما خوفوا به من الوعيد وذكر النار والبرق ما فيه من الهدى والبيان والوعد وذكر الجنة فالكافرون يسدون آذانهم عند قراءة القرآن مخافة ميل القلب إليه لأن الإيمان عندهم كفر والكفر موت يكاد البرق يخطف أبصارهم أي القرآن يبهر قلوبهم وقيل هذا مثل ضربه الله للإسلام فالمطر الإسلام والظلمات ما فيه من البلاء والمحن والرعد ما فيه من الوعيد والمخاوف في الآخرة والبرق ما فيه من الوعد يجعلون أصابعهم في آذانهم يعني أن المنافقين إذا رأوا في الإسلام بلاء وشدة هربوا حذارا من الهلاك والله محيط بالكافرين جامعهم يعني لا ينفعهم هربهم لأن الله تعالى من ورائهم يجمعهم فيعذبهم يكاد البرق يعني دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة كلما أضاء لهم مشوا فيه يعني أن المنافقين إذا أظهروا كلمة الإيمان آمنوا فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة وقيل معناه كلما نالوا غنيمة وراحة في الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم وإذا أظلم عليهم يعني رأوا شدة وبلاء تأخروا وقاموا أي وقفوا كما قال الله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف ولو شاء الله لذهب بسمعهم أي بأسماعهم وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة وقيل لذهب بما استفادوا من العز والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر إن الله على كل شيء قدير قادر قرأ ابن عامر وحمزة شاء وجاء حيث كان بالإمالة
تفسير البيضاوي ج1/ص199
أو كصيب من السماء عطف على الذي استوقد أي كمثل ذوي صيب لقوله يجعلون أصابعهم في آذانهم و أو في الأصل للتساوي في الشك ثم اتسع فيها فأطلقت للتساوي من غير شك مثل جالس الحسن أو ابن سيرين وقوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا فإنها تفيد التساوي في حسن المجالسة ووجوب العصيان ومن ذلك قوله أو كصيب ومعناه أن قصة المنافقين مشبهة بهاتين القصتين وأنهما سواء في صحة التشبيه بهما وأنت مخير في التمثيل بهما أو بأيهما شئت والصيب فيعل من الصوب وهو النزول يقال للمطر وللسحاب قال الشماخ < وأسحم دان صادق الرعد صيب > وفي الآية يحتملهما وتنكيره لأنه أريد به نوع من المطر شديد وتعريف السماء للدلالة على أن الغمام مطبق آخذ بآفاق السماء كلها فإن كل أفق منها يسمى سماء كما أن كل طبقةمنها سماء وقال < ومن بعد أرض بيننا وسماء > أمد به ما في الصيب من المبالغة من جهة الأصل والبناء والتنكير وقيل المراد بالسماء السحاب فاللام لتعريف الماهية فيه ظلمات ورعد وبرق إن أريد بالصيب المطر فظلماته ظلمة تكاثفه بتتابع القطر وظلمة غمامه مع ظلمة الليل وجعله مكانا للرعد والبرق لأنهما في أعلاه ومنحدره ملتبسين به وإن أريد به السحاب فظلماته سحمته وتطبيقه مع ظلمة الليل وارتفاعها بالظرف وفاقا لأنه معتمد على موصوف والرعد صوت يسمع من السحاب والمشهور أن سببه اضطراب أجرام السحاب واصطكاكها إذا حدتها الريح من الارتعاد والبرق ما يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا وكلاهما مصدر في الأصل ولذلك لم يجمع يجعلون أصابعهم في آذانهم الضمير لأصحاب الصيب وهو وإن حذف لفظه وأقيم الصيب مقامه لكن معناه باق فيجوز أن يعول عليه كما عول حسان في قوله < يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل > حيث ذكر الضمير لأن المعنى ماء بردى والجملة استئناف فكأنه لما ذكر ما يؤذن بالشدة والهول قيل فكيف حالهم مع مثل ذلك فأجيب بها وإنما أطلق الأصابع موضع الأنامل للمبالغة من الصواعق متعلق بيجعلون أي من أجلها يجعلون كقولهم سقاه من العيمة والصاعقة قصفة رعد هائل معها نار لا تمر بشيء إلا أتت عليه من الصعق وهو شدة الصوت وقد تطلق على كل هائل مسموع أو مشاهد يقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته بالإحراق أو شدة الصوت وقرىء من الصواقع وهو ليس بقلب من الصواعق لاستواء
كلا البناءين في التصرف يقال صقع الديك وخطيب مصقع وصقعته الصاقعة وهي في الأصل إما صفة لقصفة الرعد أو للرعد والتاء للمبالغة كما في الرواية أو مصدر كالعافية والكاذبة حذر الموت نصب على العلة كقوله < وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأصفح عن شتم اللئيم تكرما > والموت زوال الحياة وقيل عرض يضادها لقوله خلق الموت والحياة ورد بأن الخلق بمعنى التقدير والإعدام مقدرة والله محيط بالكافرين لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط لا يخلصهم الخداع والحيل والجملة اعتراضية لا محل لها
يكاد البرق يخطف أبصارهم استئناف ثان كأنه جواب لمن يقول ما حالهم مع تلك الصواعق وكاد من أفعال المقاربة وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه لكنه لم يوجد إما لفقد شرط أو لوجود مانع وعسى موضوعة لرجائه فهي خبر محض ولذلك جاءت متصرفة بخلاف عسى وخبرها مشروط فيه أن يكون فعلا مضارعا تنبيها على أنه المقصود بالقرب من غير أن لتوكيد القرب بالدلالة على الحال وقد تدخل عليه حملا لها على عسى كما تحمل عليها بالحذف من خبرها لمشاركتهما في أصل معنى المقاربة والخطف الأخذ بسرعة وقرىء يخطف بكسر الطاء ويخطف على أنه يختطف فنقلت فتحة التاء إلى الخاء ثم أدغمت في الطاء ويخطف بكسر الخاء لالتقاء الساكنين وإتباع الياء لها ويخطف ويتخطف كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا استئناف ثالث كأنه قيل ما يفعلون في تارتي خفوق البرق وخفيته فأجيب بذلك وأضاء إما متعد والمفعول محذوف بمعنى كلما نور لهم ممشى أخذوه أو لازم بمعنى كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره وكذلك أظلم فإنه جاء متعديا منقولا من ظلم الليل ويشهد له قراءة أظلم على البناء للمفعول وقول أبي تمام < هما أظلما حالي ثمة أجليا ظلاميهما عن وجه أمرد أشيب > فإنه وإن كان من المحدثين لكنه من علماء العربية فلا يبعد أن يجعل ما يقوله بمنزلة
يرويه وإنما قال مع الإضاءة كلما ومع الإظلام إذا لأنهم حراص على المشي فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف ومعنى قاموا وقفوا ومنه قامت السوق إذا ركدت وقام الماء إذا جمد ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم أي ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق لذهب بهما فحذف المفعول لدلالة الجواب عليه ولقد تكاثر حذفه في شاء وأراد حتى لا يكاد يذكر إلا في الشيء المستغرب كقوله < فلو شئت أن أبكي دما لبكيته > ولو من حروف الشرط وظاهرها الدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني ضرورة انتفاء الملزوم عند انتفاء لازمه وقرىء لأذهب بأسماعهم بزيادة الباء كقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وفائدة هذه الشرطية إبداء المانع لذهاب سمعهم وأبصارهم مع قيام ما يقتضيه والتنبيه على أن تأثير الأسباب في مسبباتها مشروط بمشيئة الله تعالى وأن وجودها مرتبط بأسبابها واقع بقدرته وقوله إن الله على كل شيء قدير كالتصريح به والتقرير له والشيء يختص بالموجود لأنه في الأصل مصدر شاء أطلق بمعنى شاء تارة وحينئذ يتناول البارىء تعالى كما قال قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد وبمعنى مشيء أخرى أي مشيء وجوده وما شاء الله وجوده فهو موجود في الجملة وعليه قوله تعالى إن الله على كل شيء قدير
تفسير الثعالبي ج1/ص35
أو كصيب أو للتخيير معناه مثلوهم بهذا أو بهذا والصيب المطر من صاب يصوب إذا انحط من علو إلى سفل وظلمات بالجمع إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن ومن حيث تتراكب وتتزيد جمعت وكون الدجن مظلما هول وغم للنفوس بخلاف السحاب والمطر إذا انجلى دجنه فإنه سار جميل واختلف العلماء في الرعد فقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب وغيرهم هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه فهي الصواعق واسم هذا الملك الرعد وقيل الرعد ملك وهذا الصوت تسبيحه وقيل الرعد اسم الصوت المسموع قاله علي بن أبي طالب واكثر العلماء على أن الرعد ملك وذلك صوته يسبح ويزجر السحاب واختلفوا في البرق فقال علي بن أبي طالب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم هو مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب وهذا اصح ما روي فيه وقال ابن عباس هو سوط نور بيد الملك يزجى به السحاب وروي عنه أن البرق ملك يتراءى واختلف المتأولون في المقصد بهذا المثل وكيف تترتب أحوال المنافقين الموازنة لما في المثل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق فقال جمهور المفسرين مثل الله تعالى القرآن بالصيب فما فيه من الأشكال عليهم والعمى هو الظلمات وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد وما فيه من النور والحجج الباهرة هو البرق وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعل أصابعهم في آذانهم وفضح نفاقهم واشتهار كفرهم وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوه هي الصواعق وهذا كله صحيح بين وقال ابن مسعود أن المنافقين في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فضرب الله المثل لهم وهذا وفاق لقول الجمهور محيط بالكافرين معناه بعقابهم يقال أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذ حاصرا من كل جهة ومنه قوله تعالى وأحيط بثمره
ويكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي فهنا لم يخطف البرق الأبصار والخطف الإنتزاع بسرعة ومعنى يكاد البرق يخطف أبصارهم تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم ومن جعل البرق في المثل الزجر والوعيد قال يكاد ذلك يصيبهم وكلما ظرف والعامل فيه مشوا وقاموا معناه ثبتوا ومعنى الآية فيما روي عن ابن عباس وغيره كلما سمع المنافقون القرآن وظهرت لهم الحجج انسوا ومشوا معه فإذا نزل من القرآن ما يعمهون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم وروي عن ابن مسعود أن معنى الآية كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوه وثبتوا في نفاقهم ووحد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع وقوله سبحانه على كل شيء قدير لفظه العموم ومعناه عند المتكلمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه و قدير بمعنى قادر وفيه مبالغة وخص هنا سبحانه صفته التي هي القدرة بالذكر لأنه قد تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك
تفسير الثوري ج1/ص41
سفين عن أبي الهيثم عن سعيد بن جبير في قوله جل وعز أو كصيب من السماء قال السحاب فيه المطر الآية 19
تفسير السعدي ج1/ص44
فإنه لا يعقل وهو أقرب رجوعا منهم
ثم قال تعالى أو كصيب من السماء يعني أو مثلهم كصيب أي كصاحب صيب من السماء وهو المطر الذي يصوب أي ينزل بكثرة فيه ظلمات ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر ورعد وهو الصوت الذي يسمع من السحاب وبرق وهو الضوء اللامع المشاهد مع السحاب كلما أضاء لهم البرق في تلك الظلمات مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي وقفوا
فهكذا حال المنافقين إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده جعلوا أصابعهم في آذانهم وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد فيجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت فهذا ربما حصلت له السلامة
وأما المنافقون فأنى لهم السلامة وهو تعالى محيط بهم قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه بل يحفظ عليهم أعمالهم ويجازيهم عليها أتم الجزاء
ولما كانوا مبتلين بالصمم والبكم والعمى المعنوي ومسدودة عليهم طرق الإيمان قال تعالى ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم أي الحسية ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية ليحذروا فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم إن الله على كل شيء قدير فلا يعجزه شيء ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض
وفي هذه الآية وما أشبهها رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله إن الله على كل شيء قدير
تفسير السمرقندي ج1/ص58
قوله تعالى أو كصيب من السماء فيه ظلمات يعني كمطر نزل من السماء فضرب لهم الله تعالى مثلا آخر لأن العرب كانوا يوضحون الكلام بذكر الأمثال فالله تعالى ضرب لهم الأمثال ليوضح عليهم الحجة فضرب لهم مثلا بالمستوقد النار ثم ضرب لهم مثلا آخر بالمطر فإن قيل كلمة أو إنما تستعمل للشك فما معنى أو ها هنا فقيل له أو قد تكون للتخيير فكأنه قال إن شئتم فاضربوا لهم مثلا بالمستوقد النار وإن شئتم فاضربوا لهم المثل بالمطر فأنتم مصيبون في ضرب المثل في الوجهين جميعا وهذا كما قال في آية أخرى أو كظلمات في بحر لجي النور 40 فكذلك ها هنا أو للتخيير لا للشك وقد قيل أو بمعنى الواو يعني وكصيب من السماء معناه مثلهم كرجل في مفازة في ليلة مظلمة فنزل مطر من السماء وفي المطر ظلمات ورعد وبرق والمطر هو القرآن لأن في المطر حياة الخلق وإصلاح الأرض فكذلك القرآن فيه هدى للناس وبيان من الضلالة وإصلاح الأرض فلهذا المعنى شبه القرآن بالمطر والظلمات هي الشدائد والمحن التي تصيب المسلمين والشبهات التي في القرآن والرعد هو الوعيد الذي ذكر للكفار والمنافقين في القرآن والبرق ما ظهر من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودلائله
وقوله تعالى ويجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق يعني يتصاممون عن استماع الحق حذر الموت يعني لحذر الموت والكلام إنما ينصب لنزع الخافض مثل قوله واختار موسى قومه الأعراف 155 أي من قومه فكذلك هاهنا حذر الموت يعني لحذر الموت ومعناه مخافة أن ينزل في القرآن شيء يظهر حالهم كما قال في آية أخرى نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا التوبة 127 قال بعضهم في الآية مضمر ومعناها يجعلون أصابعهم في آذانهم من الرعد ويغمضون أعينهم من الصواعق وقال أهل اللغة الصاعقة صوت ينزل من السماء فيه نار فمن قال بهذا القول لا يحتاج إلى الإضمار في الآية يجعلون أصابعهم في آذانهم من خوف الصاعقة
ثم قال والله محيط بالكافرين يعني عالم بأعمالهم والإحاطة هي إدراك الشيء بكماله والله أعلم
سورة البقرة آية 20 قوله تعالى يكاد البرق يخطف أبصارهم يعني ضوء البرق يذهب ويختلس بنوره أبصارهم من شدة ضوء البرق فكذلك نور الإيمان من المنافق يكاد يغشى على الناس كفره في سره حتى لا يعلموا كفره وقد قيل معناه يكاد أن يظهر عليهم نور الإسلام فيثبتون على ذلك
ثم قال كلما أضاء لهم مشوا فيه يعني كلما لمع البرق في الليلة المظلمة مضوا فيه وإذا أظلم عليهم يعني إذا ذهب ضوء البرق قاموا متحيرين فكذلك المنافق إذا تكلم بلا إله إلا الله يمضي مع المؤمنين ويمنع بها من السيف فإذا مات بقي متحيرا نادما ويقال معناه كلما أضاء لهم مشوا فيه البقرة 20 يعني كلما ظهر لهم دليل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وظهرت لهم علاماته مالوا إليه وإذا أظلم عليهم يعني أصابت المسلمين محنة كما أصابتهم يوم أحد وكما أصابتهم يوم بئر معونة قاموا أي ثبتوا على كفرهم
وروي أسباط عن السدي أنه قال كان رجلان من المنافقين هربا من المدينة إلى المشركين فأصابهما المطر الذي ذكر الله فيه ظلمات ورعد وبرق كلما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما فإذا لمع البرق مشيا في ضوئه وإذا لمع يلمع لم يبصرا فقاما مكانهما فجعلا يقولان يا ليتنا لو أصبحنا فنأتي محمدا صلى الله عليه وسلم فنضع أيدينا في يده فأصبحا فأتياه فأسلما وحسن إسلامهما فضرب الله تعالى بشأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين كانوا بالمدينة
ثم قال تعالى ولو شاء الله لذهب بسمعهم قال بعضهم بسمعهم الظاهر الذي في الرأس وأبصارهم التي في العين كما ذهب بسمع قلوبهم وأبصار قلوبهم عقوبة لهم وقد قيل معناه ولو شاء لجعلهم صما وعميا في الحقيقة كما جعلهم صما وعميا في الحكم فقد قيل ولو شاء الله لجعلهم صما وعميا في الآخرة كما جعلهم في الدنيا وروي في إحدى الروايتين عن ابن عباس أنه قال هذا من المكتوم الذي لا يفسر ثم قال تعالى إن الله على كل شيء قدير من العقوبة وغيرها
