مرحلة الصمم التام الأصم ولغة الإشارة

مرحلة الصمم التام

 

الأصم ولغة الإشارة

 

(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ  عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ) (80-81) (النمل)

(فَإِنَّكَ لاتُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاتُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْت َبِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (الروم 52 _53)

ونظرا للتشابه القريب في الآيتين من سورة الروم والآيتين من سورة النمل فعليه سنذكرهما سوية ونعتمد تفسيرهما على أساس مصدريهما عندها لا نجد فرق في تفسيرهما.

 

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

 

أن المعنى,أنك لا تسمع الموتى, أي لا تسمع الكفار الذين أمات الله قلوبهم وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه إسماع هدى وانتفاع فمقابلته جل وعلا بالإسماع المنفي في الآية عن الموتى بالإسماع المثبت فيها لمن يؤمن بآياته فهو مسلم، دليل واضح على أن المراد بالموت في الآية موت الكفر والشقاء , قابل قوله آن تسمع إلا من لم يمت دلت على أن المراد بالموتى هنا الأشقياء , وما يستوي الأحياء ولا الأموات   أي لا يستوي المؤمنون والكافرون هذا مثل ضرب للكفار والكفار يسمعون الصوت لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه وإتباع فهكذا الموتى ، اعلم أن الذي يقتضي الدليل رجحانه هو أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من كلمهم فأن سماع الموتى ثبت عن النبي  صلى الله عليه وسلم  في أحاديث متعددة ثبوتا لا مطعن فيه

يقول لو أن أصم ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يستمع, هو تأكيد لحال الأصم لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولي عنه مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته،و كونهم كالموتى والصم والعمى موجب لقطع الطمع عن مشايعتهم ومعاضدتهم مواساة لرسول الله، ولا ريب في أن الأصم لا يسمع الدعاء مع كون الداعي بمقابلة صماخه قريبا منه فكيف إذا كان خلفه بعيدا منه فإن قيل ما معنى قوله   (ولوا مدبرين )  وإذا كانوا صما لا يسمعون سواء ولوا أو لم يولوا,  قيل ذكره على سبيل التأكيد والمبالغة,وقيل الأصم إذا كان حاضرا فقد يسمع برفع الصوت ويفهم بالإشارة. إنك لا تسمع الموتى   يعني الكفار لتركهم التدبر فهم كالموتى لا حس لهم ولا عقل وقيل هذا فيمن علم أنه لا يؤمن شبهوا بالموتى على ما قيل لعدم تأثرهم بما يتلى عليهم، قيل كيف تسمعهم الإرشاد إلى طريق الحق وهم موتى وهذا بالنظر لأول الدعوة ولو أحييناهم فلا جدوى لأنهم صم وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ ونفرتهم عنه ثم إنا لو أسمعناهم أيضا فهم عمي لا يهتدون إلى العمل بما يسمعون وهذا خاتمة أمرهم، وما أنت بهادي ألعمي عن ضلالتهم   أي وما أنت بصارف ألعمي عن ضلالتهم فهم مسلمون قيل تعليل لإيمانهم بها كأنه قيل فإنهم منقادون للحق في كل وقت وقيل مخلصون لله تعالى وقيل هو تعليل لما يدل عليه الكلام من أنهم يسمعون إسماعا نافعا لهم،

واتفق معظم المفسرين على أن الموتى يسمعون ، ولكن ليس كسماع الأحياء بل سماع الأرواح وهذا بعلم الله ، وإسماعهم لا يختص به احد.

التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآية

 

(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ  عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ)

