الصمم الإرادي النفسي


 

بسم الله الرحمن الرحيم ,الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ذكر الصمم في القرآن الكريم بكل المستويات المعروفة علميا , أي من درجة الصمم النفسي الإرادي إلى درجة الصمم المركزي الأصيل ,وكلها ذكرت بأسلوب إعجازي ودقيق جدا يطابق آخر ما توصل إليه العلم الحديث, وبدون لي عنق النص أو إهلاك المعلومة الطبية الدقيقة .

وللصمم درجات , حيث الكلام هنا لكتب علم وظائف الأعضاء ( الفسلجة ) , كما أنه لكتب علم الأذن والأنف والحنجرة والتي هي إحدى الاختصاصات الدقيقة في الطب. والصمم يبتدئ بالصمم الإرادي النفسي فالصمم المقنع فصمم قناة الأذن الخارجية فالداخلية يليه صمم العصب السمعي ثم الصمم المركزي بنوعيه , وكما سنرى فكلها مذكورة بدقة عالية في المصحف مما يدهش الأطباء , والمعتصمين بالعلم الحديث .

 

 

الدرجة الأولى للصمم

(الصمم الإرادي النفسي)

 

يقول سبحانه وتعالى (وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) (المائدة)

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية:

كرر الله تعالى في هذه الآية الكريمة قوله (عموا وصموا) مرتين تتخللهما توبة من الله والمعني فيها بني إسرائيل وحسبوا أن لا تكون فتنة أي بلاء أو اختبار, و ذكر المفسرون في الفتنة وجودها وهي محصورة بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة , وأن عذاب الدنيا أقسام منها القحط والوباء والقتل والعداوة والبغضاء فيما بينهم والإدبار والنحاسية وكل ذلك قد حل بهم أي ظنوا أن معصيتهم وتكذيبهم لا يجر عليهم عذاب , فعموا وصموا تعبير عن تماديهم على المخالفة والعصيان .

والآية دالة على أن عميهم وصممهم عن هديهم للحق حصل مرتين الثانية قرئت وصموا ثم بالضم على تقدير أن الله أعماهم وأصمهم أي رماهم وضربهم بالعمى, والصمم كما تقول نزكته إذا ضربته بالنزك , وهو رمح قصير وركبته إذا ضربته بركبتك .

وقال بعض المفسرين لا شك أن المراد بهذا العمى والصمم هو الجهل والكفر فعموا عن الحق ، أي (فعموا وصموا) يعني عموا عن الحق وصموا عن الهدى أو يعني لم يعملوا بما سمعوا ولم يعتبروا بما أبصروا فصاروا كالأعمى والأصم .

وذكر الزجاج وهو احد علماء التفسير المعروفين في ذلك أنهم لم يعملوا بما سمعوا ورأوا من الآيات فصاروا كالعميان الصم تمثيلا أي لم يعملوا بما سمعوا ولا انتفعوا بما رأوا ثم   نعشهم وتاب عليهم حين تابوا إليه وأنابوا ثم لم يستمروا على ذلك حتى انقلب أكثرهم إلى الحال القبيحة حيث عموا وصموا كثير منهم بهذا الوصف والقليل واستمروا على توبتهم وإيمانهم، والله بصير بما يعملون أي من قتل الأنبياء وتكذيب الرسل والمقصود منه التهديد أو المقصود من قتل الأنبياء وتكذيب الرسل ومن هنا يظهر الفرق في السمع والبصر من الإيمان وآثاره والكفر وآثاره .

يتبين لنا من ذلك أن المفسرين تحيروا في إعطاء تحقيق متكامل لتفسير هذه الآية لكن التفسير العلمي قد يعطي مفهوم أكثر كما يتبين أدناه :

 

التفسير العلمي والإعجاز القرآني

icaz

 

 