تفسير السمعاني ج1/ص54
المثل في هذا أما قوله أو كصيب من السماء يعني إن شئت مثلهم بالمستوقد وإن شئت مثلهم بالصيب أي بأهل الصيب ضرب الصيب مثلا لما أظهروا يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء لله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20 باللسان من الإسلام
فيه ظلمات مثل لما في الإسلام من البلايا والمحن والشدائد ورعد مثل لما فيه من المخاوف في الآخرة
وبرق لما فيه من الوعد والوعيد
وقيل ضرب الصيب مثلا للقرآن الذي كانوا يقرءونه باللسان لأن في القرآن حياة الباطن كما في الماء حياة الظاهر فيه ظلمات مثل لما ذكرنا في القرآن من أنواع الكفر والنفاق ورعد مثل لما ذكرنا فيه من الوعيد وبرق مثل لما فيه من البيان
يجعلون أصابعهم في آذانهم يعنى أن المنافقين إذا رأوا في الإسلام بلاء وشدة هربوا وتأخروا حذرا من الهلاك
والله محيط بالكافرين يعنى لا ينفعهم حذرهم لأن الله ـ تعالى ـ من ورائهم يجمعهم فيعذبهم
قوله تعالى يكاد البرق يخطف أبصارهم الآية يكاد كلمة القرب يكاد يفعل أي قرب يفعل يخطف أبصارهم والخطف استلاب بسرعة وهذا من تمام المثل ومعناه على القول الأول تكاد دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة
ومعناه على القول الآخر يكاد القرآن يبهر قلوبهم
كلما أضاء لهم مشوا فيه معناه كلما نالوا غنيمة وراحة ثبتوا على الإسلام وإذا أظلم عليهم قاموا يعني كلما رأوا شدة وبلاء تأخرا وقاموا أي وقفوا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم يحتمل معنيين أحدهما لو شاء
تفسير الصنعاني ج1/ص39
وحدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة أو كصيب قال المطر
وحدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة فيه ظلمات ورعد وبرق يقول أخبر عن قوم لا يسمعون شيئا إلا ظنوا أنهم هالكون فيه حذرا من الموت والله محيط بالكافرين ثم ضرب لهم مثلا آخر فقال يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول هذا المنافق إذا كثر ماله وكثرت ماشيته وأصابته عافية قال لم يصبني منذ دخلت في ديني هذا إلا خير وإذا أظلم عليهم قاموا يقول إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء قاموا متحيرين
وقد روي عن قتادة أنه كان يتأول قوله حذر الموت حذرا من الموت حدثنا بذلك الحسن بن يحيى قال حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عنه
تفسير الطبري ج1/ص147
القول في تأويل قوله تعالى أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين بن عنترة عن أبيه عن بن عباس في قوله أو كصيب من السماء قال القطر
وحدثني عباس بن محمد قال حدثنا حجاج قال قال بن جريج قال لي عطاء الصيب المطر
وحدثني المثنى قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي عن بن عباس قال الصيب المطر
وحدثني موسى قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن بن عباس وعن مرة عن بن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي الصيب المطر
وحدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي سعد قال حدثني عمي الحسين عن أبيه عن جده عن بن عباس مثله
وحدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة أو كصيب قال المطر
وحدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة مثله
وحدثني محمد بن عمرو الباهلي وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى بن ميمون عن بن أبي نجيح عن مجاهد الصيب المطر
وحدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن بن أبي نجيح عن مجاهد الصيب المطر
حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق عن بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس الصيب المطر
وحدثني يونس قال أخبرنا بن وهب قال قال عبد الرحمن بن زيد أو كصيب من السماء قال أو كغيث من السماء
وحدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال قال سفيان الصيب الذي فيه المطر
حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا معاوية قال حدثنا بن جريج عن عطاء في قوله أو كصيب من السماء قال المطر
قال أبو جعفر وتأويل ذلك مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام مع استسرارهم الكفر مثل إضاءة موقد النار بضوء ناره على ما وصف جل ثناؤه من صفته أو كمثل مطر مظلم ودقه تحدر من السماء تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه
فإن قال لنا قائل أخبرنا عن هذين المثلين أهما مثلان للمنافقين أو أحدهما فإن يكونا مثلين للمنافقين فكيف قيل أو كصيب وأو تأتي بمعنى الشك في الكلام ولم يقل وكصيب بالواو التي تلحق المثل الثاني بالمثل الأول أو يكون مثل القوم أحدهما فما وجه ذكر الآخر بأو وقد علمت أن أو إذا كانت في الكلام فإنما تدخل فيه على وجه الشك من المخبر فيما أخبر عنه كقول القائل لقيني أخوك أو أبوك وإنما لقيه أحدهما ولكنه جهل عين الذي لقيه منهما مع علمه أن أحدهما قد لقيه وغير جائز في الله جل ثناؤه أن يضاف إليه الشك في شيء أو عزوب علم شيء عنه فيما أخبر أو ترك الخبر عنه
قيل له إن الأمر في ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه وأو وإن كانت في بعض الكلام تأتي بمعنى الشك فإنها قد تأتي دالة على مثل ما تدل عليه الواو إما بسابق من الكلام قبلها وإما بما يأتي بعدها كقول توبة بن الحمير وقد زعمت ليلى بأنى فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورها ومعلوم أن ذلك من توبة على غير وجه الشك فيما قال
ولكن لما كانت أو في هذا الموضع دالة على مثل الذي كانت تدل عليه الواو لو كانت مكانها وضعها موضعها
وكذلك قول جرير جاء الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر وكما قال الآخر فلو كان البكاء يرد شيئا بكيت على جبير أو عناق على المرأين إذ مضيا جميعا لشأنهما بحزن واشتياق فقد دل بقوله على المرأين إذ مضيا جميعا أن بكاءه الذي أراد أن يبكيه لم يرد أن يقصد به أحدهما دون الآخر بل أراد أن يبكيهما جميعا فكذلك ذلك في قول الله جل ثناؤه
أو كصيب من السماء لما كان معلوما أن أو دالة في ذلك على مثل الذي كانت تدل عليه الواو ولو كانت مكانها كان سواء نطق فيه بأو وكذلك وجه حذف المثل من قوله أو كصيب لما كان قوله كمثل الذي استوقد نارا دالا على أن معناه كمثل صيب حذف المثل واكتفى بدلالة ما مضى من الكلام في قوله كمثل الذي استوقد نارا على أن معناه أو كمثل صيب من إعادة ذكر المثل طلب الإيجاز والاختصار
القول في تأويل قوله تعالى فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا
قال أبو جعفر فأما الظلمات فجمع واحدها ظلمة وأما الرعد فإن أهل العلم اختلفوا فيه فقال بعضهم هو ملك يزجر السحاب
ذكر من قال ذلك حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب بصوته
وحدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا بن أبي عدي عن شعبة عن الحكم عن مجاهد مثله
وحدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال حدثنا فضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد مثله
وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا هشيم قال أنبأنا إسماعيل بن سالم عن أبي صالح قال الرعد ملك من الملائكة يسبح
وحدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال حدثنا محمد بن يعلى عن أبي الخطاب البصري عن شهر بن حوشب قال الرعد ملك موكل بالسحاب يسوقه كما يسوق الحادي الإبل يسبح كلما خالفت سحابة سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه فهي الصواعق التي رأيتم
وحدثت عن المنجاب بن الحارث قال حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن بن عباس قال الرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد وهو الذي تسمعون صوته
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا عبد الملك بن حسين عن السدي عن أبي مالك عن بن عباس قال الرعد ملك يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير
وحدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا علي بن عاصم عن بن جريج عن مجاهد عن بن عباس قال الرعد اسم ملك وصوته هذا تسبيحه فإذا اشتد زجره السحاب اضطرب السحاب واحتك فتخرج الصواعق من بينه
حدثنا الحسن قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو عوانة عن موسى البزار عن شهر بن حوشب عن بن عباس قال الرعد ملك يسوق السحاب بالتسبيح كما يسوق الحادي الإبل بحدائه
حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا يحيى بن عباد وشبابة قالا ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب
حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا عتاب بن زياد عن عكرمة قال الرعد ملك في السحاب يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل
وحدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال الرعد خلق من خلق الله جل وعز سامع مطيع لله جل وعز
حدثنا القاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين بن داود قال حدثني حجاج عن بن جريج عن عكرمة قال إن الرعد ملك يؤمر بازجاء السحاب فيؤلف بينه فذلك الصوت تسبيحه
وحدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن بن جريح عن مجاهد قال الرعد ملك
وحدثني المثنى قال حدثنا الحجاج بن المنهال قال حدثنا حماد بن سلمة عن المغيرة بن سالم عن أبيه أو غيره أن علي بن أبي طالب قال الرعد ملك
حدثنا المثنى قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد قال أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم مولى بن عباس قال كتب بن عباس إلى أبي الخلد يسأله عن الرعد فقال الرعد ملك
حدثنا المثنى قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا عمر بن الوليد السني عن عكرمة قال الرعد ملك يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال كان بن عباس إذا سمع الرعد قال سبحان الذي سبحت له قال وكان يقول إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه
وقال آخرون إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب فتصاعد فيكون منه ذلك الصوت ذكر من قال ذلك حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا بشر بن إسماعيل عن أبي كثير قال كنت عند أبي الخلد إذ جاءه رسول بن عباس بكتاب إليه فكتب إليه كتبت تسألني عن الرعد فالرعد الريح
حدثني إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا عمران بن ميسرة قال حدثنا بن إدريس عن الحسن بن الفرات عن أبيه قال كتب بن عباس إلى أبي الخلد يسأله عن الرعد فقال الرعد ريح
قال أبو جعفر فإن كان الرعد ما ذكره بن عباس ومجاهد فمعنى الآية أو كصيب من السماء فيه ظلمات وصوت رعد لأن الرعد إن كان ملكا يسوق السحاب فغير كائن في الصيب لأن الصيب إنما هو ما تحدر من صوب السحاب والرعد إنما هو في جو السماء يسوق السحاب على أنه لو كان فيه يمر لم يكن له صوت مسموع فلم يكن هنالك رعب يرعب به أحد لأنه قد قيل إن مع كل قطرة من قطر المطر ملكا فلا يعدو الملك الذي اسمه الرعد لو كان مع الصيب إذا لم يكن مسموعا صوته أن يكون كبعض تلك الملائكة التي تنزل مع القطر إلى الأرض في أن لا رعب على أحد بكونه فيه
فقد علم إذ كان الأمر على ما وصفنا من قول بن عباس إن معنى الآية أو كمثل غيث تحدر من السماء فيه ظلمات وصوت رعد إن كان الرعد هو ما قاله بن عباس وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد باسمه على المراد في الكلام من ذكر صوته
وإن كان الرعد ما قاله أبو الخلد فلا شيء في قوله فيه ظلمات ورعد متروك لأن معنى الكلام حينئذ فيه ظلمات ورعد الذي هو وما وصفنا صفته
وأما البرق فإن أهل العلم اختلفوا فيه فقال بعضهم بما حدثنا مطر بن محمد الضبي قال حدثنا أبو عاصم ح وحدثني محمد بن بشار قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي ح وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قالوا جميعا حدثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن أشوع عن ربيعة بن الأبيض عن علي قال البرق مخاريق الملائكة
حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا عبد الملك بن الحسين عن السدي عن أبي مالك عن بن عباس البرق مخاريق بأيدي الملائكة يزجرون بها السحاب
وحدثني المثنى قال حدثنا الحجاج قال حدثنا حماد عن المغيرة بن سالم عن أبيه أو غيره أن علي بن أبي طالب قال الرعد الملك والبرق ضربه السحاب بمخراق من حديد
وقال آخرون هو سوط من نور يزجر به الملك السحاب
حدثت عن المنجاب بن الحارث قال حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن بن عباس بذلك
وقال آخرون هو ماء
ذكر من قال ذلك حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا بشر بن إسماعيل عن أبي كثير قال كنت عند أبي الخلد إذ جاءه رسول بن عباس بكتاب إليه فكتب إليه تسألني عن البرق فالبرق الماء
حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا عمران بن ميسرة قال حدثنا بن إدريس عن الحسن بن الفرات عن أبيه قال كتب بن عباس إلى أبي الخلد يسأله عن البرق فقال البرق ماء
حدثنا بن حميد قال حدثنا جرير عن عطاء عن رجل من أهل البصرة من قرائهم قال كتب بن عباس إلى أبي الخلد رجل من أهل هجر يسأله عن البرق فكتب إليه كتبت إلي تسألني عن البرق وإنه من الماء
وقال آخرون هو مصع ملك حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال البرق مصع ملك
حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا هشام عن محمد بن مسلم الطائفي قال بلغني أن البرق ملك له أربعة أوجه وجه إنسان ووجه ثور ووجه نسر ووجه أسد فإذا مصع بأجنحته فذلك البرق
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن بن جريج عن وهب بن سليمان عن شعيب الجبائي قال في كتاب الله الملائكة حملة العرش لكل ملك منهم وجه إنسان وثور وأسد فإذا حركوا أجنحتهم فهو البرق
وقال أمية بن أبي الصلت رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للاخرى وليث مرصد حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا علي بن عاصم عن بن جريج عن مجاهد عن بن عباس البرق ملك
وقد حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن بن جريج قال الصواعق ملك يضرب السحاب بالمخاريق يصيب منه من يشاء
قال أبو جعفر وقد يحتمل أن يكون ما قاله علي بن أبي طالب وبن عباس ومجاهد بمعنى واحد وذلك أن تكون المخاريق التي ذكر علي رضي الله عنه أنها هي البرق هي السياط التي هي من نور التي يزجي بها الملك السحاب كما قال بن عباس
ويكون إزجاء الملك السحاب مصعه إياه بها وذاك أن المصاع عند العرب أصله المجالدة بالسيوف ثم تستعمله في كل شيء جولد به في حرب وغير حرب كما قال أعشى بني ثعلبة وهو يصف جواري يلعبن بحليهن ويجالدن به
إذا هن نازلن أقرانهن وكان المصاع بما في الجون يقال منه ماصعه مصاعا
وكأن مجاهدا إنما قال مصع ملك إذ كان السحاب لا يماصع الملك وإنما الرعد هو المماصع له فجعله مصدرا من مصعه يمصعه مصعا وقد ذكرنا ما في معنى الصاعقة ما قال شهر بن حوشب فيما مضى
وأما تأويل الآية فإن أهل التأويل مختلفون فيه
فروي عن بن عباس في ذلك أقوال أحدها ما حدثنا به محمد بن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن بن عباس أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت أي هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل على الذي هم عليه من الخلاف والتخوف منكم على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت يكاد البرق يخطف أبصارهم أي لشدة ضوء الحق كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين
