وعلى أبصارهم غشاوة

وعلى أبصارهم غشاوة

 

يقول سبحانه وتعالى (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) (البقرة)

 

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ
لا يخفى أن الواو في قوله وعلى سمعهم وعلى أبصارهم محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها وأن تكون استئنافية قوله وعلى أبصارهم استئناف فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع وأن الغشاوة على الأبصار وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فإن قيل قد يكون الطبع على الأبصار أيضا كما في قوله تعالى في سورة النحل أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم الآية108
فالجواب أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والختم والكتم أخوان ،والاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه، والغشاوة الغطاء ، قال بعضهم هذه الآية إنما جاءت في قوم مخصوصين من الكفار فعل الله تعالى بهم هذا الختم والطبع في الدنيا عقابا لهم في العاجل يخلق الله في قلوب الكافرين مانعا يمنعهم عن الفهم والاعتبار، أن يجعل الله على قلوبهم الختم وعلى أبصارهم الغشاوة من غير أن يكون ذلك حائلا بينهم وبين الإيمان بل يكون ذلك كالبلادة التي يجدها الإنسان في قلبه، وقيل أن المراد بذلك علامة وسمة يجعلها في قلب الكفار وسمعهم فتستدل الملائكة بذلك على أنهم كفار قالوا والختم بهذا المعنى لا يمنع لأنا نتمكن بعد ختم الكتاب أن نفكه ونقرأه ، وإنما خص القلب والسمع بذلك الختم لأن الأدلة السمعية لا تستفاد إلا من جهة السمع والأدلة العقلية لا تستفاد إلا من جانب القلب، واللفظ يحتمل أن تكون الأسماع داخلة في حكم الختم وفي حكم التغشية إلا أن الأولى دخولها في حكم الختم وقوله ختم الله على قلوبهم يدل على أن محل العلم هو القلب والغشاوة هي الغطاء ومنه الغاشية ومنه غشي عليه إذا زال عقله والغشيان كناية عن الجماع ،ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم لا يعلم كنهه إلا الله تعالى ، كما إن الذين كفروا وقد كفروا بما عندهم من نعتك يعني اليهود ، والمراد بالقلب محل القوة العاقلة من الفؤاد والختم على الشيء الاستيثاق منه بضرب الخاتم عليه وفيه إشعار بترامي أمرهم في الغي والعناد وتناهي انهماكهم في الشر والفساد ، وعلى سمعهم عطف على ما قبله داخل في حكم الختم لقوله عز وجل وختم على سمعه وقلبه وللوفاق على الوقف عليه لا على قلوبهم ولاشتراكهما في الإدراك من جميع الجوانب وإعادة الجار للتأكيد والإشعار بتغاير الختمين وتقديم ختم قلوبهم للإيذان بأنها الأصل في عدم الإيمان وللإشعار بأن ختمها ليس بطريق التبعية بختم سمعهم بناء على أنه طريق إليها فالختم عليه ختم عليها بل هي مختومة بختم على حدة ، والسمع إدراك القوة السامعة ، فإن ما يدرك بالقوة الباصرة من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس حيث كانت مستمرة كان تعامهم من ذلك أيضا ، استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون ، وقال بعظهم لا ختم ولا تغشية على الحقيقة وإنما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصي واستقباح الإيمان والطاعات بسبب غيهم وانهماكهم في التقليد وإعراضهم عن النظر الصحيح ،وأنه يذهب بعقولهم ولكنهم لا يتفكرون فيعتبرون بعلامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ،وقالوا عن الختم، فإن قال فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها أهي مثل الختم الذي يعرف لما ظهر للأبصار أم هي بخلاف ذلك قيل قد اختلف أهل التأويل في صفة ذلك ، قوله ختم الله على قلوبهم اخبار من الله جل ثناؤه عن تكبرهم واعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه ، كانوا يتأولون أن الذين أخبر الله عنهم من الكفار أنه فعل ذلك بهم هم قادة الأحزاب الذين قتلوا يوم بدر
والقلوب > جمع قلب وهو في الأصل مصدر سمى به الجسم الصنوبري المودع في التجويف الايسر من الصدر وهو مشرق اللطيفة الانسانية ويطلق على نفس اللطيفة النورانية الربانية العالمة التي هي مهبط الأنوار الصمدانية وبها يكون الانسان إنسانا وبها يستعد لاكتساب الاوامر واجتناب الزواجر وهي خلاصة تولدت من الروح الروحاني ويعبر عنها الحكيم بالنفس الناطقة ولكونها هدف سهام القهر واللطف ومظهر الجمال والجلال ومنشأ البسط والقبض ومبدأ المحو والصحو ومنبع الأخلاق المرضية والأحوال الردية وقلما تستقر على حال وتستمر على منوال سميت قلبا فهي متقلبة في أمره ومنقلبة بقضاء الله وقدره ، وكثير من الناس ذهب إلى أن تلك المضغة هي محل العلم وقيل إنه في الدماغ وقيل إنه مشترك بينهما وبنى ذلك على إثبات الحواس الباطنة والكلام فيها مشهور ومن راجع وجد أنه أدرك أن بين الدماغ والقلب رابطة معنوية ومراجعة سرية لا ينكرها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
التفسير العلمي والإعجاز القرآني في هذه الآية
(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ

ما يهمنا هنا هو العين والنضر وهناك تفصيل اكبر للسمع والاذن في الاعجاز الخاص بالأذن يمكن الرجوع اليه.
اولا سنقوم هنا بمراجعه مهمه عن القلب والختم عليه حيث انه مرتبط مباشرة بالنضر والعين ،
عرفنا اولا ان المراكز الدماغية العليا في المخ كثيرة جدا منها مراكز للسمع ومراكز للنضر والرؤيا و مراكز للكلام والتخاطب ومراكز للشم والتذوق وهكذا، وهناك مراكز للتنسيق بين الحواس (كايتون وهل للفسلجة ص716) ومركز كل هذه المراكز والمسيطر عليها هو قلب الدماغ ووسطه تشريحيا ويسمى (LIMBIC SYSTEM) وفي وسط هذا المكان تقع عقده حجمها لا يزيد على عدة سنتمترات مكعبه(بقدر لقمه) يسمى (HYPOTHALAMUS) وهذا يقوم بالسيطرة على كل الفعاليات الإرادية واللاإرادية في جسم الانسان(كايتون وهل للفسلجه ص732) وهو يتصل بكل (LIMBIC SYSTEM)كل اتصال بطريقين وتخرج منه ايعازات بثلاث اتجاهات الى شبكيه المراكز نحو الاسفل ومنها الى الحبل الشوكي فالأعصاب المحيطية والجهاز السمبتاوي وفوق السمبتاوي ،اتجاه نحو الاعلى الى المراكز العليا في المخ وفي الثلمص واللمبك، الاتجاه الثالث الى الفندبيلم ثم الى الغده البتيوتري للسيطرة على الافرازات للغدد الصماء في الجسد كله فهذا الذي يسمى (HYPOTHALAMUS)يعادل 1% من الدماغ له سيطرة على كل الجسم (كايتون وهل للفسلجه ص732)اضافة الى سيطرته على الكثير من الانفعالات ، ومن ضمن سيطرته على المخ الاعلى هو سيطرته على منطقة ونكز( WERNICK”S AREA) والتي تقوم بالتنسيق بين المراكز السمعية ومراكز الكلام وفهم النضر والمراكز الحسيه الاخرى خاصة بالنضر كالقشرة الدماغية البصرية والمنطقة المجاورة للبصرية والتي لها اهميه قصوى في وعي الابصار (كايتون وهل للفسلجه ص718) لذلك اعتبر (HYPOTHALAMUS) مسيطرا على النظر ووعي النظر مباشرة وغير مباشره ، .عندما يقول سبحانه وتعالى ختم الله على قلوبهم ، وهنا عدة قلوب او مراكز وكل مركز له ختمه ,فهناك مواد وهناك ايعازات تثبط وتعطل المركز الدماغي (كايتون وهل للفسلجه ص714) ، فهل قلب الانسان هو القلب الدموي في الصدر ؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( وان في الجسد مضغه اذا فسدت فسد الجسد كله واذا صلحت صلح الجسد كله الا وهي القلب )فهل القلب الدموي هو مضغه؟؟ انه يعادل 15 لقمه كبيره وهل علميا القلب الدموي الفاسد يفسد الجسد وقد ابدلوا القلوب واصلحوها ، وكلامه صلى الله عليه وسلم واضح انه يخص الجسد وليس الانسان كانسان، حتى نقول انه هو القلب المعنوي او المشاعر(ان في الجسد مضغه)وكلامه صلى الله عليه وسلم واضح فالكلام عن الجسد وليس الروح (اذا صلحت صلح الجسد كله) فليس فيه أي كلام عن الروح ، وقد يأتي من يقول ان الله سبحانه وتعالى قد حدد القلوب التي في الصدور بقوله( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)وهنا توكيد على التي في الصدور كما قال معظم المفسرين ، لذلك هذا يعني كذلك ان هناك قلوبا في مكان آخر وهي في المخ ، ولما لم يكونوا يعرفوا هذه القلوب اعتبروا ان المراد بذلك كقوله سبحانه وتعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)) فالطائر يطير بجناحيه وليس بمنقاره ولكن لم يخطر ببالهم انه سياتي يوم نجد طائرا يطير بنفاثيه وهو ليس امما امثالنا وهذا من اعجاز القرآن، فالقلب في الصدر ولم يكونوا يعلموا ان هناك قلوبا كثيره للإنسان (قلب الشيء هو وسطه)،والعلم وجد ان المخ فيه العديد من المراكز تعوض بالتبادل مع الجهة الثانية او بالحركة الى المجاورة الا (HYPOTHALAMUS) فأي عطل به ينعكس على كل الجسم مباشرة ولا وعي الا به وهو يعدل علكه او ما يسمى لبانه او كما وصفه صلى الله عليه وسلم مضغه وهذه المنطقة لها سيطرة كليه على قلب الانسان الدموي السليم والانعكاس الذي يحدث من العواطف وجد انه يمر خلال (HYPOTHALAMUS) الى القلب الدموي فنشعر بتغيرات القلب الدموي مع عواطفنا (كايتون وهل للفسلجه ص733).والى الان لم نجد في القلب الدموي أي اساس للشعور مع العلم ان الانعكاسات التي تحدث للقلب كالخفقان وبالخصوص عند زيادة المشاعر جعلت القلب مركز لضهور المشاعر عند الانسان مع العلم ان كل التغيرات في القلب الدموي مسيطر عليها من الهابوثلمص (HYPOTHALAMUS) او قلب الدماغ (او ما يسمى تحت مهاد الدماغ) .
ولمعرفة كيف يحدث الختم على القلوب الدماغية، فقد وجد ان المركز الذي يستعمل بصوره مستمرة باتجاه واحد ولمدة طويله سوف يصل مع العمر الى درجة الاغلاق بهذا الاتجاه(كايتون وهل للفسلجه ص720) وبالرغم من ان القلب الدماغي (HYPOTHALAMUS) قد يغير بعض الاماكن لكن الامر يصعب مع العمر ، اي ان الخاصية الإرادية موجوده ابتداء من الله سبحانه وتعالى ولكن استمراريه اداء عمل ما يكسب ثبات للحالة المكتسبة من البشر ولكن يبقى التغير ممكن الا في حالة ان الانسان يفقد سيطرة قلبه الواعي وهذا لن يحدث الا عند فقدان الوعي بالنوم واشباهه او قبل الموت بلحظات او عند تهشم منطقة قلب الدماغ(HYPOTHALAMUS) ، وهنا اريد ان اعرج على موضوع مهم وهو قلب الانسان واذا ختم الله عليه وهنا ليس اتلفه فان احتمال تغير انعكاسات الوعي ضئيلة وهو الذي يسيطر على وعي المسموع والمرئي وتفسيرها ،بمساعدة المراكز الاخرى وبالأخص منطقة مجاورة النضر ومنطقة ونكز( WERNICK”S AREA) فهذه القلوب هي المقصودة والسمع واحد وغير قابل للتجزئة لا بل على العكس فان السمع المضاف يضعف التركيز على المسموع( كانون للفسلجه ص178 ) اما القلوب فقلنا أنها اكثر من قلب وكلها تعمل سوية أما الابصار فان الانسان يستطيع إن يرى نقطتين أمامه أو أكثر بدون أن يتأثر النظر على احداها، فمساحة النضر كبيرة. لذلك كان سمعا واحدا بينما هناك قلوب وابصار
وعرفوه وعقلوه ثم رءوا الآيات وسمعوا البينات ولكنهم أسائوا استعمال هذه الحواس ، لذلك استحقوا غضب الله سبحانه وتعالى فختم على قلوبهم وذلك بمنع قابلية تحليل المعلومات بصورة صحيحة لديهم وهذا سببه الانغماس في الشهوات وكثرة عمل المنكرات التي ثبتت تفسيرات خاطئة للحواس ومعلوماتها حتى تبلدت عقولهم ثم ختم الله على سمعهم او جعل عليه غشاوة ، وهذا دليل على انه شيء خارجيا فانه ختم على حاسة السمع لديهم ولم يختم على آذانهم فآذانهم قد نجدها عند فحصها سليمة تماما كما هو حال الحالة الذهنية للصمم ، وقد يكون احسن المخططين للإفساد واحسنهم في اختراع الحيل ولكن ما ختمه الله سبحانه وتعالى على سمعهم هو انهم لم يعودوا يفهموا او يعوا ما يسمعون ، حيث ان السمع يدخل بواسطة بعض الاعصاب الى (HYPOTHALAMUS) قبل ان يذهب الى القشرة السمعية في الدماغ اضافة الى السيطرة بين منطقة ونكز والهايبوثلمس ومن هذا نعرف سبب وعى المسموع ، وكما وضحنا في القسم الاول من هذا الكتاب فان السمع قد يصيبه الختم مع القلب او قد يصيبه الغشاوة مع البصر والآية في سياقها يقبل الاحتمالين وقد عرفنا ان السمع قد يختم عليه ابتدأ من العصب السمعي الى المركز الدماغي وقد تكون عليه غشاوة ابتدأ من وقر الاذن الى اخر مرحلة في وعى المسموع ، اما الابصار فلم يختم عليها سبحانه وتعالى بل جعل عليها غشاوة معتمة .اما غشاوة العين فهي بمعنى معروف لدى العرب ، فلم يحتاجوا الى تفسير له حيث يكون النظر غير واضح مما يجعل الانسان يتوهم الاشياء التي يراها بغير حقيقتها ، لذلك وغالبا ما يفسرها الذي على عينه غشاوة بما في عقله ، مثلا على ذلك اذا كان ضعيفا في النظر فان الانسان الذى يرى عنزا توهمها كلبا اذا كان في تفكيره انه سيرى كلبا ، وهذا سببه ان الصورة التي تنشأ في الشبكية تنتقل من طبقة المستلمات الى الطبقة الثانية فيعاد تشكيلها وبتأثيرات المركز الدماغي (المخ ) ثم تعدل في الطبقة الثالثة قبل ذهابها الى المخ كإيعازات في العصب البصري ، ولكن قد يأتي من يقول ان عين الكافر صافية وليس عليها أي غشاوة ويمكن ان يرى راس النملة ، وهذا صحيح لان الغشاوة الحقيقية والمؤثرة هي تبدء في الشبكية حيث هناك ثلاث تشكيلات جديده للصورة المستلمة في العشرة طبقات ،ثم تنتقل الصورة الى النواة الجانبية المخية (لاترل جنكيوليت نيوكليص) وفي ست طبقات تتعدل الصورة ثلاث مرات ثم تذهب الى القشرة الدماغية البصرية فتتحور مرتين اخرى اضافة الى التعديلات التي تتم في المجاورات للمراكز الدماغية كمنطقة ونكز ، ومن الممكن ان يرى الانسان في مخيلته ويعتقد صحيحا وهذا ما يحدث في مرض انفصام الشخصية، او يحدث تداخل بين الصورة الدماغية والصورة العينية فيحدث التوهم، لكننا لم نكن نعرف قديما ان هناك غشاوة في شبكية العين حيث ان الايعازات من الدماغ المختوم عليه ( من الله لكفرهم ) ستجعله يتوهم العنز فيراها كلبا لا بل سيقول سمعت نباحة ( لان في اذنه غشاوة او ختم ) ثم اكثر من ذلك سيكذب لأثبات كلامه الهراء ، ويقول لك لقد عضني الكلب .وهناك تأثير دماغي عكسي يطلق مواد كيماويه خاصة في شبكية العين تؤدى الى تقليل نقل الايعازات العصبية ( كانون للفسلجة ) وقد تؤدى الى حاله من ردائة الصورة وقلة التركيز ، وهؤلاء الكفار كثيرا ما يصابون بحالات نفسية يكثر فيها رؤيتهم للأشياء لا وجود لها الا في مخيلتهم المريضة وعقلهم السقيم وهم يتعذبون بذلك لدرجة تؤدى بهم الى الانتحار ، ولهم عذاب عظيم في الدنيا قبل الاخرة ولعذاب الاخرة اشد وابقى .