الكلام هنا عن بني إسرائيل وهم بكبريائهم الفارغ يظنون أن الله لن يفتنهم فهم آمنون من العقوبات لذلك فهم عموا وصموا ، وهم كما نعلم بكامل صحتهم من حيث السمع والبصر لكنهم بالرغم من ذلك يقول سبحانه وتعالى عنهم أنهم عموا وصموا ! فلنتمعن اللفظ في هذه الآية إذ أن الدقة اللفظية هنا أن الله عز وجل لم يتكلم عن أعينهم ولا عن آذانهم بل تكلم عن عمليتي الإبصار والسمع ، فقد وجد علماء الفسلجة وعلماء النفس والأطباء أن هناك علاقة مباشرة بين السمع والبصر من ناحية والإرادة من الناحية الأخرى (عن كتاب سكوت براون للأذن والأنف والحنجرة ) ، فالإرادة والوعي التي يسميها سبحانه وتعالى بالفؤاد والذي مقره قلب الدماغ حيث يكون مركز الوعي ، والذي عند تلفه يفقد الإنسان وعيه ويسميه العلماء HYPOTHALAMUS) )(ما تحت سرير الدماغ أو ما تحت المهاد)، والوعي مهم جدا بالنسبة للسمع والبصر ، ففي المركز الدماغي تفسر الايعازات السمعية والبصرية ثم بعد ذلك توزع داخل الدماغ إلى نقاط مختلفة والى مهاد الدماغ مما يجعلنا نعي ما سمعناه وما أبصرناه ، وهناك منطقه تسمى منطقة ونكز( WERNICK”S AREA) في الدماغ تقوم بالتنسيق بين ما يسمع وما يوعى وهي من مجاورات منطقة السمع , وعند تلف هذه المنطقة فان الإنسان يسمع ولا يعي (كتاب كايتون وهل للفسلجة ص718)

i

أي أن هناك انعكاس شديد السرعة ولكن السامع لم يفهم ما قيل بالرغم من انه يسمع بكامل الوضوح ، وفي جزئية هذا قد يعيش الإنسان في مكان وأمامه حاجة لا يكاد يراها وقد يبحث عنها وهى أمامه فإذا جاء شخص من الخارج لاحظها مباشرة ، وعلى سبيل المثال هب أنك تعيش قرب مطار أو محطة قطارات ولا تكاد تحس بأصواتها وضجيجها وحتى في نومك بينما يأتي آخر من مكان مختلف هادئ أو غير هادئ فقد تزعجه تلك الأصوات ، وقد لا يستطيع النوم فيستيقظ مع مرور أي قطار أو إقلاع طائرة (عن كتاب سكوت براون ) ، ويتمكن الإنسان بإرادته أو بالتأثير النفسي الداخلي أن لا يسمع فيلغي حاسة سمعه وبصورة تدريجية بحيث لا يكترث حتى وهو نائم لصوت القطار والطائرة , ومثال على ذلك قد تجلس في مقهى وفيه عشرات المتكلمين فتضع تركيزك على احدهم وتلغي أصوات الباقين ، وقد تلغى كل الأصوات وتنظر إلى شيء محدد وكأنك لا تسمع شيئا ، وربما يجلب انتباهك صوت محدد أو ذكر اسم فتلتفت وتعي ما سمعت وهكذا ، أي انك تكون أصما بإرادتك وهذا ما جرى لبنى إسرائيل فهم رأوا بأعينهم آيات بينات وسمعوا بإذنهم ولكنهم تغاضوا وتجاهلوا ما رأوا وما سمعوا ظنا منهم أن لن يفتنوا ولن يتعرضوا إلى شدة وامتحان بعد ذلك ، حتى إذا أصابهم شيء انتبهوا وتذكروا وسمعوا ورأوا ثم مرت أيام فنسوا وعادوا إلى سجيتهم فتجاهلوا ما سمعوا إلى درجة الإهمال الكلى ، وهذا ينعكس على مجموع إرادة الإنسان فيودى به إلى الخمول العقلي والبلادة في موضوع محدد لا يريد سماعه أو رؤيته ، ومع هذا تاب الله عليهم في المرة الأولى ولم يستفيدوا من التجربة التي نبههم الله عليها وأعادهم إلى الوعي التام ، بل وفي أول فرصة لهم رجعوا إلى عادتهم الأولى فعموا وصموا ، في هذه الآية دليل واضح لما يسمى الصمم الإرادي أو (الإرادي النفسي ) والذي تكون فيه الأذن سليمة فسلجيا فان الأذن لم يصبها أي أذى في منظومة السمع ولا في منظومة الأعصاب الناقلة ولا في المركز السمعي ، ولكن بإرادتهم بل بزيغهم وإتباعهم لأهواء الشيطان تجاهلوا ما سمعوا وهذا التجاهل الذي يتم في مجمل المركز الدماغي العلوي الذي تتم فيه المعالجة ثم التواصل مع النطق والإرادة والوعي ليتم الاستفادة من الإشارات والحواس القادمة ، إذا استمر هذا التجاهل ( الصمم الإرادي ) فان حاله من ضعف الذكاء والبلادة العقلية تظهر وقد تصل إلى مستوى الخبل أو بمعنى آخر أن يختم الله على قلوبهم ( والعياذ بالله ) وخاصة إذا كان مع هذا التجاهل عمل كفري أو حرام ، والحرام أو العمل الضال سيضيف هيكلية للإرادة ويثبت الإنسان باتجاه ضال والعياذ بالله (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15)) لذلك عندما يقول سبحانه وتعالى عنهم ( فعموا وصموا ) فهو اقل درجة للصمم المعروف علميا حيث نظام الأذن وفسلجتها سليم ولكن الخلل هو بعد المركز الدماغي العلوي للسمع ، عند نقل المعلومات إلى المراكز الأخرى والى الوعي .وقد أحتار المفسرون في كيفية حدوث ذلك لذلك قالوا((أن المراد بهذا العمى والصمم الجهل والكفر فعموا عن الحق . وقال آخر, فعموا وصموا يعني عموا عن الحق وصموا عن الهدى أو يعني لم يعملوا بما سمعوا ولم يعتبروا بما أبصروا فصاروا كالأعمى والأصم , قال الزجاج هذا مثل تأويله أنهم لم يعملوا بما سمعوا ورأوا من الآيات فصاروا كالعميان الصم تمثيلا أي لم يعملوا بما سمعوا ولا انتفعوا بما رأوا)) ولكن ثبت علميا أن هذا النوع من الصمم هو أول درجه من الصمم وهو إرادي ويحاسب الإنسان عليه قانونيا أي في القوانين الأوربية لأنه صمم ولكن من صنع الإنسان وبإرادته لذلك سيحاسب إذا ترتب على هذا الصمم جرم، بهذا نرى أنهم عموا وصموا حقيقة لا مجازا، وهذه معجزه من المعجزات القرآنية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النوع الثاني من الصمم