والآخر ما حدثني به موسى بن هارون قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن بن عباس وعن مرة عن بن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق إلى إن الله على كل شيء قدير أما الصيب والمطر
كانا رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق فجعلا كلما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما وإذ لمع البرق مشوا في ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا قاما مكانهما لا يمشيان فجعلا يقولان ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع أيدينا في يده فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما
فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة
وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما وإذا أضاء لهم مشوا فيه
فإذا كثرت أموالهم وولد لهم الغلمان وأصابوا غنيمة أو فتحا مشوا فيه وقالوا إن دين محمد دين صدق فاستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهم البرق مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا
فكانوا إذا هلكت أموالهم وولد لهم الجواري وأصابهم البلاء قالوا هذا من أجل دين محمد فارتدوا كفارا كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما
والثالث ما حدثني به محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن بن عباس أو كصيب من السماء كمطر فيه ظلمات ورعد وبرق إلى آخر الآية هو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله وعمل مراءاة للناس فإذا خلا وحده عمل بغيره
فهو في ظلمة ما أقام على ذلك
وأما الظلمات فالضلالة وأما البرق فالإيمان وهم أهل الكتاب
وإذا أظلم عليهم فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه
والرابع ما حدثني به المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس أو كصيب من السماء وهو المطر ضرب مثله في القرآن يقول فيه ظلمات يقول ابتلاء
ورعد يقول فيه تخويف وبرق يكاد البرق يخطف أبصارهم يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا اطمأنوا وإن أصابوا الإسلام نكبة قالوا ارجعوا إلى الكفر
يقول وإذا أظلم عليهم قاموا كقوله ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة إلى آخر الآية ثم اختلف سائر أهل التأويل بعد ذلك في نظير ما روي عن بن عباس من الاختلاف
فحدثني محمد بن عمرو الباهلي قال حدثنا أبو عاصم عن عيسى بن ميمون عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال إضاءة البرق وإظلامه على نحو ذلك المثل
وحدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن بن أبي نجيح عن مجاهد مثله
حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى عن بن أبي نجيح عن مجاهد مثله
وحدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة في قول الله فيه ظلمات ورعد وبرق إلى قوله وإذا أظلم عليهم قاموا فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاء أو طمأنينة أو سلوة من عيش قال أنا معكم وأنا منكم وإذا أصابته شدة حقحق والله عندها فانقطع به فلم يصبر على بلائها ولم يحتسب أجرها ولم يرج عاقبتها
وحدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة فيه ظلمات ورعد وبرق يقول أخبر عن قوم لا يسمعون شيئا إلا ظنوا أنهم هالكون فيه حذرا من الموت والله محيط بالكافرين
ثم ضرب لهم مثلا آخر فقال يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول هذا المنافق إذا كثر ماله وكثرت ماشيته وأصابته عافية قال لم يصبني منذ دخلت في ديني هذا إلا خير وإذا أظلم عليهم قاموا يقول إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء قاموا متحيرين
وحدثني المثنى قال حدثنا إسحاق بن الحجاج عن عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس فيه ظلمات ورعد وبرق قال مثلهم كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة ولها مطر ورعد وبرق على جادة فلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها وإذا ذهب البرق تحيروا
وكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له فإذا شك تحير ووقع في الظلمة فكذلك قوله كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ثم قال في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم قال أبو جعفر وحدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا أبو نميلة عن عبيد بن سليمان الباهلي عن الضحاك بن مزاحم فيه ظلمات قال أما الظلمات فالضلالة والبرق الإيمان
وحدثني يونس قال أخبرنا بن وهب قال حدثني عبد الرحمن بن زيد في قوله فيه ظلمات ورعد وبرق فقرأ حتى بلغ إن الله على كل شيء قدير قال هذا أيضا مثل ضربه الله للمنافقين كانوا قد استناروا بالإسلام كما استنار هذا بنور هذا البرق
وحدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج قال قال بن جريج ليس شيء في الأرض سمعه المنافق إلا ظن أنه يراد به وأنه الموت كراهية له والمنافق أكره خلق الله للموت كما إذا كانوا بالبراز في المطر فروا من الصواعق حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا بن جريج عن عطاء في قوله أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق قال مثل ضرب للكافر
وهذه الأقوال التي ذكرنا عمن رويناها عنه فإنها وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها متقاربات المعاني لأنها جميعا تنبئ عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيمان المنافق مثلا ومثل ما فيه من ظلمات بضلالته وما فيه من ضياء برق بنور إيمانه واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه بضعف جنانه وتحير فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته ومشيه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه وقيامه في الظلام بحيرته في ضلالته وارتكاسه في عمهه
فتأويل الآية إذا إذا كان الأمر على ما وصفنا أو مثل ما استضاء به المنافقون من قيلهم لرسول الله وللمؤمنين بألسنتهم آمنا بالله وباليوم الآخر وبمحمد وما جاء به حتى صار لهم بذلك في الدنيا أحكام المؤمنين وهم مع إظهارهم بألسنتهم ما يظهرون بالله وبرسوله وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر مكذبون ولخلاف ما يظهرون بالألسن في قلوبهم معتقدون على عمى منهم وجهالة بما هم عليه من الضلالة لا يدرون أي الأمرين اللذين قد شرعا لهم فيه الهداية في الكفر الذي كانوا عليه قبل إرسال الله محمدا صلى الله عليه وسلم ما أرسله به إليهم أم في الذي أتاهم به محمد من عند ربهم فهم من وعيد الله إياهم على لسان محمد وجلون وهم مع وجلهم من ذلك في حقيقته شاكون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا
كمثل غيث سرى ليلا في مزنة ظلماء وليلة مظلمة يحدوها رعد ويستطير في حافاتها برق شديد لمعانه كثير خطرانه يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه وينهبط منها نارات صواعق تكاد تدع النفوس من شدة أهوالها زواهق
فالصيب مثل لظاهر ما أظهر المنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق والظلمات التي هي فيه لظلمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب
وأما الرعد والصواعق فلما هم عليه من الوجل من وعيد الله إياهم على لسان رسوله في آي كتابه إما في العاجل وإما في الآجل أي يحل بهم مع شكهم في ذلك هل هو كائن أم غير كائن وهل له حقيقة أم ذلك كذب وباطل مثل
فهم من وجلهم أن يكون ذلك حقا يتقونه بالإقرار بما جاء به محمد بألسنتهم مخافة على أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات
وذلك تأويل قوله جل ثناؤه يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت يعني بذلك يتقون وعيد الله الذي أنزله في كتابه على لسان رسوله بما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار كما يتقي الخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنيه وتصيير أصابعه فيها حذرا على نفسه منها
وقد ذكرنا الخبر الذي روي عن بن مسعود وبن عباس أنهما كانا يقولان إن المنافقين كانوا إذا حضروا مجلس رسول الله أدخلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام رسول الله أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا
فإن كان ذلك صحيحا ولست أعلمه صحيحا إذ كنت بإسناده مرتابا فإن القول الذي روي عنهما هو القول
وإن يكن غير صحيح فأولى بتأويل الآية ما قلنا لأن الله إنما قص علينا من خبرهم في أول مبتدأ قصصهم أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين بقولهم آمنا بالله وباليوم الآخر مع شك قلوبهم ومرض أفئدتهم في حقيقة ما زعموا أنهم به مؤمنون مما جاءهم به رسول الله من عند ربهم وبذلك وصفهم في جميع آي القرآن التي ذكر فيها صفتهم
فكذلك ذلك في هذه الآية
وإنما جعل الله إدخالهم أصابعهم في آذانهم مثلا لاتقائهم رسول الله والمؤمنين بما ذكرنا أنهم يتقونهم به كما يتقي سامع صوت الصاعقة بإدخال أصابعه في أذنيه
وذلك من المثل نظير تمثيل الله جل ثناؤه ما أنزل فيهم من الوعيد في آي كتابه بأصوات الصواعق وكذلك قوله حذر الموت جعله جل ثناؤه مثلا لخوفهم وإشفاقهم من حلول عاجل العقاب المهلك الذي توعده بساحتهم كما يجعل سامع أصوات الصواعق أصابعه في أذنيه حذر العطب والموت على نفسه أن تزهق من شدتها
وإنما نصب قوله حذر الموت على نحو ما تنصب به التكرمة في قولك زرتك تكرمة لك تريد بذلك من أجل تكرمتك وكما قال جل ثناؤه ويدعوننا رغبا ورهبا على التفسير للفعل
وقد روي عن قتادة أنه كان يتأول قوله حذر الموت حذرا من الموت
حدثنا بذلك الحسن بن يحيى قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عنه
وذلك مذهب من التأويل ضعيف لأن القوم لم يجعلوا أصابعهم في آذانهم حذرا من الموت فيكون معناه ما قال إنه مراد به حذرا من الموت وإنما جعلوها من حذار الموت في آذانهم
وكان قتادة وبن جريج يتأولان قوله يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت أن ذلك من الله جل ثناؤه صفة للمنافقين بالهلع
وضعف القلوب وكراهة الموت ويتأولان في ذلك قوله يحسبون كل صيحة عليهم
وليس الأمر في ذلك عندي كالذي قالا
وذلك أنه قد كان فيهم من لا تنكر شجاعته ولا تدفع بسالته كقزمان الذي لم يقم مقامه أحد من المؤمنين باحد ودونه
وإنما كانت كراهتهم شهود المشاهد مع رسول الله وتركهم معاونته على أعدائه لأنهم لم يكونوا في أديانهم مستبصرين ولا برسول الله مصدقين فكانوا للحضور معه مشاهده كارهين إلا بالتخذيل عنه
ولكن ذلك وصف من الله جل ثناؤه لهم بالإشفاق من حلول عقوبة الله بهم على نفاقهم إما عاجلا وإما آجلا
ثم أخبر جل ثناؤه أن المنافقين الذين نعتهم النعت الذي ذكر وضرب لهم الأمثال التي وصف وإن اتقوا عقابه وأشفقوا عذابه إشفاق الجاعل في أذنيه أصابعه حذار حلول الوعيد الذي توعدهم به في آي كتابه غير منجيهم ذلك من نزوله بعقوتهم وحلوله بساحتهم إما عاجلا في الدنيا وإما آجلا في الآخرة للذي في قلوبهم من مرضها والشك في اعتقادها فقال والله محيط بالكافرين بمعنى جامعهم فمحل بهم عقوبته وكان مجاهد يتأول ذلك كما حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال حدثنا أبو عاصم عن عيسى بن ميمون عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله والله محيط بالكافرين قال جامعهم في جهنم
وأما بن عباس فروي عنه في ذلك ما حدثني به بن حميد قال حدثنا سلمة عن بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن بن عباس والله محيط بالكافرين يقول الله منزل ذلك بهم من النقمة
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا حجاج عن بن جريج عن مجاهد في قوله والله محيط بالكافرين قال جامعهم
ثم عاد جل ذكره إلى نعت إقرار المنافقين بألسنتهم والخبر عنه وعنهم وعن نفاقهم وإتمام المثل الذي ابتدأ ضربه لهم ولشكهم ومرض قلوبهم فقال يكاد البرق يعني بالبرق الإقرار الذي أظهروه بألسنتهم بالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم فجعل البرق له مثلا على ما قدمنا صفته
يخطف أبصارهم يعني يذهب بها ويستلبها ويلتمعها من شدة ضيائه ونور شعاعه
كما حدثت عن المنجاب بن الحارث قال حدثنا بشر بن عمار عن أبي روق عن الضحاك عن بن عباس في قوله يكاد البرق يخطف أبصارهم قال يلتمع أبصارهم ولما يفعل
قال أبو جعفر والخطف السلب ومنه الخبر الذي روي عن النبي أنه نهى عن الخطفة يعني بها النهبة ومنه قيل للخطاف الذي يخرج به الدلو من البئر خطاف لاختطافه واستلابه ما علق به
ومنه قول نابغة بني ذبيان خطاطيف حجن في حبال متينة تمد بها أيد إليك نوازع فجعل ضوء البرق وشدة شعاع نوره كضوء إقرارهم بألسنتهم وبرسوله وبما جاء به من عند الله واليوم الآخر وشعاع نوره مثلا
ثم قال تعالى ذكره كلما أضاء لهم يعني أن البرق كلما أضاء لهم وجعل البرق لإيمانهم مثلا
وإنما أراد بذلك أنهم كلما أضاء لهم الإيمان وإضاءته لهم أن يروا فيه ما يعجبهم في عاجل دنياهم من النصرة على الأعداء وإصابة الغنائم في المغازي وكثرة الفتوح ومنافعها والثراء في الأموال والسلامة في الأبدان والأهل والأولاد فذلك إضاءته لهم لأنهم إنما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الإقرار ابتغاء ذلك ومدافعة عن أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم وهم كما وصفهم الله جل ثناؤه بقوله ومن الناس من يعبد الله على حرف فان أصابه خير اطمأن وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه
ويعني بقوله مشوا فيه مشوا في ضوء البرق
وإنما ذلك مثل لإقرارهم على ما وصفنا
فمعناه كلما رأوا في الإيمان ما يعجبهم في عاجل دنياهم على ما وصفنا ثبتوا عليه وأقاموا فيه كما يمشي السائر في ظلمة الليل وظلمة الصيب الذي وصفه جل ثناؤه إذا برقت فيها بارقة أبصر طريقه فيها وإذا أظلم يعني ذهب ضوء البرق عنهم
ويعني بقوله عليهم على السائرين في الصيب الذي وصف جل ذكره وذلك للمنافقين مثل
ومعنى إظلام ذلك أن المنافقين كلما لم يروا في الإسلام ما يعجبهم دنياهم عند ابتلاء الله مؤمني عباده بالضراء وتمحيصه إياهم بالشدائد والبلاء من إخفاقهم في مغزاهم وإنالة عدوهم منهم أو إدبار من دنياهم عنهم أقاموا على نفاقهم وثبتوا على ضلالتهم كما قام السائرون في الصيب الذي وصف جل ذكره إذا أظلم وخفت ضوء البرق فحار في طريقه فلم يعرف منهجه 4 القول في تأويل قوله تعالى ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم
قال أبو جعفر وإنما خص جل ذكره السمع والأبصار بأنه لو شاء أذهبها من المنافقين دون سائر أعضاء أجسامهم للذي جرى من ذكرها في الآيتين أعني قوله يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق وقوله يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه فجرى ذكرها في الآيتين على وجه المثل
ثم عقب جل ثناؤه ذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم وعيدا من الله لهم كما توعدهم في الآية التي قبلها بقوله والله محيط بالكافرين واصفا بذلك جل ذكره نفسه أنه المقتدر عليهم وعلى جمعهم لإحلال سخطه بهم وإنزال نقمته عليهم ومحذرهم بذلك سطوته ومخوفهم به عقوبته ليتقوا بأسه ويسارعوا إليه بالتوبة
كما حدثنا بن حميد قال حدثنا سلمة عن بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن بن عباس ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم لما تركوا من الحق بعد معرفته
وحدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس قال ثم قال يعني قال الله في أسماعهم يعني أسماع المنافقين وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم
قال أبو جعفر وإنما معنى قوله لذهب بسمعهم وأبصارهم لأذهب سمعهم وأبصارهم ولكن العرب إذا أدخلوا الباء في مثل ذلك قالوا ذهبت ببصره وإذا حذفوا الباء قالوا أذهبت بصره كما قال جل ثناؤه آتنا غداءنا ولو أدخلت الباء في الغداء لقيل ائتنا بغدائنا