اقوال المفسرين لمن يحب الرجوع اليها

 

أضواء البيان – الشنقيطي ج1/ص12
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة الآية 2 لا يخفى أن الواو في قوله وعلى سمعهم وعلى أبصارهم محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها وأن تكون استئنافية ولم يبين ذلك هنا ولكن بين في موضع آخر أن قوله وعلى سمعهم معطوف على قوله على قلوبهم وأن قوله وعلى أبصارهم استئناف والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو غشاوة وسوغ الابتداء بالنكرة فيه اعتمادها على الجار والمجرور قبلها ولذلك يجب تقديم هذا الخبر لأنه هو الذي سوغ الابتداء بالمبتدأ كما عقده في الخلاصة بقوله الرجز ونحو عندي درهم ولي وطر
ملتزم فيه تقدم الخبر فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع وأن الغشاوة على الأبصار وذلك في قوله تعالى أفرأيت من اتخذ إلهة هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة والختم الاستيثاق من الشىء حتى لا يخرج منه داخل فيه ولا يدخل فيه خارج عنه والغشاوة الغطاء على العين يمنعها من الرؤية ومنه قول الحارث بن خالد بن العاص الطويل هويتك إذ عيني عليها غشاوة
فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
وعلى قراءة من نصب غشاوة فهي منصوبة بفعل محذوف أي وجعل على أبصارهم غشاوة كما في سورة الجاثية وهو كقوله الرجز علفتها تبنا وماءا باردا
حتى شتت همالة عيناها
وقول الآخر مرفل الكامل
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
وقول الآخر الوافر
إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا

كما هو معروف في النحو وأجاز بعضهم كونه معطوفا على محل المجرور فإن قيل قد يكون الطبع على الأبصار أيضا كما في قوله تعالى في سورة النحل أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم الآية108
فالجواب أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والجاثية والعلم عند الله تعالى

التفسير الكبير – الرازي ج2/ص45
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أنهم لا يؤمنون أخبر في هذه الآية بالسبب الذي لأجله لم يؤمنوا وهو الختم والكلام ههنا يقع في مسائل

