صمم العوازل (وما انت بمسمع من في القبور)

صمم العوازل 

 

يقول سبحانه وتعالى( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) (فاطر)

 

مختصر اقوال المفسرين في هذه الآية

 

وما يستوي الأحياء ولا الأموات تمثيل لمن آمن فهو كالحي ومن لم يؤمن فهو كالميت قال المؤمن والكافر   وقيل العلماء والجهال   وشبه المؤمنين بالأحياء والكفرة بالأموات من حيث لا يفهمون الذكر ولا يقبلون عليه

وما يستوي الأحياء ولا الأموات مثل الأعمى والبصير كالكافر والمسلم والظلمات والنور مثل الكفر والإيمان والظل والحرور مثل الجنة والنار وما يستوي الأحياء ولا الأموات مثل العقلاء والجهال ،او مثل الذين دخلوا في الاسلام والذين لم يدخلوا فيه إن الله يسمع من يشاء عبارة عن هداية الله لمن يشاء ورد الأمر إلى مشيئة الله تعالى بقوله إن الله يسمع من يشاء أن يسمعه ويوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته  او أي يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد حتى يتعظ ويجيب .  ويسمع من يشاء يعني يفقه من يشاء أي يسمع أولياءه الذين خلقهم لجنته   وما أنت بمسمع من في القبور عبارة عن عدم سماع الكفار للبراهين والمواعظ ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وإشباع في إقناطه  صلى الله عليه وسلم  من إيمانهم أي كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة إليها كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك , قال القاضي أبو محمد فهذه الآية لا تعارض حديث القليب لأن الله تعالى رد على أولئك أرواحهم في القليب ليوبخهم وهذا على قول عمر وابنه عبد الله وهو الصحيح إن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال ما أنتم بأسمع منهم وأما عائشة فمذهبها أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  لم يسمعهم وانه إنما قصد توبيخ الأحياء من الكفرة وجعلت هذه الآية أصلا واحتجت بها فمثل الله تعالى في هذه الآية الكفرة بالأشخاص التي في القبور وقرأ الحسن بن ابي الحسن بمسمع من على الإضافة

التفسير العلمي والاعجاز القرآني في هذه الآية

 

 

في هذه المرحلة من الصمم والتي هي ليست من فسلجه الانسان الداخلية ولكن من التأثير المحيطي  وهو صمم العزل الصوتي حيث ان الصوت لا يستطيع الوصول الى اذن الانسان، واستعمل سبحانه وتعالى هذه الصفة لبيان ان الكافرين هم الذين ابتعدوا عن الحق ووضعوا العوازل بينهم وبين سماع الحق

وفي هذه الآية الكريمة يوضح لنا سبحانه وتعالى ان الاحياء لا يساوون الاموات ، وهذا امر واضح وجلى وقبلها الظلمات والنور ولا الظل ولا الحرور ، ولكن تقدم هذا الكلام اعطى انطباعا لما بعده ، وهذه الطريقة العظيمة في القرآن  هي معجزة بحد ذاتها جعلت العرب في زمن الرسالة لا يعترضون على القران وهم اصحاب اللغة ، وتضمر في طياتها معنى آخر سينفع في المتقدم من الايام في وقتنا هذا ونعرف من كلامه علم كثير ، فالكلام الذى بعده يقول فيه سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ) فالله سبحانه وتعالى يسمع من يشاء ولا خلاف فيه ولكن الكلام وجه الى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) وان يسمع من في القبور من الاموات فذلك في علم الله سبحانه وتعالى لان الميت لا يستطيع ان يجيب فيقول لك سمعت ، وقد خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم الاموات  في بدر وقد وضح لنا انهم وخصوصا وفي اول موتهم يسمعون  ( ما انت بأسمع منهم ) وهذا في الصحيح، ولكن بعد ذلك تصعد الارواح الصالحة الى السماء وتهبط الارواح الضالة الى سقر حسب صلاحها وما يبقى في القبر الا الرمم ، والذى سينتهى ولا يبقى من الجسد الا عجب الذنب .