قال أبو جعفر فإن قال لنا قائل وكيف قيل لذهب بسمعهم فوحد وقال وأبصارهم فجمع وقد علمت أن الخبر في السمع خبر عن سمع جماعة كما الخبر في الأبصار خبر عن أبصار جماعة قيل قد اختلف أهل العربية في ذلك فقال بعض نحويي الكوفي وحد السمع لأنه عنى به المصدر وقصد به الخرق وجمع الأبصار لأنه عنى به الأعين
وكان بعض نحويي البصرة يزعم أن السمع وإن كان في لفظ واحد فإنه بمعنى جماعة ويحتج في ذلك بقول الله لا يرتد إليهم طرفهم يريد لا ترتد إليهم أطرافهم وبقوله ويولون الدبر يراد به أدبارهم
وإنما جاز ذلك عندي لأن في الكلام ما يدل على أنه مراد به الجمع فكان فيه دلالة على المراد منه وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة مغنيا عن جماعه ولو فعل بالبصر نظير الذي فعل بالسمع أو فعل بالسمع نظير الذي فعل بالأبصار من الجمع والتوحيد كان فصيحا صحيحا لما ذكرنا من العلة كما قال الشاعر كلوا في بعض بطنكمو تعفوا فإن زماننا زمن خميص فوحد البطن والمراد منه البطون لما وصفنا من العلة
القول في تأويل قوله تعالى إن الله على كل شي قدير
قال أبو جعفر وإنما وصف الله نفسه جل ذكره بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير ثم قال فاتقوني أيها المنافقون واحذروا خداعي وخداع رسولي وأهل الإيمان بي لا أحل بكم نقمتي فإني على ذلك وعلى غيره من الأشياء قدير
ومعنى قدير قادر كما معنى عليم عالم على ما وصفت فيما تقدم من نظائره من زيادة معنى فعيل على فاعل في المدح والذم
تفسير القرطبي ج1/ص241
قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا قال أبن عباس في رواية أبي صالح لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين يعني مثلهم كمثل الذي أستوقد نارا وقوله أو كصيب من السماء قالوا الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال فأنزل الله هذه الآية وفي رواية عطاء عن أبن عباس قال لما ذكر الله آلهة المشركين فقال وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه وذكر كيد الآلهة قوله تعالى أوكصيب من السماء قال الطبري أو بمعنى الواو وقاله الفراء وأنشد وقد زعمت ليلى بأنى فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورها وقال آخر نال الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر أي وكانت وقيل أو للتخيير أي مثلوهم بهذا أو بهذا لا على الأقتصار على أحد الأمرين والمعنى أو كأصحاب صيب والصيب المطر وأشتقاقه من صاب يصوب إذا نزل قال علقمة فلا تعدلي بيني وبين مغمر سقتك روايا المزن حيث تصوب وأصله صيوب إجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت كما فعلوا في ميت وسيد وهين ولين وقال بعض الكوفيين أصله صويب على مثال فعيل قال النحاس لو كان كما قالوا لما جاز إدغامه كما لا يجوز أدغام طويل وجمع صيب صيايب والتقدير في العربية مثلهم كمثل الذي أستوقد نارا أو كمثل صيب قوله تعالى من السماء السماء تذكر وتؤنث وتجمع على أسمية وسموات وسمى على فعول قال العجاج تلفه الرياح والسمى والسماء كل ما علاك فأظلك ومنه قيل لسقف البيت سماء والسماء المطر سمي به لنزوله من السماء قال حسان بن ثابت ديار من بني الحسحاس قفر تعفيها الروامس والسماء وقال آخر إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا ويسمى الطين والكلا أيضا سماء يقال ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم يريدون الكلأ والطين ويقال لظهر الفرس أيضا سماء لعلوه قال وأحمر كالديباج أما سماؤه فريا وأما أرضه فمحول والسماء ما علا والأرض ما سفل على ما تقدم قوله تعالى فيه ظلمات أبتداء وخبر ورعد وبرق معطوف عليه وقال ظلمات بالجمع إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن وهو الغيم ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت وقد مضى ما فيه من اللغات فلا معنى للإعادة وكذا كل ما تقدم إن شاء الله تعالى
وأختلف العلماء في الرعد ففي الترمذي عن أبن عباس قال سألت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد ما هو قال ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله فقالوا فما هذا الصوت الذي نسمع قال زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر الله قالوا صدقت الحديث بطوله وعلى هذا التفسير أكثر العلماء فالرعد أسم الصوت المسموع وقاله علي رضى الله عنه وهو المعلوم في لغة العرب وقد قال لبيد في جاهليته
فجعني الرعد والصواعق بال فارس يوم الكريهة النجد
وروي عن أبن عباس أنه قال الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت وأختلفوا في البرق فروي عن علي وأبن مسعود وأبن عباس رضوان الله عليهم البرق مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب قلت وهو الظاهر من حديث الترمذي وعن أبن عباس أيضا هو سوط من نور بيد الملك يزجر به السحاب وعنه أيضا البرق ملك يتراءى وقالت الفلاسفة الرعد صوت أصطكاك أجرام السحاب والبرق ما ينقدح من أصطكاكها وهذا مردود لا يصح به نقل والله أعلم ويقال أصل الرعد من الحركة ومنه الرعديد للجبان وأرتعد أضطرب ومنه الحديث فجيء بهما ترعد فرائصهما الحديث أخرجه أبو داود والبرق أصله من البريق والضوء ومنه البراق دابة ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وركبها الأنبياء عليهم السلام قبله ورعدت السماء من الرعد وبرقت من البرق ورعدت المرأة وبرقت تحسنت وتزينت ورعد الرجل وبرق تهدد وأوعد قال أبن أحمر يا جل ما بعدت عليك بلادنا وطلابنا فأبرق بأرضك وأرعد وأرعد القوم وأبرقوا أصابهم رعد وبرق وحكى أبو عبيدة وأبو عمرو أرعدت السماء وأبرقت وأرعد الرجل وأبرق إذا تهدد وأوعد وأنكره الأصمعي وأحتج عليه بقول الكميت أبرق وأرعد يا يزي د فما وعيدك لي بضائر فقال ليس الكميت بحجة فائدة روى أبن عباس قال كنا مع عمر بن الخطاب في سفرة بين المدينة والشام ومعنا كعب الأحبار قال فأصابتنا ريح وأصابنا رعد ومطر شديد وبرد وفرق الناس قال فقال لي كعب إنه من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته عوفي مما يكون في ذلك السحاب والبرد والصواعق قال فقلتها أنا وكعب فلما أصبحنا وأجتمع الناس قلت لعمر يا أمير المؤمنين كأنا كنا في غير ما كان فيه الناس قال وما ذاك قال فحدثته حديث كعب قال سبحان الله أفلا قلتم لنا فنقول كما قلتم في رواية فإذا بردة قد أصابت أنف عمر فأثرت به وستأتي هذه الرواية في سورة الرعد إن شاء الله ذكر الروايتين أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في روايات الصحابة عن التابعين رحمة الله عليهم أجمعين وعن أبن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك قوله تعالى يجعلون أصابعهم في آذانهم جعلهم أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فيؤمنوا به وبمحمد عليه السلام وذلك عندهم كفر والكفر موت وفي واحد الأصابع خمس لغات إصبع بكسر الهمزة وفتح الباء وأصبع بفتح الهمزة وكسر الباء ويقال بفتحهما جميعا وضمهما جميعا وبكسرهما جميعا وهي مؤنثه وكذلك الأذن وتخفف وتثقل وتصغر فيقال أذينة ولو سميت بها رجلا ثم صغرته قلت أذين فلم تؤنث لزوال التأنيث عنه بالنقل إلى المذكر فأما قولهم أذينه في الأسم العلم فإنما سمي به مصغرا والجمع آذان وتقول أذنته إذا ضربت أذنه ورجل أذن إذا كان يسمع كلام كل أحد يستوي فيه الواحد والجمع وأذاني عظيم الأذنين ونعجة أذناء وكبش آذن وأذنت النعل وغيرها تأذينا إذا جعلت لها أذنا وأذنت الصبي عركت أذنه قوله تعالى من الصواعق أي من أجل الصواعق والصواعق جمع صاعقة قال أبن عباس ومجاهد وغيرهما إذا اشتد غضب الرعد الذي هو الملك طار النار من فيه وهي الصواعق وكذا قال الخليل قال هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحيانا قطعة نار تحرق ما أتت عليه وقال أبو زيد الصاعقة نار تسقط من السماء في رعد شديد وحكى الخليل عن قوم الساعقة بالسين وقال أبو بكر النقاش يقال صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنى واحد وقرأ الحسن من الصواقع بتقديم القاف ومنه قول أبي النجم يحكون بالمصقولة القواطع تشقق البرق عن الصواقع قال النحاس وهي لغة تميم وبعض بني ربيعة ويقال صعقتهم السماء إذا ألقت عليهم الصاعقة والصاعقة أيضا صيحة العذاب قال الله عز وجل فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ويقال صعق الرجل صعقة وتصعاقا أي غشي عليه ومنه قوله تعالى وخر موسى صعقا فأصعقه غيره قال أبن مقبل ترى النعرات الزرق تحت لبانه أحاد ومثنى أصعقتها صواهله وقوله تعالى فصعق من في السماوات ومن في الأرض الزمر أي مات وشبه الله تعالى في هذه الآية أحوال المنافقين بما في الصيب من الظلمات والرعد والبرق والصواعق فالظلمات مثل لما يعتقدونه من الكفر والرعد والبرق مثل لما يخوفون به وقيل مثل الله تعالى القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال عليهم والعمى هو الظلمات وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أحيانا أن تبهرهم هو البرق والصواعق لما في القرآن من الدعاء إلى القتال في العاجل والوعيد في الآجل وقيل الصواعق تكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة وغيرهما قوله حذر الموت حذر وحذار بمعنى وقرئ بهما قال سيبويه هو منصوب لأنه موقوع له أي مفعول من أجله وحقيقته أنه مصدر وأنشد سيبويه وأغفر عوراء الكريم أدخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما وقال الفراء هو منصوب على التمييز والموت ضد الحياة وقد مات يموت ويمات أيضا قال الراجز بنيتي سيدة البنات عيشي ولا يؤمن أن تماتي فهو ميت وميت وقوم موتى وأموات وميتون وميتون والموات بالضم الموت والموات بالفتح ما لا روح فيه والموات أيضا الأرض التي لا مالك لها من الآدميين ولا ينتفع بها أحد والموتان بالتحريك خلاف الحيوان يقال أشتر الموتان ولا تشتر الحيوان أي أشتر الأرضين والدور ولا تشتر الرقيق والدواب والموتان بالضم موت يقع في الماشية يقال وقع في المال موتان وأماته الله وموته شدد للمبالغة وقال فعروة مات موتا مستريحا فهأنذا أموت كل يوم وأماتت الناقة إذا مات ولدها فهي مميت ومميتة قال أبو عبيد وكذلك المرأة وجمعها مماويت قال أبن السكيت أمات فلان إذا مات له أبن أو بنون والمتماوت من صفة الناسك المرائي وموت مائت كقولك ليل لائل يؤخذ من لفظه ما يؤكد به والمستميت للأمر المسترسل له قال رؤبة
وزبد البحر له كتيت والليل فوق الماء مستميت
المستميت أيضا المستقتل الذي لا يبالي في الحرب من الموت وفي الحديث أرى القوم مستميتين وهم الذين يقاتلون على الموت والموتة بالضم جنس من الجنون والصرع يعترى الإنسان فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله كالنائم والسكران ومؤتة بضم الميم وهمز الواو أسم أرض قتل بها جعفر بن أبي طالب عليه السلام قوله تعالى والله محيط بالكافرين أبتداء وخبر أي لا يفوتونه يقال أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذا حاصرا من كل جهة قال الشاعر أحطنا بهم حتى إذا ما تيقنوا بما قد رأوا مالوا جميعا إلى السلم ومنه قوله تعالى وأحيط بثمره وأصله محيط نقلت حركة الياء إلى الحاء فسكنت فالله سبحانه محيط بجميع المخلوقات أي هي في قبضته وتحت قهره كما قال والأرض جميعا قبضته يوم القيامة وقيل محيط بالكافرين أي عالم بهم دليله وإن الله قد أحاط بكل شيء علما وقيل مهلكهم وجامعهم دليله قوله تعالى إلا أن يحاط بكم أي إلا أن تهلكوا جميعا وخص الكافرين بالذكر لتقدم ذكرهم في الآية والله أعلم قوله تعالى يكاد البرق يخطف أبصارهم يكاد معناه يقارب يقال كاد يفعل كذا إذا قارب ولم يفعل ويجوز في غير القرآن يكاد أن يفعل كما قال رؤبة قد كاد من طول البلى أن يمصحا مشتق من المصح وهو الدرس والأجود أن تكون بغير أن لآنها لمقاربة الحال وأن تصرف الكلام إلى الأستقبال وهذا متناف قال الله عز وجل يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ومن كلام العرب كاد النعام يطير وكاد العروس يكون أميرا لقربهما من تلك الحال وكاد فعل متصرف على فعل يفعل وقد جاء خبره بالأسم وهو قليل قال وما كدت آئبا ويجري مجرى كاد كرب وجعل وقارب وطفق في كون خبرها بغير أن قال الله عز وجل وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة لأنها كلها بمعنى الحال والمقاربة والحال لا يكون معها أن فأعلم قوله تعالى يخطف أبصارهم الخطف الأخذ بسرعة ومنه سمي الطير خطافا لسرعته فمن جعل القرآن مثلا للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم ومن جعله مثلا للبيان الذي في القرآن فالمعنى أنهم جاءهم من البيان ما بهرهم ويخطف ويخطف لغتان قرئ بهما وقد خطفه بالكسر يخطفه خطفا وهي اللغة الجيدة واللغة الأخرى حكاها الأخفش خطف يخطف الجوهري وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف وقد قرأ بها يونس في قوله تعالى يكاد البرق يخطف أبصارهم وقال النحاس في يخطف سبعة أوجه القراءة الفصيحة يخطف وقرأ علي بن الحسين ويحيى بن وثاب يخطف بكسر الطاء قال سعيد الأخفش هي لغة وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجحدري وأبو رجاء العطاردي بفتح الياء وكسر الخاء والطاء وروي عن الحسن أيضا أنه قرأ بفتح الخاء قال الفراء وقرأ بعض أهل المدينة بإسكان الخاء وتشديد الطاء قال الكسائي والأخفش والفراء يجوز يخطف بكسر الياء والخاء والطاء فهذه ستة أوجه موافقة للخط
والسابعة حكاها عبد الوارث قال رأيت في مصحف أبي بن كعب يتخطف وزعم سيبويه والكسائي أن من قرأ يخطف بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده يختطف ثم أدغم التاء في الطاء فألتقى ساكنان فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين قال سيبويه ومن فتح الخاء ألقى حركة التاء عليها وقال الكسائي ومن كسر الياء فلأن الألف في أختطف مكسورة فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من أسكان الخاء والإدغام فلا يعرف ولا يجوز لأنه جمع بين ساكنين قاله النحاس وغيره قلت وروي عن الحسن أيضا وأبي رجاء يخطف قال أبن مجاهد وأظنه غلطا وأستدل على ذلك بأن خطف الخطفة لم يقرأه أحد بالفتح أبصارهم جمع بصر وهي حاسة الرؤية والمعنى تكاد حجج القرآن وبراهينه الساطعة تبهرهم ومن جعل البرق مثلا للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم قوله تعالى كلما أضاء لهم مشوا فيه كلما منصوب لأنه ظرف وإذا كان كلما بمعنى إذا فهي موصولة والعامل فيه مشوا وهو جوابه ولا يعمل فيه أضاء لأنه في صلة ما والمفعول في قول المبرد محذوف التقدير عنده كلما أضاء لهم البرق الطريق وقيل يجوز أن يكون فعل وأفعل بمعنى كسكت وأسكت فيكون أضاء وضاء سواء فلا يحتاج إلى تقدير حذف مفعول قال الفراء يقال ضاء وأضاء وقد تقدم والمعنى أنهم كلما سمعوا القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم عن أبن عباس وقيل المعنى كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت النعم قالوا دين محمد دين مبارك وإذا نزلت بهم مصيبة وأصابتهم شدة سخطوا وثبتوا في نفاقهم عن أبن مسعود وقتادة قال النحاس وهذا قول حسن ويدل على صحته ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير أطمأن به وإن أصابته فتنة أنقلب على وجهه وقال علماء الصوفية هذا مثل ضربه الله تعالى لمن لم تصح له أحوال الإرادة بدءا فأرتقى من تلك الأحوال بالدعاوي إلى أحوال الأكابر كأن تضيء عليه أحوال الإرادة لو صححها بملازمة آدابها فلما مزجها بالدعاوي أذهب الله عنه تلك الأنوار وبقي في ظلمات دعاوية لا يبصر طريق الخروج منها وروي عن أبن عباس أن المراد اليهود لما نصر النبي صلى الله عليه وسلم ببدر طمعوا وقالوا هذا والله النبي الذي بشرنا به موسى لا ترد له راية فلما نكب بأحد أرتدوا وشكوا وهذا ضعيف والآية في المنافقين وهذا أصح عن أبن عباس والمعنى يتناول الجميع قوله تعالى ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم لو حرف تمن وفيه معنى الجزاء وجوابه اللام والمعنى ولو شاء الله لأطلع المؤمنين عليهم فذهب منهم عز الإسلام بالإستيلاء عليهم وقتلهم وإخراجهم من بينهم وخص السمع والبصر لتقدم ذكرهما في الآية أولا أو لأنهما أشرف ما في الأنسان وقرئ بأسماعهم على الجمع وقد تقدم الكلام في هذا قوله تعالى إن الله على كل شيء قدير عموم ومعناه عند المتكلمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه وأجمعت الامة على تسمية الله تعالى بالقدير فهو سبحانه قدير قادر مقتدر والقدير أبلغ في الوصف من القادر قاله الزجاجي وقال الهروي والقدير والقادر بمعنى واحد يقال قدرت على الشيء أقدر قدرا وقدرا ومقدرة ومقدرة وقدرانا أي قدرة والأقتدار على الشيء القدرة عليه فالله جل وعز قادر مقتدر قدير على كل ممكن يقبل الوجود والعدم فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله تعالى قادر له قدرة بها فعل ويفعل ما يشاء على وفق علمه وأختياره ويجب عليه أيضا أن يعلم أن للعبد قدرة يكتسب بها ما أقدره الله تعالى عليه على مجرى العادة وأنه غير مستبد بقدرته وإنما خص هنا تعالى صفته التي هي القدرة بالذكر دون غيرها لأنه تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك والله أعلم فهذه عشرون آية على عدد الكوفيين أربع آيات في وصف المؤمنين ثم تليها آيتان في ذكر الكافرين وبقيتها في المنافقين وقد تقدمت الرواية فيها عن بن جريج وقاله مجاهد أيضا
