اجتماع صمم مركزي (NERVE DEAFNESS) وصمم الانتقال الصوتي (CONDUCTION DEAFNESS)
اجتماع صمم مركزي وصمم الانتقال الصوتي
يقول سبحانه وتعالى ( وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا . نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ) (46) (47) (الإسراء)
مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية
وجعلنا على قلوبهم أكنة تعني أغطية . فأكنة أن يفقهوه , جمع كنان وهو الغطاء وكذلك الكنان الذي يغشى القلب , وأكنة تكنها وتحول دونها عن إدراك الحق وقبوله , وأكنة جمع كنان وهو ما ستر الشيء تقديره كراهة أن يفقهوه أي لئلا يفهموا القرآن , أي منعناهم أن يفقهوه وكراهة أن يقفوا على كنهه ويعرفوا أنه من عند الله تعالى.
آذانهم وقرا , صمما وثقلا مانعا من سماعه اللائق به , وكذلك هو الثقل الذي يمنعهم من سماع القرآن, أي صمما وثقلا لا يسمعون الحق , أي صمما وثقلا وفي الكلام إضمار أي أن يسمعوه وفي آذانهم وقرا . وتعني كذلك صمما وثقلا عظيما مانعا من سماعه اللائق به فإنهم كانوا يسمعونه من غير تدبر, وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده معناه إذا ذكرت في القرآن وحدانية الله تعالى فر المشركون من ذلك لما فيه من رفض آلهتهم وذمها أي إذا وحدت الله في تلاوتك وقلت لا إله إلا الله ولوا على أدبارهم نفورا , هربا من استماع التوحيد ونفره أو توليه, أعرضوا عنك نافرين أي هربوا ونفروا نفورا أو ولوا نافرين أي أدبروا راجعين , ولوا على أدبارهم نفورا هربا من استماع التوحيد ونفرة أو تولية وقال علي بن الحسين هو قوله بسم الله الرحمن الرحيم ونحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وكانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ثم ينفرون فيقولون هو ساحر ومسحور ، نجوى أي متناجون في أمرك به أي نحن اعلم بالحال أو الطريقة التي يستمعون القرآن به, بالقرآن هازئين لا جادين وهم يقولون فيما بينهم متناجين هو ساحر وهو مسحور فأنزل الله تعالى نحن أعلم بما يستمعون به , وتعني ذوو نجوى أي أسرار وإذ هم نجوى جماعة يتناجون والنجوى كلام السر . إلا رجلا مسحورا أي سحر فجن أو رجلا ذا سحر أي رئة يتنفس أي بشرا مثلكم أي إن تتبعون إن أتبعتم محمدا إلا بشرا يأكل
التفسير العلمي والأعجاز القرآني في هذه الآية
لقد كان القرآن عند نزوله يتناقل مشافهة ولا يكتب وبالخصوص في مكة عند نزول هذه الآية، والمفهوم من الآية أن كفار قريش كانوا يستمعون القرآن ( مشافهة ) وهنا تأكيد أن الأمر لا يخص قراءة القرآن أو النظر, وإنما السماع والأذن ، والأكنة التي ذكرت في هذه الآية هي على السمع وفهم المسموع وليس لشيئ آخر، ولتوضيح الأمر سنوضح كيف تتم هذه الاكنة .
نبدأ بقلب الدماغ أولا (LIMBIC SYSTEM) ولبه (HYPOTHALAMUS)
وهو منطقة الوعي فسلجيا لكل الإحساسات, عندها سنجد أنها تتصل بمناطق الإحساس بالسمع أو ما يسمى المنطقة السمعية بشبكة معقده من الأعصاب الموصلة وقد وجد أن معظم وعي الكلام المسموع يتم من خلال قلب الدماغ ومنطقة ونكز( WERNICK”S AREA) والتي هي مجاورة المنطقة السمعية مركز السمع في الدماغ ، وعندما يذكر سبحانه وتعالى الأقنعة على دماغ الإنسان (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) فهذه الاكنة أو الأقنعة هي الموانع والحجب المانعة لنقل الايعازات العصبية من المنطقة السمعية إلى قلب الدماغ ومنطقة معالجة المسموع أي أنهم لو سمعوه فان سمعهم سيكون غير مفهوما وذلك لوجود الأقنعة المانعة لوعي الكلام ،واكنة التي تعني أقنعة أو أغطيه فهذه الكلمة تستعمل نفسها في الفسلجة (MASKING) .