الصمم المقنع(MASKING)

 

يقول سبحانه وتعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) (فصلت)

مختصر اقوال المفسرين في هذه الآيه

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون   لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون قال الذين كفروا من مشركي قريش أبي جهل وأصحابه فترى بعضهم ينهى بعضا عن سماعه ويأمرهم باللغو فيه كالصياح والتصفيق المانع من السماع ولغا يلغو الساقط من الكلام والغوا فيه وعارضوه بالخرافات من الرجز والشعر أو تواصوا فيما بينهم أن لا يطيعوا للقرآن ولا ينقادوا لأوامره ومفهوم كلامهم أنهم لم يلغوا فيه بل استمعوا إليه، لعلكم تغلبون فيسكت عن القراءة لعلكم تغلبون محمدا على قراءته.

التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآية

 

إن الإنسان لا يسمع عندما يكون الكلام متداول من آخرين وهو غير مقصود به وخاصة عندما يكثر المتكلمين وقد ينتبه لكلام جميل أو عاطفي أو إذا ما سمع كلمات خاصة بنغمة خاصة أو من صوت معروف لديه أو إذا طرق إلى سمعه اسم خاص فانه سينتبه ويعي مره أخرى وتتوجه في هذه الحالة الذبذبات الكهربائية من مركز السمع الذي كان يهمل الايعازات إلى المراكز الأخرى من الدماغ إلى أماكن غيرها تجعله يتفاعل مع ما يسمع أي أن الوعي ضروري للفهم، فماذا كان تأثير قراءة القرآن على عامة قريش ؟!   لقد كان للقران قابلية على دفع الانتباه نحو الأمام مما يجعل الإنسان أي إنسان حتى الذي لا يعرف اللغة العربية ينتبه إليه وينجذب له مما أثار رعب قادة الكفر من قريش ، قد يكون أسلوب القران وآياته المحكمات أو طريقة قراءته أمرا مغايرا و مؤثرا ولكن حتى عندما يحشر في كلام آخر ويذكر بنفس الطريقة التي يذكر بها باقي الكلام فان كلماته الربانية سوف تخترق عمق تفكير الإنسان وهذا ما كان يحصل لكفار قريش ولغيرهم .وفي إحدى تجاربنا العملية والعلمية أنه ذات يوم قمنا بتلاوة القرآن أمام ممرضة من كوبا تتكلم الإسبانية واستبدلنا جملة من خارج القرآن لكن بنفس طريقة الترتيل فألفت الأمر انتباهها وأحست أن الأمر قد تغير عليها. لذلك التأثير الخطر حاول كفار قريش صرف الناس عنه بكل الطرق ولكنهم فشلوا فاستعملوا طرق جديدة وهى اللغو مع القران ليقطعوا الصوت الواصل إلى الأذن حتى يتوقف وعى الإنسان السامع ، ولما كان وجود صوت آخر يقلل الوعي المسموع ( كانون للفسلجه صفحة 178 ) وسببه هو حصول ممانعة في المستلمات والعصب السمعي وإرهاق مناطق الاتصال لذلك طلب الكفار اللغو مع قراءة القران حتى لا يسمع الناس كلام الله فيتأثرون به فهل وصلوا إلى مرادهم وهل فعلا تغلبوا؟(وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) لقد كان تأثير القليل من القران يساوى أقوى تحفيزا لكلام اللغو عند الكافرين فكانت النتيجة أن القران انتشر وكلام الله انتصر ، والتداخل الصوتي (علميا) يضع قناعا صوتيا لمنع سماع صوت آخر ويعتبر علميا درجه من درجات الصمم وهذه الدرجة من الصمم هي درجة التأثير الخارجي والتي يكون فيها نظام السمع متكامل وصحيح ولكن التداخل هو الذي يؤثر على السمع، وكلمة (لعلكم تغلبون) من كفار قريش تدل على فشلهم وخيبتهم أمام القرآن الذي يخترق كل زيف ليصل إلى القلوب.