تفسير النسفي ج1/ص23
بعد أن باعوه أو عن الضلالة بعد أن اشتروها لتنوع الرجوع إلى الشئ وعنه أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين فى مكانهم لا يبرحون ولا يدرون ايتقدمون أم يتأخرون أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ثنى الله سبحانه وتعالى في شأنهم بتمثيل آخر لزيادة الكشف والإضاح شبه المنافق فى التمثيل الأول المستوقد نارا وإظهار الإيمان بالاضاءة وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار وهنا شبه دين الإسلام بالصيب لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق وما يصيبهم من الإفزاع والبلايا من جهة أهل الإسلام بالصواعق والمعنى أو كمثل ذوى صيب فحذف مثل لدلالة العطف عليه وذوى لدلالة يجعلون عليه والمراد كمثل قوم اخذتهم السماء بهذه الصفة فلقوا منها ما لقوا فهذا تشبيه أشياء بأسشياء إلا أنه لم يصرح بذكر المشبهات كما صرح فى قوله وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء وقول امرئ القيس
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالى
بل جاء به مطويا ذكره على سنن الاستعارة والصحيح أن التمثيلين من جملة التمثيلات المركبة دون المفرقة لا يتكلف لواحد واحد شيء بقدر شبهه به بيانه أن العرب تأخذ أشياء فرادى معزولا بعضها من بعض لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها كما فعل امرئ القيس وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامنت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها كقوله تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها الآية فالمراد تشبيه حال اليهود فى جهلها بما معها من التوراة بحال الحمار فى جهله بما يحمل من أسفار الحكمة وتساوى الحالتين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من الأوقار لا يشعر من ذلك إلا بما يمر بدفيه من الكد والتعب وكقوله واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كما ءانزلنا من السماء فالمراد قلة بقاء زهرة الحياة الدنيا كقلة بقاء الخضر فهو تشبيه كيفية بكيفية فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض ومصيره شيئا واحدا فلا فكذلك لما وصف وقوع المنافقين فى ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة شبهت حيرتهم وشدة الأمر بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها فى ظلمة الليل وكذلك من أخذته السماء فى الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق والتمثيل الثاني أبلغ لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر ولذا أخروهم يتدرجون فى مثل هذا من الأهون إلى الأغلظ وعطف احد التمثيلين على الآخر بأولأنها فى أصلها لتساوى شيئين فصاعدا فى الشك عند البعض ثم استعيرت لمجرد التساوى كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين تريد أنهما سيان فى استصواب أن يجالسا وقوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا أى الآثم والكفور سيان فى وجوب العصاين فكذا هنا معناه أن كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتى هاتين القصتين و أن الكيفيتين سواء فى استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب وإن مثلها بهما جميعا فكذلك والصيب المطر الذى يصوب أى ينزل ويقع ويقال للسحاب صيب أيضا وتنكير صيب لأنه نوع من المطر شديد هائل كما نكرت النار فى التمثيل الأول والسماء هذه المظلة وعن الحسن أنها موج مكفوف والفائدة فى ذكر السماء والصيب لا يكون إلا من السماء أنه جاء بالسماء معرفة فأفاد أنه غمام اخذ بآفاق السماء ونفى أن يكون من سماء أى من أفق واحد من بين سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء ففى التعريف مبالغة كما فى تنكير صيب وتركيبه وبنائه وفيه دليل على أن السحاب من السماء ينحدر منها يأخذ ماءه وقيل أنه يأخذ من البحر ويرتفع ظلمات مرفوع بالجار والمجرور لأنه قد قوى لكونه صفة لصيب بخلاف مالو قلت ابتداء فيه ظلمات ففيه خلاف بين الأخفش وسيبويه والرعد الصوت الذى يسمع من السحاب لاصطكاك أجرامه أو ملك يسوق السحاب والبرق الذى يلمع من السحاب من برق الشئ بريقا إذا لمع والضمير فى فيه يعود إلى الصيب فقد جعل الصيب مكانا للظلمات فإن اريد به السحاب فظلماته إذا كان أسحم مطبقا سحمته وتطبيقه مضموما اليهما ظلمة الليل و اما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه بتتابع القطر وظلمة اظلال غمامه مع ظلمة الليل وجعل الصيب مكانا للرعد والبرق على ارادة السحاب به ظاهر وكذا أن اريد به المطر لأنهما متلبسان به فى الجملة ولم يجمع الرعد والبرق لأنهما مصدران في الأصل يقال رعدت السماء رعدا وبرقت برقا فروعى حكم الاصل بأن ترك جمعهما ونكرت هذه الأشياء لأن المراد انواع منها كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف يجعلون أصابعهم في آذانهم الضمير لأصحاب الصيب وإن كان محذوفا كما فى قوله أو هم قائلون لأن المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه ولا محل ليجعلون لكونه مستأنفا لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلا قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل يجعلون اصابعهم فى آذانهم ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقال يكاد البرق يخطف ابصارهم و إنما ذكر الأصابع ولم يذكر الانامل ورءوس الاصابع هى التي تجعل فى الآذان اتساعا كقوله فاقطعوا ايديهما والمراد إلى الرسغ ولان فى ذكر الاصابع من المبالغة ما ليس فى ذكر الأنامل و إنما لم يذكر الأصبع الخاص الذى تسد به الأذن لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن ولم يذكر المسبحة لأنها مستحدثة غير مشهورة من الصواعق متعلق بيجعلون أى من اجل الصواعق يجعلون أصابعهم فى آذانهم والصاعقة قصفة رعد تنقض معها شقة نار قالوا تنقدح من السحاب إذا اصطكت أحرامه وهى نار لطيفة جديدة لا تمر بشئ إلا اتت عليه إلا أنها مع حدتها سريعة الخمود يحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو نصفها ثم طفئت ويقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق أى مات اما بشدة الصوت أو بالإحراق حذر الموت مفعول له والموت فساد بنية الحيوان عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة والله محيط بالكافرين يعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط فهو مجاز هذه الجملة اعتراض لا محل لها يكاد البرق يخطف أبصارهم الخطف الأخذ بسرعة وكاد يستعمل لتقريب الفعل جدا وموضع يخطف نصب لأنه خبر كاد كلما أضاء لهم كل ظرف وما نكرة موصوفة معناها الوقت والعائد محذوف أى كل وقت أضاء لهم فيه والعامل فيه جوابها وهو مشوا فيه أى في ضوئه وهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول كيف يصنعون فى تارتي خفوق البرق وخفيته وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وماا هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة فإذا خفى وفتر لمعانه بقوا واقفين وأضاء متعد أى كلما نور لهم ممشى ومسلكا اخذوه والمفعول محذوف أو غير متعد أى كلما لمع لهم مشوا فى مطرح نوره والمشى جنس الحركة المخصوصة فإذا اشتد فهو سعى فإذا ازداد فهو عدو وإذا أظلم عليهم أظلم غير متعد وذكر مع اضاء كلما ومع اظلم إذا لانهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشى فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف قاموا وقفوا وثبتوا فى مكانهم ومنه قام الماء إذا جمد ولو شاء الله لذهب بسمعهم يقصف الرعد وأبصارهم بوميض البرق ومفعول شاء محذوف لدلالة الجواب عليه أى ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وابصارهم لذهب بهما ولقد تكاثر هذا الحذف فى شاء وأراد لا يكادون يبرزون المفعول إلا فى الشئ المستغرب كنحو قوله فلو شئت أن أبكى دما لبكيته
عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
وقوله تعالى لو أردنا أن نتخذ لهوا ولو أراد الله أن يتخذ ولدا إن الله على كل شيء قدير أى أن الله قادر على كل شيء لما عدد الله فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين وذكر صفاتهم وأحوالهم وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها ويحظيها عند الله ويرديها أقبل عليهم بالخطاب وهو من الالتفات المذكور فقال
تفسير الواحدي ج1/ص94
أو كصيب أو كأصحاب مطر شديد من السماء من السحاب فيه في ذلك السحاب ظلمات ورعد وهو صوت ملك موكل بالسحاب وبرق وهي النار التي تخرج منه يجعلون أصابعهم في آذانهم يعني أهل هذا المطر من الصواعق من شدة صوت الرعد يسدون آذانهم بأصابعهم كيلا يموتوا بشدة ما يسمعون من الصوت فالمطر مثل للقرآن لما فيه من حياة القلوب والظلمات مثل لما في القرآن من ذكر الكفر والشرك وبيان الفتن والأهوال والرعد مثل لما خوفوا به من الوعيد وذكر النار والبرق مثل لحجج القرآن وما فيه من البيان وجعل الأصابع في الآذان حذر الموت مثل لجعل المنافقين أصابعهم في آذانهم كيلا يسمعوا القرآن مخافة ميل القلب إلى القرآن فيؤدي ذلك إلى الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك عندهم كفر والكفر موت والله محيط بالكافرين مهلكهم وجامعهم في النار
20 يكاد البرق يخطف أبصارهم هذا تمثيل آخر يقول يكاد ما في القرآن من 21 23 الحجج يخطف قلوبهم من شدة إزعاجها إلى النظر في أمر دينهم كلما أضاء لهم مشوا فيه كلما سمعوا شيئا مما يحبون صدقوا وإذا سمعوا ما يكرهون وقفوا وذلك قوله عز وجل وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم أي بأسماعهم الظاهرة وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة حتى صاروا صما عميا فليحذروا عاجل عقوبة الله سبحانه وآجلها ف إن الله على كل شيء قدير من ذل
تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ج1/ص5
أو كصيب من السماء وهذا مثل آخر يقول مثل المنافقين واليهود مع القرآن كصيب كمطر نزل من السماء ليلا على قوم في مفازة فيه في الليل ظلمات ورعد وبرق وكذلك القرآن نزل من الله فيه ظلمات بيان الفتن ورعد زجر وتخويف وبرق بيان وتبصرة ووعدا يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق من صوت الرعد حذر الموت مخافة البوائق والموت كذلك المنافقون واليهود كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق من بيان القرآن ووعده ووعيده حذر الموت مخافة ميل القلب إليه والله محيط بالكافرين والمنافقين أي عالم بهم وجامعهم في النار يكاد البرق النار يخطف أبصارهم يذهب بأبصار الكافرين كذلك البيان أراد أن يذهب بأبصار ضلالتهم كلما أضاء لهم البرق مشوا فيه في ضوء البرق وإذا أظلم عليهم قاموا بقوا في الظلمة كذلك المنافقون لما آمنوا مشوا فيما بين المؤمنين لأنهم تقبل إيمانهم فلما ماتوا بقوا في ظلمة القبر ولو شاء الله لذهب بسمعهم بالرعد وأبصارهم بالبرق كذلك لو شاء الله لذهب بسمع المنافقين واليهود بزجر ما في القرآن ووعيد ما فيه وابصارهم بالبيان إن الله على كل شيء من ذهاب السمع والبصر
روح المعاني – الألوسي ج1/ص170
أو كصيب من السماء شروع في تمثيل لحالهم إثر تمثيل وبيان لكل دقيق منها وجليل فهم أئمة الكفر الذين تفننوا فيه وتفؤا ظلال الضلال بعد أن طاروا إليه بقدامى النفاق وخوافيه فحقيق أن تضرب في بيداء بيان أحوالهم الوخيمة خيمة الأمثال وتمد أطناب الأطناب في شرح أفعالهم ليكون أفعى لهم ونكالا بعد نكال وكل كلام له حظ من البلاغة وقسط من الجزالة والبراعة لا بد أن يوفى فيه حق كل من مقام الأطناب والإيجاز فماذا عسى أن يقال فيما بلغ الذروة العليا من البلاغة والبراعة والأعجاز ولقد نعى سبحانه عليهم في هذا التمثيل تفاصيل جناياتهم العديمة المثيل وهو معطوف على الذي أستوقد نارا ويكون النظم كمثل ذوي صيب فيظهر مرجع ضمير الجمع فيما بعد وتحصل الملائمة للمعطوف عليه والمشبه وأو عند ذوي التحقيق لأحد الأمرين ويتولد منه في الخبر الشك والإبهام والتفصيل على حسب إعتبارات المتكلم وفي الأنشاء الإباحة والتخيير كذلك وحينئذ لا يلزم الإشتراك ولا الحقيقة والمجاز وبعضهم يقول إنها بإعتبار الأصل موضوعة للتساوي في الشك وحمل على أنه فرد من أفراد المعنى الحقيقي ثم اتسع فيها فجاءت للتساوي من غير شك كما فيما نحن فيه على رأي إذ المعنى مثل بأي القصتين شئت فهما سواء في التمثيل ولا بأس لو مثلت بهما جميعا وإن كان التشبيه الثاني أبلغ لدلالته على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته ولذا أخر ليتدرج من الأهون إلى الأهول وزعم بعضهم أن أو هنا بمعنى الواو وما في الآيتين تمثيل واحد وقيل بمعنى بل وقيل للإبهام والكل ليس بشيء نعم أختار أبو حيان أنها للتفصيل وكأن من نظر إلى حالهم منهم من يشبهه بحال المستوقد ومنهم من يشبهه بحال ذوي صيب مدعيا أن الإباحة وكذا التخييرلا يكونان إلا في الأمر أو ما في معناه إنتهى ولا يخفى على من نظر في معناه وحقق ما معناه أن ما نحن فيه داخل في الشق الثاني على أن دعوى الإختصاص مما لم يجمع عليه الخواص فقد ذكر إبن مالك أن أكثر ورود أو للإباحة في التشبيه نحو فهي كالحجارة أو اشد قسوة والتقدير نحو فكان قاب قوسين أو أدنى والصيب في المشهور المطر من صاب يصوب إذا نزل وهو المروي هنا عن إبن عباس وإبن مسعود ومجاهد وقتادة وعطاء وغيرهم رضي الله تعالى عنهم ويطلق على السحاب أيضا كما في قوله حتى عفاها صيب ودقه داني النواحي مسبل هاطل ووزنه فيعل بكسر العينعند البصريين وهو من الأوزان المختصة بالمعتل العين إلا ما شذ من صيقل بكسر القاف علم لأمرأة والبغداديون يفتحون العين وهو قول تسد الأذن عنه وقريب منه قول الكوفيين إن أصله فعيل كطويل فقلب وهل هو أسم جنس أو صفة بمعنى نازل أو منزل قولان أشهرهما الأول وأكثر نظائره في الوزن من الثاني وقريء أو كصائب وصيب أبلغ منه والتنكير فيه للتنويع والتعظيم والسماء كل ما علاك من سقف ونحوه والمعروفة عند خواص أهل الأرض والمرئية عند عوامهم وأصلها الواو من السمو وهي مؤنثة وقد تذكر كما في قوله فلو رفع السماء إليه قوما لحقنا بالسماء مع السحاب وتلحقها هاء التأنيث فتصح الواو حينئذ كما قاله أبو حيان لأنها بنيت عليها الكلمة فيقال سماوة وتجمع على سموات وأسمية وسمائي والكل كما في البحر شاذ لأنها أسم جنس وقياسه أن لا يجمع وجمعه بالألف والتاء خال عن شرط ما يجمع بهما قياسا وجمعه على أفعلة ليس مما ينقاس في المؤنث وعلى فعائل لا ينقاس في فعال والمراد بالسماء هنا الأفق والتعريف للإستغراق لا للعهد الذهني كما ينساق لبعض الأذهان فيفيد أن الغمام آخذ بالآفاق كلها فيشعر بقوة المصيبة مع ما فيه من تمهيد الظلمة ولهذا القصد