ختم الله على قلوبهم وختم على سمعهم

ختم الله على قلوبهم وختم على سمعهم

 

يقول سبحانه وتعالى (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) (البقرة)

 

 

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

 

 

لا يخفى أن الواو في قوله وعلى سمعهم وعلى أبصارهم  محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها أو أن تكون للاستئناف قوله وعلى أبصارهم استئناف فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع وأن الغشاوة على الأبصار وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فإن قيل قد يكون الطبع على الأبصار أيضا كما في قوله تعالى في سورة النحل   أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِم ْوَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ الآية108  

فالجواب أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة  والختم والكتم سيان ، والتوثق من الشيء بضرب الخاتم عليه، والغشاوة الغطاء ، قال بعضهم هذه الآية إنما جاءت في قوم مخصوصين من الكفار قد فعل الله تعالى بهم هذا الختم والطبع في الدنيا عقابا لهم في العاجل ,  يخلق الله في قلوب الكافرين مانعا يمنعهم عن الفهم والاعتبار، أن يجعل الله على قلوبهم الختم وعلى أبصارهم الغشاوة من غير أن يكون ذلك حائلا بينهم وبين الإيمان بل يكون ذلك كالبلادة التي يجدها الإنسان في قلبه، وقيل أن المراد بذلك علامة وسمة يجعلها في قلب الكفار وسمعهم فتستدل الملائكة بذلك على أنهم كفار قالوا والختم بهذا المعنى لا يمنع لأنا نتمكن بعد ختم الكتاب أن نفكه ونقرأه ، وإنما خص القلب والسمع بذلك الختم لأن الأدلة السمعية لا تستفد إلا من جهة السمع والأدلة العقلية لا تستفد إلا من جانب القلب، واللفظ يحتمل أن تكون الأسماع داخلة في حكم الختم وفي حكم الغشية إلا أن الأولى دخولها في حكم الختم وقوله ختم الله على قلوبهم يدل على أن محل العلم هو القلب والغشاوة هي الغطاء ومنه الغاشية ومنه غشي عليه إذا زال عقله والغشيان كناية عن الجماع ،ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم لا يعلم كنهه إلا الله تعالى ، كما إن الذين كفروا وقد كفروا بما عندهم من نعتك( يعني اليهود )،  والمراد بالقلب محل القوة العاقلة من الفؤاد والختم على الشيء التوثق منه بضرب الخاتم عليه وفيه إشعار بترامي أمرهم في الغي والعناد وتناهي انهماكهم في الشر والفساد ، وعلى سمعهم   عطف على ما قبله داخل في حكم الختم لقوله عز وجل وختم على سمعه وقلبه, وللوفاق على الوقف عليه لا على قلوبهم ولاشتراكهما في الإدراك من جميع الجوانب وإعادة الجار للتأكيد والإشعار بتغاير الختمين وتقديم ختم قلوبهم للإيذان بأنها الأصل في عدم الإيمان وللإشعار بأن ختمها ليس بطريق التبعية بختم سمعهم بناء على أنه طريق إليها فالختم عليه ختم عليها بل هي مختومة بختم على حدة ، والسمع إدراك القوة السامعة ،فإن ما يدرك بالقوة البصارة من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس حيث كانت مستمرة كأن تعاملهم من ذلك أيضا ، استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون ، وقال بعضهم لا ختم ولا غشية على الحقيقة وإنما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصي واستقباح الإيمان والطاعات بسبب غيهم وانهماكهم في التقليد وإعراضهم عن النظر الصحيح ،وأنه يذهب بعقولهم ولكنهم لا يتفكرون فيعتبرون بعلامات نبوة محمد  صلى الله عليه وسلم  ،وقالوا عن الختم، فإن قال فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها أهي مثل الختم الذي يعرف لما ظهر للأبصار أم هي بخلاف ذلك قيل قد اختلف أهل التأويل في صفة ذلك ،  قوله ختم الله على قلوبهم إخبار من الله جل ثناؤه عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه ،  كانوا يتأولون أن الذين أخبر الله عنهم من الكفار أنه فعل ذلك بهم هم قادة الأحزاب الذين قتلوا يوم بدر