النوع الثالث من الصمم

صمم الانتقال الصوتي (CONDUCTION DEAFNESS)

اغاغ

يتكون هذا النوع من الصمم من عدة درجات أولها غلق الأذن من الخارج بالأصابع

يقول سبحانه وتعالى (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) (نوح)

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

فقوله تعالى (جعلوا أصـابعهم في آذانهم وأستغشوا ثيابهم) إنما يدل دلالة واضحة على شدة بغضهم وكراهيتهم لما يدعوهم إليه نوح عليه السلام, فالغرض من جعل الأصابع في الآذان لعدم السماع. كلما دعوتهم إلى الإيمان بك واستغشوا ثيابهم أي تغطوا بثيابهم لئلا يروا نوحا ولا يسمعوا كلامه أو انه واستغشوا ثيابهم أي أظهروا العداوة وكراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله.وأصروا أي أكبوا على الكفر والمعاصي وانهمكوا وجدوا فيها مستعار من أصر الحمار على العانة إذا صر أذنيه أي رفعهما ونصبهما مستويين وأقبل عليها يكدمها ويطردها وفي ذلك غاية الذم لهم واستكبروا من إتباعي وطاعتي استكبارا عظيما وقيل نوعا من الاستكبار غير معهود والاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق له.

التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآية

 

هذه الدرجة من الصمم معلومة لدى عامة الناس فإذا أراد أن لا يسمع شيئا أو أراد إظهار انه لا يود سماع شيء فانه سيضع إصبعيه في أذنيه مما يؤدي إلى انخفاض مستوى السمع، ولكن سيبقى هناك سمع بدرجة اقل ، فإضافة إلى انقطاع الصوت من الوصول إلى الطبلة مباشرة وتداخل صوت احتكاك الأصابع في الأذن وهذا تشويش إضافي آخر ، فان الإنسان يبقى يسمع وهنا سيحدث صمم الانتقال الصوتي(CONDUCTION DEAFNESS) جزئيا لان الأصابع لن تمنع الانتقال الصوتي الهوائي كليا كما أن الصوت سوف ينتقل بواسطة الفك وعظام الجمجمة فتبقى درجة من السمع حتى لو بالغنا بوضع الأغطية على رؤوسنا (كانون للفسلجة ص179) ، وان فعل هذا العمل من قوم نوح يدل على قصور تفكيرهم البشرى حيث أنهم يظنون أن بوضع أصابعهم في آذانهم لن يسمعوا الحقيقة ولن يتأثروا بها وعلى هذا لن يحاسبوا عليها ، ووضع الإصبع في الأذن يعتبر خطوة نحو تقليل السمع أكثر مما ذكر في الآية السابقة ، إضافة إلى تغطية عيونهم وإعلان إصرارهم واستكبارهم الذي يزيد في ضلالتهم ويقلل من سمعهم أكثر. وأصروا وهي تعني تشبثوا برفضهم الا أنها تعطي معنى آخر فهم كالحمار عندما يصر أذنيه (أصر تعني ربط ومنها الصرة) ويقال أن الحمار تحدث له حاله من التهيج فتنتصب أذناه نحو الأعلى ويبدأ بضربهما ببعض ، وطبعا هذا يجعله لا يسمع شيئا فبئس المثل مثل الكافر، فكانت النتيجة أن أغرقهم الله بكفرهم .