ومن المعلوم في الطب أن هناك ثلاث مستويات لفهم المسموع ، الأول في مركز الدماغ العلوي ( منطقة 41 ) (كانونك للفسلجة ص181)
حيث يحلل المسموع إلى معلومات ، فإذا حدث في هذه المنطقة أي ضعف فان فهم المسموع سيكون قليلا وهنا سيكون أول الأكنة ، وكذلك هناك مركز في(المنطقة 22 ) ومنطقة ونكز( WERNICK”S AREA) وفيها يحدث تواصل المسموع مع المنطوق وقد يكون فيها ثاني الأكنة. وفي قشرة الدماغ المتصلة من خلال القلب الدماغي(HYPOTHALAMUS) يتحول المسموع إلى وعي وهنا ثالث الأكنة ، وفي كل ذلك من الممكن أن تدخل عليها أقنعة ، على فهم ووعى الكلام ( كانون للفسلجة وسمسونرايت للفسلجة ) ، ووجدوا أن إضافة صوت مع الصوت المسموع يحدث نوع من القناع ويقلل فهم الصوت الأصلي المسموع ( فألغو فيه ) وذلك نتيجة للتداخل إضافة إلى حدوث عملية الممانعة أو الإرهاق للمستلمات والمفسرات(كانونك للفسلجة ص178) ، لذا يذكر سبحانه وتعالى (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) ونحن هنا لا زلنا في مستوى الوعي أو القلوب الواعيه للإنسان، وهذا في حال السمع التام أما في هذه الآية فان الله سبحانه وتعالى يضيف شيئا آخر (وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) أي أن الأذنين فيها انسداد وهذا الانسداد هو عامل إضافي سيجعل الصوت المسموع دون المستوى الاعتيادي مما ينعكس على وعى الكلام أكثر (كما رأينا في الفصول السابقة) ، إضافة إلى ذلك أن من الأمور التي تؤدى إلى عدم فهم المسموع هو البلادة والغباء وقلة التركيز, أو لنقل أن لهم عقلا ولكنهم لا يستعملونه ، فاجتمعت بهم صفات وقر الأذن وانسدادها وضعف التركيز في المراكز الدماغية العليا ثم البلادة والغباء ، فالإنسان المرهف السمع سوف يسمع الكلام ويسكن في دماغه حتى لو كان غبيا وخاصة إذا كان الكلام يسمع بوضوح وجلاء وتكرار ، أما أن يكون ذلك الإنسان غبيا وسمعه ضعيف فتلك هي الطامة ، حيث انه سوف يفسر ما لم يسمعه بوضوح بمعاني تناسب غباءه ، خلافا للإنسان العادي والذي قد لا يسمع الكلام بوضوح فيستعمل ذكائه في تصريف اتجاه الكلمات الغير واضحة ، لذلك قد يفهم الكلام الغير واضح ، أما في حالات الاستيعاب الضعيف فالواحد منهم يحتاج إلى كلام واضح ومكرر ليفهم جزء منه . من هذا نرى أن الكافرين عندما يسمعون الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الله وحده يفرون عنه فهم يحققون الصمم عمليا ، بالابتعاد عن سماع الحق ، ومع هذا تراهم يأتون سرا للاستماع للرسول صلى الله عليه وسلم فماذا سيستمعون وماذا سيعون من كلام الله ,الله اعلم بذلك ، ولكن سبحانه وتعالى يريد أن يبين أنهم سمعوا كلاما في آذان مسدودة بالشمع (الوقر) وبعقل ضعيف أو شارد وبمراكز أو قلوب دماغيه ضعيفة معزولة عن بعضها بالحجب والمعوقات (اكنة) وبغباء مطبق عليهم لذلك كان تحليلهم وفهمهم بعقلهم الغبي بعد كل هذه المعلومات الواضحة والبينات العظيمة والدقة العلمية العالية والفصاحة البالغة واللغة الدقيقة يقولون (إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا) بما فسره لهم عقلهم السقيم لقليل مما سمعوه ، ووسوسة الشيطان وضعف التحليل والأداء وقلة الانعكاسات المركزية والتي كانت نتاجا لأفعالهم لبعد عقلهم وتبلده , ومن هنا نرى أن الوقر هو ليس الصمم كما وضح ذلك بعض المفسرين ، فالكافرين الذين قال عنهم سبحانه وتعالى في آذانهم وقرا ، نراهم يستمعون (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى) فالسمع عندما يكون في الأذن شمعا وانسدادا سيستمر ولن يتوقف كما قلنا ، ولكنهم بظلمهم أنفسهم وبكفرهم الواضح البين استحقوا أن يجعل سبحانه وتعالى اكنة على قلوبهم (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) ، هذا الوصف الدقيق العميق للحالة النفسية والقيمة السمعية وردود الأفعال والأقوال في هذه الآية دالة عظيمة على ان هذا القرآن من عزيز حكيم عالم الغيب والشهادة الخالق البارئ المصور الذي خلقنا وعدلنا وفي أي صورة ما شاء ركبنا له الحمد وهو على كل شيء قدير .