ذكرها وعندي أن الذكر يحتمل أن يكون أيضا للتهويل والإشارة إلى أن ما يؤذيهم جاء من فوق رؤوسهم وذلك أبلغ في الإيذاء كما يشير إليه قوله تعال يصب من فوق رؤوسهم الحميم وكثيرا ما نجد أن المرء يعتني بحفظ رأسه أكثر مما يعتني بحفظ سائر أطرافه حتى أن المستطيع من الناس يتخذ طيلسانا لذلك والعيان والوجدان أقوى شاهد على ما قلنا و من لإبتداء الغاية وقيل يحتمل أن تكون للتبعيض على حذف مضاف أي من أمطار السماء وليس بشيء وزعم بعضهم أن الآية تبطل ما قيل إن المطر من أبخرة متصاعدة من السفل وهو من أبخرة الجهل إذ ليس في الآية سوى أن المطر من هذه الجهة وهو غير مناف لما ذكر كيف والمشاهدة تقضي به فقد حدثني من بلغ مبلغ التواتر أنهم شاهدوا وهم فوق الجبال الشامخة سحابا يمطر أسفلهم وشاهدوا تارات أبخرة تتصاعد من نحو الجبال فتنعقد سحابا فيمطر فإياك أن تلتفت لبرق كلام خلب ولا تظن أن ذلك علم فالجهل منه أصوب ثم حملا لصيب هنا على السحاب وإن كان محتملا غير أنه بعيد بعد الغمام وكذا حمل السماء عليه فيه ظلمات ورعد وبرق أي معه ذلك كما في قوله تعالى أدخلوا في أمم وإذا حملت في على الظرفية كما هو الشائع في كلام المفسرين أحتج إلى حمل الملابسة التي تقتضيها الظرفية على مطلق الملابسة الشاملة للسببية والمجاورة وغيرهما ففيه بذلك المعنى ظلمات ثلاث ظلمة تكاثفه بتتابعه وظلمة غمامه مع ظلمة الليل التي يستشعرها الذوق من قوله تعالى كلما أضاء لهم مشوا فيه وكذا فيه رعد وبرق لأنهما في منشئه ومحل ينصب منه وقيل فيه وهو كما قال الشهاب وهم نشأ من عدم التدبر وإن كان المراد بالصيب السحاب فأمر الظرفية أظهر والظلمات حينئذ ظلمة السحمة والتطبيق مع ظلمة الليل وجمع الظلمات على التقديرين مضيء ولم يجمع الرعد والبرق وإن كانا قد جمعا في لسان العرب وبه تزداد المبالغة وتحصل المطابقة مع الظلمات والصواعق لأنهما مصدران في الأصل وإن أريد بهما العينان هنا كما هو الظاهر والأصل في المصدر أن لا يجمع على أنه لو جمعا لدل ظاهرا على تعدد الأنواع كما في المعطوف عليه وكل من الرعد والبرق نوع واحد وذكر الشهاب مدعيا أنه مما لمعت به بوارق الهداية في ظلمات الخواطر نكتة سرية في إفرادهما هنا وهي أن الرعد كما ورد في الحديث وجرت به العادةيسوق السحاب من مكان لآخر فلو تعدد لم يكن السحاب مطبقا فتزول شدة ظلمته وكذا البرق لو كثر لمعانه لم تطبق الظلمة كما يشير إليه قوله تعالى كلما أضاء لهم مشوا فيه فأفرادهما متعين هنا وعندي وهو من أنوار العناية المشرقة على آفاق الأسرار أن النور لما لم يجمع في آية من القرآن لما تقدم لم يجمع البرق لأغراضهم
واعترض بعضهم على إرادة المنع من الفساد بأن فيه إبهام ما لا يكاد إذ ليس هو بالبعيد عنه كما يرشدك إليه كلما أضاء لهم والرعد مصاحب له فأنعكست اشعته عليه أو ما ترى الجلد الحقير مقبلا بالثغر لما صار جار المصحف وإرتفاع ظلمات إما على الفاعلية للظرف المعتمد على الموصوف أو على الإبتدائية والظرف خبره وجعل الظرف حالا من النكرة المخصصة وظلمات فاعله لا يخلو عن ظلمة البعد كما لا يخفى وللناس في الرعد والبرق أقوال والذي عون عليه أن الأول صوت زجر الملك الموكل بالسحاب والثاني لمعان مخاريقه التي هي من نار والذي أشتهر عند الحكماء أن الشمس إذا أشرقت على الأرض اليابسة حللت منها أجزاء نارية يخالطها أجزاء أرضية فيركب منهما دخان ويختلط بالبخار وهو الحادث بسبب الحرارة السماوية إذا أثرت في البلة ويتصاعدان معا إلى الطبقة الباردة وينعقد ثمة سحاب ويحتقن الدخان فيه ويطلب الصعود إن بقي على طبعه الحار والنزول إن ثقل وبرد وكيف كان يمزق السحاب بعنفه فيحدث منه الرعد وقد تشتعل منه لشدة حركته ومحاكته نار لامعة وهي البرق إن لطفت والصاعقة إن غلظت وربما كان البرق سببا للرعد فإن الدخان المشتعل ينطفيء في السحاب فيسمع لإنطفائه صوت كما إذا أطفأنا النار بين أيدينا والرعد والبرق يكونان معا إلا أن البرق يرى في الحال لأن الأبصار لا يحتاج إلا إلى المحاذاة من غير حجاب والرعد يسمع بعد لأن السماع إنما يحصل بوصول تموج الهواء إلى القوة السامعة وذلك يستدعي زمانا كذا قالواه وربما يختلج في ذهنك قرب هذا ولا تدري ماذا تصنع بما ورد عن حضرة من أسرى به ليلا بلا رعد ولا برق على ظهر البراق وعرج إلى ذي المعارج حيث لا زمان ولا مكان فرجع وهو أعلم خلق الله على الأطلاق صلى الله تعالى عليه وسلم فأنا بحول من عز حوله وتوفيق من غمرني فضله أوفق لك بما يزيل الغين عن العين ويظهر سر جوامع الكلم التي أوتيها سيد الكونين صلى الله تعالى عليه وسلم فأقول قد صح عند أساطين الحكمة والنبوة مما شاهدوه في أرصادهم الروحانية في خلواتهم ورياضاتهم وكذا عند سائر المتاهين الربانيين من حكماء الإسلام والفرس وغيرهم أن لكل نوع جسماني من الأفلاك والكواكب والبسائط العنصرية ومركباتها ربا هو نور مجرد عن المادة قائم بنفسه مدبر له حافظ إياه وهو المنمي والغاذي والمولد في النبات والحيوان والإنسان لإمتناع صدور هذه الأفعال المختلفة في النبات والحيوان عن قوة بسيطة لاشعور لها وفينا عن أنفسنا وإلا لكان لنا شعور بها فجميع هذه الأفعال من الأرباب وإلى تلك الأرباب أشار صاحب الرسالة العظمى صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله وإن لكل شيء ملكا حتى قال إن كل قطرة من القطرات ينزل معها ملك وقال أتاني ملك الجبال وملك البحار وحكى أفلاطون عن نفسه أنه خلع الظلمات النفسانية والتعلقات البدنية وشاهدها وذكر مولانا الشيخ صدر الدين القونوي قدس سره في تفسيره الفاتحة أنه ما ثم صورة إلا ولها روح وأطال أهل الله تعالى الكلام في ذلك فإذا علمت هذا فلا بعد في أن يقال أراد صلى الله تعالى عليه وسلم بالملك الموكل بالسحاب في بيان الرعد هو هذا الرب المدبر الحافظ وبزجره تدبيره له حسب إستعداده وقابليته وأراد بصوت ذلك الزجر ما يحدث عند الشق بالأبخرة الذي يقتضيه ذلك التدبير وأراد بالمخاريق في بيان البرق وهي جمع مخراق وهو في الأصل ثوب يلف وتضرب به الصبيان بعضهم بعضا الآلة التي يحصل بواسطتها الشق ولا شك أنها كما قررنا من نار أشعلتها شدة الحركة والمحاكة فظهرت كما ترى وحيث فتحنا لك هذا الباب قدرت على تأويل كثير مما ورد من هذا القبيل حتى قولهم إن الرعد نطق الملك والبرق ضحكه وإن كان بحسب الظاهر مما يضحك منه ولم أر أحدا وفق فوفق وتحق فحقق والله تعالى الموفق وهو حسبي ونعم الوكيل يجعلون أصابعهم في إذانهم من الصواعق حذر الموت الضمائر عائدة على المحذوف المعلوم فيما قبل وكثيرا ما يلتفت إليه كما في قوله تعالى وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون والجملة إستئناف لا محل لها من الأعراب مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل عند بيان أحوالهم الهائلة فماذا يصنعون في تضاعيف تلك الشدة فقال يجعلون إلخ وجوزوا وجوها أخر ككونها في محل جر صفة للمقدر وجوز فيها وفي يكاد كونها صفة صيب بتأويل نحولا يطيقونه أو في محل نصب على الحال من ضمير فيه والعائد محذوف أو اللام نائبة عنه أي صواعقه والجعل في الأصل الوضع والأصابع جمع إصبع وفيه تسع لغات حاصلة من ضرب أحوال الهمزة الثلاث في أحوال الباء كذلك وحكوا عاشرة وهي أصبوع بضمها مع واو وهي مؤنثة وكذا سائر أسمائها إلا الأبهام فبعض بني أسد يذكرها والتأنيث أجود وفي الآية مبالغة في فرط دهشتهم وكمال حيرتهم كما في الفرائد من وجوه أحدها نسبة الجعل إلى كل الأصابع وهو منسوب إلى بعضها وهو الأنامل وثانيها من حيث الأبهام في الأصابع والمعهود إدخال السبابة فكأنهم من فرط دهشتهم يدخلون أي اصبع كانت ولا يسلكون المسلك المعهود وثالثها في ذكر الجعل موضع الإدخال فإن جعل شيء في شيء أدل على إحاطة الثاني بالأول من إدخاله فيه وهل هذا من المجاز اللغوي لتسمية الكل بأسم جزئه أو للتجوز في الجعل أو هو من المجاز العقلي بأن ينسب الجعل للأصابع وهو للأنامل فيه خلاف والمشهور هو الأول وعليه الجمهور وإبن مالك وجماعة على الأخير ظنا منهم أن المبالغة في الإحتراز عن إستماع الصاعقة إنما يكون عليه ولم يكتفوا فيها بتبادر الذهن إلى أن الكل أدخل في الأذن قبل النظر للقرينة وقيل لا مجاز هنا أصلا لأن نسبة بعض الأفعال إلى ذي أجزاء تنقسم يكفي فيه تلبسه ببعض أجزائه كما يقال دخلت البلد وجئت ليلة الخميس
ومسحت بالمنديل فإن ذلك حقيقة مع أن الدخول والمجيء والمسح في بعض البلد والليلة والمنديل ولا يخفى أن كون مثل ذلك حقيقة ليس على إطلاقه والفرق بينه وبين ما نحن فيه ظاهر و من تعليلية تغني غناء اللام في المفعول له وتدخل على الباعث المتقدم والغرض المتأخر وهي متعلقة ب يجعلون وتعلقها بالموت بعيد أي يجعلون من أجل الصواعق وهي جمع صاعقة ولا شذوذ والظاهر أنها في الأصل صفة من الصعق وهو الصراخ وتاؤها للتأنيث إن قدرت صفة لمؤنث أو للمبالغة إن لم تقدر كراوية أو للنقل من الوصفية إلى الأسمية كحقيقة وقيل إنها مصدر كالعافية والعاقبة وهي اسم لكل هائل مسموع أو مشاهد والمشهور أنها الرعد الشديد معه قطعة من نار لا تمر بشيء إلا أتت عليه وقد يكون معه جرم حجري أو حديدي وسد الآذان إنما ينفع على المعنى الأول وقد يراد المعنى الثاني ويكون في الكلام إشارة إلى مبالغة أخرى في فرط دهشتهم حيث يظنون ما لا ينفع نافعا وقرأ الحسن من الصواقع وهي لغة بني تميم كما في قوله ألم تر أن المجرمين أصابهم صواقع لا بل هن فوق الصواقع وليس من باب القلب على الأصح إذ علامته كون أحد البناءين فائقا للآخر ببعض وجوه التصريف والبنا أن هنا مستويان في التصريف و حذر الموت نصب على العلة ل يجعلون وإن كان من الصواعق في المعنى مفعولا له كان هناك نوعان منصوب ومجرور ولزوم العطف في مثله غير مسلم خلافا لمن زعمه ولا مانع من أن يكون علة له مع غلته كما أن من الصواعق علة له نفسه وورد مجيء المفعول له معرفة وإن كان قليلا كما في قوله وأغفر عوراء الكريم إدخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما وجعله مفعولا مطلقا لمحذوف أي يحذر ونحذر الموت بعيد وقرأ قتادة والضحاك وإبن أبي ليلى حذار وهو كحذر شدة الخوف والموت في المشهور زوال الحياة عما يتصف بها بالفعل وإطلاقه على العدم السابق في قوله سبحانه وكنتم أمواتا فأحياكم مجاز ولا يرد قوله تعالى خلق الموت إذ الخلق فيه بمعنى التقدير وتعيين المقدار بوجه وهو مما يوصف به الموجود والمعدوم لأن العدم كالوجود له مدة ومقدرا معين عنده تعالى وقيل المراد بخلق الموت إحداث أسبابه وقيل إنه العدم مطلقا وإن لم يكن مخلوقا إلا أن إعدام الملكات مخلوقة لما فيها من شائبة التحقق بمعنى أن إستعداد الموضوع معتبر في مفهومها وهو أمر وجودي فيجوز أن يعتبر تعلق الخلق والإيجاد بإعتبار ذلك وصحح محققو أهل السنة أن الموت صفة وجودية خلقت ضدا للحياة ولهذا يظهر كما في الحديث يوم تتجسد المعاني كما قال أهل الله تعالى بصورة كبش أملح ويصير عدما محضا إذ يذبح بمدية الحياة التي لا ينتهي أمدها والله محيط بالكافرين 91 أي لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط المحيط فأحاطته تعالى بهم مجاز تشبيها لحال قدرته الكاملة التي لا يفوتها المقدور أصلا بإحاطة المحيط بالمحاط بحيث لا يفوته فيكون في الإحاطة إستعارة تبعية وإن شبه حاله تعالى وله المثل الأعلى معهم بحال المحيط مع المحاط بأن تشبه هيئة منتزعة من عدة أمور بمثلها كان هناك إستعارة تمثيلية لا تصرف في مفرداتها إلا أنه صرح بالعمدة منها وقدر الباقي فأفهم وجوز أبو علي في محيط أن يكون بمعنى مهلك كما في قوله تعالى وأحاطت به خطيئته أو عالم علم مجازاة كما في قوله تعالى وأحاط بما لديهم وكل هذا من الظاهر ولأهل الشهود كلام من ورائه محيط والوا إعتراضية لا عاطفة ولا حالية والجملة معترضة بين جملتين من قصة واحدة وفيها تتميم للمقصود من التمثيل بما تفيده من المبالغة لأن الكافرين وضع موضع الضمير وعبر به إشعارا بإستحقاق ذوي الصيب ذلك العذاب لكفرهم فيكون الكلام على حد قوله تعالى مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته فإن التشبيه بحرث قوم كذلك لا يخفى حسنه لأن الأهلاك عن سخط أشد وأبلغ وفيه تنبيه على أن ما صنعوه من سد الآذان بالأصابع لا يغنى عنهم شيئا وقد أحاط بهم الهلاك ولا يدافع الحذر القدر وماذا يصنع مع القضاء تدبير البشر وجعل الإعتراض من جملة أحوال المشبه على أن المراد بالكافرين المنافقون ولا محيص لهم عن عذاب الدارين ووسط بين أحوال المشبه به لإظهار كمال العناية بشأن المشبه والتنبيه على شدة الإتصال مما يأباه الذوق السليم يكاد البرق يخطف أبصارهم إستئناف آخر بياني كأنه قيل فيكف حالهم مع ذلك البرق فقال يكاد إلخ وفي البحر يحتمل أن يكون في موضع جر لذوي المحذوفة فيما تقدم ويكاد مضارع كاد من أفعال المقاربة وتدل على قرب وقوع الخبر وأنه لم يقع والأول لوجود أسبابه والثاني لمانع أو فقد شرط على ما تقضي العادة به والمشهور أنها إن نفيت أثبتت وإن أثبتت نفت وألغزوا بذلك ولم يرتض هذا أبو حيان وصحح أنها كسائر الأفعال في أن نفيها نفي وإثباتها إثبات واللام في البرق للعهد إشارة إلى ما تقدم نكرة وقيل إشارة إلى البرق الذي مع الصواعق أي برقها وهو كما ترى وإسناد الخطف وهو في الأصل الأخذ بسرعة أو الإستلاب إليه من باب إسناد الأحراق إلى النار وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه قريبا والشائع في خبر كاد أن يكون فعلا مضارعا غير مقترن بأن المصدرية الإستقبالية أما المضارع فلدلالته على الحال المناسب للقرب حتى كأنه لشدة قربه وقع وأما أنه غير مقترن بأن فلمن افاتها لما قصدوا ونحو وأبت إلى فهم وما كدت آبيا وكاد الفقر أن يكون كفرا وقد كادمن طول البلى أن يمحصا قليل وقرأ مجاهد وعلي بن الحسين ويحيى بن وثاب يخطف بكسر الطاء والفتح أفصح وعن إبن مسعود يختطف وعن الحسن يخطف بفتح الياء والخاء وأصله يختطف فأدغم التاء في الطاء وعن عاصم وقتادة والحسن أيضا يخطف بفتح الياء وكسر الخاء والطاء المشددة وعن الحسن ايضا والأعمش يخطف بكسر الثلاثة والتشديد وعن زيد يخطف بضم الياء وفتح الخاء وكسر الطاء المشددة وهو تكثير مبالغة لا تعدية وكسر الطاء في الماضي لغة قريش وهي اللغة الجيدة كلماأضاءلهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا إستئناف ثالث كأنه لما قيل أنهم مبتلون بإستمرار تجدد خطف الأبصار فهم منه أنهم مشغولون بفعل ما يحتاج إلى الأبصار ساعة فساعة وإلا لغطوها كما سدوا الآذان فسئل وقيل ما يفعلون في حالتي وميض البرق وعدمه فأجيب بأنهم حراص على المشي كلما أضاء لهم أغتنم وهو مشوا وإذا أظلم عليهم توقفوا مترصدين وكلما في هذه الآية وأمثالها منصوبة على الظرفية وناصبها ما هو جواب معنى و ما حرف مصدري أو أسم نكرة بمعنى وقت فالجملة بعدها صلة أو صفة وجعلت شرطا لما فيها من معناه وهي لتقدير ما بعدها بنكرة تفيد عموما بدليا ولهذا أفادت كلما التكرار كما صرح به الأصوليون وذهب إليه بعض النحاة واللغويين وإستفادة التكرار من إذا وغيرها من أدوات الشرط من القرائن الخارجية على الصحيح ومن ذلك قوله إذا وجدت أوار الحب من كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد وزعم أبو حيان أن التكرار الذي ذكره الأصوليون وغيرهم في كلما إنما جاء من عموم كل لا من وضعها وهو مخالف للمنقول والمعقول وقد استعملت هنا في لازم معناها كناية أو مجازا وهو الحرص والمحبة لما دخلت عليه ولذا قال مع الإضاءة كلما ومع الأظلام إذا وقول أبي حيان إن التكرار متى فهم من كلما هنا لزم منه التكرار في إذا إذ الأمر دائر بين إضاءة البرق والأظلام ومتى وجد ذا فقد ذا فلزم من تكرار وجود ذا تكرار عدم ذا غفلة عما أرادوه من هذا المعنى الكنائي والمجازي وأضاء إما متعد كما في قوله أعد نظرا يا عبد قيس لعلما أضاءت لك النار الحمار المقيدا والمفعول محذوف أي كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه وسلكوه وإما لازم ويقدر حينئذ مضافا نأي كلما لمع لهم مشوا في مطرح