المسألة الأولى الختم والكتم أخوان لأن في الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطية لئلا يتوصل إليه أو يطلع عليه والغشاوة الغطاء فعالة من غشاه إذا غطاه وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة
المسألة الثانية اختلف الناس في هذا الختم أما القائلون بأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى فهذا الكلام على مذهبهم ظاهر ثم لهم قولان منهم من قال الختم هو خلق الكفر في قلوب الكفار ومنهم من قال هو خلق الداعية التي إذا انضمت إلى القدرة صار مجموع القدرة معها سببا موجبا لوقوع الكفر وتقريره أن القادر على الكفر إما أن يكون قادرا على تركه أو لا يكون فإن لم يقدر على تركه كانت القدرة على الكفر موجبة للكفر فخلق القدرة على الكفر يقتضي خلق الكفر وإن قدر على الترك كانت نسبة تلك القدرة إلى فعل الكفر وإلى تركه على سواء فإما أن يكون صيرورتها مصدرا للفعل بدلا عن الترك يتوقف على انضمام مرجح إليها أولا يتوقف فإن لم يتوقف فقد وقع الممكن لا عن مرجح وتجويز يقتضي القدح في الاستدلال بالممكن على المؤثر وذلك يقتضي نفي الصانع وهو محال وأما إن توقف على المرجح فذلك المرجح إما أن يكون من فعل الله أو من فعل العبد أولا من فعل الله ولا من فعل العبد لا جائز أن يكون من فعل العبد وإلا لزم التسلسل ولا جائز أن يكون لا بفعل الله ولا بفعل العبد لأنه يلزم حدوث شيء لا لمؤثر وذلك يبطل القول بالصانع فثبت أن كون قدرة العبد مصدرا للمقدور المعين يتوقف على أن ينضم إليها مرجح هو من فعل الله تعالى فنقول إذا انضم ذلك المرجح إلى تلك القدرة فإما أن يصير تأثير القدرة في ذلك الأثر واجبا أو جائزا أو ممتنعا والثاني والثالث باطل فتعين الأول وإنما قلنا إنه لا يجوز أن يكون جائزا لأنه لو كان جائزا لكان يصح في العقل أن يحصل مجموع القدرة مع ذلك المرجح تارة مع ذلك الأثر وأخرى منفكا عنه فلنفرض وقوع ذلك لأن كل ما كان جائزا لا يلزم من فرض وقوعه محال فذاك المجموع تارة يترتب عليه الأثر وأخرى لا يترتب عليه الأثر فاختصاص أحد الوقتين يترتب ذلك الأثر عليه إما أن يتوقف على انضمام قرينة إليه أو لا يتوقف فإن توقف كان المؤثر هو ذلك المجموع مع هذه القرينة الزائدة لا ذلك المجموع وكنا قد فرضنا أن ذلك المجموع هو المستقل خلف هذا وأيضا فيعود التقسيم في هذا المجموع الثاني فإن توقف على قيد آخر لزم التسلسل وهو محال وإن لم يتوقف فحينئذ حصل ذلك المجموع تارة بحيث يكون مصدرا للأثر وأخرى بحيث لا يكون مصدرا له مع أنه لم يتميز أحد الوقتين عن الآخر بأمر ما البتة فيكون هذا قولا بترجح الممكن لا عن مرجح وهو محال فثبت أن عند حصول ذلك المرجح يستحيل أن يكون صدور ذلك الأثر جائزا وأما أنه لا يكون ممتنعا فظاهر وإلا لكان مرجح الوجود مرجحا للعدم وهو محال وإذا بطل القسمان ثبت أن عند حصول مرجح الوجود يكون الأثر واجب الوجود عن المجموع الحاصل من القدرة ومن ذلك المرجح وإذا ثبت هذا كان القول بالجبر لازما لأن قبل حصول ذلك المرجح كان صدور الفعل ممتنعا وبعد حصوله يكون واجبا وإذ عرفت هذا كان خلق الداعية الموجبة للكفر في القلب ختما على القلب ومنعا له عن قبول الإيمان فإنه سبحانه لما حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون ذكر عقيبة ما يجري مجرى السبب الموجب له لأن العلم بالعلة يفيد العلم بالمعلول والعلم بالمعلول لا يكمل إلا إذا استفيد من العلم بالعلة فهذا قول من أضاف جميع المحدثات إلى الله تعالى وأما المعتزلة فقد قالوا إنه لا يجوز أجراء هذه الآية على المنع من الإيمان واحتجوا فيه بالوجوه التي حكيناها عنهم في الآية الأولى وزادوا ههنا بأن الله تعالى قد كذب الكفار الذين قالوا إن على قلوبهم كنان وغطاء يمنعهم عن الإيمان وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا النساء 155 وقال فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه فصلت 4 5 وهذا كله عيب وذم من الله تعالى فيما ادعوا أنهم ممنوعون عن الإيمان ثم قالوا بل لا بد من حمل الختم والغشاوة على أمور أخر ثم ذكروا فيه وجوها أحدها أن القوم لما أعرضوا وتركوا الاهتداء بدلائل الله تعالى حتى صار ذلك كالألف والطبيعة لهم أشبه حالهم حال من منع عن الشيء وصد عنه وكذلك هذا في عيونهم حتى كأنها مسدودة لا تبصر شيئا وكأن بآذانهم وقرأ حتى لا يخلص إليها الذكر وإنما أضيف ذلك إلى الله تعالى لأن هذه الصفة في تمكنها وقوة ثباتها كالشيء الخلقي ولهذا قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون النساء 155 كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون المطففين 14 فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه لتوبة 77 وثانيها أنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب فالشيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر إلا أن الله تعالى لما كان هو الذي أقدره أسند إليه الختم كما يسند الفعل إلى السبب وثالثها أنهم لما أعرضوا عن التدبر ولم يصغوا إلى الذكر وكان ذلك عند إيراد الله تعالى عليهم الدلائل أضيف ما فعلوا إلى الله تعالى لأن حدوثه إنما اتفق عند إيراده تعالى دلائله عليهم كقوله تعالى في سورة براءة زادتهم رجسا إلى رجسهم التوبة 125 أي ازدادوا بها كفرا إلى كفرهم ورابعها أنهم بلغوا في الكفر إلى حيث لم يبق طريق إلى تحصيل الإيمان لهم إلا بالقسر والإلجاء إلا أن الله تعالى ما أقرهم عليه لئلا يبطل التكليف فعبر عن ترك القسر والإلجاء بالختم إشعارا بأنهم الذين انتهوا في الكفر إلى حيث لا يتناهون عنه إلا بالقسر وهي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغي وخامسها أن يكون ذلك حكاية لما كان الكفرة يقولونه تهكما به من قولهم قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه وفى ءاذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فصلت 5 ونظيره في الحكاية والتهكم قوله لم يكن الذين كفروا من أهل الكتـاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة البينة 1 وسادسها الختم على قلوب الكفار من الله تعالى هو الشهادة منه عليهم بأنهم لا يؤمنون وعلى قلوبهم بأنها لا تعي الذكر ولا تقبل الحق وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إلى الحق كما يقول الرجل لصاحبه أريد أن تختم على ما يقوله فلان أي تصدقه وتشهد بأنه حق فأخبر الله تعالى في الآية الأولى بأنهم لا يؤمنون وأخبر في هذه الآية بأنه قد شهد بذلك وحفظه عليهم وسابعها قال بعضهم هذه الآية إنما جاءت في قوم مخصوصين من الكفار فعل الله تعالى بهم هذا الختم والطبع في الدنيا عقابا لهم في العاجل كما عجل لكثير من الكفار عقوبات في الدنيا فقال ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خـاسئين البقرة 65 وقال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الارض فلا تأس على القوم الفـاسقين المائدة 26 ونحو هذا من العقوبات المعجلة لما علم الله تعالى فيها من العبرة لعبادة والصلاح لهم فيكون هذا مثل ما فعل بهؤلاء من الختم والطبع إلا أنهم إذا صاروا بذلك إلى أن لا يفهموا سقط عنهم التكليف كسقوطه عمن مسخ وقد أسقط الله التكليف عمن يعقل بعض العقل كمن قارب البلوغ ولسنا ننكر أن يخلق الله في قلوب الكافرين مانعا يمنعهم عن الفهم والاعتبار إذا علم أن ذلك أصلح لهم كما قد يذهب بعقولهم ويعمي أبصارهم ولكن لا يكونون في هذا الحال مكلفين وثامنها يجوز أن يجعل الله على قلوبهم الختم وعلى أبصارهم الغشاوة من غير أن يكون ذلك حائلا بينهم وبين الإيمان بل يكون ذلك كالبلادة التي يجدها الإنسان في قلبه والقذي في عينيه والطنين في أذنه فيفعل الله كل ذلك بهم ليضيق صدورهم ويورثهم الكرب والغم فيكون ذلك عقوبة مانعة من الإيمان كما قد فعل ببني إسرائيل فتاهوا ثم يكون هذا الفعل في بعض الكفار ويكون ذلك آية للنبي صلى الله عليه وسلم ودلالة له كالرجز الذي أنزل على قوم فرعون حتى استغاثوا منه وهذا كله مقيد بما يعلم الله تعالى أنه أصلح للعباد وتاسعها يجوز أن يفعل هذا الختم بهم في الآخرة كما قد أخبر أنه يعميهم قال ونحشرهم يوم القيـامة على وجوههم عميا وبكما وصما الإسراء 97 وقال ونحشر المجرمين يومئذ زرقا طه 102 وقال اليوم نختم على أفواههم ي صلى الله عليه وسلم
1764 س 65 وقال لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون االأنبياء 100 وعاشرها ما حكوه عن الحسن البصري ـ وهو اختيار أبي على الجبائي والقاضي ـ أن المراد بذلك علامة وسمة يجعلها في قلب الكفار وسمعهم فتستدل الملائكة بذلك على أنهم كفار وعلى أنهم لا يؤمنون أبدا فلا يبعد أن يكون في قلوب المؤمنين علامة تعرف الملائكة بها كونهم مؤمنين عند الله كما قال أولـئك كتب فى قلوبهم الإيمـان وحينئذ الملائكة يحبونه ويستغفرون له ويكون لقلوب الكفار علامة تعرف الملائكة بها كونهم ملعونين عند الله فيبغضونه ويلعنونه والفائدة في تلك العلامة إما مصلحة عائدة إلى الملائكة لأنهم متى علموا بتلك العلامة كونه كافرا ملعونا عند الله تعالى صار ذلك منفرا لهم عن الكفر أو إلى المكلف فإنه إذا علم أنه متى آمن فقد أحبه أهل السموات صار ذلك مرغبا له في الإيمان وإذا علم أنه متى أقدم على الكفر عرف الملائكة منه ذلك فيبغضونه ويلعنونه صار ذلك زاجرا له عن الكفر قالوا والختم بهذا المعنى لا يمنع لأنا نتمكن بعد ختم الكتاب أن نفكه ونقرأه ولأن الختم هو بمنزلة أن يكتب على جبين الكافر أنه كافر فإذا لم يمنع ذلك من الإيمان فكذا هذا الكافر يمكنه أن يزيل تلك السمة عن قلبه بأن يأتي بالإيمان ويترك الكفر قالوا وإنما خص القلب والسمع بذلك لأن الأدلة السمعية لا تستفاد إلا من جهة السمع والأدلة العقلية لا تستفاد إلا من جان ببالقلب ولهذا خصهما بالذكر فإن قيل فيتحملون الغشاوة في البصر أيضا على معنى العلامة قلنا لا لأنا إنما حملنا ما تقدم على السمة والعلامة لأن حقيقة اللغة تقتضي ذلك ولا مانع منه فوجب إثباته أما الغشاوة فحقيقتها الغطاء المانع من الإبصار ومعلوم من حال الكفار خلاف ذلك فلا بد من حمله على المجاز وهو تشبيه حالهم بحال من لا ينتفع ببصره في باب الهداية فهذا مجموع أقوال الناس في هذا الموضع
المسألة الثالثة الألفاظ الواردة في القرآن القريبة من معنى الختم هي الطبع والكنان والرين على القلب والوقر في الآذان والغشاوة في البصر ثم الآيات الواردة في ذلك مختلفة فالقسم الأول وردت دلالة على حصول هذه الأشياء قال كلا بل ران على قلوبهم المطففين 14 وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى ءاذانهم وقرا الأنعام 25 وطبع على قلوبهم التوبة 87 بل طبع الله عليها بكفرهم النساء 155 فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون فصلت 4 لينذر من كان حيا ي صلى الله عليه وسلم
1764 س 70 إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء النحل 80 أموات غير أحياء فى قلوبهم مرض البقرة 10 والقسم الثاني وردت دلالة على أنه لا مانع البتة وما منع الناس أن يؤمنوا الأسراء 94 فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر االكهف 29 لا يكلف الله نفسا إلا وسعها البقرة 286 وما جعل عليكم فى الدين من حرج الحج 78 كيف تكفرون بالله البقرة 28 لم تلبسون الحق بالبـاطل آل عمران 71 والقرآن مملوء من هذين القسمين وصار كل قسم منهما متمسكا لطائفة فصارت الدلائل السمعية لكونها من الطرفين واقعة في حيز التعارض أما الدلائل العقلية فهي التي سبقت الإشارة إليها وبالجملة فهذه المسألة من أعظم المسائل الإسلامية وأكثرها شعبا وأشدها شغبا ويحكى أن الإمام أبا القاسم الأنصاري سئل عن تكفير المعتزلة في هذه المسألة فقال لا لأنهم نزهوه فسئل عن أهل السنة فقال لا لأنهم عظموه والمعنى أن كلا الفريقين ما طلب إلا إثبات جلال الله وعلو كبريائه إلا أن أهل السنة وقع نظرهم على العظمة فقالوا ينبغي أن يكون هو الموجد ولا موجد سواه والمعتزلة وقع نظرهم على الحكمة فقالوا لا يليق بجلال حضرته هذه القبائح وأقول ههنا سر آخر وهو أن إثبات الإله يلجىء إلى القول بالجبر لأن الفاعلية لو لم تتوقف على الداعية لزم وقوع الممكن من غير مرجح وهو نفي الصانع ولو توقفت لزم الجبر وإثبات الرسول يلجىء إلى القول بالقدرة بل ههنا سر آخر هو فوق الكل وهو أنا لما رجعنا إلى الفطرة السليمة والعقل الأول وجدنا أن ما استوى الوجود والعدم بالنسبة إليه لا يترجح أحدهما على الآخر إلا لمرجح وهذا يقتضي الجبر ونجد أيضا تفرقة بديهية بين الحركات الاختيارية والحركات الاضطرارية وجزما بديهيا بحسن المدح وقبح الذم والأمر والنهي وذلك يقتضي مذهب المعتزلة فكأن هذه المسألة وقعت في حيز التعارض بحسب العلوم الضرورية وبحسب العلوم النظرية وبحسب تعظيم الله تعالى نظرا إلى قدرته وحكمته وبحسب التوحيد والتنزيه وبحسب الدلائل السمعية فلهذه المآخذ التي شرحناها والأسرار التي كشفنا عن حقائقها صعبت المسألة وغمضت وعظمت فنسأل الله العظيم أن يوفقنا للحق وأن يختم عاقبتنا بالخير آمين رب العالمين
المسألة الخامسة قال صاحب الكشاف اللفظ يحتمل أن تكون الأسماع داخلة في حكم الختم وفي حكم التغشية إلا أن الأولى دخولها في حكم الختم لقوله تعالى وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشـاوة الجاثية 23 ولوقفهم على سمعهم دون قلوبهم المسألة السادسة الفائدة في تكرير الجار في قوله وعلى سمعهم أنها لما أعيدت للأسماع كان أدل على شدة الختم في الموضعين
المسألة السادسة إنما جمع القلوب والأبصار ووحد السمع لوجوه أحدها أنه وحد السمع لأن لكل واحد منهم سمعا واحدا كما يقال أتاني برأس الكبشين يعني رأس كل واحد منهما كما وحد البطن في قوله كلوا في بعض بطنكم تعيشوا يفعلون ذلك إذا أمنوا اللبس فإذا لم يؤمن كقولك فرشهم وثوبهم وأنت تريد الجمع رفضوه الثاني أن السمع مصدر في أصله والمصادر لا تجمع يقال رجلان صوم ورجال صوم فروعي الأصل يدل على ذلك جمع الأذن في قوله وفى ءاذاننا وقر فصلت 5 الثالث أن نقدر مضافا محذوفا أي وعلى حواس سمعهم الرابع قال سيبويه إنه وحد لفظ السمع إلا أنه ذكر ما قبلة وما بعده بلفظ الجمع وذلك يدل على أن المراد منه الجمع أيضا قال تعالى يخرجهم من الظلمـات إلى النور البقرة 257 عن اليمين وعن الشمال المعارج 37 قال الراعي فبها جيف الحيدي فأما عظامها
فبيض وأما جلدها فصليب وإنما أراد جلودها وقرأ ابن أبي عبلة وعلى أسماعهم
المسألة السابعة من الناس من قال السمع أفضل من البصر لأن الله تعالى حيث ذكرهما قدم السمع على البصر والتقديم دليل على الفضيل ولأن السمع شرط النبوة بخلاف البصر ولذلك ما بعث الله رسولا أصم وقد كان فيهم من كان مبتلي بالعمى ولأن بالسمع تصل نتائج عقول البعض إلى البعض فالسمع كأنه سبب لاستكمال العقل بالمعارف والبصر لا يوقفك إلا على المحسوسات ولأن السمع متصرف في الجهات الست بخلاف البصر ولأن السمع متى بطل بطل النطق والبصر إذا بطل لم يبطل النطق ومنهم من قدم البصر لأن آلة القوة الباصرة أشرف ولأن متعلق القوة الباصرة هو النور ومتعلق القوة السامعة الريح
المسألة الثامنة قوله ختم الله على قلوبهم يدل على أن محل العلم هو القلب واستقصينا بيانه في قوله نزل به الروح الامين على قلبك الشعراء 193 في سورة الشعراء
المسألة التاسعة قال صاحب الكشاف البصر نور العين وهو ما يبصر به الرائي ويدرك المرئيات كما أن البصيرة نور القلب وهو ما يستبصر به ويتأمل فكأنهما جوهران لطيفان خلق الله تعالى فيهما آلتين للأبصار والاستبصار أقول إن أصحابه من المعتزلة لا يرضون منه بهذا الكلام وتحقيق القول في الأبصار يستدعي أبحاثا غامضة لا تليق بهذا الموضع
المسألة العاشرة قرىء غشـاوة بالكسر والنصب وغشاوة بالضم والرفع وغشاوة بالفتح والنصب وغشوة بالكسر والرفع وغشوة بالفتح والرفع والنصب وغشاوة بالعين غير المعجمة والرفع من الغشا والغشاوة هي الغطاء ومنه الغاشية ومنه غشي عليه إذا زال عقله والغشيان كناية عن الجماع
المسألة الحادية عشرة العذاب مثل النكال بناء ومعنى لأنك تقول أعذب عن الشيء إذا أمسك عنه كما تقول نكل عنه ومنه العذب لأنه يقمع العطش ويردعه بخلاف الملح فإنه يزيده ويدل عليه تسميتهم إياه نقاخا لأنه ينقخ العطش أي يكسره وقراتا لأنه برقته عن القلب ثم اتسع فيه فسمي كل ألم فادح عذابا وإن لم يكن نكالا أي عقابا يرتدع به الجاني عن المعاودة والفرق بين العظيم الكبير أن العظيم نقيض الحقير والكبير نقيض الصغير فكأن العظيم فوق الكبير كما أن الحقير دون الصغير ويستعملان في الجثث والأحداث جميعا تقول رجل عظيم وكبير تريدجئته أو خطره ومعنى التنكير أن على أبصارهم نوعا من الأغطية غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامي عن آيات الله ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم لا يعلم كنهه إلا الله تعالى
الدر المنثور – السيوطي ج1/ص72

أخرج ابن جريج وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير في السنة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ونحو هذا من القرآن قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله أنه لايؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال قيل يا رسول الله أنا تقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد نيأس فقال ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار قالوا بلى يا رسول اله ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين إلى قوله المفلحون هؤلاء أهل الجنة قالوا إنا نرجو أن نكون هؤلاء
ثم قال إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم إلى قوله عظيم هؤلاء أهل النار
قلنا لسنا هم يا رسول الله قال أجل
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله إن الذين كفروا أي بما أنزل إليك وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاء من قبلك سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون أي أنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق لك فقد كفروا بما جاءك وبما عندهم مما جاءهم به غيرك فكيف يسمعون منك إنذارا وتخويفا وقد كفروا بما عندهم من نعتك ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوا به من الحق الذي جاءك من ربك حتى يؤمنوا به وأن آمنوا بكل ما كان قبلك ولهم بما هو عليه من خلافك عذاب عظيم فهذا في الأحبار من يهود
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم
الختم والكتم أخوان لأن في الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطيه لئلا يتوصل اليه ولا يطلع عليه
والغشاوة الغطاء فعالة من غشاه اذا غطاه وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابه والعمامة
فإن قلت ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار قلت لا ختم ولا تغشية ثم على الحقيقة وإنما هو من باب المجاز ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه وهما الاستعارة والتمثيل
أما الاستعارة فأن تجعل قلوبهم لأن الحق لا ينفذ فيها ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل اعراضهم عنه وإستكبارهم عن قبوله واعتقاده وأسماعهم لأنها تمجه وتنبو عن الإصغاء إليه وتعاف استماعه كأنها مستوثق منها بالختم وأبصارهم لأنها لا تجتلي آيات الله المعروضة ودلائله المنصوبة كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين كأنما غطى عليها وحجبت وحيل بينها وبين الإدراك
وأما التمثيل فأن تمثل حيث لم يستنفعوا بها في الأغراض الدينية التى كلفوها وخلقوا من اجلها بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية
وقد جعل بعض المازنيين الحبسة في اللسان والعي ختما عليه فقال ختم الاله على لسان عذافر
ختما فليس على الكلام بقادر
واذا أراد النطق خلت لسانه
لحما يحركه لصقر ناقر
فإن قلت فلم أسند الختم الى الله تعالى وإسناده اليه يدل على المنع من قبول الحق والتوصل اليه بطرقه وهو قبيح والله يتعالى عن فعل القبيح علوا كبيرا لعلمه بقبحه وعلمه بغناه عنه
وقد نص على تنزيه ذاته بقوله
وما انا بظلام للعبيد ق29
وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين الزخرف76
إن الله لا يأمر بالفحشاء الأعراف28 ونظائر ذلك مما نطق به التنزيل قلت القصد الى صفة القلوب بأنها كالمختوم عليها
وإما إسناد الختم إلى الله عز وجل فلينبه على أن هذه الصفة في فرط تمكنها وثبات قدمها كالشيء الخلقي غير العرضي
ألا ترى الى قولهم فلان مجبول على كذا ومفطور عليه يريدون انه بليغ في الثبات عليه
وكيف يتخيل ما خيل اليك وقد وردت الآية ناعية على الكفار شناعة صفتهم وسماجة حالهم ونيط بذلك الوعيد بعذاب عظيم ويجوز ان تضرب الجملة كما هي وهي ختم لله على قلوبهم مثلا كقولهم سال به الوادي اذا هلك
وطارت به العنقاء اذا أطال الغيبة وليس للوادي ولا للعنقاء عمل في هلاكه ولا في طول غيبته وإنما هو تمثيل مثلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي وفي طول غيبته بحال من طارت به العنقاء فكذلك مثلت حال قلوبهم فيما كانت عليه من التجافي عن الحق بحال قلوب ختم الله عليها نحو قلوب الأغتام التي هي في خلوها عن الفطن كقلوب البهائم او بحال قلوب البهائم أنفسها او بحال قلوب مقدر ختم الله عليها حتى لا تعي شيئا ولا تفقه وليس له عز وجل فعل في تجافيها عن الحق ونبوها عن قبوله وهو متعال عن ذلك
ويجوز ان يستعار الإسناد في نفسه من غير الله لله فيكون الختم مسندا الى اسم الله على سبيل المجاز
وهو لغيره حقيقة
تفسير هذا ان للفعل ملابسات شتى يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والمسبب له فإسناده إلى الفاعل حقيقة وقد يسند إلى هذه الأشياء على طريق المجاز المسمى استعارة وذلك لمضاهاتها للفاعل في ملابسة الفعل كما يضاهي الرجل الأسد في جراءته فيستعار له اسمه فيقال في المفعول به عيشة راضية وماء دافق
وفي عكسه سيل مفعم وفي المصدر شعر شاعر وذيل ذائل وفي الزمان نهاره صائم وليله قائم وفي المكان طريق سائر ونهر جار وأهل مكة يقولون صلى المقام وفي المسبب بني الأمير المدينة وناقة صبوث وحلوب
وقال
إذا رد عافي القدر من يستعيرها
فالشيطان هو الخاتم في الحقيقة او الكافر الا ان الله سبحانه لما كان هو الذي أقدره ومكنه أسند اليه الختم كما يسند الفعل الى المسبب
ووجه رابع وهو انهم لما كانوا على القطع والبت ممن لا يؤمن ولا تغنى عنهم الآيات والنذر ولا تجدى عليهم الألطاف المحصلة ولا المقربة إن أعطوها
لم يبق بعد استحكام العلم بأنه لا طريق الى ان يؤمنوا طوعا واختيارا طريق الى ايمانهم الا القسر والإلجاء وإذا لم تبق طريق الا ان يقسرهم الله ويلجئهم ثم لم يقسرهم ولم يلجئهم لئلا ينتقض الغرض في التكليف عبر عن ترك القسر والإلجاء بالختم اشعارا بأنهم الذين ترامى أمرهم في التصميم على الكفر والاصرار عليه الى حد لا يتناهون عنه الا بالقسر والإلجاء وهي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغي واستشرائهم في الضلال والبغي
ووجه خامس وهو ان يكون حكاية لما كان الكفرة يقولونه تهكما بهم من قولهم
في قلوبنا أكنة مما تدعونا اليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فصلت5 ونظيره في الحكاية والتهكم قوله تعالى
لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة البينة1 فإن قلت اللفظ يحتمل ان تكون الأسماع داخلة في حكم الختم