والقلوب جمع قلب وهو في الأصل مصدر سمى به الجسم الصنوبري المودع في التجويف الأيسر من الصدر وهو مشرق اللطيفة الإنسانية ويطلق على نفس اللطيفة النورانية الربانية العالمة التي هي مهبط الأنوار الصمدانية وبها يكون الإنسان إنسانا وبها يستعد لاكتساب الأوامر واجتناب الزواجر وهي خلاصة تولدت من الروح الروحاني ويعبر عنها الحكيم بالنفس الناطقة ولكونها هدف سهام القهر واللطف ومظهر الجمال والجلال ومنشأ البسط والقبض ومبدأ المحو والصحو ومنبع الأخلاق المرضية والأحوال الرديئة وقلما تستقر على حال وتستمر على منوال سميت قلبا فهي متقلبة في أمره ومنقلبة بقضاء الله وقدره ،  وكثير من الناس ذهب إلى أن تلك المضغة هي محل العلم وقيل إنه في الدماغ وقيل إنه مشترك بينهما وبني ذلك على إثبات الحواس الباطنية والكلام فيها مشهور ومن راجع وجد أنه أدرك أن بين الدماغ والقلب رابطة معنوية ومراجعة سرية لا ينكرها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

التفسير العلمي والإعجاز القرآني في هذه الآية

 

 

 

يذكر سبحانه وتعالى هنا درجة من الصمم ، ودرجته هو الختم والختم إغلاق موثق وتوثيقه هو الختم المتبادل في القلوب , فلنتتبع علميا لما يحدث ولنرى لماذا الغشاوة على أبصارهم:

عرفنا أولا أن المراكز الدماغية العليا في المخ كثيرة جدا  منها مراكز للسمع ومراكز للنضر والرؤيا و مراكز للكلام والتخاطب ومراكز للشم والتذوق وهكذا، وهناك مراكز للتنسيق بين الحواس (كايتون وهل للفسلجة ص716) ومركز كل هذه المركز والمسيطر عليها هو قلب الدماغ ووسطه تشريحيا ويسمى (LIMBIC SYSTEM)

 

1

 

 وفي وسط هذا المكان تقع عقده حجمها لا يزيد على عدة سنتمترات مكعبه(بقدر مضغة) يسمى (HYPOTHALAMUS) والذي يسيطر على كل الفعاليات الإرادية واللاإرادية في جسم الإنسان (كايتون وهل للفسلجة ص732) وهو يتصل بكل (LIMBIC SYSTEM) كل اتصال بطريقين وتخرج منه ايعازات بثلاث اتجاهات إلى شبكية المراكز نحو الأسفل ومنها إلى الحبل ألشوكي فالأعصاب المحيطية والجهاز السمبتاوي وفوق السمبتاوي ،اتجاه نحو الأعلى إلى المراكز العليا في المخ وفي الثلمصواللمبك، الاتجاه الثالث إلى الفندبيلم ثم إلى الغدة البتيوتري للسيطرة على إفرازات الغدد الصماء في الجسد كله فهذا الذي يسمى (HYPOTHALAMUS) وهو يعادل 1% من الدماغ وله السيطرة على كل الجسم (كايتون وهل للفسلجه ص732)إضافة إلى سيطرته على الكثير من الانفعالات ، ومن ضمن سيطرته على المخ الأعلى هو سيطرته على منطقة ونكز( WERNICK”S AREA) والتي تقوم بالتنسيق بين المراكز السمعية ومراكز الكلام وفهم النضر والمراكز الحسيه الأخرى (كايتون وهل للفسلجة ص718)  لذلك اعتبر (HYPOTHALAMUS) مسيطرا على السمع مباشرة وغير مباشره.

 

 

2

 

حاسة السمع المهمة للوعي تبدأ بالاكتمال قبل الولادة ومركزها سيكون له أهميه في الوعي مبكرا مما يجعل وعي المسموع قبل وعي المقروء فيكون مركزها في المنطقة المجاورة لمركز السمع 41 ، ولأن الإنسان يعي المسموع قبل أن يتعلم الكتابة لذلك فان المسموع سيكون أوعى من المقروء والتعاضد بينهما في منطقة ونكز( WERNICK”S AREA) المجاورة لمركز السمع (كايتون وهل للفسلجة ص718)، بعد هذا المختصر لموضوع كبير سنستطيع الآن الرجوع إلى الآية.

