نوع آخر من صمم الانتقال الصوتي (CONDECTIVE DEAFNESS)

نوع آخر من صمم الانتقال الصوتي 

 

 

كأن في أذنيه وقرا

 

يقول سبحانه وتعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ . وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (6)  (7) (لقمان)

 

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

 

وقيل أنها نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء رسول الله  صلى الله عليه وسلم . ويعني باطل الحديث , من يشتري لهو الحديث ، وقال هو شراء المغنية ، ولهو الحديث في الغناء والمزامير واللهو وكل باطل ألهى عن الخير وعما ينفع, و لهو الحديث نحو السمر بالأساطير ، والحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش.

 وفي هذه الآية مستعار وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الأباطيل وأن الآية نزلت في لهو حديث مضاف إلى كفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية والآية باقية المعنى في أمة محمد ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر ولا يتخذوا الآيات هزوا ولا عليهم هذا الوعيد بل ليعطل عبادة ويقطع زمانا بمكروه وليكون من جملة العصاة والنفوس الناقصة ، ويتخذها هزوا   مهزوأ به ، ويتخذها هزوا كذلك  يسخر بها وبمن جاء بها،  ليضل عن سبيل الله يعني يصرف الناس عن دين الله عز وجل ويختار الشرك على الإيمان،  ، لهم عذاب مهين   لما اتصفوا به من أهانتهم الحق ثم قال تعالى بغير علم عائد إلى الشراء ، وعذاب مهين إشارة إلى أمر يفهم منه الدوام ،  ويتخذها , دين الإسلام أو القرآن أي كما استهانوا بآيات الله وسبيله أهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر أولئك لهم عذاب مهين بما ضلوا واستهزأوا بآيات الله وكذبوا الحق الواضح وإذا تتلى عليه آياتنا يعني إذا قرئ عليه القرآن ولى مستكبرا يعني أعرض مستكبرا عن الإيمان والقرآن أي كأن لم يسمع الآيات

لهم يوم القيامة عذاب مذل مخز في نار جهنم ، ولى مستكبرا زاما لا يعبأ بها ولا يرفع بها رأسا  ،  تشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع أي هذا المقبل على اللهو واللعب والطرب إذا تليت عليه الآيات القرآنية ولى عنها وأعرض وأدبر وإذا تتلى عليه آياتنا   ليؤمن بها وينقاد لها كأن لم يسمع ما في القرآن من الدلائل والعجائب، أشبهت حاله حال من لم يسمع .

 (وقرا) أي صمما مانعا من السماع وإنما جعله كذلك لأنه لم ينتفع بما يسمع فصار بمنزلة الأصم والوقر هو الثقل في الأذن أي صمما لا تصل إليه الأصوات والوقر في الأذن الثقل الذي يعسر معه إدراك المسموعات وأدبر وأصم  وما به من صمم كأنه ما سمعها لأنه يتأذى بسماعها فيها فبشره بعذاب أليم أي يوم القيامة يؤلمه فهذه بشارة أهل الشر فلا نعمت البشارة.

التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآيه

 

يذكر سبحانه وتعالى هنا أن هناك من لا يريد أن يعرف الحق، ولا يريد للحق أن يظهر وينتشر لذلك يأتون بالمغنين والمغنيات ويصرفوا عليهم الملاين ليضلوا الناس ويبعدونهم عن القرآن وهذا دأبهم منذ نزول القرآن والى وقتنا هذا فالأساليب لم تتغير,وقد رأينا ذلك في ستينيات القرن الماضي , فكان الطغاة يدفعون لقارئ القرآن اقل من 1/100 مما يدفع للمغنين استهزاء بدين الله وبكتابه , وجعلوا الإذاعة 95% أغاني وكذلك التلفزيون, كله لصد الناس عن دين الله وكتابه , أما الآن فان هناك مئات القنوات الفضائية لا تبث إلا الأغاني ولا تدري من أين يأتيهم المال , فالله يبشرهم بعذاب اليم ووعدهم بالخسارة.

