خطوة نحو صمم أعلى اكنة ووقر وحجاب

خطوة نحو صمم أعلى

 

اكنة ووقر وحجاب

 

يقول سبحانه وتعالى (حم . تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.  كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.  بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ.  وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ) (1) (2) (3) (4) (5) (فصلت).

 

 

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

 

يقال حم اسم للسورة يعني قضى ما هو كائن ويقال هو قسم أقسم الله تعالى به يخبر تعالى عباده أن هذا الكتاب الجليل والقرآن الجميل   تنزيل   صادر   من الرحمن الرحيم (وهناك تفصيل للأحرف في مقدمة السور لا مجال له هنا ) يعني نزل بهذا القرآن جبريل من الرحمن الرحيم قيل له كتاب لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ كون التنزيل من الرحمن الرحيم وذلك يدل على كون التنزيل نعمة عظيمة وسمي كتابا لأنه جمع فيه علوم الأولين والآخرين ، فصلت آياته والمراد أنه فرقت آياته وجعلت تفاصيل في معان مختلفة في وصف التنزيه والتقديس وقدرته ورحمته وحكمته وعجائب أحوال خلقه في خلقه السماوات والأرض والكواكب وتعاقب الليل والنهار وعجائب أحوال النبات والحيوان والإنسان والوعيد والثواب والعقاب ودرجات أهل النار فليس في يد الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم المختلفة والمباحث المتباينة مثل ما في القرآن ، فصلت آيـاته ميزت تفاصيل، وفصلت أي فرقت وفصلت معناه بينت آياته أي فسرت معانيه ففصل بين حلاله وحرامه وزجره وأمره ووعده ووعيده وقيل فصلت في التنزيل أي نزل نجوما لم ينزل مرة واحدة وقيل فصلت بالمواقف وأنواع أواخر الآي ولم يكن يرجع إلى قافية ونحوها كالشعر والسجع ،وأي بينت معانيه وأحكمت أحكامه  وبينت آياته   قرآنا عربيا لقوم يعلمون  , اللسان العربي ولو كان بغير لسانهم ما علموا الحقائق  ، قرآنا عربيا   أي باللغة الفصحى أكمل اللغات فصلت آياته وجعل عربيا  ،وفصلت آياته يعني بينت وفسرت دلائله وحججه .

قوله قرءآنا الاختصاص والمدح إنما وصف الله القرآن بكونه عربيا في معرض المدح والتعظيم كونه قرآنا عربيا لقوم يعلمون الآيات المفصلة المبينة بلسانهم العربي المبين , لا يتلبس عليهم شيء منه أي جعلناه بكلام العرب لقوم يعلمون ألفاظه  ولقوم يعلمون أي إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون , أي لأجل أن يتبين لهم معناه كما يتبين لفظه، ولقوم يعلمون  أي يتدبرون ما فيه عن علم وقيل يعلمون العربية فيعجزون عن مثله تقريعا وتوبيخا لقريش، وقوله بشيرا ونذيرا نعت للقرآن أي يبشر من آمن بالجنة وينذر من كفر بالنار,  وبشيرا ونذيرا   أي تارة يبشر المؤمنين وتارة ينذر الكافرين أي بشيرا لأولياء الله ونذيرا لأعدائه ،لا يسمعون لا يقبلون ولا يطيعون فهم لا يسمعون نفي لسمعهم النافع الذي يعتد به سمعا, أي أكثر قريش فهم لا يفهمون منه شيئا مع بيانه ووضوحه ، ولا يسمعون   أي لا يصغون إليه تكبرا لا يسمعون له سماع قبول وإجابة فأعرض أكثرهم عن تدبره وقبوله وقالوا قلوبنا في أكنة ,  والأكنة جمع كنان وهو الغطاء والكنان ما يجمع الشيء ويضمه ومنة كنانة النبل, وفي آذاننا وقر  أي صمم مما تدعونا إليه من الإيمان بالله تعالى وحده , وفي آذاننا وقر   أي صمم وأصله الثقل ومن بيننا وبينك حجاب غليظ يمنعنا عن التواصل أي حاجز في النحلة والدين، وأن الطبع والأكنة يؤول معناهما إلى شيء واحد وهو ما ينشأ عن كل منهما من عدم الفهم

ومن بيننا وبينك حجاب خلاف في الدين وحاجز في الملة فلا نوافقك على ما تقول   فاعمل   أنت على دينك إننا عاملون على ديننا .

 

التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآية

 

 

يبتدئ سبحانه وتعالى في هذه الآية بالحرف حم ، هذه أحرف عربية واضحة وأنزلت من لدن رحمن رحيم أي مبالغة بالرحمة في البشرية انزل هذا القرآن لذلك فهو لم يأتي بما يعي الناس فهمه، أعطانا سبحانه وتعالى أسس وعي الكلام فهو فصلت آيته فهي واضحة جدا لا تختلط على احد وهو باللغة الأم المتداولة فيما بينهم وهي العربية والمتلقي واعي ويفهم ما يقال ، فالكلام واضح من المصدر واللغة واضحة والمتلقي واعي ونية الكلام هو الرحمة لنفي التأثير النفسي العكسي، ومع هذا اعرض أكثرهم !! فيا ترى أين الخلل ؟ نرى أن الأسس العلمية لوصول المعلومة متوفرة  لكن هناك خلل مهم من ناحية الكافر الذي لا يريد هذه الرحمة ويصر على ضلاله ( فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) إنهم لا يسمعون ، ليس المقصود به  مطلق السماع فهم في نقاش مع رسول الله، ولكن هناك تعطيل إرادي موضح بالأشياء الثلاثة في الآية( وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ) فقالوا أن مراكز الوعي للمسموع (وكان القرآن كله سماعا) مغلفة ومقنعة بكل المستويات في مستوى منطقه السمع 41 في قشرة الدماغ وفي مستوى المنطقة 22 ومجاورة منطقة السمع ( WERNICK”S AREA) حيث مركز التواصل أو في قلب الدماغ (HYPOTHALAMUS)  حيث منطقة الوعي(كانونك للفسلجة ص 181)