 

نوع آخر من صمم الانتقال الصوتي (CONDUCTION DEAFNESS)

كأن في أذنيه وقرا

يقول سبحانه وتعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ . وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (6) (7) (لقمان)

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

وقيل أنها نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويعني باطل الحديث , من يشتري لهو الحديث ، وقال هو شراء المغنية ، ولهو الحديث في الغناء والمزامير واللهو وكل باطل ألهى عن الخير وعما ينفع, و لهو الحديث نحو السمر بالأساطير ، والحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش.

وفي هذه الآية مستعار وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الأباطيل وأن الآية نزلت في لهو حديث مضاف إلى كفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية والآية باقية المعنى في أمة محمد ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر ولا يتخذوا الآيات هزوا ولا عليهم هذا الوعيد بل ليعطل عبادة ويقطع زمانا بمكروه وليكون من جملة العصاة والنفوس الناقصة ، ويتخذها هزوا   مهزوأ به ، ويتخذها هزوا كذلك يسخر بها وبمن جاء بها، ليضل عن سبيل الله يعني يصرف الناس عن دين الله عز وجل ويختار الشرك على الإيمان، ، لهم عذاب مهين   لما اتصفوا به من أهانتهم الحق ثم قال تعالى بغير علم عائد إلى الشراء ، وعذاب مهين إشارة إلى أمر يفهم منه الدوام ، ويتخذها , دين الإسلام أو القرآن أي كما استهانوا بآيات الله وسبيله أهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر أولئك لهم عذاب مهين بما ضلوا واستهزأوا بآيات الله وكذبوا الحق الواضح وإذا تتلى عليه آياتنا يعني إذا قرئ عليه القرآن ولى مستكبرا يعني أعرض مستكبرا عن الإيمان والقرآن أي كأن لم يسمع الآيات

لهم يوم القيامة عذاب مذل مخز في نار جهنم ، ولى مستكبرا زاما لا يعبأ بها ولا يرفع بها رأسا ، تشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع أي هذا المقبل على اللهو واللعب والطرب إذا تليت عليه الآيات القرآنية ولى عنها وأعرض وأدبر وإذا تتلى عليه آياتنا   ليؤمن بها وينقاد لها كأن لم يسمع ما في القرآن من الدلائل والعجائب، أشبهت حاله حال من لم يسمع .

(وقرا) أي صمما مانعا من السماع وإنما جعله كذلك لأنه لم ينتفع بما يسمع فصار بمنزلة الأصم والوقر هو الثقل في الأذن أي صمما لا تصل إليه الأصوات والوقر في الأذن الثقل الذي يعسر معه إدراك المسموعات وأدبر وأصم وما به من صمم كأنه ما سمعها لأنه يتأذى بسماعها فيها فبشره بعذاب أليم أي يوم القيامة يؤلمه فهذه بشارة أهل الشر فلا نعمت البشارة.

التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآيه

يذكر سبحانه وتعالى هنا أن هناك من لا يريد أن يعرف الحق، ولا يريد للحق أن يظهر وينتشر لذلك يأتون بالمغنين والمغنيات ويصرفوا عليهم الملاين ليضلوا الناس ويبعدونهم عن القرآن وهذا دأبهم منذ نزول القرآن والى وقتنا هذا فالأساليب لم تتغير,وقد رأينا ذلك في ستينيات القرن الماضي , فكان الطغاة يدفعون لقارئ القرآن اقل من 1/100 مما يدفع للمغنين استهزاء بدين الله وبكتابه , وجعلوا الإذاعة 95% أغاني وكذلك التلفزيون, كله لصد الناس عن دين الله وكتابه , أما الآن فان هناك مئات القنوات الفضائية لا تبث إلا الأغاني ولا تدري من أين يأتيهم المال , فالله يبشرهم بعذاب اليم ووعدهم بالخسارة. في ذلك الوقت كان أهل الباطل يأتون إضافة إلى المغنين بمن يقص عليهم قصصا وأحاديث ليبعدواا الناس عن الحق ويضلوهم عن سبيل الله المستقيم وكما يفعل الآن أهل الضلالة بالمسلسلات التافهة والساقطة، يؤكد سبحانه وتعالى أنهم بغير علم ، فلو أخذنا أحاديثهم لوجدناها مليئة بالأخطاء العلمية والتي لا يعرفون عنها في ذلك الوقت أي شيء ، فكيف لهم أن يستطيعوا أن يكتبوا سطرا واحدا مطابقا لما في العلم الحديث فالنتيجة أنهم استحقوا العذاب الأليم ، ويذكر لهم سبحانه وتعالى انه إذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها ، أي انه يسمع لغوه والذي هو من أكاذيبه واختلاقه ، أما آيات الله فانه إذا تليت عنده ولى مستكبرا وجعل تركيزه بعيدا عنها ،فعندها ينطبق عليه قول الحق عز وجل :(كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) فكيف يكون هذا الوقر وما يفعل في سمع الإنسان؟

كما أوضحنا سابقا فان الأذن الخارجية قد هيئ الله لها عمليه تنظيف ذاتية ، حيث أن عملية جمع الأصوات الى صماخ الأذن بواسطة الصوان هي نفسها ستجعل الأوساخ تتجمع داخل الأذن فتلتصق هذه الأوساخ على الشمع المفروز داخل الأذن والذي سيطرد إلى الخارج بسبب حركة وزحف طبقة الكيراتين للجلد المبطن لصماخ الأذن ، لذلك فان كل الأوساخ مع الشمع المفروز مع الشعر المتساقط من شعر الأذن نفسها سوف يتحرك ولو بصوره بطيئة إلى الخارج وتطرح هذه الأوساخ والشمع لتنظيف الأذن بصورة مستمرة (أما جلدة قناة الصماخ فلها صفة خاصة بها تميزها عن باقي الجلد في الإنسان ، فالجلد هنا لا ينمو من الأدمة إلى البشرة ولكن ينمو بحيث أن البشرة تتحرك بنموها من غشاء الطبلة باتجاه صنوان الأذن ، أي لو وضعنا نقطة حبر على غشاء الطبلة ثم راقبناها يوميا فإننا نجدها تتحرك مبتعدة عن مركز الطبلة حتى تصل إلى جدار قناة الصماخ ثم تستمر إلى أن تصل إلى صنوان الأذن) ( كتاب سكوت ، براون للأذن والأنف والحنجرة ) وهذه الحركة تتم بسرعة 05. 0 من المليم يوميا أي بسرعة نمو الأظافر ، مما يهيئ عملية مستمرة لطرد الأوساخ إلى الخارج ، وللتوضيح أكثر فان الجلد داخل الأذن تنمو خلاياها فبدلا من أن يتم النضوج للخلايا المولدة مباشرة باتجاه السطح فان هناك نمو جانبي للأدمة بحيث أن طبقة الكيراتين تدفع باتجاه الفتحة الخارجية لصماخ الأذن ( جوستون وهوك 1985 ) . درس العالم البرني( 1964 ) سرعة الزحف في جلد الصماخ ودرس كيفية قيام الأذن بتنظيف نفسها ودرس اتجاه الشعر وحراشفها وكيف تقوم بدفع الأوساخ إلى الخارج بصورة مستمرة .