في قوله سبحانه وتعالى ختم الله على قلوبهم ، مما يعني أن هناك عدة قلوب أو مراكز وكل مركز له ختمه,فهناك مواد وهناك ايعازات تثبط وتعطل المركز الدماغي (كايتون وهل للفسلجة ص714)  ووجد أن المركز الذي يستعمل بصوره مستمرة باتجاه واحد ولمدة طويلة سوف يصل مع العمر إلى درجة الإغلاق بهذا الاتجاه(كايتون وهل للفسلجه ص720) وبالرغم من أن القلب الدماغي (HYPOTHALAMUS) قد يغير بعض الأماكن لكن الأمر يصعب مع العمر ، أي أن الخاصية الإرادية موجودة ابتداء من الله سبحانه وتعالى ولكن استمرارية أداء عمل ما يكسب ثبات للحالة المكتسبة من البشر ولكن يبقى التغير ممكن إلا في حالة أن يفقد الإنسان سيطرة قلبه الواعي وهذا لن يحدث إلا عند فقدان الوعي بالنوم وأشباهه أو قبل الموت بلحظات أو عند تهشم منطقة قلب الدماغ(HYPOTHALAMUS) ، وهنا أريد أن أعرج على موضوع مهم وهو قلب الإنسان ، فهل المعني به القلب الدموي في الصدر ؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (عن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقول الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ثم إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب رواه البخاري و مسلم)فهل القلب الدموي هو مضغه؟؟ انه يعادل 15 لقمه كبيره  وهل علميا القلب الدموي الفاسد يفسد الجسد ؟ فكم من عمليات كبرى أجريت لزرع قلوب وكم منها تم إصلاحها، فكلامه صلى الله عليه وسلم واضح انه يخص الجسد وليس الإنسان كانسان ،والعلم وجد أن المخ فيه العديد من المراكز تعوض بالتبادل مع الجهة الثانية أو بالحركة إلى المجاورة عدا منطقه واحده هي (HYPOTHALAMUS) وهو قلب الدماغ ويسمى علميا بالعربي (ما تحت سرير الدماغ أو ما تحت المهاد) فأي خلل به ينعكس على كل الجسم مباشرة  فلا وعي إلا به وهو يعدل علكة أو ما يسمى لبانه أو كما وصفه صلى الله عليه وسلم مضغة وهذه المنطقة لها سيطرة كليه على قلب الإنسان الدموي السليم والانعكاس الذي يحدث من العواطف وجد انه يمر خلال (HYPOTHALAMUS) إلى القلب الدموي فنشعر بتغيرات القلب الدموي مع عواطفنا (كايتون وهل للفسلجة ص733). وإذا ختم الله عليه وهنا ليس أتلفه فان احتمال تغير انعكاسات الوعي ضئيلة وهو الذي يسيطر على وعي المسموع والمرئي وتفسيرها ،بمساعدة المراكز الأخرى وبالأخص منطقة ونكز( WERNICK”S AREA) فهذه القلوب هي المقصودة  والسمع واحد وغير قابل للتجزئة لا بل على العكس فان السمع المضاف يضعف التركيز على المسموع( كانون للفسلجة ص178 ) أما القلوب فقلنا أنها أكثر من قلب وكلها تعمل سوية أما الأبصار فان الإنسان يستطيع أن يرى نقطتين أمامه أو أكثر بدون أن يتأثر النظر على أحداها، فمساحة النظر كبيره. لذلك كان سمعا واحدا بينما هناك قلوب وأبصار. لذلك استحق الكفار عذابا عظيما والعياذ بالله فقد عرض عليهم الإيمان وعرفوه وعقلوه ثم رأوا الآيات وسمعوا البينات ولكنهم أساءوا استعمال هذه الحواس ، لذلك استحقوا غضب الله سبحانه وتعالى فختم على قلوبهم وذلك بمنع قابلية تحليل المعلومات بصورة صحيحة لديهم وهذا سببه الانغماس في الشهوات وكثرة عمل المنكرات التي ثبتت تفسيرات خاطئة للحواس ومعلوماتها حتى تبلدت عقولهم ثم ختم الله على سمعهم أو جعل عليه غشاوة ، وهذا دليل على انه شيء خارجيا فانه ختم على حاسة السمع لديهم ولم يختم على آذانهم فإذنهم قد نجدها عند فحصها سليمة تماما كما هو الحالة الذهنية للصمم ، وقد يكون أحسن المخططين للإفساد وأحسنهم  في اختراع الحيل ولكن ما ختمه الله سبحانه وتعالى على سمعهم هو أنهم لم يعودوا يفهموا أو يعوا ما يسمعون ، حيث أن السمع يدخل بواسطة بعض الأعصاب إلى (HYPOTHALAMUS) قبل أن يذهب إلى القشرة السمعية في الدماغ إضافة إلى السيطرة بين منطقة ونكز والهايبوثلمس ومن هذا نعرف سبب وعى المسموع ، وكما وضحنا في القسم الأول من هذا البحث فان السمع قد يصيبه الختم مع القلب أو قد يصيبه الغشاوة مع البصر والآية في سياقها يقبل الاحتمالين وقد عرفنا أن السمع قد يختم عليه ابتداء من العصب السمعي إلى المركز الدماغي وقد تكون عليه غشاوة ابتدأ من وقر الأذن إلى آخر مرحلة في وعى المسموع ، أما الأبصار فلم يختم عليها سبحانه وتعالى بل جعل عليها غشاوة معتمه وهم بذلك يستحقون العذاب بسبب كفرهم وعملهم الباطل .

اترك تعليقاً