في ذلك الوقت كان أهل الباطل يأتون إضافة إلى المغنين بمن يقص عليهم قصصا وأحاديث ليبعدوا الناس عن الحق ويضلوهم عن سبيل الله المستقيم وكما يفعل الآن أهل الضلالة بالمسلسلات التافهة والساقطة، يؤكد سبحانه وتعالى أنهم بغير علم ، فلو أخذنا أحاديثهم لوجدناها مليئة بالأخطاء العلمية والتي لا يعرفون عنها في ذلك الوقت أي شيء ، فكيف لهم أن يستطيعوا أن يكتبوا سطرا واحدا مطابقا لما في العلم الحديث فالنتيجة أنهم استحقوا العذاب الأليم ، ويذكر لهم سبحانه وتعالى انه إذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها ، أي انه يسمع لغوه والذي هو من أكاذيبه واختلاقه ، أما آيات الله فانه إذا تليت عنده ولى مستكبرا وجعل تركيزه بعيدا عنها ،فعندها ينطبق عليه قول الحق عز وجل :(كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) فكيف يكون هذا الوقر وما يفعل في سمع الإنسان؟

كيف تنظف الاذن نفسها

كما أوضحنا سابقا فان الأذن الخارجية قد هيئ الله لها عمليه تنظيف ذاتية ، حيث أن عملية جمع الأصوات الى صماخ الأذن بواسطة الصوان هي نفسها ستجعل الأوساخ تتجمع داخل الأذن فتلتصق هذه الأوساخ على الشمع المفروز داخل الأذن والذي سيطرد إلى الخارج بسبب حركة وزحف طبقة الكيراتين للجلد المبطن لصماخ الأذن ، لذلك فان كل الأوساخ مع الشمع المفروز مع الشعر المتساقط من شعر الأذن نفسها سوف يتحرك ولو بصوره بطيئة إلى الخارج وتطرح هذه الأوساخ والشمع لتنظيف الأذن بصورة مستمرة (أما جلدة قناة الصماخ فلها صفة خاصة بها تميزها عن باقي الجلد في الإنسان ، فالجلد هنا لا ينمو من الأدمة إلى البشرة ولكن ينمو بحيث أن البشرة تتحرك بنموها من غشاء الطبلة باتجاه صنوان الأذن ، أي لو وضعنا نقطة حبر على غشاء الطبلة ثم راقبناها يوميا فإننا نجدها تتحرك مبتعدة عن مركز الطبلة حتى تصل إلى جدار قناة الصماخ ثم تستمر إلى أن تصل إلى صنوان الأذن) ( كتاب سكوت ، براون للأذن والأنف والحنجرة ) وهذه الحركة تتم بسرعة 05. 0 من المليم يوميا أي بسرعة نمو الأظافر ، مما يهيئ عملية مستمرة لطرد الأوساخ إلى الخارج ، وللتوضيح أكثر فان الجلد داخل الأذن تنمو خلاياها فبدلا من أن يتم النضوج للخلايا المولدة مباشرة باتجاه السطح فان هناك نمو جانبي للأدمة بحيث أن طبقة الكيراتين تدفع باتجاه الفتحة الخارجية لصماخ الأذن ( جوستون وهوك 1985 ) . درس العالم البرني( 1964 ) سرعة الزحف في جلد الصماخ ودرس كيفية قيام الأذن بتنظيف نفسها ودرس اتجاه الشعر وحراشفها وكيف تقوم بدفع الأوساخ إلى الخارج بصورة مستمرة .

 ، وهذه العملية لو توقفت لأي سبب مرضي أو عضوي أو فيزياوى فان الأوساخ سوف لن تخرج بل ستستقر داخل الإذن وستكون الوقر،

ماذا يقول اهل اللغة عن الوقر

وللمزيد من التوضيح نرجع إلى أهل اللغة، يقول ابن منظور في كتابه لسان العرب ج5/ص289في كلمة وقر