، وهذه العملية لو توقفت لأي سبب مرضي أو عضوي أو فيزياوى فان الأوساخ سوف لن تخرج بل ستستقر داخل الإذن وستكون الوقر،

وللمزيد من التوضيح نرجع إلى أهل اللغة، يقول ابن منظور في كتابه لسان العرب ج5/ص289في كلمة وقر

وقر, الوقر ثقل في الأذن بالفتح وقيل هو أن يذهب السمع كله والثقل أخف من ذلك وقد وقرت أذنه بالكسر توقر وقرا أي صمت و وقرت وقرا قال الجوهري قياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وهو موقور و وقرها الله يقرها وقرا ابن السكيت يقال منه وقرت أذنه على ما لم يسم فاعله توقر وقرا بالسكون فهي موقورة ويقال اللهم قر أذنه قال الله تعالى

وفي آذاننا وقر

وفي حديث علي عليه السلام تسمع به بعد الوقرة هي المرة من الوقر بفتح الواو ثقل السمع و الوقر بالكسر الثقل يحمل على ظهر أو على رأس يقال جاء يحمل وقره وقيل الوقر الحمل الثقيل وعم بعضهم به الثقيل والخفيف وما بينهما وجمعه أوقار وقد أوقر بعيره و أوقر الدابة إيقارا وقرة شديدة الأخيرة شاذة ودابة وقرى موقرة قال النابغة الجعدي كما حل عن وقرى وقد عض و أوقرت النخلة أي كثر حملها وقوله عز وجل  فالحاملات وقرا   يعني السحاب يحمل الماء الذي أوقرها و الوقار الحلم والرزانة وقر يقر وقارا و وقارة و وقر قرة و توقر و اتقر ترزن وفي الحديث لم يسبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكنه بشيء وقر في القلب وفي رواية لسر وقر في صدره أي سكن فيه وثبت من الوقار ورجل وقار و وقور و وقر   و وقر الرجل من الوقار يقر فهو وقور و وقر يوقر ومرة وقور و وقر وقرا جلس وقوله تعالى   وقرن في بيوتكن   قيل هو من الوقار وقيل هو من الجلوس وقد قلنا إنه من باب قر يقر ويقر وعللناه في موضعه من المضاعف الأصمعي يقال وقر يقر وقارا إذا سكن قال الأزهري والأمر قر ومنه قوله تعالى   وقرن في بيوتكن   قال و وقر يوقر والأمر منه أوقر وقرىء وقرن بالفتح فهذا من القرار كأنه يريد اقررن فتحذف الراء الأولى للتخفيف وتلقى فتحتها على القاف ويستغنى عن الألف بحركة ما بعدها ويحتمل قراءة من قرأ بالكسر أيضا أن يكون من اقررن بكسر الراء على هذا ما لكم لا ترجون لله وقارا   فإن الفراء قال ما لكم لا تخافون عظمة و وقرت الرجل إذا عظمته وفي التنزيل العزيز   وتعزروه وتوقروه   و الوقار السكينة والوداعة ورجل وقور و وقار ومتوقر ذو حلم ورزانة و وقر الدابة سكنها , الوقرة أن يصيب الحافر حجر أو غيره فينكبه تقول منه وقرت الدابة بالكسر و أوقرها الله مثل رهصت وأرهصها الله

 