ضوئه ولا بد من التقدير إذ ليس المشي في البرق بل في محله وموضع إشراق ضوئه وكون في للتعليل والمعنى مشوا لأجل الإضاءة فيه يتوقف فيه من له ذوق في العربية ويؤيد اللزوم قراءة إبن أبي عبلة ضاء ثلاثيا وفي مصحف إبن مسعود بدل مشوا فيه مضوا فيه وللإشارة إلى ضعف قواهم لمزيد خوفهم ودهشتهم لم يأت سبحانه بما يدل على السرعة ولما حذف مفعول أضاء وكانت النكرة أصلا أشار إلى أنهم لفرط الحيرة كانوا يخبطون خبط عشواء ويمشون كل ممشى ومعنى أظلم عليهم أختفى عنهم والمشهور إستعمال أظلم لازما وذكر الأزهري وناهيك به في التهذيب أن كل واحد من أوصاف الظلم يكون لازما ومتعديا وعلى إحتمال التعدي هنا ويؤيده قراءة زيد بن قطيب والضحاك أظلم بالبناء للمفعول مع إتفاق النحاة على أن المطرد بناء المجهول من المتعدي بنفسه يكون المفعول محذوفا أي إذا أظلم البرق بسبب خفائه معاينة الطريق قاموا أي وقفوا عن المشي ويتجوز به عن الكساد ومنه قامت السوق وفي ضده يقال مشت الحال ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم عطف على مجموع الجمل الإستئنافية ولم يجعلوها معطوفة على الأقرب ومن تتمته لخروجها عن التمثيل وعدم صلاحيتها للجواب وعطف ما ليس بجواب على الجواب ليس بصواب وجوزه بعض المحققين إذ لا بأس بأن يزاد في الجواب ما يناسبه وإن لم يكن له دخل فيه بل قد يستحسن ذلك إذا أقتضاه المقام كما في وما تلك بيمينك ياموسى الآية وكونها إعتراضية أو حالية من ضمير قاموا بتقدير المبتدأ أو معطوفة على الجملة الأولى مع تخلل الفواصل اللفظية والمقدرة فضول عند ذوي الفضل والقول بأنه أتى بها لتوبيخ المنافقين حيث لم ينتهوا لأن من قدر على إيجاد قصيف الرعد وميضه وإعدامهما قادر على إذهاب سمعهم وأبصارهم أفلا يرجعون عن ضلالهم محل للتوبيخ إذ لا يصح عطف الممثل به ومفعول شاء هنا محذوف وكثيرا ما يحذف مفعولها إذا وقعت في حيز الشرط ولم يكن مستغربا والمعنى ولو أراد الله إذهاب سمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق لذهب ولتقدم ما يدل على التقييد من يجعلون ويكاد قوى دلالة السياق عليه وأخرجه من الغرابة ولك أن لا تقيد ذلك المفعول وتقيد الجواب كما صنعه الزمخشري أو لا تقيد أصلا ويكون المعنى لو أراد الله إذهاب هاتيك القوى أذهبها من غير سبب فلا يغنيهم ما صنعوه والمشيئة عند المتكلمين كالإرادة سواء وقيل أصل المشيئة إيجاد الشيء وإصابته وإن أستعمل عرفا في موضع الإرادة وقرأ إبن أبي عبلة لأذهب الله بأسمائهم وهي محمولة على زيادة الباء لتأكيد التعدية أو على أن أذهب لازم بمعنى ذهب كما قيل بنحوه في تنبت بالدهن ولا تلقوا بأيديكم إذ الجمع بين أداتي تعدية لا يجوز وبعضهم يقدر له مفعولا أي لأذهبهم فيهون الأمر وكلمة لو لتعليق حصول أمر ماض هو الجزاء بحصول أمر مفروض هو الشرط لما بينهما من الدوران حقيقة أو إدعاء ومن قضية مفروضة الشرط دلالتها على إنتفائه قطعا والمنازع فيه مكابر وأما دلالتها على إنتفاء الجزاء فقد قيل وقيل والحق أنه إن كان ما بينهما من الدوران قد بنى الحكم على إعتباره فهي دلالة عليه بواسطة مدلولها ضرورة إستلزام إنتفاء العلة لإنتفاء المعلول أما في الدوران الكلي كالذي في قوله تعالى شأنه ولو شاء لهداكم وقولك لوجئتني لأكرمتك فظاهر ثم إنه قد يساق الكلام لتعليل إنتفاء الجزاء بإنتفاء الشرط كما في المثالين وهو الإستعمال الشائع في لو ولذا قيل إنها لإمتناع الثاني لإمتناع الأول وقد يساق للإستدلال بإنتفاء الثاني لكونه ظاهرا أو مسلما على إنتفاء الأول لكونه بعكسه كما في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا و لو كان خيرا ما سبقونا إليه واللزوم في الأول حقيقي وفي الثاني إدعائي وكذا إنتفاء الملزومين وليس هذا بطريق السببية الخارجية بل بطريق الدلالة العقلية الراجعة إلى سببية العلم بإنتفاء الثاني للعلم بإنتفاء الأول ومن لم يتنبه زعم أنه لإنتفاء الأول لإنتفاء الثاني وأما في مادة الدوران الجزئي كما في قولك لو طلعت الشمس لوجد الضوء فلأن الجزاء المنوط بالشرط ليس وجود أي ضوء بل وجود الضوء الخاص الناشيء من الطلوع ولا ريب في إنتفائه بإنتفائه هذا إذا بنى الحكم على إعتبار الدوران وإن بنى على عدمه فأما أن يعتبر تحقق مدار آخر له أو لا فإن أعتبر فالدلالة تابعة لحال ذلك المدار فإن كان بينه وبين الإنتفاء الأول منافاة تعين الدلالة كما إذا قلت لو لم تطلع الشمس لوجد الضوء فإن وجود الضوء معلق في الحقيقة بسبب آخر هو المدار ووضع عدم الطلوع موضعه لكونه كاشفا عنه فكأنه قيل لو لم تطلع الشمس لوجد الضوء بالقمر مثلا
ولا ريب في أن هذا الجزاء منتف عند إنتفاء الشرط لإستحالة الضوء القمري عند طلوع الشمس وإن لم يكن بينهما منافاة تعين عدم الدلالة كحديث لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لإبنة أخي من الرضاعة فإن المدار المعتبر في ضمن الشرط أعني كونها إبنة الأخ غير مناف لإنتفائه الذي هو كونها ربيبته بل مجامع له ومن ضرورته مجامعة أثريهما أعني الحرمة الناشئة من هذا وهذا وإن لم يعتبر تحقق مدار آخر بل بنى الحكم على إعتبار عدمه فلا دلالة لها على ذلك أصلا ومساق الكلام حينئذ لبيان ثبوت الجزاء على كل حال بتعليقه بما ينافيه ليعلم ثبوته عند وقوع مالا ينافيه بالأولى كما في قوله تعالى قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لا مسكتم فإن الجزاء قد نيط بما ينافيه إيذانا بأنه في نفسه بحيث يجب ثبوته مع فرض إنتفاء سببه أو تحقق سبب إنتفائه فكيف إذا لم يكن كذلك على طريقة لو الوصلية ونعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه إن حمل على تعليق عدم العصيان في ضمن عدم الخوف بمدار آخر كالحياء مما يجامع الخوف كان من قبيل حديث الربيبة وإن حمل على بيان إستحالة عصيانه مبالغة كان من هذا القبيل والآية الكريمة واردة على الإستعمال الشائع مفيدة لفظاعة حالهم وهول ما دهمهم وأنه قد بلغ الأمر إلى حيث لو تعلقت مشيئة الله تعالى بإزالة قواهم لزالت لتحقق ما يقتضيه إقتضاء تاما وقيل كلمة لو فيه الربط جزائها بشرطها مجردة عن الدلالة على إنتفاء أحدهما لإنتفاء الآخر بمنزلة أن ذكر جميع ذلك مولانا مفتي الديار الرومية وأظنه قد اصاب الغرض إلا أن كلام مولانا الساليكوتي يشعر بإختيار أن لو موضوعة لمجرد تعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فيه من غير دلالة على إنتفاء الأول أو الثاني أو على إستمرار الجزاء بل جميع هذه الأمور خارجة عن مفهومها مستفادة بمعونة القرائن كيلا يلزم القول بالإشتراك أو الحقيقة والمجاز من غير ضرورة وبه قال بعضهم وما ذهب إليه إبن الحاجب من أنها للدلالة على إنتفاء الأول لإنتفاء الثاني من لوازم هذا المفهوم وكونه لازما لا يستلزم الإرادة في مي الموارد فإن الدلالة غير الإرادة وذكر أن ما قالوه من أنها لتعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فرضا مع القطع بإنتفائه فيلزم لأجل إنتفائه إنتفاء ما علق به فيفيد أن إنتفاء الثاني في الخارج إنما هو بسبب إنتفاء الأول فيه مع توقفه على كون إنتفاء الأول مأخوذا في مدخولها وقد عرفت أنه يستلزم خلاف الأصل يرد عليه أن المستفاد من التعليق على أمر مفروض الحصول إبداء المانع من حصول المعلق في الماضي وأنه لم يخرج من العدم الأصلي إلى حد الوجود وبقى على حاله لإرتباط وجوده بأمر معدوم وأما إن إنتفاءه سبب لإنتفائه في الخارج فكلا كيف والشرط النحوي قد يكون مسببا مضافا للجزاء نعم أن هذا مقتضى الشرط الأصطلاحي وما أستلى به العلامة التفتازاني على إفادتها السببية الخارجية من قول الحماسي ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر لأن إستثناء المقدم لا ينتج ففيه أن اللازم مما ذكر أن لا تكون مستعملة للإستدلال بإنتفاء الأول على إنتفاء الثاني ولا يلزم منه أن لا تكون مستعملة لمجرد التعليق لإفادة إبداء المانع مع قيام المقتضي كيف ولو كان معناها إفادة سببية الإنتفاء كان الإستثناء تأكيدا وإعادة بخلاف ما إذا كان معناها مجرد التعليق فإنه يكون إفادة وتأسيسا وهذا محصل ما قالوه ردا وقبولا وزبدة ما ذكروه إجمالا وتفصيلا ومعظم مفتي أهل العربية أفتوا بما قاله مفتي الديار الرومية ولا أوجب عليك التقليد فالأقوال بين يديك فأختر منها ما تريد إن الله على كل شيء قدير 02 كالتعليل للشرطية والتقرير لمضمونها الناطق بقدرته تعالى على إذهاب ما ذكر لأن القادر على الكل قادر على البعض والشيء لغة ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كما نص عليه سيبويه وهو شامل للمعدوم والموجود الواجب والممكن وتختلف إطلاقاته ويعلم المراد منه بالقرائن فيطلق تارة ويراد به جميع أفراده كقوله تعالى والله بكل شيء عليم بقرينة إحاطه العلم الإلهي بالواجب والممكن المعدوم والموجود والمحال الملحوظ بعنوان ما ويطلق ويراد به الممكن مطلقا كما في الآية الكريمة بقرينة القدرة التي لا تتعلق إلا بالممكن وقد يطلق ويراد به الممكن الخارجي الموجود في الذهن كما في قوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله بقرينة كونه متصورا مشيئا فعله غدا وقد يطلق ويراد به الممكن المعدوم الثابت في نفس الأمر كما في قوله تعالى إنما قولنا لشيئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون بقرينة إرادة التكوين التي تختص بالمعدوم وقد يطلق ويراد به الموجود الخارجي كما في قوله تعالى وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا أي موجودا خارجيا لإمتناع أن يراد نفي كونه شيئا بالمعنى اللغوي الأعم الشامل للمعدوم الثابت في نفس الأمر لأن كل مخلوق فهو في الأزل شيء أي معدوم ثابت في نفس الأمر وإطلاق الشيء عليه قد قرر والأصل في الإطلاق الحقيقة ولا يعدل عنه إلا لصارف ولا صارف وشيوع إستعماله في الموجود لا ينتهض صارفا إذ ذاك إنما هو لكون تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر لا لإختصاصه به لغة وما ذكره مولانا البيضاوي من إختصاصه بالموجود لأنه في الأصل مصدر شاء أطلق بمعنى شاء تارة وحينئذ يتناول الباري تعالى وبمعنى مشيء أخرى أي مشيء وجوده إلخ ففيه مع ما فيه أنه يلزمه في قوله تعالى والله بكل شيء عليم إستعمال المشترك في معنييه لأنه إذا كان بمعنى الشائي لا يشمل نحو الجمادات عنده وإذا كان بمعنى المشيء وجوده لا يشمل الواجب تعالى شأنه وفي إستعمال المشترك في معنييه خلاف ولا خلاف في الإستدلال بالآية على إحاطة علمه تعالى وأما ما ذكر في شرحي المواقف والمقاصد فجعجعة ولا أرى طحنا وقعقعة ولا أرى سلاحا تقنا وقد كفانا مؤنة الإطالة في رده مولانا الكوراني قدس سره والنزاع في هذا وإن كان لفظيا والبحث فيه من وظيفة أصحاب اللغة إلا أنه يبتني على النزاع في أن المعدوم الممكن ثابت أولا وهذا بحث طالما تحيرت فيه أقوام وزلت فيه أقدام
والحق الذي عليه العارفون الأول لأن المعدوم الممكن أي ما يصدق عليه هذا المفهوم يتصور ويراد بعضه دون بعض وكل ما هو كذلك فهو متميز في نفسه من غير فرض الذهن وكل ما هو كذلك فهو ثابت ومتقرر في خارج أذهاننا منفكا عن الوجود الخارجي فما هو إلا في نفس الأمر والمراد به علم الحق تعالى بإعتبار عدم مغايرته للذات الأقدس فإن لعلم الحق تعالى إعتبارين أحدهما أنه ليس غيرا الثاني أنه ليس عينا ولا يقال بالإعتبار الأول العلم تابع للمعلوم لأن التبعية نسبة تقتضي متمايزين ولو إعتبارا ولا تمايز عند عدم المغايرة ويقال ذلك بالإعتبار الثاني للتمايز النسبي المصحح للتبعية والمعلوم الذي يتبعه العلم هو ذات الحق تعالى بجميع شئونه ونسبه وإعتباراته ومن هنا قالوا علمه تعالى بالأشياء أزلا عين علمه بنفسه لأن كل شيء من نسب علمه بالإعتبار الأول فإذا علم الذات بجميع نسبها فقد علم كل شيء من عين علمه بنفسه وحيث لم يكن الشريك من نسب العلم بالإعتبار الأول إذ لا ثبوت له في نفسه من غير فرض إذ الثابت كذلك هو أنه تعالى لا شريك له فلا يتعلق به العلم بالإعتبار الثاني إبتداء ومتى كان تعلق العلم بالأشياء أزليا لم تكن أعداما صرفة إذ لا يصح حينئذ أن تكون طرفا إذ لا تمايز فإذا لها تحقق بوجه ما فهي أزلية بأزلية العلم فلذا لم تكن الماهيات بذواتها مجعلوة لأن الجعل تابع للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم الثابت فالثبوت متقدم على الجعل بمراتب فلا تكون من حيث الثبوت أثرا للجعل وإلا لدار وإنما هي مجعولة في وجودها لأن العالم حادث وكل حادث مجعول وليس الوجود حالا حتى لا تتعلق به القدرة ويلزم أن لا يكون الباري تعالى موجدا للممكنات ولا قادرا عليها لأنه قد حقق أن الوجود بمعنى ما بإنضمامه إلى الماهيات الممكنة يترتب عليها آثارها المختصة بها موجودا أما أولا فلأن كل مفهوم مغاير للوجود فإنه إنما يكون موجودا بأمر ينضم إليه وهو الوجود فهو موجود بنفسه لا بأمر زائد وإلا لتسلسل وإمتيازه عما عداه بأن وجوده ليس زائدا على ذاته وأما ثانيا فلأنه لو لم يكن موجودا لم يوجد شيء أصلا لأن الماهية الممكنة قبل إنضمام الوجود متصفة بالعدم الخارجي فلو كان الوجود معدوما كان مثلها محتاجا لما تحتاجه فلا يترتب على الماهية بضمه آثارها لأنه على تقدير كونه معدوما ليس فيه بعد العدم إلا إفتقاره إلى الوجود وهذا بعينه متحقق في الماهية قبل الضم فلا يحدث لها بالضم وصف لم تكن عليه فلو كان هذا الوجود المفتقر مفيد الترتب الآثار لكانت الماهية مستغنية عن الوجود حال إفتقارها إليه واللازم باطل لإستحالة إجتماع النقيضين فلا بد أن يكون الوجود موجودا بوجود هو نفسه وإلا لتسلسل أو إنتهى إلى وجود موجود بنفسه والأول باطل والثاني قاض بالمطلوب نعم الوجود بمعنى الموجودية حال لأنه صفة إعتبارية ليست بعرض ولا سلب ومع هذا يتعلق به الجعل لكن لا إبتداء بل بضم حصة من الوجود الموجود إلى الماهية فيترتب على ذلك إتصاف الماهية بالموجودية وظاهر أنه لا يلزم من عدم تعلق القدرة بالوجود بمعنى الموجودية إبتداء أن لا تتعلق به بوجه أن الماهيات مجعولة في وجودها فلا بد أن يكون وجود كل شيء عين حقيقته بمعنى أن ما صدق عليه حقيقة الشيء من الأمور الخارجية هو بعينه ما صدق عليه وجوده وليس لهما هويتان متمايزتان في الخارج كالسواد والجسم إذ الوجود إن قام بالماهية معدومة لزم التناقض وموجودة لزم وجودان مع الدور أو التسلسل والقول بأن الوجود ينضم إلى الماهية من حيث هي لا تحقيق فيه إذ تحقق في محله أن الماهية قبل عروض الوجود متصفة في نفس الأمر بالعدم قطعا لإستحالة خلوها عن النقيضين فيه غاية الأمر أنا إذا لم نعتبر معها العدم لا يمكن أن نحكم عليها بأنها معدومة وعدم إعتبارنا العدم معها حين عروض الوجود لا يجعلها منفكة عنه في نفس الأمر وإنما يجعلها منفكة عنه بإعتبارنا وضم الوجود أمر يحصل لها بإعتبار نفس الأمر لا من حيث إعتبارنا فخلوها عن العدم بإعتبارنا لا يصحح إتصافها بالوجود من حيث هي هي في نفس الأمر سالما عن المحذور فإذا ليس هناك هويتان تقوم إحداهما بالأخرى بل عين الشخص في الخارج عين تعين الماهية فيه وهو عين الماهية فيه أيضا إذ ليس التعين أمرا وجوديا مغايرا بالذات للشخص منضما للماهية في الخارج ممتازا عنهما فيه مركبا منها ومن الفرد بل لا وجود في الخارج إلا للأشخاص وهي عين تعيينات الماهية وعين الماهية في الخارج لإتحادهما فيه وعلى هذا فلا شك في مقدورية الممكن إذ جعله بجعل حصته من الوجود المطلق الموجود في الخارج مقترنة بأعراض وهيآت يقتضيها إستعداد حصته من الماهية النوعية فيكون شخصا وإيجاد الشخص من الماهية على الوجه المذكور عين إيجاد الماهية لأنهما متحدان في الخارج جعلا ووجودا متمايزان في الذهن فقط وهذا تحقيق قولهم المجعول هو الوجود الخاص ولا يستعد معدوم لعروضه إلا إذا كان له ثبوت في نفس الأمر إذ ما لا ثبوت له وهو المنفيلا إقتضاء فيه لعروض الوجود بوجه وإلا لكان المحال ممكنا واللازم باطل فالثبوت الأزلي لماهية الممكن هو المصطلح لعروض الأمكان المصحح للمقدورية لا أنه المانع كما توهموه هذا والبحث طويل والمطلب