 وقر, الوقر ثقل في الأذن بالفتح وقيل هو أن يذهب السمع كله والثقل أخف من ذلك وقد وقرت أذنه بالكسر توقر وقرا أي صمت و وقرت وقرا قال الجوهري قياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وهو موقور و وقرها الله يقرها وقرا ابن السكيت يقال منه وقرت أذنه على ما لم يسم فاعله توقر وقرا بالسكون فهي موقورة ويقال اللهم قر أذنه قال الله تعالى

وفي آذاننا وقر

وفي حديث علي عليه السلام تسمع به بعد الوقرة هي المرة من الوقر بفتح الواو ثقل السمع و الوقر بالكسر الثقل يحمل على ظهر أو على رأس يقال جاء يحمل وقره وقيل الوقر الحمل الثقيل وعم بعضهم به الثقيل والخفيف وما بينهما وجمعه أوقار وقد أوقر بعيره و أوقر الدابة إيقارا وقرة شديدة الأخيرة شاذة ودابة وقرى موقرة قال النابغة الجعدي كما حل عن وقرى وقد عض و أوقرت النخلة أي كثر حملها وقوله عز وجل   فالحاملات وقرا   يعني السحاب يحمل الماء الذي أوقرها و  الوقار الحلم والرزانة وقر يقر وقارا و وقارة و وقر قرة و توقر و اتقر ترزن وفي الحديث لم يسبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكنه بشيء وقر في القلب وفي رواية لسر وقر في صدره أي سكن فيه وثبت من الوقار ورجل وقار و وقور و وقر   و وقر الرجل من الوقار يقر فهو وقور و وقر يوقر ومرة وقور و وقر وقرا جلس وقوله تعالى   وقرن في بيوتكن   قيل هو من الوقار وقيل هو من الجلوس وقد قلنا إنه من باب قر يقر ويقر وعللناه في موضعه من المضاعف الأصمعي يقال وقر يقر وقارا إذا سكن قال الأزهري والأمر قر ومنه قوله تعالى   وقرن في بيوتكن   قال و وقر يوقر والأمر منه أوقر وقرىء وقرن بالفتح فهذا من القرار كأنه يريد اقررن فتحذف الراء الأولى للتخفيف وتلقى فتحتها على القاف ويستغنى عن الألف بحركة ما بعدها ويحتمل قراءة من قرأ بالكسر أيضا أن يكون من اقررن بكسر الراء على هذا  ما لكم لا ترجون لله وقارا   فإن الفراء قال ما لكم لا تخافون عظمة و وقرت الرجل إذا عظمته وفي التنزيل العزيز   وتعزروه وتوقروه   و الوقار السكينة والوداعة ورجل وقور و وقار ومتوقر ذو حلم ورزانة و وقر الدابة سكنها , الوقرة أن يصيب الحافر حجر أو غيره فينكبه تقول منه وقرت الدابة بالكسر و أوقرها الله مثل رهصت وأرهصها الله