 فهم العرب والمسلمين الاوائل الكلام وكانه للأموات حيث كان اسلوب تأخير (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ) بعد الموازنات الاخرى (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21)) فاصبح الكلام كانه موجه للموتى في القبور ولكن لو وضعنا حيا في قبر فهل سيسمع؟؟؟ ، فهنا نركز على عامل العزل الصوتي للقبر ، والقبر قد يكون على الطريقة الفرعونية والتي لا زالوا يستعملونها اهل مصر ، حيث ان القبور عباره عن سرداب تحت الارض يمكن ان يدخله الاحياء ، وهناك قبور الفراعنة وهى عبارة عن غرف واسعة مزينة بالرسوم والكتابات يوضع فيها الاموات ولكنها تحت الارض في كل الاحوال ومعزولة عن الخارج بعوازل كبيرة ، فالله سبحانه وتعالى يستطيع ان يسمع من يشاء فوق الارض او تحت الارض او في الانفاق في اعماق الارض او طائرا في السماء ، اما نحن فلا نستطيع اسماع من في القبور لوجود العازل الصوتي بيننا وبينهم ، وفي تجربة في مثل هذه الحالة فقد وجد ان عازل ترابي من 120 الى 170 سم ( وهذا هو العمق لمعظم القبور الاسلامية في المدافن ) سوف يقطع الصوت الاعتيادي ، ولكن ذلك يختلف حسب الذبذبة وحسب طاقة الصوت ونحن هنا نتكلم عن الانسان ، فالإنسان الاعتيادي والذى ذبذبة صوته هو من 120 الى 150 ذبذبة وبقوة صوت الانسان الاعتيادي والتي اعلى ما تصل اليه هو 120 دسبل في مثل هذا الصوت فانه لا يستطيع اختراق عمق القبر الاعتيادي ليسمع من تحته في القبر ، على اساس ان تراب الارض من النوع الناعم ( الرمل والصخور تخترقه الاصوات اسرع ) وهذا النوع من التراب هو الذى يصلح لحفر القبور حيث لا يمكن حفرها في الصخور في الحالة الاعتيادية وكذلك لا يمكن حفرها في الرمال المتداعية ، هناك احتمال فلو قلنا اننا سنستعمل مضخم صوت, فقد يسمع من هو في القبر من الاحياء ، او قد نستعمل اجهزة اتصال فنسمع من هو في اعمق من القبر ، لكن الله سبحانه وتعالى وبدقة قرآنه العظيم لم يقل وما انتم بمسمعين من في القبور فجعل الكلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما عندهم في ذلك الوقت من علم فانهم لا يستطيعون اسماع من في القبور لذلك كان الكلام محدودا وعليه توكيد (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) احياء او اموات.

اما قتلى بدر فقد كلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهم لم يدفنوا بعد حيث كانوا مرميين في القليب وكان ضحلا قبل ان يردم عليهم فالآية لا تخصهم فهم ليسوا في قبور ،حتى اذا رموا (من الرمم)  لم يستطع احدا اسماعهم وذلك لان ارواحهم ابتعدت عنهم اما الى عليين او الى سجين،واسماع الاموات شيء لا يخص الفسلجة بل هو شيء غيبي يخص عالم الروح الذي لا نعرف عنه شيء الا من خلال الصحيح من المنقول، والتشبيه للكفار كان بانهم كالأموات ففهمنا نحن انهم لن يسمعوا وبما اننا نستطيع اسماع الموتى في اول موتهم على اقل احتمال  والكلام سيفهم لعامة المسلمين لذلك قال الله سبحانه وتعالى لنبيه وما انت بمسمع من في القبور ففهمناها مع السياق الذي قبلها بانهم الموتى ، اما في وقتنا هذا فإننا نستطيع اسماع الاحياء الذين في القبور بواسطة الأجهزة من تلفون او مكبر صوت لذلك قال سبحانه وتعالى وما انت بمسمع من في القبور، انت يا محمد(صلى الله عليه وسلم ).

اترك تعليقاً