تفسير أبي السعود ج1/ص37
ختم الله على قلوبهم استئناف تعليلي لما سبق من الحكم وبيان لما يقتضيه أو بيان وتأكيد له والمراد بالقلب محل القوة العاقلة من الفؤاد والختم على الشئ الاستيثاق منه بضرب الخاتم عليه صيانة له أو لما فيه من التعرض له كما في البيت الفارغ والكيس المملوء والأول هو الأنسب بالمقام إذ ليس المراد به صيانة ما في قلوبهم بل إحداث حالة تجعلهما بسبب تماديهم في الغى وانهماكهم في التقليد وإعراضهم عن منهاج النظر الصحيح بحيث لا يؤثر فيها الإنذار ولا ينفذ فيها الحق أصلا إما على طريقة الاستعارة التبعية بأن يشبه ذلك بضرب الخاتم على نحو أبواب المنازل الخالية المبنية للسكنى تشبيه معقول بمحسوس بجامع عقلى هو الاشتمال على منع القابل عما من شانه وحقه أن يقبله ويستعار له الختم ثم يشتق منه صيغة الماضي وإما على طريقة التمثيل بأن يشبه الهيئة المنتزعة من قلوبهم وقد فعل بها ما فعل من إحداث تلك الحالة المانعة من أن يصل إليها ما خلقت هي لأجلة من الأمور الدينية النافعة وحيل بينها وبينه بالمرة بهيئة منتزعة من محال معدة لحلول ما يحلها حلولا مستتبعا لمصالح مهمة وقد منع من ذلك بالختم عليها وحيل بينها وبين ما أعدت لأجله بالكلية ثم يستعار لها ما يدل على الهيئة المشبه بها فيكون كل من طرفي التشبيه مركبا من أمور عدة قد اقتصر من جانب المشبه به على ما عليه يدور الأمر في تصوير تلك الهيئة وانتزاعها وهو الختم والباقي منوى مراد قصدا بألفاظ متخيلة بها يتحقق التركيب وتلك الألفاظ وإن كان لها مدخل في تحقيق وجه الشبه الذي هو أمر عقلي منتزع منها وهو امتناع الانتفاع بما أعد له بسبب مانع قوي لكن ليس في شيء منها على الانفراد تجوز باعتبار هذا المجاز بل هي باقية على حالها من كونها حقيقة أو مجازا أو كناية وإنما التجوز في المجموع وحيث كان معنى المجموع مجموع معاني تلك الألفاظ التي ليس فيها التجوز المعهود ولم تكن الهيئة المنتزعة منها مدلولا وضعيا لها ليكون مادل على الهيئة المشبه بها عند استعماله في الهيئة المشبهة مستعملا في غير ما وضع له فيندرج تحت الاستعارة التي هي قسم من المجاز اللغوي الذي هو عبارة عن الكلمة المستعملة في غير ما وضع له ذهب قدماء المحققين كالشيخ عبد القاهر وأضرابه إلى جعل التمثيل قسما برأسه ومن رام تقليل الأقسام عد تلك الهيئة المشبه بها من قبيل المدلولات الوضعية وجعل الكلام المفيد لها عند استعماله فيما يشبه بها من هيئة أخرى منتزعة من أمور أخر من قبيل الاستعارة وسماه استعارة تمثيلية وإسناد إحداث تلك الحالة في قلوبهم إلى الله تعالى لاستناد جميع الحوادث عندنا من حيث الخلق إليه سبحانه وتعالى وورود الآية الكريمة ناعية عليهم سوء صنيعهم ووخامة عاقبتهم لكون أفعالهم من حيث الكسب مستندة إليهم فإن خلقها منه سبحانه ليس بطريق الجبر بل بطريق الترتيب على ما اقترفوه من القبائح كما يعرب عنه قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم ونحو ذلك وأما المعتزلة فقد سلكوا مسلك التأويل وذكروا في ذلك عدة من الأقاويل منها أن القوم لما أعرضوا عن الحق وتمكن ذلك في قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقي المجبول عليه ومنها أن المراد به تمثيل قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية عن الفطن أو بقلوب قدر ختم الله تعالى عليها كما في سال به الوادي إذا هلك وطارت به العنقاء إذا طالت غيبته ومنها أن ذلك فعل الشيطان أو الكافر وإسناده تعالى باعتبار كونه بإقداره تعالى وتمكينه ومنها أن أعراقهم لما رسخت في الكفر واستحكمت بحيث لم يبق إلى تحصيل إيمانهم طريق سوى الإلجاء والقسر ثم لم يفعل ذلك محافظة على حكمة التكليف عبر عن ذلك بالختم لأنه سد لطريق إيمانهم بالكلية وفيه إشعار بترامي أمرهم في الغي والعناد وتناهي انهماكهم في الشر والفساد ومنها أن ذلك حكاية لما كانت الكفرة يقولونه مثل قولهم قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب تهكما بهم ومنها أن ذلك في الآخرة وإنما أخبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ويعضده قوله تعالى ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما ومنها أن المراد بالختم وسم قلوبهم بسمة يعرفها الملائكة فيبغضونهم ويتنفرون عنهم
وعلى سمعهم عطف على ما قبله داخل في حكم الختم لقوله عز وجل وختم على سمعه وقلبه وللوفاق على الوقف عليه لا على قلوبهم ولاشتراكهما في الإدراك من جميع الجوانب وإعادة الجار للتأكيد والإشعار بتغاير الختمين وتقديم ختم قلوبهم للإيذان بأنها الأصل في عدم الإيمان وللإشعار بأن ختمها ليس بطريق التبعية بختم سمعهم بناء على أنه طريق إليها فالختم عليه ختم عليها بل هي مختومة بختم على حدة لو فرض عدم الختم على سمعهم فهو باق على حاله حسبما يفصح عنه قوله تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون والسمع إدراك القوة السامعة وقد يطلق عليها وعلى العضو الحامل لها وهو المراد ههنا إذ هو المختوم عليه أصالة وتقديم حاله على حال أبصارهم للاشتراك بينه وبين قلوبهم في تلك الحال أو لأن جنايتهم من حيث السمع الذي به يتلقى الأحكام الشرعية وبه يتحقق الإنذار أعظم منها من حيث البصر الذي به يشاهد الأحوال الدالة على التوحيد فبيانها أحق بالتقديم وأنسب بالمقام قالوا السمع أفضل من البصر لأنه عز وعلا حيث ذكرهما قدم السمع على البصر ولأن السمع شرط النبوة ولذلك ما بعث الله رسولا أصم ولأن السمع وسيلة إلى استكمال العقل بالمعارف التي تتلقف من أصحابها وتوحيده للأمن عن اللبس واعتبار الأصل أو لتقدير المضاف أي وعلى حواس سمعهم والكلام في إيقاع الختم على ذلك كما مر من قبل
وعلى أبصارهم غشاوة الأبصار جمع بصر والكلام فيه كما سمعته في السمع والغشاوة فعالة من التغشية أي التغطية بنيت لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة وتنكيرها للتفخيم والتهويل وهي على رأي سيبويه مبتدأ خبره الظرف المقدم والجملة معطوفة على ما قبلها وإيثار الاسمية للإيذان بدوام مضمونها فإن ما يدرك بالقوة الباصرة من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس حيث كانت مستمرة كان تعامهم من ذلك أيضا كذلك وأما الآيات التي تتلقى بالقوةالسامعة فلما كان وصولها إليها حينا فحينا أوثر في بيان الختم عليها وعلى ما هي أحد طريقي معرفته أعني القلب الجملة الفعلية وعلى رأي الأخفش مرتفع على الفاعلية مما تعلق به الجار وقرئ بالنصب على تقدير فعل ناصب أي وجعل على أبصارهم غشاوة وقيل على حذف الجار وإيصال الختم إليه والمعنى وختم على أبصارهم بغشاوة وقرئ بالضم والرفع وبالفتح والنصب وهما لغتان فيها وغشوة بالكسر مرفوعة وبالفتح مرفوعة ومنصوبة وعشاوة بالعين غير المعجمة والرفع
ولهم عذاب عظيم وعيد وبيان لما يستحقونه في الآخرة والعذاب كالنكال بناء ومعنى يقال أعذب عن الشيء إذا أمسك عنه ومنه الماء العذب لما أنه يقمع العطش ويردعه ولذلك يسمى نقاخا لأنه ينقخ العطش ويكسره وفراتا لأنه يفرته على القلب ويكسره ثم اتسع فيه فأطلق على كل ألم فادح وإن لم يكن عقابا يراد به ردع الجاني عن المعاودة وقيل اشتقاقه من التعذيب الذي هو إزالة العذاب كالتقذية والتمريض والعظيم نقيض الحقير والكبير نقيض الصغير فمن ضرورة كون الحقير دون الصغير كون العظيم فوق الكبير ويستعملان في الجثث والأحداث تقول رجل عظيم وكبير تريد جثته أو خطره ووصف العذاب به لتأكيد ما يفيده التنكير من التفخيم والهويل والمبالغة في ذلك والمعنى أن على أبصارهم ضربا من الغشاوة خارجا مما يتعارفه الناس وهي غشاوة التعامي عن الآيات ولهم من الآلام العظام نوع عظيم لا يبلغ كنهه ولا يدرك غايته اللهم إنا نعوذ بك من ذلك كله يا أرحم الراحمين

تفسير ابن كثير ج1/ص46
قال السدي ختم الله أي طبع الله وقال قتادة في هذه الآية استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون وقال بن جريج قال مجاهد ختم الله على قلوبهم قال الطبع ثبتت الذنوب على القلب فحفت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع والطبع الختم قال بن جريج الختم على القلب والسمع قال بن جريج وحدثني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول الران أيسر من الطبع والطبع أيسر من الإقفال والإقفال أشد من ذلك كله وقال الأعمش أرانا مجاهد بيده فقال كانوا يرون أن القلب في مثل هذه يعني الكف فاذا أذنب العبد ذنبا ضم منه وقال بأصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنب بن جرير وقال بعضهم إنما معنى قوله تعالى ختم الله على قلوبهم إخبار من الله عن تكبرهم وإعراضهم عن الإستماع لما دعوا إليه من الحق كما يقال إن فلانا أصم عن هذا الكلام إذا امتنع من سماعه ورفع نفسه عن تفهمه تكبرا قال وهذا لا يصح لأن الله تعالى قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم قلت وقد أطنب الزمخشري في تقرير مارده بن جرير ها هنا وتأول الآية من خمسة أوجه وكلها ضعيفة جدا وماجرأه على ذلك إلا اعتزاله لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده يتعالى الله عنه في اعتقاده ولو فهم قوله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم وقوله ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح فلو أحاط علما بهذا لما قال ما قال والله أعلم قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال بل طبع الله عليها بكفرهم وذكر حديث تقليب القلوب ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وذكر حديث حذيفة الذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا الحديث قال بن جرير والحق عندي في ذلك ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما حدثنا به محمد بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي قال الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون هذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي 3334 والنسائي عمل 418 عن قتيبة والليث بن سعد وبن ماجه 4244 عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم ثلاثتهم عن محمد بن عجلان به وقال الترمذي حسن صحيح ثم قال بن جرير فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب اغلقتها وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع فلا يكون للإيمان إليها مسلك ولا للكفر عنها مخلص فذلك هو الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم نظير الختم والطبع على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحله رباطه عنها واعلم ان الوقف التام على قوله تعالى ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وقوله وعلى أبصارهم غشاوة جملة تامة فإن الطبع يكون على القلب وعلى السمع والغشاوة وهي الغطاء يكون على البصر كما قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن بن عباس وعن مرة الهمداني عن بن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم يقول فلا يعقلون ولا يسمعون يقول وجعل على ابصارهم غشاوة يقول على أعينهم فلا يبصرون وقال بن جرير حدثني محمد بن سعد حدثنا أبي حدثني عمي الحسين بن الحسن عن أبيه عن جده عن بن عباس ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم قال وحدثنا القاسم حدثنا الحسين يعني بن داود وهو سنيد حدثني حجاج وهو بن محمد الأعور حدثني بن جريج قال الختم على القلب والسمع والغشاوة على البصر قال الله تعالى فإن يشإ الله يختم على قلبك وقال وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة قال بن جرير ومن نصب غشاوة من قوله تعالى وعلى أبصارهم غشاوة يحتمل أنه نصبها بإضمار فعل تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة ويحتمل أن يكون نصبها على الإتباع على محل وعلى سمعهم كقوله تعالى وحور عين وقول الشاعر
علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها
وقال الآخر
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
تقديره وسقيتها ماء باردا ومعتقلا رمحا لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات ثم عرف حال الكافرين بهاتين الآيتين