 

7

 

وهناك وقر(شمع ) في الأذن والوقر كما عرفنا سابقا يؤدي إلى انسداد الأذن الخارجية وكذلك يؤدي إلى خلل في مستوى وضوح المسموع، يضاف لذلك الحجاب فهل وجود ستاره من القماش سيقطع الصوت؟؟ طبعا لا ولكن سيؤثر على التواصل حيث انه وجد أن الإنسان يستفاد من حركة الشفاه وتقاطيع الوجه وحركة الأيدي لزيادة فهم المسموع من الكلام ، فهم بذلك عكسوا القسم الأول من الآية ليصلوا إلى وعي اقل للقرآن .

ذات يوم دخل عتبة ابن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم معه بترك هذه الدعوة وعرض عليه مقابل ذلك المال والجاه والنساء ، أي كل شهوات الدنيا وكان عليه والسلام صاغي إليه وما أن انتهى أجابه صلى الله عليه وسلم ( هل انتهيت يا أبن عم ؟ فقال نعم فقرأ  صلى الله عليه وسلم هذه الآيات ) ، كلام دقيق من رب العزة لكل حكيم وعاقل ، هذا كتاب الله وبلغتكم تنزيل من الرحمن الرحيم إلى آخر الآيات ، فارتعب عتبة ابن ربيعة وخرج من عنده .

إن هذا الكلام الذي لم يسمع به عتبة من قبل ترك تأثيرا كبيرا عليه عندما سمعه فأوصله إلى كامل وعيه وعقله  حتى كاد أن يؤمن لولا انه عنده من الكبر في نفسه والله لا يحب المتكبرين ، يوضح سبحانه وتعالى في الآيات أن هذا القران تنزيل من الرحمن الرحيم وهذا أمر واضح جدا لمن يريد الهدي والعلم ، وهذا القران بشيرا ونذيرا فهو يبشر المؤمنين بان لهم من الله أجرا عظيما ، وينذر الكافرين بأنهم سينتهون إلى عذاب اليم إن استمروا في غيهم ، ولكن الكفار فروا وابتعدوا عنه صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا له ، فهم لا يسمعون سماع الواعي لأنهم لا يريدون السمع ، ويشوشون على صوت رسول الله وهو يتلوا القران وذلك باللغو فيه ، وحاولوا من داخل أنفسهم صرف انتباههم عنه والابتعاد حتى لا يسمعوا كلاما واضحا ، فزادوا على ما هم فيه من ضلال فقالوا قلوبنا في اكنة ، وكما وضحنا في الآية السابقة فالأكنة من عدة أنواع ، ، وأضافوا إليه عمل غير صالح بما يخالف الحق والطريق السوي الذي يريده منهم سبحانه وتعالى ، وهذه خطوة نحو الابتعاد عن الدين كبيرة جدا حيث أن العمل الباطل يؤصل المسموع في عقل الإنسان وفكره ، وهذا ما يفعله أهل الباطل فيأمروا إتباعهم على مر الزمان بان لا يسمعوا للحق ولا يسمعوا إلا لمبدئهم الفاسد ويحذروهم من الاطلاع على الكتب الإسلامية لأن لا يؤثر بهم الدين الحق ، ثم يغلقون عقولهم ويجعلون عليها اكنة وحواجز ويحيطونها بقصص كاذبة وأخبار مغلوطة وباطل غير معقول مستخدمين كل الطرق من إعلام بالتلفزيون والراديو والانترنت والكتب والمجلات , اضافة إلى المدارس وكذلك السطوة والمال والقوه ، ثم يلوثوهم أكثر بأعمال قبيحة باطلة ومخجله (سنوضح ذلك لاحقا أكثر) ، ولا زالوا بهم هكذا يأخذوهم مرحلة بعد مرحله إلى الهاوية حتى يلتصق العمل على القلب فيمنعه من أن يعيى الحق (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)) وعندها لن يعو من المسموع إلا الباطل فتزيغ قلوبهم ويفسر عقلهم الحق باطلا والباطل حقا ، وستراهم يسيرون على باطلهم وهم فرحين به وفرحين بأنفسهم السقيمة وعقولهم المغيبة في الحجب ، وهم الآن يضيفون بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاب آخر فبعد الوقر الذي في آذانهم والغشاوة على عقولهم والعمل الباطل الذي يعملونه فأنهم تدنسوا إلى أن أصبحوا يستحقوا أن يكونوا من أهل النار فختم الله على قلوبهم بظلمهم والله على كل شيء قدير .

اترك تعليقاً