 أي أنك يا محمد لا تستطيع أن تجعل الموتى يسمعون وهذا الكلام يخص علميا أجساد الموتى لأننا لا نستطيع علميا أن نؤكد أو ننفي سماع الأموات كأرواح لأنهم لا يجيبون وهذا يعتبر من علم الغيب الذي نعتمد به على الصحيح المنقول, وصحيح المنقول يقول أن الأرواح تسمع ، أما الأجساد الميتة فلا يمكن لها أن تسمع أبدا والسبب أن عملية السماع البشرية محددة ليس فقط بأذن سليمة ولكن بمركز دماغي مركزي في المخ سليم وهذا المركز ميت حتما عند الموتى فنحن نتكلم عن السماع والوعي لذلك أصبح إسماع الموتى أمر خارج نطاق الطبيعة المادية وانتقلت عملية أسماعهم إلى الخالق تبارك وتعالى . وهنا لم تذكر القبور لأننا نتكلم عن موضوع لا يخص العوازل التي تمنع وصول الصوت ، في حين أن أرواح الموتى لها شان آخر ولها تفصيل لسنا في صددها الآن ، والغريب هنا هو ليس إسماع الموتى بل تشبيهه سبحانه وتعالى وبدقة عالية بين الموتى وسماعهم وبين الصم  (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء) وإذا عرفنا أن الصمم لا يكون كاملا إلا في حال كونه صمما عصبيا ( سمسونرايت للفسلجة صفحة 357 ) فهذا يعنى أن الصمم ليس بسبب تراكمات في قناة الأذن أو بصورة أدق ليس وقرا ، ولا تهشم طبلة الأذن وتمزقها ولا حتى تحطم في الأذن الداخلية ، بل هنالك تحطم بالمستلمات العصبية في الخلايا الشعرية أو بالعصب السمعي أو بالمركز الدماغي وعلى الجانبين . ومع ذلك نرى أن هناك الكثير من الصم ابتداء من القرن الماضي يتواصلون بواسطة لغة تخاطب خاصة تسمى لغة الإشارة ، وهى أكثر من إشارات عادية حتى أصبح أحدهم يتكلم مع الآخر وكأنه يسمعه فكيف يكون ذلك كالميت ؟ لقد وجدوا في الصمم التام والذي يمثل 75% من الصمم أن التلف هو في قوقعة الأذن وان المركز الخاص بوعي المسموع والمقروء المسمى منطقة ونكز ( WERNICK”S AREA) يبقى سليما أما إذا تحطم المركز الدماغي السمعي ومناطق التواصل مع النطق والقراءة ومنطقة ونكلز( WERNICK”S AREA) وعلى جهتي الدماغ وهذا نادرا فلا يستطيع التواصل ولا معرفة لغة الإشارة ,أما الأصم العادي (كامل الصمم)  فهو يستطيع التواصل مع المحيط بلغة الإشارة أو بأي طريقه أخرى ، من هنا فانه سبحانه وتعالى وهو العليم بما كان وما هو كائن وما سيكون لم يذكر الصم في الآية الكريمة هكذا يساوون الموتى ولكن قال (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) فإذا رجعنا إلى لغة التخاطب بالإشارة فإنها لا يمكن أن تكون إلا وجها لوجه  ولا حتى في المرآة حيث ستنقلب الإشارة ولن يفهمها، فانه من المستحيل التواصل مع الصم إذا كان مدبرا وإعطاءه ظهره ، عندها لا جدوى من الإشارة , وستكون حالته السمعية فعلا كالميت بالنسبة لسماع الأصوات، وهنا نؤكد أن الصم إذا أداروا ظهورهم فإنهم إضافة إلى عدم إمكانيتهم السمع لتحطم منظومة القوقعة السمعية وضمور العصب السمعي عندها تكون المراكز الدماغية (القلوب) لا فائدة منها من خلال عينه كذلك لإدارة ظهره، وهذا كالميت الذي تلف السمع عنده في المنظومة السمعية للأذن ثم توقفت عنده المراكز الدماغية ،فقد تساوى مع الصم الذي يدير ظهره ، فيا ترى أي علم ذلك الذي بلغه الله تعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في عصر لم تكن تدرك البشرية شيء عن السماع والتخاطب واليوم تبين لنا أنهما يتحققان  بالإشارة ؟! لذلك ذكر الصم أذا ولو مدبرين وما هو إلا من عند الله ، وعندما يذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية العمى يقول عنهم ( وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ) فليس هناك منفذ للرؤيا غير العين فلا إشارة ولا إقبال ولا إدبار ينفع معها ، فيعود سبحانه وتعالى إلى ذكر السمع (إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ) واغفل النضر فهذه إشارة على إمكانية البشر استرجاع السمع حيث وصل العلم إلى درجة أنهم يزرعون حلزون صناعي( قوقعة) في محجر الأذن ، وابقي سبحانه وتعالى الوعي لما أمر به للمؤمنين حقا الذين هم مسلمون والذين لهم آذان واعية (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) .

اترك تعليقاً