تفسير البيضاوي ج1/ص143
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة تعليل للحكم السابق وبيان لما يقتضيه والختم الكتم سمي به الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه لأنه كتم له والبلوغ آخره نظرا إلى أنه آخر فعل يفعل في إحرازه والغشاوة فعالة من غشاء إذا غطاه بنيت لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة ولا ختم ولا تغشية على الحقيقة وإنما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصي واستقباح الإيمان والطاعات بسبب غيهم وانهماكهم في التقليد وإعراضهم عن النظر الصحيح فتجعل قلوبهم بحيث لا ينفذ فيها الحق وأسماعهم تعاف استماعه فتصير كأنها
مستوثق منها بالختم وأبصارهم لا تجتلي الآيات المنصوبة لهم في الأنفس والآفاق كما تجتليها أعين المستبصرين فتصير كأنها غطي عليها وحيل بينها وبين الإبصار وسماه على الاستعارة ختما وتغشية أو مثل قلوبهم ومشاعرهم المؤوفة بها بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها ختما وتغطية وقد عبر عن إحداث هذه الهيئة بالطبع في قوله تعالى أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وبالاغفال في قوله تعالى ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا وبالإقساء في قوله تعالى وجعلنا قلوبهم قاسية وهي من حيث إن الممكنات بأسرها مستندة إلى الله تعالى واقعة بقدرته أسندت إليه ومن حيث إنها مسببة مما اقترفوه بدليل قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وقوله تعالى ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم وردت الآية ناعية عليهم شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم واضطربت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التأويل الأول أن القوم لما أعرضوا عن الحق وتمكن ذلك في قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقي المجبول عليه
تفسير الجلالين ج1/ص4
ختم الله على قلوبهم طبع عليها واستوثق فلا يدخلها خير وعلى سمعهم أي مواضعه فلا ينتفعون بما يسمعونه من الحق وعلى أبصارهم غشاوة غطاء فلا يبصرون الحق ولهم عذاب عظيم قوي دائم
تفسير السعدي ج1/ص42
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم أي طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان ولا ينفذ فيها فلا يعون ما ينفعهم ولا يسمعون ما يفيدهم
وعلى أبصارهم غشاوة أي غشاء وغطاء وأكنه تمنعها عن النظر الذي ينفعهم وهذه طرق العلم والخير قد سدت عليهم فلا مطمع فيهم ولا خير يرجى عندهم وإنما منعوا ذلك وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعدما تبين لهم الحق كما قال تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة وهذا عقاب عاجل
ثم ذكر العقاب الآجل فقال ولهم عذاب عظيم وهو عذاب النار وسخط الجبار المستمر الدائم

تفسير السمرقندي ج1/ص51
تعالى ختم الله على قلوبهم قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني طبع الله ومعنى الختم على القلوب ليس أنه يذهب بعقولهم ولكنهم لا يتفكرون فيعتبرون بعلامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيؤمنون وعلى سمعهم يعني لا يسمعون الحق وعلى أبصارهم غشاوة يعني غطاء فلا يبصرون الهدى واتفقت الأئمة السبعة على رفع الهاء غشاوة وقرأ بعضهم بنصب الهاء غشاوة وهي قراءة شاذة فأما من قرأ برفع الهاء فهو على معنى الابتداء يعني ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ثم ابتدأ فقال وعلى أبصارهم غشاوة وأما من قرأ بالنصب فيكون الجعل فيه مضمرا يعني جعل على أبصارهم غشاوة فقد ذكر في شأن المؤمنين ثوابهم في الدنيا الهدى وفي الآخرة الفلاح وذكر في شأن الكفار عقوبتهم في الدنيا الختم وفي الآخرة كما قال تعالى ولهم عذاب عظيم يعني عذابا وجيعا يخلص وجعه إلى قلوبهم
قال الفقيه رحمه الله وفي الآية إشكال في موضعين أحدهما في اللفظ والآخر في المعنى فأما في اللفظ قال ختم الله على قلوبهم ذكر جماعة القلوب ثم قال وعلى سمعهم ذكر بلفظ الوحدان ثم قال وعلى أبصارهم ذكر بلفظ الجمع فجوابه أن السمع مصدر والمصدر لا يثنى ولا يجمع فلهذا ذكر بلفظ الوحدان والله أعلم وقد قيل وعلى سمعهم يعني موضع سمعهم لأن السمع لا يختم وإنما يختم موضعه وقد قيل إن الإضافة إلى الجماعة تغني عن لفظ الجماعة لأنه قال وعلى سمعهم فقد أضاف إلى الجماعة والشيء إذا أضيف إلى الجماعة مرة يذكر بلفظ الجماعة ومرة يذكر بلفظ الوحدان فلو ذكر القلوب والأبصار بلفظ الوحدان لكان سديدا في اللغة فذكر البعض بلفظ الوحدان وذكر البعض بلفظ الجماعة وهذه علامة الفصاحة لأن كتاب الله تعالى أفصح الكلام
وأما الإشكال الذي في المعنى أن يقال إذا ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فمنعهم عن الهدى فكيف يستحقون العقوبة والجواب عن هذا أن يقال إن ختم الله مجازاة لكفرهم كما قال فى آية أخرى بل طبع الله عليها بكفرهم النساء155 لأن الله تعالى قد يسر عليهم السبيل فلو جاهدوا لوفقهم كما قال في آية أخرى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا العنكبوت 69 فلما لم يجاهدوا واختاروا الكفر عاقبهم الله تعالى في الدنيا بالختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم وفي الآخرة بالعذاب العظيم
وروي عن مجاهد أنه قال من أول سورة البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين وروي عن مقاتل أنه قال آيتان من أول السورة في نعت المؤمنين المهاجرين وآيتان في نعت مؤمني أهل الكتاب وآيتان في نعت الكفار وثلاث عشرة آية في نعت المؤمنين غير المهاجرين وآيتان في نعت المنافقين من قوله ومن الناس إلى قوله إن الله على كل شيء قدير
تفسير السمعاني ج1/ص46
قوله ـ تعالى ـ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم
ذكر في الآية الأولى أنهم لا يؤمنون وذكر في هذه الآية علته فقال ختم الله على قلوبهم والختم هو الطبع وحقيقته الاستيثاق من الشيء كيلا يدخله ما هو خارج منه ولا يخرج عنه ما هو داخل فيه ومنه الختم على الباب
فقوله ختم الله على قلوبهم ذكر ابن كيسان أقوالا في معناه أحدها أي جازاهم على كفرهم بأن أختم على قلوبهم

تفسير الطبري ج1/ص112
القول في تأويل قوله تعالى ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وأصل الختم الطبع والخاتم هو الطابع يقال منه ختمت الكتاب إذا طبعته فإن قال لنا قائل وكيف يختم على القلوب وإنما الختم طبع على الأوعية والظروف والغلف قيل فإن قلوب العباد أوعية لما أودعت من العلوم وظروف لما جعل فيها من المعارف بالأمور فمعنى الختم عليها وعلى الاسماع التي بها تدرك المسموعات ومن قبلها يوصل إلى معرفة حقائق الأنباء عن المغيبات نظير معنى الختم على سائر الأوعية والظروف فإن قال فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها أهي مثل الختم الذي يعرف لما ظهر للأبصار أم هي بخلاف ذلك قيل قد اختلف أهل التأويل في صفة ذلك وسنخبر بصفته بعد ذكرنا قولهم
فحدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي قال حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش قال أرانا مجاهد بيده فقال كانوا يرون أن القلب في مثل هذا يعني الكف فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه وقال بإصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنب ضم وقال بإصبع أخرى فإذا أذنب ضم وقال باصبع أخرى هكذا حتى ضم اصابعه كلها قال ثم يطبع عليه بطابع قال مجاهد وكانوا يرون أن ذلك الرين
حدثناأبو كريب قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن مجاهد قال القلب مثل الكف فإذا أذنب ذنبا قبض أصبعا حتى يقبض أصابعه كلها وكان أصحابنا يرون أنه الران
حدثناالقاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين بن داود قال حدثني حجاج قال حدثنا بن جريج قال قال مجاهد نبئت أن الذنوب على القلب تحف به من نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع والطبع الختم قال بن جريج الختم ختم على القلب والسمع
حدثناالقاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن بن جريج قال حدثني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول الران أيسر من الطبع والطبع أيسر من الاقفال والإقفال أشد ذلك كله وقال بعضهم إنما معنى قوله ختم الله على قلوبهم اخبار من الله جل ثناؤه عن تكبرهم واعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق كما يقال إن فلانا لأصم عن هذا الكلام إذا امتنع من سماعه ورفع نفسه عن تفهمه تكبرا والحق في ذلك عندي ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما
حدثنابه محمد بن يسار قال حدثنا صفوان بن عيسى قال حدثنا بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه فإن زاد زادت حتى يغلف قلبه فذلك الران الذي قال الله جل ثناؤه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا قوله ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم إلا بعد فضة خاتمه وحله رباطه عنها
ويقال لقائلي القول الثاني الزاعمين أن معنى قوله جل ثناؤه ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم هو وصفهم بالاستكبار والاعراض عن الذي دعوا إليه من الاقرار بالحق تكبرا أخبرونا عن استكبار الذين وصفهم الله جل ثناؤه بهذه الصفة واعراضهم عن الاقرار بما دعوا إليه من الإيمان وسائر المعاني اللواحق به أفعل منهم أم فعل من الله تعالى ذكره بهم فإن زعموا أن ذلك فعل منهم وذلك قولهم قيل لهم فإن الله تبارك وتعالى قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وسمعهم وكيف يجوز أن يكون اعراض الكافر عن الإيمان وتكبره عن الاقرار به وهو فعله عندكم ختما من الله على قلبه وسمعه وختمه على قلبه وسمعه فعل الله عز وجل دون فعل الكافر فإن زعموا أن ذلك جائز أن يكون كذلك لأن تكبره واعراضه كانا عن ختم الله على قلبه وسمعه فلما كان الختم سببا لذلك جاز أن يسمى مسببه به تركوا قولهم وأوجبوا أن الختم من الله على قلوب الكفار وأسماعهم معنى غير كفر الكافر وغير تكبره وإعراضه عن قبول الإيمان والإقرار به وذلك دخول فيما أنكروه وهذه الآية من أوضح الأدلة على فساد قول المنكرين تكليف ما لا يطاق إلا بمعونة الله لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه ختم على قلوب صنف من كفار عباده وأسماعهم ثم لم يسقط التكليف عنهم ولم يضع عن أحد منهم فرائضه ولم يعذره في شيء مما كان منه من خلاف طاعته بسبب ما فعل به من الختم والطبع على قلبه وسمعه بل أخبر أن لجميعهم منه عذابا عظيما على تركهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه من حدوده وفرائضه مع حتمه القضاء عليهم مع ذلك بأنهم لا يؤمنون
القول في تأويل قوله تعالى وعلى أبصارهم غشاوة وقوله وعلى أبصارهم غشاوة خبر مبتدأ بعد تمام الخبر عما ختم الله جل ثناؤه عليه من جوارح الكفار الذين مضت قصصهم وذلك أن غشاوة مرفوعة بقوله وعلى أبصارهم فذلك دليل على أنه خبر مبتدأ وأن قوله ختم الله على قلوبهم قد تناهى عند قوله وعلى سمعهم وذلك هو القراءة الصحيحة عندنا لمعنيين أحدهما اتفاق الحجة من القراء والعلماء على الشهادة بتصحيحها وانفراد المخالف لهم في ذلك وشذوذه عما هم على تخطئته مجمعون وكفى بإجماع الحجة على تخطئة قراءته شاهدا على خطئها والثاني أن الختم غير موصوفة به العيون في شيء من كتاب الله ولا في خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا موجود في لغة أحد من العرب وقد قال تبارك وتعالى في سورة أخرى وختم على
سمعه وقلبه ثم قال وجعل على بصره غشاوة فلم يدخل البصر في معنى الختم وذلك هو المعروف في كلام العرب
فلم يجز لنا ولا لأحد من الناس القراءة بنصب الغشاوة لما وصفت من العلتين اللتين ذكرت وإن كان لنصبها مخرج معروف في العربية
وبما قلنا في ذلك من القول والتأويل روى الخبر عن بن عباس
حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي الحسين بن الحسن عن أبيه عن جده عن بن عباس ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم
فإن قال قائل وما وجه مخرج النصب فيها قيل له إن نصبها بإضمار جعل كأنه قال وجعل على أبصارهم غشاوة ثم أسقط جعل إذ كان في أول الكلام ما يدل عليه
وقد يحتمل نصبها على إتباعها موضع السمع إذ كان موضعه نصبا وإن لم يكن حسنا إعادة العامل فيه على غشاوة ولكن على إتباع الكلام بعضه بعضا كما قال تعالى ذكره يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق ثم قال وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين فخفض اللحم والحور على العطف به على الفاكهة إتباعا لآخر الكلام أوله
ومعلوم أن اللحم لا يطاف به ولا بالحور ولكن ذلك كما قال الشاعر يصف فرسه علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها ومعلوم أن الماء يشرب ولا يعلف به ولكنه نصب ذلك على ما وصفت قبل
وكما قال الآخر ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا وكان بن جريج يقول في انتهاء الخبر عن الختم إلى قوله وعلى سمعهم وابتداء الخبر بعده بمثل الذي قلنا فيه ويتأول فيه من كتاب الله فإن يشأ الله يختم على قلبك
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج قال حدثنا بن جريج قال الختم على القلب والسمع والغشاوة على البصر قال الله تعالى ذكره فإن يشأ الله يختم على قلبك وقال وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة والغشاوة في كلام العرب الغطاء ومنه قول الحارث بن خالد بن العاص تبعتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها ومنه يقال تغشاه الهم إذا تجلله وركبه
ومنه قول نابغة بني ذبيان هلا سألت بني ذبيان ما حسبي إذا الدخان تغشى الأشمط البرما يعني بذلك إذا تجلله وخالطه
وإنما أخبر الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن الذين كفروا به من أحبار اليهود أنه قد ختم على قلوبهم وطبع عليها فلا يعقلون لله تبارك وتعالى موعظة وعظهم بها فيما آتاهم من علم مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن بن عباس ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك حتى يؤمنوا به وإن آمنوا بكل ما كان قبلك
حدثني موسى بن هارون الهمداني قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن بن عباس وعن مرة الهمداني عن بن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم يقول فلا يعقلون ولا يسمعون
ويقول وجعل على أبصارهم غشاوة يقول على أعينهم فلا يبصرون
وأما آخرون فإنهم كانوا يتأولون أن الذين أخبر الله عنهم من الكفار أنه فعل ذلك بهم هم قادة الأحزاب الذين قتلوا يوم بدر
حدثني المثنى بن إبراهيم قال حدثنا إسحاق بن الحجاج قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس قال هاتان الآيتان إلي ولهم عذاب عظيم هم الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار وهم الذين قتلوا يوم بدر فلم يدخل من القادة أحد في الإسلام إلا رجلان أبو سفيان بن حرب والحكم بن أبي العاص
وحدثت عن عمار بن الحسن قال حدثنا بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس عن الحسن قال أما القادة فليس فيهم مجيب ولا ناج ولا مهتد وقد دللنا فيما مضى على أولى هذين التأويلين بالصواب كرهنا إعادته
القول في تأويل قوله تعالى ولهم عذاب عظيم
وتأويل ذلك عندي كما قاله بن عباس وتأوله
حدثنا بن حميد قال حدثنا سلمة عن بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن بن عباس ولهم بما هم عليه من خلافك عذاب عظيم قال فهذا في الأحبار من يهود فيما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك بعد معرفتهم