 انتهى كلام ابن منظور وقد جاءت به لضرورة معرفة كل معاني وقرا تقريبا , ومعظمها تدل على ان المتحرك توقف أو ثبت, فالثقل أوقر الحيوان والغيم , والعمر أوقر الشيخ , والأمر أوقر نساء النبي في بيوتهم وهكذا. وما يعنينا هنا أن  ما وقر داخل الأذن سيسمى وقرا , (في) تعني داخل الأذن والمعنى انه استقر داخل أذنه شيئا. وأمر آخر دقيق نجده في الآية وهو قوله تعالى,  كأن في أذنيه وقرا ، ذلك لان ما في القرآن ذو دقة لفظية وعلميه لذلك فان الله سبحانه وتعالى يقول (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) أي أن الأذنين لا تسمعان جيدا كأن فيها وقرا يسدها ، فلو قال سبحانه وتعالى كأن في أذنه ( أذن واحده ) وقرا فان انسداد أذن واحده( وهذا يحدث كثيرا حيث أن أذنا واحده تسد بالشمع ) فإذا حدث انسداد في أذن واحده  فلن يؤثر كثيرا على السمع وسيسمع بصورة طبيعية تقريبا ، لذلك قال سبحانه وتعالى (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) ، وجود الشمع والانسداد في الأذنين سوف يؤدى إلى ضعف السمع حيث أن السمع سيتحول من الطريق الهوائي إلى السمع من الجمجمة ( سمسونرايت 357 ) (كانون للفسلجه ص179)  والسمع من خلال الجمجمة يكون بطيئا وغير واضح ، وقد يكون غير متساوي على الجهتين مما يؤدى إلى عدم فهم ما يقال ،إضافة إلى أن الأصوات ذات الشدة العالية والذبذبة العالية هي التي تصل إلى الأذن الداخلية لذلك الإنسان (كانون للفسلجه ص179) ، إضافة إلى أن طبقة الصوت التي تمر من خلال العظام ستكون عالية أي آن الذبذبة العالية هي التي لها قابلية الاختراق إلى الأذن بينما الترددات الواطئة سوف لن تسمع أبدا مع انسداد شمعي في الأذن الخارجية  وسيسمع من في أذنيه وقرا جزء الكلمة العالي التردد كمخرج السين والراء بينما الطاء والفاء والميم لا تكاد تسمع فيتشوه المسموع من الكلام وقد يفهم بغير معناه المطلوب ،إضافة إلى ذلك عند الانسداد بالوقر فان الإنسان سوف يسمع نفسه إذا تكلم فتنتقل الذبذبات من حنجرته إلى أذنه من خلال العظام فيسمع صوته متضخما وكاملا وواضحا جدا أوضح من الصوت عندما لا يكون فيها شمعا وانسدادا ، ولكي يتضح الأمر أكثر حاول أن تضع أصبعيك في أذنيك بقوة لتكون بدل الوقر ثم تكلم وقارن مع ما تسمعه من الأصوات الخارجية ستجد أن الصوت القادم من الآخرين سيضعف بينما صوتك الذي تتكلم به سيقوى ويكون انعكاس ذلك على نفسك ، لذلك عندما قال سبحانه وتعالى (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) كان مطابقا تماما لما هو عليه ، فهو إذا تتلى عليه آياتنا ولا مستكبرا وتصرف وكأنه لم يسمعها ، بينما سمع لهو الحديث وباطله بقوه أي سمع نفسه فقط وصدق نفسه ، فهو ( كأن لم يسمعها ) وهو (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ) فكأن هنا في الحالتين تدل على انه ليس في أذنيه وقرا ولكن تصرف لأنه في ضلاله وغيه فكأنه كذلك ، فكم دقيق هذا الكلام وكم عجيب هذا القران ، فهو وحتى في القصص وفي التهديد وفي الوعيد وفي الوصف فانه كلام علمي دقيق جدا ليس فيه ولا عوج واحد. والنقاط المهمة هنا هي

1- أن الله سبحانه وتعالى ذكر الوقر وأعطانا إشارة علميه على أن هناك نظام لتنظيف الأذن ذاتيا فإذا توقف هذا النظام فان الأوساخ والشمع ستقر في الأذن وسماها وقرا.

2- أن هذا الوقر سيؤدي إلى حاله من الصمم الجزئي حالة تجمعه بكثرة وستكون نتائجه ضعف في السمع وعدم وضوح في المسموع  لذلك عندما ولى الكافر مظهرا انه لم يسمعها والحقيقة انه سمعها (كأن لم يسمعها) والكلمة تدل على عدم اكتمال السمع فوصفها سبحانه وتعالى كأن في أذنيه وقرا، ومما يثبت أن الوقر يعني انسداد الأذن هو ذكره تعالى للوقر عندما يتكلم عن الأذن وليس السمع وهي كثيرة في القرآن كما سنرى, ولم يذكر في أي موضع ولا مرة واحده الوقر مع السمع.

3- من كان في أذنيه وقرا فانه سيسمع كلامه او رأيه أكثر من سماعه كلام الآخرين فاستعملت في المصحف بالمكان الصحيح تماما.

4-إن الحالة لن تكون فعاله حتى يكون الوقر في الأذنين فلو كان في القرآن ( كأن في أذنه وقرا) لكان خطا علميا جسيما فأذن واحده تكفي للسمع علميا وقد جاء السمع مفردا وهذا ما يطابق العلم تماما.

اترك تعليقاً