الصبي والقمر
-هل تحب القمر ؟!
-لا لا احب القمر! قالها بعصبية وتوتر صبي يبلغ الثانية عشر من العمر شاحب الوجه ضعيف البنية ملابسه بسيطة وقديمة يحمل علبة من الفلين ويبيع المرطبات والمثلجات على الشارع. كان الجو حار جدا ولم تمضي الا دقائق على غروب الشمس والقمر بدرا .كان يطلع بلون احمر ينعكس على وجه الصبي الذي كان واقفا ينظر اليه ولا يحول وجهه عنه وكأنه يعاتبه وكانت قد وقفت سيارة فارهة وفتح سائقها زجاج السيارة وطلب منه مثلجات وكأن الصبي لم يسمعه فلما رآه مستغرقا مع القمر سأله السؤال هل تحب القمر سأله مرة اخرى هل تحب القمر فقد ظن انه لم يسمعه جيدا
-قلت لا احب القمر. اخذ منه عدة قطع من المثلجات والمرطبات واسرع في اغلاق زجاج السيارة حتى لايتسرب الهواء البارد منها الى الخارج. استغرب السائق وعائلته معه من جواب الصبي فمن لا يحب القمر؟ فتح زجاج السيارة مرة اخرى
- أتحب الشمس؟!
- قلت لا احب القمر.
- لماذا انت متوتر هكذا يا ابني ؟
- لا لا انا فقط لا احب القمر. اغلق زجاج السيارة وانطلق ولكن ما ان سارت السيارة عدة امتار حتى توقف ورجع بسرعة الى الصبي فتح زجاج السيارة مرة اخرى
- لم ادفع لك ثمن المرطبات يا ابني كان الصبي لايزال واجما ينظر القمر ودمعة ينعكس عليها ضوءه نزلت على خديه قالت بنته وكانت جالسة على المقعد الخلفي مع اخيها انظر يا ابي انه يبكي. رد عليها اخوها بسرعة اسكتي يا اسماء هذا عيب
- بل اسكت انت فأنا لم اقل الا الحقيقة . رد عليهم ابوهم بلهجة آمرة اسكتوا يا اولاد ولا تتكلموا ولا كلمة
- يا ابني هذا ثمن المرطبات وشكرا جزيلا.
- شكرا.اغلق زجاج السيارة مرة اخرى وانطلقت. كان الصبي لازال واجما ينظر الى القمر
- انظر يا أبا اسماء لازال واقفا ينظر الى القمر- قالت زوجته وهي تنظر الى الخلف-
- ما سبب ذلك يا أبا اسماء؟- والله لا ادري.
- ارجوك توقف لنسأله فلدينا وقت كافي. توقف مرة اخرى واخذ يرجع بسرعة الى ان اصبح امامه ففتح زجاج السيارة
- قطعة اخرى يا ابني اريدها حمراء.
- حاضر يا عم نزل من السيارة واخذ قطعة المرطبات واخذ يقضمها
- لا اريد اكلها في السيارة فقطرة منها يصعب تنظيفها سكت قليلا ثم قال:
- يا ابني لماذا انت لا تحب القمر ؟
- لانه صديق فاشل!
- لماذا ياابني هل تخلي عنكم يوما من الايام؟!
- – نعم –وسكت برهة- كان والدي يجلس في الليل امام القمر قال لأمي انك كالقمر. سألته لماذا هي كالقمر ؟ قال لأنه جميل مثل امك وهو صديقنا وكنا نجلس حتى يغيب القمر فيقول ابي ذهب صديقنا الى فراشه فلنذهب الى فراشنا. ظل هكذا صديقنا حتى عندما جاءت اسرائيل قبل سنتين فلم تكن الطائرات تأتي لقتلنا الا بعد ذهاب القمر . سألت والدي
- لماذا لا تأتي الطائرات الا بعد ذهاب القمر؟ قال لي
- لأن صديقنا يمنعهم فهم يخافون الضوء، فالضوء يفضح المجرمين
- اذن لماذا تكره القمر يا ابني؟
- لأنه في احد الايام غاب مبكرا فجاءت الطائرات وقصفت بيتنا. وانهالت الدموع على خد الصبي
- هل اصابكم شئ يا ابني؟
- لا ادري فأنا الآن اعيش مع جدي الذي كان معنا في بيتنا اما امي وابي واخوتي فقد ذهبوا ولم يعودوا ، جدي يقول انهم الآن في الجنة
- اذن انت تعمل لتعيش؟
- نعم
- وجدك؟
- جدي – توقف قليلا- جدي قطعت رجلاه ويده لقد تخلى عنا القمر وذهب مبكرا ولو بقي معنا لخاف الاسرائيليين ولم يضربونا كان بيتنا جميلا وفيه حديقة جميلة نرى فيها القمر أما الآن فالغرفة التي اسكن فيها مع جدي لا نرى منها القمر لقد كرهت القمر واخذ الطفل يبكي. –اخرج مبلغا من المال ووضعه في يد الصبي الذي توقف عن البكاء واتفض وكأنه لدغ-
- لا ياعم انا لا استجدي فجدي يقول لا يفعل ذلك الا السيئين. دفع الصبي المال والقاه في السيارة ورفع رأسه ولا زالت عيناه دامعتان وقال اذا اردت مثلجات اكثر فهي موجودة. اخذ الاولاد المثلجات اما امهم والتي كانت الدموع على خديها فلم تستطع اخذ شئ.