تفسير القرطبي ج1/ص185
فيها عشر مسائل الأولى قوله تعالى ختم الله بين سبحانه في هذه الآية المانع لهم من الإيمان بقوله ختم الله والختم مصدر ختمت الشيء ختما فهو مختوم ومختم شدد للمبالغة ومعناه الختم ختم الله على قلوبهم وسيأتي بيانها كلها في مواضعها إن شاء الله تعالى الثانية الختم يكون محسوسا كما بينا ومعنى كما في هذه الآية فالختم على القلوب عدم الوعي عن الحق سبحانه مفهوم مخاطباته والفكر في آياته وعلى السمع عدم فهمهم للقرآن إذا تلى عليهم أو دعوا إلى وحدانيته وعلى الأبصار عدم هدايتها للنظر في مخلوقاته وعجائب مصنوعاته هذا معنى قول أبن عباس وأبن مسعود وقتادة وغيرهم الثالثة في هذه الآية أدل دليل وأوضح سبيل على أن الله سبحانه خالق الهدى والضلال والكفر والإيمان فأعتبروا أيها السامعون وتعجبوا أيها المفكرون من عقول القدرية القائلين بخلق إيمانهم وهداهم فإن الختم هو الطبع فمن أين لهم الإيمان ولو جهدوا وقد طبع على قلوبهم وعلى سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة فمتى يهتدون أو من يهديهم من بعد الله إذا أضلهم وأصمهم وأعمى أبصارهم ومن يضلل الله فما له من هاد وكان فعل الله ذلك عدلا فيمن أضله وخذله إذ لم يمنعه حقا وجب له فتزول صفة العدل وإنما منعهم ما كان له أن يتفضل به عليهم لا ما وجب لهم فإن قالوا إن معنى الختم والطبع والغشاوة التسمية والحكم والإخبار بأنهم لا يؤمنون لا الفعل قلنا هذا فاسد لأن حقيقة الختم والطبع إنما هو فعل ما يصير به القلب مطبوعا مختوما لا يجوز أن تكون حقيقته التسمية والحكم ألا ترى أنه إذا قيل فلان طبع الكتاب وختمه كان حقيقة أنه فعل ما صار به الكتاب مطبوعا ومختوما لا التسمية والحكم هذا ما لا خلاف فيه بين أهل اللغة ولأن الأمة مجمعة على أن الله تعالى قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم النساء وأجمعت الأمة على أن الطبع والختم على قلوبهم من جهة النبي عليه السلام والملائكة والمؤمنين ممتنع فلو كان الختم والطبع هو التسمية والحكم لما أمتنع من ذلك الأنبياء والمؤمنون لأنهم كلهم يسمون الكفار بأنهم مطبوع على قلوبهم وأنهم مختوم عليها وأنهم في ضلال لا يؤمنون ويحكمون عليهم بذلك فثبت أن الختم والطبع هو معنى غير التسمية والحكم وإنما هو معنى يخلقه الله في القلب يمنع من الإيمان به دليله قوله تعالى كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقال وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه أي لئلا يفقهوه وما كان مثله الرابعة قوله على قلوبهم فيه دليل على فضل القلب على جميع الجوارح والقلب للإنسان وغيره وخالص كل شيء وأشرفه قلبه فالقلب موضع الفكر وهو في الأصل مصدر قلبت الشيء أقلبه قلبا إذا رددته على بداءته وقلبت الإناء رددته على وجهه ثم نقل هذا اللفظ فسمي به هذا العضو الذي هو أشرف الحيوان لسرعة الخواطر إليه ولترددها عليه كما قيل ما سمي القلب إلا من تقلبه فأحذر على القلب من قلب وتحويل ثم لما نقلت العرب هذا المصدر لهذا العضو الشريف التزمت فيه تفخيم قافه تفريقا بينه وبين أصله روى أبن ماجة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل القلب مثل ريشة تقلبها الرياح بفلاة ولهذا المعنى كان عليه الصلاة والسلام يقول اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله مع عظيم قدره وجلال منصبه فنحن أولى بذلك أقتداء به قال الله تعالى وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وسيأتي الخامسة الجوارح وإن كانت تابعة للقلب فقد يتأثر القلب وإن كان رئيسها وملكها بأعمالها للأرتباط الذي بين الظاهر والباطن قال صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليصدق فتنكت في قلبه نكتة بيضاء وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسود قلبه وروي الترمذي وصححه عن أبي هريرة أن الرجل ليصيب الذنب فيسود قلبه فإن هو تاب صقل قلبه قال وهو الرين الذي ذكره الله في القرآن في قوله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال مجاهد القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب إصبع ثم يطبع قلت وفي قول مجاهد هذا وقوله عليه السلام إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب دليل على أن الختم يكون حقيقيا والله أعلم وقد قيل إن القلب يشبه الصنوبرة وهو يعضد قول مجاهد والله أعلم وقد روى مسلم عن حذيفة قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى على زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه علي دينه ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا ففي قوله الوكت وهو الأثر اليسير ويقال للبسر إذا وقعت فيه نكتة من الإرطاب قد وكت فهو موكت وقوله المجل وهو أن يكون بين الجلد واللحم ماء وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كجمر دحرجته أي دورته على رجلك فنفط فتراه منتبرا أي مرتفعا ما يدل على أن ذلك كله محسوس في القلب يفعل فيه وكذلك الختم والطبع والله أعلم وفي حديث حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه وذكر الحديث مجخيا يعني مائلا السادسة القلب قد يعبر عنه بالفؤاد والصدر قال الله تعالى كذلك لنثبت به فؤادك وقال ألم نشرح لك صدرك الشرح يعني في الموضعين قلبك وقد يعبر به عن العقل قال الله تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ق أي عقل لأن القلب محل العقل في قول الأكثرين والفؤاد محل القلب والصدر محل الفؤاد والله أعلم السابعة قوله تعالى وعلى سمعهم أستدل بها من فضل السمع على البصر لتقدمه عليه وقال تعالى قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وقال وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قال والسمع يدرك به من الجهات الست وفي النور والظلمة ولا يدرك بالبصر إلا من الجهة المقابلة وبواسطة من ضياء وشعاع وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر على السمع لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والكلام والبصر يدرك به الأجسام والألوان والهيئات كلها قالوا فلما كانت تعلقاته أكثر كان أفضل وأجازوا الإدراك بالبصر من الجهات الست الثامنة إن قال قائل لم جمع الأبصار ووحد السمع قيل له إنما وحده لأنه مصدر يقع للقليل والكثير يقال سمعت الشيء أسمعه سمعا وسماعا فالسمع مصدر سمعت والسمع أيضا أسم للجارحة المسموع بها سميت بالمصدر وقيل إنه لما أضاف السمع إلى الجماعة دل على أنه يراد به أسماع الجماعة كما قال الشاعر بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب إنما يريد جلودها فوحد لأنه قد علم أنه لا يكون للجماعة جلد واحد وقال آخر في مثله لا تنكر القتل وقد سبينا في حلقكم عظم وقد شجينا يريد في حلوقكم ومثله قول الآخر كأنه وجه تركيين قد غضبا مستهدف لطعان غير تذبيب وإنما يريد وجهين فقال وجه تركيين لأنه قد علم أنه لا يكون للأثنين وجه واحد ومثله كثير جدا وقريء وعلى أسماعهم ويحتمل أن يكون المعنى وعلى مواضع سمعهم لأن السمع لا يختم وأنما يختم موضع السمع فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقد يكون السمع بمعنى الأستماع يقال سمعك حديثي أي أستماعك إلى حديثي يعجبني ومنه قول ذي الرمة يصف ثورا تسمع إلى صوت صائد وكلاب وقد توجس ركزا مقفر ندس بنبأة الصوت ما في سمعه كذب ما في أستماعه كذب أي هو صادق الأستماع والندس الحاذق والنبأة الصوت الخفي وكذلك الركز والسمع بكسر السين وإسكان الميم ذكر الإنسان بالجميل يقال ذهب سمعه في الناس أي ذكره والسمع أيضا ولد الذئب من الضبع والوقف هنا وعلى سمعهم وغشاوة رفع على الأبتداء وما قبله خبر والضمائر في قلوبهم وما عطف عليه لمن سبق في علم الله أنه لا يؤمن من كفار قريش وقيل من المنافقين وقيل من اليهود وقيل من الجميع وهو أصوب لأنه يعم فالختم على القلوب والأسماع والغشاوة على الأبصار والغشاء الغطاء وهي التاسعة ومنه غاشية السرج وغشيت الشيء أغشيه قال النابغة هلا سألت بني ذبيان ما حسبي إذا الدخان تغشى الأشمط البرما وقال آخر صحبتك إذ عيني عليها غشاوة فلما أنجلت قطعت نفسي ألومها قال أبن كيسان فإن جمعت غشاوة قلت غشاء بحذف الهاء وحكى الفراء غشاوى مثل أداوى وقريء غشاوة بالنصب على معنى وجعل فيكون من باب قوله علفتها تبنا وماء باردا وقول الآخر يا ليت زوجك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا المعنى وأسقيتها ماء وحاملا رمحا لأن الرمح لا يتقلد قال الفارسي ولا تكاد تجد هذا الأستعمال في حال سعة وأختيار فقراءة الرفع أحسن وتكون الواو عاطفة جملة على جملة قال ولم أسمع من الغشاوة فعلا متصرفا بالواو وقال بعض المفسرين الغشاوة على الأسماع والأبصار والوقف على قلوبهم وقال آخرون الختم في الجميع والغشاوة هي الختم فالوقف على هذا على غشاوة وقرأ الحسن غشاوة بضم الغين وقرأ أبو حيوة بفتحها وروي عن أبي عمرو غشوة رده إلى أصل المصدر قال بن كيسان ويجوز غشوة وغشوة وأجودها غشاوة كذلك تستعمل العرب في كل ما كان مشتملا على الشيء نحو عمامة وكنانة وقلادة وعصابة وغير ذلك العاشرة قوله تعالى ولهم أي للكافرين المكذبين عذاب عظيم نعته والعذاب مثل الضرب بالسوط والحرق بالنار والقطع بالحديد إلى غير ذلك مما يؤلم الإنسان وفي التنزيل وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين وهو مشتق من الحبس والمنع يقال في اللغة أعذبه عن كذا أي أحبسه وأمنعه ومنه سمي عذوبة الماء لأنها قد أعذبت وأستعذب بالحبس في الوعاء ليصفو ويفارقه ما خالطه ومنه قول علي رضي الله عنه أعذبوا نساءكم عن الخروج أي أحبسوهن وعنه رضي الله عنه وقد شيع سرية فقال أعذبوا عن ذكر النساء أنفسكم فإن ذلك يكسركم عن الغزو وكل من منعته شيئا فقد أعذبته وفي المثل لألجمنك لجاما معذبا أي مانعا عن ركوب الناس ويقال أعذب أي أمتنع وأعذب غيره فهو لازم ومتعد فسمي العذاب عذابا لأن صاحبه يحبس ويمنع عنه جميع ما يلائم الجسد من الخير ويهال عليه أضدادها