انتهى كلام ابن منظور وقد جاءت به لضرورة معرفة كل معاني وقرا تقريبا , ومعظمها تدل على ان المتحرك توقف أو ثبت, فالثقل أوقر الحيوان والغيم , والعمر أوقر الشيخ , والأمر أوقر نساء النبي في بيوتهم وهكذا. وما يهم هنا أن ما وقر داخل الأذن سيسمى وقرا , (في) تعني داخل الأذن والمعنى انه استقر داخل أذنه شيئا. وأمر آخر دقيق نجده في الآية وهو قوله تعالى, كأن في أذنيه وقرا ، ذلك لان ما في القرآن ذو دقة لفظية وعلميه لذلك فان الله سبحانه وتعالى يقول (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) أي أن الأذنين لا تسمعان جيدا كأن فيها وقرا يسدها ، فلو قال سبحانه وتعالى كأن في أذنه ( أذن واحده ) وقرا فان انسداد أذن واحده( وهذا يحدث كثيرا حيث أن أذنا واحده تسد بالشمع ) فإذا حدث انسداد في أذن واحده فلن يؤثر كثيرا على السمع وسيسمع بصورة طبيعية تقريبا ، لذلك قال سبحانه وتعالى (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) ، وجود الشمع والانسداد في الأذنين سوف يؤدى إلى ضعف السمع حيث أن السمع سيتحول من الطريق الهوائي إلى السمع من الجمجمة ( سمسونرايت 357 ) (كانون للفسلجه ص179) والسمع من خلال الجمجمة يكون بطيئا وغير واضح ، وقد يكون غير متساوي على الجهتين مما يؤدى إلى عدم فهم ما يقال ،إضافة إلى أن الأصوات ذات الشدة العالية والذبذبة العالية هي التي تصل إلى الأذن الداخلية لذلك الإنسان (كانون للفسلجه ص179) ، إضافة إلى أن طبقة الصوت التي تمر من خلال العظام ستكون عالية أي آن الذبذبة العالية هي التي لها قابلية الاختراق إلى الأذن بينما الترددات الواطئة سوف لن تسمع أبدا مع انسداد شمعي في الأذن الخارجية وسيسمع من في أذنيه وقرا جزء الكلمة العالي التردد كمخرج السين والراء بينما الطاء والفاء والميم لا تكاد تسمع فيتشوه المسموع من الكلام وقد يفهم بغير معناه المطلوب ،إضافة إلى ذلك عند الانسداد بالوقر فان الإنسان سوف يسمع نفسه إذا تكلم فتنتقل الذبذبات من حنجرته إلى أذنه من خلال العظام فيسمع صوته متضخما وكاملا وواضحا جدا أوضح من الصوت عندما لا يكون فيها شمعا وانسدادا ، ولكي يتضح الأمر أكثر حاول أن تضع أصبعيك في أذنيك بقوة لتكون بدل الوقر ثم تكلم وقارن مع ما تسمعه من الأصوات الخارجية ستجد أن الصوت القادم من الآخرين سيضعف بينما صوتك الذي تتكلم به سيقوى ويكون انعكاس ذلك على نفسك ، لذلك عندما قال سبحانه وتعالى (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) كان مطابقا تماما لما هو عليه ، فهو إذا تتلى عليه آياتنا ولا مستكبرا وتصرف وكأنه لم يسمعها ، بينما سمع لهو الحديث وباطله بقوه أي سمع نفسه فقط وصدق نفسه ، فهو ( كأن لم يسمعها ) وهو (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ) فكأن هنا في الحالتين تدل على انه ليس في أذنيه وقرا ولكن تصرف لأنه في ضلاله وغيه فكأنه كذلك ، فكم دقيق هذا الكلام وكم عجيب هذا القران ، فهو وحتى في القصص وفي التهديد وفي الوعيد وفي الوصف فانه كلام علمي دقيق جدا ليس فيه ولا عوج واحد. والنقاط المهمة هنا هي

1- أن الله سبحانه وتعالى ذكر الوقر وأعطانا إشارة علميه على أن هناك نظام لتنظيف الأذن ذاتيا فإذا توقف هذا النظام فان الأوساخ والشمع ستقر في الأذن وسماها وقرا.

2- أن هذا الوقر سيؤدي إلى حاله من الصمم الجزئي حالة تجمعه بكثرة وستكون نتائجه ضعف في السمع وعدم وضوح في المسموع لذلك عندما ولى الكافر مظهرا انه لم يسمعها والحقيقة انه سمعها (كأن لم يسمعها) والكلمة تدل على عدم اكتمال السمع فوصفها سبحانه وتعالى كأن في أذنيه وقرا، ومما يثبت أن الوقر يعني انسداد الأذن هو ذكره تعالى للوقر عندما يتكلم عن الأذن وليس السمع وهي كثيرة في القرآن كما سنرى, ولم يذكر في أي موضع ولا مرة واحده الوقر مع السمع.

3- من كان في أذنيه وقرا فانه سيسمع كلامه او رأيه أكثر من سماعه كلام الآخرين فاستعملت في المصحف بالمكان الصحيح تماما.

4-إن الحالة لن تكون فعاله حتى يكون الوقر في الأذنين فلو كان في القرآن ( كأن في أذنه وقرا) لكان خطا علميا جسيما فأذن واحده تكفي للسمع علميا وقد جاء السمع مفردا وهذا ما يطابق العلم تماما.

إلى اللقاء في الجزء التالي من الصمم في القرآن الكريم .

د. عمر الراوي

 

 

 

 

اترك تعليقاً