جليل وقد أشبعنا الكلام عليه في الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية على وجه رددنا فيه كلام المعترضين المخالفين لما تبعنا فيه ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم وهذه نبذة يسيرة تنفعك في تفسير الآية الكريمة فأحفظها فلا أظنك تجدها في تفسير وحيث كان الشيء عاما لغة وإصطلاحا عند أهل الله تعالى وإن ذهب إليه المعتزلة أيضا فلا بد في مثل ما نحن فيه من تخصيصه بدليل العقل بالممكن والقدرة عند الأشاعرة صفة ذاتية ذات إضافة تقتضي التمكن من الإيجاد والأعدام والأبقاء لا نفس التمكن لأنه أمر إعتباري ولا نفي العجز عنه تعالى لأنه من الصفات السلبية ولعل من أختار ذلك إختاره تقليلا للصفات الذاتية أو نفيا لها والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ولكون المشيئة عندنا صفة مرجحة لأحد طرفي المقدور وعند الحكماء العناية الأزلية ساغ لنا أن نعرفه بما ذكر دونهم خلافا لمن وهم فيه والقدير هو الفعال لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة وقلما يوصف به غيره تعالى والمقتدر إن إستعمل فيه تعالى فمعناه القدير أو في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة وإشتقاق القدرة من القدر بمعنى التحديد والتعيين وفي الآية دليل على أن الممكن الحادث حال بقائه مقدور لأنه شيء وكل شيء مقدور له تعالى ومعنى كونه مقدورا أن الفاعل إن شاء أعدمه وإن شاء لم يعدمه وإحتياج الممكن حال بقائه إلى المؤثر مما أجمع عليه من قال إن علة الحاجة هي الأمكان ضرورة أن الأمكان لازم له حال البقاء وأما من قال إن علة الحاجة الحدوث وحده أو مع الأمكان قال بإستغنائه إذ لا حدوث حينئذ وتمسك في ذلك ببقاء البناء بعد فناء البناء ولما رأى بعضهم شناعة ذلك قالوا إن الجواهر لا تخلو عن الأعراض وهي لا تبقى زمانين فلا يتصور الإستغناء عن القادر سبحانه بحال وهذا مما ذهب إليه الأشعري ولما فيه من مكابرة الحس ظاهراأنكره أهل الظاهر نعم يسلمه العارفون من أهل الشهود وناهيك بهم حتى إنهم زادوا على ذلك فقالوا إن الجواهر لا تبقى زمانين أيضا والناس في لبس من خلق جديد وأنا أسلم ما قالوا وأفوض أمري إلى الله الذي لا يتقيد بشأن وقد كان ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان ثم المراد من هذا التمثيل تشبيه حال المنافقين في الشدة ولباس إيمانهم المبطن بالكفر المطرز بالخداع حذر القتل بحال ذوي مطر شديد فيه ما فيه يرقعون خروق آذانهم بأصابعهم حذر الهلاك إلى آخر ما علم من أوصافهم ووجه الشبه وجدان ما ينفع ظاهره وفي باطنه بلاء عظيم وقيل شبه سبحانه المنافقين بأصحاب الصيب وإيمانهم المشوب يصيب فيه ما تلى من حيث أنه وإن كان نافعا في نفسه لكنه لما وجد كذا عاد نفعه ضرا ونفاقهم حذرا عن النكاية بجعل الأصابع في الآذان ممادها حذر الموت من حيث أنه لايرد من القدر شيئا وتحيرهم لشدة ما عني وجهلهم بما يأتون ويذرون بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة إنتهزوها فرصة مع خوف أن يخطف أبصارهم فخطوا يسيرا ثم إذا خفى بقوا متقيدين لا حراك لهم وقيل جعل الإسلام الذي هو سبب المنافع في الدارين كالصيب الذي هو سبب المنفعة وما في الإسلام من الشدائد والحدود بمنزلة الظلمات والرعد وما فيه من الغنيمة والمنافع بمنزلة البرق فهم قد جعلوا أصابعهم في آذانهم من سماع شدائده وإذا لمع لهم برق غنيمة مشوا فيه وإذا أظلم عليهم بالشدائد قاموا متحيرين وقيل غير ذلك وما تقتضيه جزالة التنزيل وتستدعيه فخامة شأنه الجليل غير خفي عليك إذا لمعت بوارق العناية لديك ومن البطون تشبيه من ذكر في التشبيه الأول بذوي صيب فيكون قوله تعالى كلما أضاء إلخ إشارة إلى أنهم كلما وجدوا من طاعتهم حلاوة وعرضا عاجلا مشوا فيه وإذا حبس عليهم طريق الكرامات تركوا الطاعات وقال الحسين إذا أضاء لهم مرادهم من الدنيا في الدين أكثروا من تحصيله وإذا أظلم عليهم قاموا متحيرين يا أيها الناس أعبدوا ربكم لما بين سبحانه فرق المكلفين وقسمهم إلى مؤمنين وكفار ومذبذبين وقال في الطائفة الأولى الذين يؤمنون وفي الثانية سواء عليهم وفي الثالثة يخادعون الله وشرح ما ترجع إليه أحوالهم دنيا وأخرى فقال سبحانه في الأولى أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون وفي الثانية ختم الله على قلوبهم ولم عذاب عظيم وفي الثالثة في قلوبهم مرض ولم عذاب أليم بما كانوا يكذبون أقبل عز شأنه عليهم بالخطاب على نهج الإلتفات هزا لهم إلى الأصغاء وتوجيها لقلوبهم نحو التلقي وجبرا لما في العبادة من الكلفة بلذيذ المخاطبة ويكفي للنكتة الوجود في البعض و يا حرف لا أسم فعل على الصحيح وضع لنداء البعيد وقيل لمطلق النداء أو مشتركة بين أقسامه وعلى الأول ينادي بها القريب لتنزيله منزلة غيره إما لعلو مرتبة المنادي أو المنادي وقد ينزل غفلة السامع وسوء فهمه منزلة بعده وقد يكون ذلك للإعتناء بأمر المدعو له والحث عليه لأن نداء البعيد وتكليفه الحضور لأمر يقتضي الإعتناء والحث فأستعمل في لازم معناه على أنه مجاز مرسل أو إستعارة تبعية في الحرف أو مكنية وتخييلية وهو مع المنادي المنصوب لفظا أو تقديرا به لنيابته عن نحو ناديت الإنشائي أو بناديت اللازم الأضمار لظهور معناه مع قصد الإشناء كلام يحسن السكوت عليه كما يحسن في نحو لا ونعم وأي لها معان شهيرة والواقعة في النداء نكرة موضوعة لبعض من كل ثم تعرفت بالنداء وتوصل بها لنداء ما فيه اللأن يا لا يدخل عليها في غير الله إلا شذوذا لتعذر الجمع بين حرفي التعريف فأنهما كمثلين وهما لا يجتمعان إلا فيما شذ من نحو فلا والله لا يلفي لما بي ولا للما بهم أبدا دواء
زاد المسير – ابن الجوزي ج1/ص41
قوله تعالى أو كصيب من السماء أو حرف مردود على قوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا البقرة 17 واختلف العلماء فيه على ستة أقوال أحدها انه داخل ها هنا للتخيير تقول العرب جالس الفقهاء أو النحويين ومعناه انت مخير في مجالسة أي الفريقين شئت فكأنه خيرنا بين أن نضرب لهم المثل الأول او الثاني
والثاني انه داخل للابهام فيما قد علم الله تحصيله فأبهم عليهم مالا يطلبون تفصيله فكأنه قال مثلهم كأحد هذين ومثله قوله تعالى فهي كالحجارة أو أشد قسوة البقرة 74 والعرب تبهم ما لا فائدة في تفصيله قال لبيد تمنى ابتناي أن يعيش أبوهما
وهل أنا ألا من ربيعة أو مضر أي هل أنا إلا من أحد هذين الفريقين وقد فنيا فسبيلي أن أفنى كما فنيا
والثالث أنه بمعنى بل وأنشد الفراء بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى
وصورتها او انت في العين أملح والرابع أنه للتفصيل ومعناه بعضهم يشبه بالذي استوقد نارا وبعضهم بأصحاب الصيب ومثله قوله تعالى كونوا هودا أو نصارى البقرة 135 معناه قال بعضهم وهم إليهود كونوا هودا وقال النصارى كونوا نصارى وكذا قوله فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون الأعراف 4 معناه جاء بعضهم بأسنا بياتا وجاء بعضهم بأسنا وقت القائلة
والخامس انه بمعنى الواو ومثله قوله تعالى أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم النور 61 قال جرير نال الخلافة أو كانت له قدرا
كما أتى ربه موسى على قدر
4
السادس أنه للشك في حق المخاطبين إذ الشك مرتفع عن الحق عز وجل ومثله قوله تعالى وهو أهون عليه الروم 37 يريد فالإعادة أهون من الابتداء فيما تظنون زاد
فأما التفسير لمعنى الكلام او كأصحاب صيب فأضمر الأصحاب لأن في قوله يجعلون أصابعهم في آذانهم دليلا عليه والصيب المطر قال ابن قبية هو فيعل من صاب يصوب إذا نزل من السماء وقال الزجاج كل نازل من علو الى استفال فقد صاب يصوب قال الشاعر كأنهم صابت عليهم سحابة
صواعقها لطيرهن دبيب وفي الرعد ثلاثة أقوال
أحدها انه صوت ملك يزجر السحاب وقد روي هذا المعنى مرفوعا الى النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال ابن عباس ومجاهد وفي رواية عن مجاهد أنه صوت مل يسبح وقال عكرمة هو ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الابل
والثاني أنه ريح تختنق بين السماء والأرض وقد روي عن أبي الجلد أنه قال الرعد الريح واسم أبي الحلد جيلان بن أبي فروة البصري وقد روى عنه قتادة
والثالث انه اصطكاك أجرام السحاب حكاه شيخنا علي بن عبيد الله
وفي البرق ثلاثة أقوال
أحدها أنه مخاريق يسوق بها الملك السحاب روي هذا المعنى مرفوعا الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول علي بن أبي طالب وفي رواية عن علي قال هو ضربة بمخراق من حديد وعن ابن عباس أنه ضربة بسوط من نور قال ابن الانباري المخاريق ثياب تلف ويضرب بها الصبيان بعضهم بعضا فشبه السوط الذي يضرب به السحاب بذلك المخراق
قال عمرو بن كلثوم كأن سيوفنا فينا وفيهم
مخاريق بأيدي لاعبينا
وقال مجاهد البرق مصع ملك والمصع الضرب والتحريك
الثاني ان البرق الماء قاله أبو الجلد وحكى ابن فارس أن البرق تلألؤ الماء
والثالث أنه نار تتقدح من اصطكاك اجرام السحاب لسيره وضرب بعضه لبعض حكاه شيخنا
والصواعق جمع صاعقة وهي صوت شديد من صوت الرعد يقع معه قطعة من نار تحرق ما تصيبه وروي عن شهر بن حوشب أن الملك الذي يسوق السحاب إذا اشتد غضبه طار من فيه النار فهي الصواعق وقال غيره هي نار تنقدح من اصطكاك اجرام السحاب قال ابن قتيبة وإنما سميت صاعقة لأنها أصابت قتلت يقال صعقتهم أي قتلتهم
قوله تعالى والله محيط بالكافرين
فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه لا يفوته أحد منهم فهو جامعهم يوم القيامة ومثله قوله تعالى أحاط بكل شيء علما الطلاق 12 قاله مجاهد
والثاني أن الإحاطة الإهلاك مثل قوله تعالى وأحيط بثمره الكهف 42
والثالث أنه لا يخفى عليه ما يفعلون
قوله تعالى يكاد البرق يخطف أبصارهم يكاد بمعنى يقارب وهي كلمة إذا أثبتت انتفى الفعل وإذا نفيت ثبت الفعل وسئل بعض المتأخرين فقيل له أنحوي هذا العصر ماهي كلمة
جرت بلساني جرهم وثمود
إذا نفيت والله يشهد أثبتت
وإن أثبتت قامت مقام جحود ويشهد للاثبات عند النفي قوله تعالى لا يكادون يفقهون حديثا النساء 87 وقوله إذا أخرج يده لم يكد يراها النور 40 ومثله ولا يكاد يبين الزخرف 52 ويشهد للنفي عند الإثبات قوله تعالى يكاد البرق البقرة 20 و يكاد سنا برقه النور 43 و يكاد زيتها يضيء النور 35 وقال ابن قتيبة كاد بمعنى هم ولم يفعل وقد جاءت بمعنى الإثبات قال ذو الرمة ولو أن لقمان الحكيم تعرضت
لعينيه مي سافرا كاد يبرق
أي لو تعرضت له لبرق أي دهش وتحير
قلت وقد قال ذو الرمة في المنفية ما يدل على أنها تستعمل أنها تستعمل للاثبات وهو قوله اذا غير النأي المحبين لم يكد
رسيس الهوى من حب مية يبرح
أراد لم يبرح
قوله تعالى يخطف أبصارهم
قرأ الجمهور بفتح الياء وسكون الخاء وفتح الطاء وقرأ أبان بن تغلب وأبان ابن يزيد كلاهما عن عاصم بفتح الياء وسكون الخاء وكسر الطاء مخففا ورواه الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الطاء وهي قرأءة الحسن كذلك إلا أنه كسر الياء وعنه فتح الياء والخاء مع كسر الطاء المشددة
ومعنى يخطف يستلب وأصل الاختطاف الاستلاب ويقال لما يخرج به الدلو خطاف لأنه يختطف ما علق به قال النابغة خطاطيف حجن في حبال متينة
تمد بها أيد إليك نوازع
والحجن المتعقفة وجمل خيطف سريع المر وتلك السرعة الخطفى قوله تعالى كلما أضاء لهم
قال الزجاج يقال ضاء الشئ يضوء وأضاء يضئ وهذه اللغة الثانية هى المختارة
واختلف العلماء ما الذي يشبه الرعد مما يتعلق بأحوال المنافقين على ثلاثة أقوال
أحدها أنه التخويف الذي في القرآن قاله ابن عباس
والثاني أنه ما يخافون أن يصيبهم من المصائب إذا علم النبي والمؤمنون بنفاقهم قاله مجاهد والسدي
والثالث انه ما يخافونه من الدعاء الى الجهاد وقتال من يبطنون مودنه ذكره شيخنا
واختلفوا ما الذي يشبه البرق من أحوالهم على ثلاثة أقوال أحدهما أنه ما يتبين لهم من مواعظ القرأن وحكمه
والثاني أنه ما يشئ لهم من نور إسلامهم الذي يظهرونه والثالث انه مثل لما ينالونه بإظهار الإسلام من حقن دمائهم فانه بالإضافة الى ما ذخر لهم في الأجل كالبرق
واختلفوا في معنى قوله يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق على قولين أحدهما أنهم كانوا يفرون من سماع القرآن لئلا يأمرهم بالجهاد مخالفة الموت قاله الحسن والسدي والثاني أنه مثل لإعراضهم عن القرآن كراهية له قاله مقاتل
واختلفوا في معنى كلما أضاء لهم مشوا فيه على أربعة أقوال
أحدها أن معناه كلما أتاهم القرأن بما يحبون تابعوه قاله ابن عباس والسدي والثاني أن إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم فيسرعون الى متابعته قاله قتادة
والثالث انه تكلمهم بالاسلام ومشيهم فيه اهتداؤهم به فاذا تركواذلك وقفوا في ضلالة قاله مقاتل
والرابع أن إضاءته لهم تركهم بلا ابتلاء ولا امتحان ومشيهم فيه إقامتهم على المسالمة باظهار ما يظهرونه ذكره شيخنا
فأما قوله تعالى وإذا أظلم عليهم فمن قال إضاءته إتيانه إياهم بما يحبون قال إظلامه إتيانه إياهم بما يكرهون وعلى هذا سائر الأقوال التي ذكرناها بالعكس
ومعنى قاموا وقفوا
قوله تعالى ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم قال مقاتل معناه لو شاء لأذهب أسماعهم وأبصارهم عقوبة لهم قال مجاهد من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في نعت المنافقين
قوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون
اختلف العلماء فيمن عنى بهذا الخطاب على أربعة أقوال أحدها أنه عام في جميع الناس وهو قول ابن عباس
والثاني أنه خطاب لليهود دون غيرهم قاله الحسن ومجاهد والثالث أنه خطاب للكفار من مشركي العرب وغيرهم قاله السدي والرابع أنه خطاب للمنافقين وإليهود قاله مقاتل والناس اسم للحيوان الآدمي وسموا بذلك لتحركهم في مراداتهم والنوس الحركة وقيل سموا أناسا لما يعتريهم من النسيان
فتح القدير – الشوكاني ج1/ص49
وهذا من جملة مقدوراته سبحانه وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أو كصيب هو المطر ضرب مثله في القرآن فيه ظلمات يقول ابتلاء ورعد وبرق تخويف يكاد البرق يخطف أبصارهم يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا أطمأنوا فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله ومن الناس من يعبد الله على حرف الآية وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق فجعلا كلما أصابهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا قاما مكانهما لا يمشيان فجعلا يقولان ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع ايدينا في يده فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا كما كان ذلك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما واذا أضاء لهم مشوا فيه أي فإذا كثرت أموالهم وأولادهم أصابوا غنيمة وفتحا مشوا فيه وقالوا إن دين محمد صلى الله عليه وسلم حينئذ صدق واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا اضاء لهم البرق وإذا أظلم عليهم قاموا فكانوا إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا هذا من أجل دين محمد صلى الله عليه وسلم وارتدوا كفرا كما قام المنافقان حين أظلم البرق عليهما وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال أو كصيب قال هو المطر وهو مثل للمنافق في ضوئه يتكلم بما معه من كتاب الله مراآة الناس فإذا خلا وحده عمل بغيره فهو في ظلمة ما أقام على ذلك وأما الظلمات فالضلالات وأما البرق فالإيمان وهم أهل الكتاب وإذا أظلم عليهم فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا نحو ما سلف وقد روى تفسيره بنحو ذلك عن جماعة من التابعين
واعلم أن المنافقين أصناف فمنهم من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ومنهم من قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وورد بلفظ أربع وزاد وإذا خاصم فجر وورد بلفظ وإذا عاهد غدر وقد ذكر ابن جرير ومن تبعه من المفسرين أن هذين المثلين لصنف واحد من المنافقين