تفسير النسفي ج1/ص15
ختم الله على قلوبهم قال الزجاج الختم التغطية لأن فى الاستيثاق من الشئ بضرب الخاتم عليه تغطية له لئلا يطلع عليه وقال ابن عباس طبع الله على قلوبهم فلا يعقلون الخير يعنى أن الله طبع عليها فجعلها بحيث لا يخرج منها ما فيها من الكفر ولا يدخلها ما ليس فيها من الإيمان وحاصل الختم والطبع خلق الظلمة والضيق فى صدر العبد عندنا فلا يؤمن مادامت تلك الظلمة فى قلبه وعند المعتزلة إعلام محض على القلوب بما يظهر للملائكة أنهم كفار فيلعنونهم ولا يدعون لهم بخير وقال بعضهم إن إسناد الختم إلى الله تعالى مجاز والخاتم فى الحقيقة الكافر إلا أنه تعالى لما كان هو الذى أفدره ومكنه أسند إليه الختم كما يسند الفعل إلى السبب فيقال بنى الأمير المدينة لأن للفعل ملابسات شتى يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والمسبب له فاسناده إلى الفاعل حقيقة وقد يسند إلى هذه الأشياء مجازا لمضاهاتا الفاعل فى ملابسة الفعل كما يضاهى الرجل الأسد فى جرأته فيستعار له اسمه وهذا فرع مسألة خلق الأفعال وعلى سمعهم وحد السمع كما وحد البطن فى قوله كلوا في بعض بطنكم تعفوا
لأمن اللبس ولان السمع مصدر فى أصله يقال سمعت الشئ سمعا وسماعا والمصدر لا يجمع لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير فلا يحتاج فيه إلى التثنية والجمع فلمح الأصل وقيل المضاف محذوف اى وعلى مواضع سمعهم وقرئ على أسماعهم وعلى أبصارهم غشاوة بالرفع خبر ومبتدأ والبصر نور العين وهو ما يبصر به الرائي كما أن البصيرة نور القلب وهى ما به يستبصر ويتأمل وكأنهما جوهران لطيفان خلقهما الله تعالى فيهما آلتين للابصار والاستبصار والغشاوة الغطاء فعالة من غشاه إذا غطاه وهذا البناء لما يشتمل على الشئ كالعصابة والعمامة والقلادة والأسماع داخله فى حكم الختم لا فى حكم التغشية لقوله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ولوقفهم على سمعهم دون قلوبهم ونصب المفضل وحده غشاوة باضمار جعل وتكرير الجار فى قوله وعلى سمعهم دليل على شدة الختم فى الموضعين قال الشيخ الإمام أبو منصور بن على رحمه الله الكافر لما لم يسمع قول الحق ولم ينظر فى نفسه وغيره من المخلوقات ليرى آثار الحدوث فيعلم أن لا بد له من صانع جعل كأن على بصره وسمعه غشاوة وان لم يكن ذلك حقيقة وهذا دليل على أن الأسماع عنده داخله فى حكم التغشية والآية حجة لنا على المعتزلة فى الأصلح فإنه أخبر أنه ختم على قلوبهم ولا شك أن ترك الختم أصلح لهم ولهم عذاب عظيم العذاب مثل النكال بناء ومعنى لأنك تقول أعذب عن الشئ إذا أمسك عنه كما تقول نكل عنه والفرق بين العظيم والكبير أن العظيم يقابل الحقير والكبير يقابل الصغير فكان العظيم فوق الكبير كما أن الحقير دون الصغير ويستعملان فى الجثة والأحداث جميعا تقول رجل عظيم وكبير تريد جثته أو خطره ومعنى التنكير أن على أبصارهم نوعا من التغطية غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامى عن آيات الله ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم من العذاب لا يعلم كنهه إلا الله
تفسير الواحدي ج1/ص91
ختم الله على قلوبهم أي طبع الله على قلوبهم واستوثق منها حتى لا يدخلها الايمان وعلى سمعهم أي مسامعهم حتى لا ينتفعوا بما يسمعون وعلى أبصارهم على أعينهم غشاوة غطاء فلا يبصرون الحق ولهم عذاب عظيم متواصل لا تتخلله فرجة

روح المعاني – الألوسي ج1/ص131
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم إشارة إلى برهان لمي للحكم السابق كما أن سواء عليهم إلخ على تقدير كونه إعتراضا برهان إني فالختم والتغشية مسببان عن نفس الكفر وإقتراف المعاصي سببان للإستمرار على عدم الإيمان أو لإستواء الإنذار وعدمه فالقطع لأنه سؤال عن سبب الحكم والختم الوسم بطابع ونحوه والأثر الحاصل ويتجوز بذلك تارة في الإستيثاق من الشيء والمنع منه إعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب وتارة في تحصيل أثر عن أثر إعتبارا بانقش الحاصل وتارة يعتبر معه بلوغ الآخر ومنه ختمت القرآن والغشاوةعلى ما عليه السبعةبكسر الغين المجمعة من غشاء إذا غطاه قال أبو علي ولم يسمع منه فعل إلا يائي قالوا ومبدلة من الياء عنده أو يقال لعل له مادتين وفعالة عند الزجاج لما أشتمل على شيء كاللفافة ومنه أسماء الصناعات كالخياطة لإشتمالها على ما فيها وكذلك ما أستولى على شيء كالخلافة وعند الراغب هي لما يفعل به الفعل كاللف في اللفافة فإن أستعملت في غيره فعلى التشبيه وبعضهم فرق بين ما فيه هاء التأنيث وبين ما ليس فيه فلأول أسم لما يفعل به الشيء كالآلة نحو حزام وإمام والثاني لما يشتمل على الشيء ويحيط به وحمل الظاهريون الختم والتغشية على حقيتهما وفوضوا الكيفية إلى علم من لا كيفية له سبحانه وروى عن مجاهد أنه قال إذا أذنب العبد ضم من القلب هكذاوضم الخنصرثم إذا أذنب ضم هكذاوضم البنصر وهكذا إلى الإبهام ثم قال وهذا هو الختم والطبع والرين وهو عندي غير معقول والذي ذهب إليه المحققون أن الختم أستعير من ضرب الخاتم على نحو الأواني لأحداث هيئة في القلب والسمع مانعة من نفوذ الحق إليهما كما يمنع نقش الخاتم تلك الظروف من نفوذ ما هو بصدد الإنصباب فيها إستعارة محسوس لمعقول بجامع عقلي وهو الإشتمال على منع القابل عما من شأنه أن يقبله ثم أشتق من الختم ختم ففيه إستعارة تصريحية تبعية وأما الغشاوة فقد أستعيرت من معناها الأصلي لحالة في أبصارهم مقتضية لعدم إحتلائها الآيات والجامع ما ذكر فهناك إستعارة تصريحية أصلية أو تبعية إذا أولت الغشاوة بمشتق أو جعلت أسم آلة على ما قيل ويجوز أن يكون في الكلام إستعارة تمثيلية بأن يقال شبهت حال قلوبهم وأسماعهم وابصارهم مع الهيئة الحادثة فيها المانعة من الإستنفاع بها بحال أشياء معدة للإنتفاع بها في مصالح مهمة مع المنع من ذلك بالختم والتغطية ثم يستعار للمشبه اللفظ الدال على المشبه به فيكون كل واحد من طرفي التشبيه مركبا والجامع عدم الإنتفاع بما أعد له بسبب عروض مانع يمكن فيه كالمانع الأصلي وهو أمر عقلي منتزع من تلك العدة ثم إن إسناد الختم إليه عزوجل بإعتبار الخلق والذم والتشنيع الذي تشير إليه الآية بإعتبار كون ذلك مسببا عما كسبه الكفار من المعاصي كما يدل عليه قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وإلا أشكل التشنيع والذم على ما ليس فعلهم كذا قاله مفسرو أهل السنة عن آخرهم فيما أعلم والمعتزلة لما رأوا أن الآية يلزم منها أن يكون سبحانه مانعا عن قبول الحق وسماعه بالختم وهو قبيح يمتنع صدوره عنه تعالى على قاعدتهم ألتزموا للآية تأويلات ذكر الزمخشري جملة منها حتى قال الشيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر إلا أن الله سبحانه وتعالى لما كان هو الذي أقدره أو مكنه أسند الختم إليه كما يسند إلى السبب نحوبني الأمير المدينة وناقة حلوب وأنا أقول إن ماهيات الممكنات معلومة له سبحانه أزلا فهي متميزة في أنفسها تميزا ذاتيا غير مجعول لتوقف العلم بها على ذلك التميز وإن لها إستعدادات ذاتية غير مجعولة أيضا مختلفة الإقتضاءات والعلم الألهي متعلق بها كاشف لها على ما هي عليه في أنفسها من إختلاف إستعداداتها التي هي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا هو وإختلاف مقتضيات تلك الإستعدادات فإذا تعلق العلم
الإلهي بها على ما هي عليه مما يقتضيه إستعدادها من إختيار أحد الطرفين الخير والشر تعلقت الإرادة الإلهية بهذا الذي إختاره العبد بمقتضى إستعداده فيصير مراده بعد تعلق الإرادة الإلهية مرادا لله تعالى فإختياره الأزلي بمقتضى إستعداده متبوع للعلم المتبوع للإرادة مراعاة للحكمة وأن إختياره فيما لا يزال تابع للإرادة الأزلية المتعلقة بإختياره لما أختاره فالعباد منساقون إلى أن يفعلوا ما يصدر عنهم بإختيارهم لا بالا كراه والجبر وليسوا مجبورين في إختيارهم الأزلي لآنه سابق الرتبة على تعلق العلم السابق على تعلق الإرادة والجبر تبع للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم الذي هو هنا إختيارهم الأزلي فيمتنع أن يكون تابعا لما هو متأخر عنه بمراتب فما من شيء يبرزه الله تعالى بمقتضى الحكمة ويفيضه على الممكنات إلا وهو مطلوبها بلسان إستعدادها وما حرمها سبحانه شيئا من ذلك كما يشير إليه قوله تعالى أعطى كل شيء خلقه أي الثابت له في الأزل مما يقتضيه إستعداده الغير المجعول وإن كانت الصور الوجودية الحادثة مجعولة وقوله تعالى فألهمها فجورها وتقواها اي الثابتين لها في نفس الأمر والكل من حيث أنه خلقه حسن لكونه بارزا بمقتضى الحكمة من صانع مطلق لا حاكم عليه ولهذا قال عز شأنه أحسن كل شيء خلقه و ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت أي من حيث أنه مضاف إليه ومفاض منه وإن تفاوت من جهة أخرى وأفترق عند إضافة بعضه إلى بعض فعلى هذا يكون الختم منه سبحانه وتعالى دليلا على سواء إستعدادهم الثابت في علمه الأزلي الغير المجعول بل هذا الختم الذي هو من مقتضيات الإستعداد لم يكن من الله تعالى إلا إيجاده وإظهار يقينه طبق ما علمه فيهم أزلا حيث لا جعل وما ظلمهم الله تعالى في إظهاره إذ من صفته سبحانه إفاضة الوجود على القوابل بحسب القابليات على ما تقتضيه الحكمة ولكن كانوا أنفسهم يظلمون حيث كانت مستعدة بذاتها لذلك فحينئذ يظهر أن إسناد الختم إليه تعالى بإعتبار الإيجاد حقيقة ويحسن الذم لهم به من حيث دلالته على سوء الإستعداد وقبح ما أنطوت عليه ذواتهم في ذلك العناد فالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا وأما ما ذكره المفسرون من أن إسناد الختم إليه تعالى الخلق فمسلم لا كلام لنا فيه وأما إن الذم بإعتبار كون ذلك مسببا عما كسبه الكفار إلخ فنقول فيه إن أرادوا بالكسب ما شاع عند الإشاعرة من مقارنة الفعل لقدرة العبد من غير تأثير لها فيه أصلا وإنما المؤثر هو الله تعالى فهو مع مخالفته لمعنى الكسب وكونه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا لا يشفى عليلا ولا يروى غليلا إذ للخصم أن يقول اي معنى لذم العبد بشيء لا مدخل لقدرته فيه إلا كمدخل اليد الشلاء فيما فعلته الأيدي السليمة وحينئذ يتأتى ما قاله الصاحب بن عباد في هذا الباب كيف يأمر الله تعالى العبد بالإيمان وقد منعه منه وينهاه عن الكفر وقد حمله عليه وكيف يصرفه عن الإيمان ثم يقول أنى يصرفون ويخلق فيهم الإفك ثم يقول أنى تؤفكون وأنشأ فيهم الكفر ثم يقول لم تكفرون وخلق فيهم لبس الحق بالباطل ثم يقول لم تلبسون الحق بالباطل وصدهم عن السبيل ثم يقول لم تصدون عن سبيل الله وحال بينهم وبين الإيمان ثم قال وماذا عليهم لو آمنوا وذهب بهم عن الرشد ثم قال وأين تذهبون وأضلهم عن الدين حتى أعرضوا ثم قال فما لهم عن التذكرة معرضين فإن أجابوا بأن لله أن يفعل ما يشاء ولا يتعرض للإعتراض عليه المعترضون لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون قلنا لهم هذه كلمة حق أريد بها باطل وروضة صدق ولكن ليس لكم منها حاصل لأن كونه تعالى لا يسأل عما يفعل ليس إلا لأنه حكيم لا يفعل ما عنه يسأل وإذا قلتم لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها كمالا أثر للعلم في معلومه فوجه مطالبة العبد بأفعاله كوجه مطالبته بأن يثبت في نفسه ألوانا وإدراكات وهذا خروج عن حد الإعتدال إلى إلتزام الباطل والمحال وفيه إبطال الشرائع العظام ورد ما ورد عن النبيين عليهم الصلاة والسلام وإن أرادوا بالكسب فعل العبد إستقلالا ما يريده هو وإن لم يرده الله تعالى فهذا مذهب المعتزلة وفيه الخروج عما درج عليه سلف الأمة وإقتحام ورطات الضلال وسلوك مهامه الوبال مسا ولو قسمن على الغواني لما أمهرن إلا بالطلاق وإن أرادوا به تحصيل العبد بقدرته الحادثة حسب إستعداده الأزلي المؤثرة لا مستقلا بل بإذن الله تعالى ما تعلقت به من الأفعال الإختيارية مشيئته التابعة لمشيئة الله تعالى على ما أشرنا إليه فنعمت الإرادة وحبذا السلوك في هذه الجادة وسيأتي إن شاء الله تعالى بسطها وإقامة الأدلة على صحتها وإماطة الأذى عن طريقها إلا أن أشاعرتنا اليوم لا يشعرون وأنهم ليحسبون أنهم يحسنون صنعا ولبئس ما كانوا يصنعون ما في الديار أخو وجد نطارحه حديث نجد ولا خل نجاريه
وأما ذكره المعتزلة لا سيما علامتهم الزمخشري فليس أول عشواء خبطوها وفي مهواة من الاهواء أهبطوها ولكم نزلوا عن منصة الايمان بالنص إلى حضيض تأويله ابتغاء الفتنة واستفياء لما كتب عليهم من المحنة وطالما استوخموا من السنة المناهل العذاب ووردوا من حميم البدعة موارد العذاب والشبهة التي تدندن هنا حول الحمى أن أفعال العباد لو كانت مخلوقة لله تعالى لما نعاها على عباده ولا عاقبهم بها ولا قامت حجة الله تعالى عليهم وهي أوهى من بيوت العنكبوت وإنه لأوهن البيوت وقد علمت جوابها مما قدمناه لك وليكن على ما ذكر منك على أنا نرجع فنقول إن أسندوا الملازمة وكذلك يفعلون إلى قاعدة التحسين والتقبيح وقالوا معاقبة الانسان مثل بفعل غيره قبيحة في الشاهد لا سيما إذا كانت من الفاعل فيلزم طرد ذلك غائبا قيل ويقبح في الشاهد أيضا أن يمكن الانسان عبده من القبائح والفواحش بمرأى ومسمع ثم يعاقبه على ذلك مع القدرة على ردعه ورده من الاول عنها وأنتم تقولون إن القدرة التي بها يخلق العبد الفواحش لنفسه مخلوقة لله تعالى على علم منه عز وجل أن العبد يخلق بها لنفسه ذلك فهو بمثابة إعطاء سيف باتر لفاجر يعلم أنه يقطع به السبيل ويسبي به الحريم وذلك في الشاهد قبيح جزما فإن قالوا ثم حكمة استأثر الله تعالى بعلمها فرقت بين الغائب والشاهد فحسن من الغائب ذلك التمكين ولم يحسن في الشاهد قلنا على سبيل التنزيل والموافقة لبعض الناس ما المانع أن تكون تلك الأفعال مخلوقة لله تعالى ويعاقب العبد عليها لمصلحة وحكمة استأثر بها كما فرغتم منه الآن حذو القذة بالقذة على أن في كون الخاتم في الحقيقة هو الشيطان مما لا يقدم عليه حتى الشيطان ألا تسمعه كيف قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين فلا حول ولا قوة إلا بالله وليكن هذا المقدار كافيا في هذا المقام ولشحرور القلم بعد إن شاء الله تعالى على ككل بانه تغريد بأحسن مقام < والقلوب > جمع قلب وهو في الأصل مصدر سمى به الجسم الصنوبري المودع في التجويف الايسر من الصدر وهو مشرق اللطيفة الانسانية ويطلق على نفس اللطيفة النورانية الربانية العالمة التي هي مهبط الأنوار الصمدانية وبها يكون الانسان إنسانا وبها يستعد لاكتساب الاوامر واجتناب الزواجر وهي خلاصة تولدت من الروح الروحاني ويعبر عنها الحكيم بالنفس الناطقة ولكونها هدف سهام القهر واللطف ومظهر الجمال والجلال ومنشأ البسط والقبض ومبدأالمحو والصحو ومنبع الأخلاق المرضية والأحوال الردية وقلما تستقر على حال وتستمر على منوال سميت قلبا فهي متقلبة في أمره ومنقلبة بقضاء الله وقدره وفي الحديث إن القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح وقد قال الشاعر
قد سمي القلب قلبا من تقلبه
فاحذر على القلب من قلب وتحويل
وتسمية الجسم المعروف قلبا إذا أمعنت النظر ليس إلا لتقلب هاتيك اللطيفة المشرقة عليه لأنه العضو الرئيس الذي هو منشأ الحرارة الغريزية الممدة للجسد كله ويكنى بصلاحه وفساده عن صلاح هاتيك اللطيفة وفسادها لما بينهما من التعلق الذي لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى وكأنه لهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب وكثير من الناس ذهب إلى أن تلك المضغة هي محل العلم وقيل إنه في الدماغ وقيل إنه مشترك بينهما وبنى ذلك على إثبات الحواس الباطنة والكلام فيها مشهور ومن راجع وجد أنه أدرك أن بين الدماغ والقلب رابطة معنوية ومراجعة سرية لا ينكرها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد لكن معرفة حقيقة ذلك متعززة كما هي متعذرة والإشارة إلى كنه ما هنالك على أرباب الحقائق وأصحاب الدقائق متعسرة ومن عرف نفسه فقد عرف ربه والعجز عن درك الادراك إدراك والسمع مصدر سمع سمعا سماعا ويطلق على قوة مودعة في العصب المفروش أو المبطل في الأذن تدرك بها الأصوات ويعبر به تارة عن نفس الأذن وأخرى عن الفعل نحو إنهم عن السمع لمعزولون والأبصار جمع بصر وهو في الأصل بمعنى إدراك العين وإحساسها ثم تجوز به عن القوة المودعة في ملتقى العصبتين المجوفتين الواصلتين من الدماغ إلى الحدقتين التي من شأنها إراك الألوان والأشكال بتفصيل معروف في محله وعن العين التي هي محله وشاع هذا حتى صار حقيقة في العرف لتبادره وهو المناسب للغشاوة لتعلقها بالأعيان ويناسب الختم ما يناسب الغشاوة وإنما قدم سبحانه الختم على القلوب هنا لأن الآية تقرير لعدم الايمان فناسب تقديم القلوب لانها محل الايمان والسمع والابصار طرق وآلات له وهذا بخلاف قوله تعالى وختم على سمعه وقلبه فانه مسوق لعدم المبالاة بالمواعظ ولذا جاءت الفاصلة أفلا تذكرون فكان المناسب هناك تقديم السمع وأعاد جل شأنه الجار لتكون أدل على شدة الختم في الموضعين فان ما يوضع في خزانة إذا ختمت خزانته وختمت داره كان أقوى من المنع عنه وأظهر في الاستقلال أن إعادة الجار تقتضي ملاحظة معنى الفعل المعدي به حتى كأنه ذكر مرتين ولذا قالوا في مررت بزيد وعمرو مرور واحد وفي مررت بزيد وبعمرو مروران والعطف وإن كان في قوة الاعادة لكنه ليس ظاهرا مثلها في الافادة لما فيه من الاحتمال ووحد السمع مع أنه متعدد في الواقع ومقتضى الانتظام بالسباق واللحاق أن يجري على نمطهما للاختصار والتفنن مع الاشارة إلى نكتة هي أن مدركاته نوع واحد ومدركاتهما مختلفة وكثيرا ما يعتبر البلغاء مثل ذلك وقيل إن وحدة اللفظ تدل على وحدة مسماة وهو الحاسة ووحدتها تدل على قلة مدركاتها في بادئ النظر فهناك دلالة التزام ويكفي مث ما ذكر في اللزوم عرفا ومنه يتنبه لوجه جمع القلوب كثرة الإبصار قلة وإن كان ذلك هو المعروف في استعمال الفقهاء في جميعها على أن الاسماع قلما قرع السمع ومنه قراءة ابن أبي عبلة في الشواذ وعلى أسماعهم واستشهد له بقوله
قالت ولم تقصد لقيل الخنا مهلا لقد أبلغت أسماعي
والقول بأنه وحدة للأمن عن اللبس كما في قوله
كلوا في بعض بطنكم تعفوا فان زمانكم زمن خميص
ولأنه في الأصل مصدر والمصادر لا تجمع فروعي ذلك ليس بشيء لأن ما ذكر مصحح لا مرجح وأدنى من هذا عندي تقدير مضاف مثل وحواس سمعهم وقد اتفق القراء على الوقف على سمعهم وظاهره دليل على أنه لا تعلق له بما بعده فهو معطوف على على قلوبهم وهذا أولى من كونه هو وما عطف عليه خبرا مقدما لغشاوة أو عاملان فيه على التنازع وإن احتملته الآية لتعين نظيره في قوله تعالى وختم على سمعه وقلبه والقرآن يفسر بعضه بعضا ولأن السمع كالقلب يدرك ما يدركه من جميع الجهات فناسب أن يقرن معه بالختم الذي يمنع من جميعها وإن اختص وقوعه بجانب إلا أنه لا يتعين ولما كان إدراك البصر لا يكون عادة إلا بالمحاذاة والمقابلة جعل المانع ما يمنع منها وهو الغشاوة أنها في الغالب كذلك كغاشية السرج ومثل هذا يكفي في النكات ولا يضره ستره لجميع الجوانب كالازار وما في الكشف من أن الوجه أن الغشاوة مشهورة في أمراض العين فهي أنسب بالبصر من غير حاجة لما تكلفوه يكشف عن حاله النظر في المعنى اللغوي ممن لا غشاوة على بصره ولعل سبب تقديم السمع على البصر مشاركته للقلب في التصرف في الجهات الست مثله دون البصر ومن هنا قيل إنه أفضل منه والحق أن كلا من الحوا ضروري في موضعه ومن فقد حسا فقد علما وتفضيل البعض على البعض تطويل من غير طائل وقد قرئ بامالة أبصارهم ووجه الإمالة مع أن الصاد حرف مستعل وهو مناف لها لاقتضائها لتسفل الصوت مناسبة الكسرة واعتبرت على الراء دون غيرها لمناسبة الامالة الترقيق والمشهور عند أهل العربية أن ذلك لقوة الراء لئلا يقع التقرير فانه مضر في الأداء حتى سمعت من بعض الشافعية أن من كرر الراء في تكبيرة الاحرام لم تنعقد صلاته والعهدة على الراوي والجمهور على أن وعلى أبصارهم خبر مقدم لغشاوة والتقديم مصحح لجواز الابتداء بالنكرة مع أن فيه مطابقة الجملة قبله لأنه تقدم الجزء المحكوم به فيها وهذا كذلك ففي الآية جملتان خبريتان فعلية دالة على التجدد واسمية دالة على الثبوت حتى كأن الغشاوة جبلية فيهم وكون الجملتين دعائيتين ليس بشيء وفي تقديم الفعلية إشارة إلىأن ذلك قد وقع وفرغ منه ونصب المفضل وأبو حيوة وإسماعيل بن مسلم غشاوة وقيل إنه على حذف الجار وقال أبو حيان يحتمل أن يكون مصدرا من معنى ختم لأن معناه غشى وستر كأنه قيل تغشية على سبيل التأكيد فيكون حينئذ قلوبهم وسمعهم وأبصارهم مختوما عليها مغشاة وقيل يحتمل أن يكون مفعول ختم والظروف أحوال أي ختم عشاوة كائنة على هذه الأمور لئلا يتصرف بها بالرفع والازالة وفي كل ما لا يخفى فقراءة الرفع أولى وقرئ أيضا بضم الغين ورفعه وبفتح الغين ونصبه وقرئ غشوة بكسر المعجمة مرفوعا وبفتحها مفوعا ومنصوبا وغشية بالفتح والرفع وغشاوة بفتح المهملة والرفع وجوز فيه الكسر والنصب من الغشا

زاد المسير – ابن الجوزي ج1/ص28
ختم الله على قلوبهم الختم الطبع والقلب قطعة من دم جامدة سوداء وهو مستكن في الفؤاد وهو بين النفس ومسكن العقل وسمي قلبا لتقلبه وقيل لأنه خالص البدن وإنما خصه بالختم لأنه محل الفهم
قوله تعالى وعلى سمعهم يريد على أسماعهم فذكره بلفظ التوحيد ومعناه الجمع فاكتفى بالواحد عن الجميع ونظيره قوله تعالى ثم يخرجكم طفلا الحج 5
وأنشدوا من ذلك كلوا في نصف بطنكم تعيشوا
فان زمانكم زمن خميص
أي في أنصاف بطونكم ذكر هذا القول أبو عبيدة والزجاج وفيه وجه آخر وهو أن العرب تذهب بالسمع مذهب المصدر والمصدر يوحد تقول يعجبني حديثكم ويعجبني ضربكم فأما البصر والقلب فهما اسمان لا يجريان مجرى المصادر في مثل هذا المعنى ذكره الزجاج وابن القاسم وقد قرأ عمرو بن العاص وأبن أبي عبلة < وعلى أسماعهم >
قوله تعالى وعلى أبصارهم غشاوة الغشاوة الغطاء
قال الفراء أما قريش وعامة العرب فيكسرون الغين من غشاوة وعكل يضمون الغين وبعض العرب يفتحها وأظنها لربيعة وروى المفضل عن عاصم غشاوة بالنصب على تقدير جعل على أبصارهم غشاة فأما العذاب فهو الألم المستمر وماء عذب إذا استمر في الحلق سائغا
فتح القدير – الشوكاني ج1/ص40
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله إن الذين كفروا قال نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال فهم الذين قتلوا يوم بدر ولم يدخل القادة في الإسلام إلا رجلان أبو سفيان والحكم بن العاص وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله أأنذرتهم أم لم تنذرهم قال أوعظتهم أم لم تعظهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في هذه الآية قال أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الختم على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم فلا يعقلون ولا يسمعون وجعل على أبصارهم يعني أعينهم غشاوة فهم لا يبصرون وروى ذلك السدي عن جماعة من الصحابة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال الختم على القلب والسمع والغشاوة على البصر قال الله تعالى فإن يشأ الله يختم على قلبك وقال وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة قال ابن جرير في معنى الختم والحق عندي في ذلك ما صح نظيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر إسنادا متصلا بأبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تغلق قلبه فذلك الران الذي قال الله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقد رواه من هذا الوجه الترمذي وصححه والنسائي ثم قال ابن جرير فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله سبحانه والطبع فلا يكون اليها مسلك ولا للكفر منها مخلص فذلك هو الختم الذي أذكره الله في قوله ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها فذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قولبهم إلا بعد فض خاتمه وحل رباطه عنها

معاني القرآن – النحاس ج1/ص87
قال تعالى ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم
أي طبع الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وغطى عليها على جهة الجزاء بكفرهم وصدهم الناس عن دين الله

اترك تعليقاً