هدية لأمي

هدية عيد الأم

من أين اشتري الهدية؟ قالها في نفسه وهو يقف على الطريق، والشمس قد لوت عنقها إلى المغيب, فغداً يوم الأم.

قال لي صديقي: إنه اشترى هدية ثمينة لأمه! وقال: إنه ذهب إلى أبيه وأعطاه كامل المبلغ!.

صديق آخر قال لي: إنه جمع مصروف أسبوع واشترى هدية جميلة لأمه!.

ولكن من أين أجمع مبلغ الهدية لأمي، فمصروفي في سنة لا يعادل مصروف أأسبوع واحد لأحدهما! ولكن هديتي لأمي متواضعة، وأمي ترضى بالقليل.

أحد أصدقائي أهدى لأمه ثوباً جميلاً ولم تكن راضية؛ لأنه في السنة السابقة أخذ من أبيه مبلغاً كبيراً، واشترى لها هدية ثمينة!.

وصديق آخر أعطى أمه هدية بسيطة جداً، فهم فقراء مثلي، وأمه فرحت بالهدية!.

أما أنا فلم أقدم مرة لأمي هدية! لذلك سأهديها هذا العام هدية مناسبة، ولك ماذا أفعل؟ ليس لدي نقود لشراء الهدية..!

لو سرقت! فإن الله سيغضب عليّ، وستغضب علي أمي أيضا. ولن تفرح بالهدية إذا عرفت ذلك!.

قال لي جدي: لو عندي مال لأعطيتك! جدي صادق، جدي لا يكذب أبداً.

ولكني وجدت الحل! عندما خطرت لي خاطرة! فأخذت حافظة المثلجات من صديقي، ليوم واحد، وأقرضني مبلغا لشراء المثلجات، وقال لي:

–       الربح كله لك! فقط؛ أرجع لي ما أعطيتك من نقود، لا أريد منك ربحا!.

إنه يعرف أني أريد شراء هدية لأمي..

***

منذ الصباح وأنا أقف على الطريق، ولم أبع سوى نصف المثلجات، ولو تلفت فسأخسر، والهدية يجب أن أقدمها غداً.. فغداً هو يوم الأم! فماذا سأفعل؟

شجعني جارنا وقال: إن الله هو الرزاق، اعمل يا بني لتحصل على المال.

ولكن ذلك يتطلب ترك المدرسة.. هل أترك المدرسة!؟ لا..! هذا لن يكون! جدي ساعدني كثيرا، ووعدته ألا أترك المدرسة، وسأعمل يوما واحدا فقط لأجل الهدية.

المثلجات على وشك أن تتلف، ماذا سأفعل!؟ لن أقدر على شراء الهدية إذا لم أبع كل المثلجات..!

أخذ نفساً عميقاً، وصار يردد بصوت حزين، يدافع نوبة بكاء تريد أن تغلبه!

يا رب، يا رب! يا إلهي أرجوك! أريد فقط ربح هذه المثلجات.. لأشتري هدية لأمي..

وتلاشت الكلمات بين شفتيه وهو يردد: يا رب.. يا رب..!

تذكر كلمة أستاذه أن الدعاء من اللسان فقط؛ لا يسمع، ولا يستجاب حتى يكون من القلب! فقال في نفسه متحسرا: كيف يكون من القلب؟ يا رب اعتبره من القلب! إذا لم يكن من القلب لا أعطي هدية لأمي! يا رب.. يا الله يا الله..!

جفل! إذ كادت سيارة أن تصدمه! كان في السيارة مجموعة من الشباب، ففتح السائق زجاج السيارة وسأله:

– كم عندك يا ولد؟

– عندي عشرين قطعة!

– هاتها كلها، كم ثمن عشرين قطعة؟

– كذا وكذا..

أخرج الشاب مبلغا من المال يزيد قليلاً، وقال له:

-خذ..! والباقي لك. وسارت السيارة مسرعة.

سالت الدموع على خديه بغزارة، ورفع يده إلى السماء وهو يردد:

–       شكرا لله.. شكرا لله.. شكرا لله!.

***

أرجع حافظة الثلج لصديقه، وأعاد له المبلغ الذي أقرضه، وشكره!.

ركض إلى السوق قبل أن تغلق أبوابها , وقف امام أحد المحال، وتكلم بهدوء:

– أرجوك يا عم! أريد صندوق شموع.

-حاضر يا بني، ولكن ثمنها ثلاث مئة دينار، هل معك ثمنها؟

– عندي مائتان وخمسون دينار فقط..!

– لا، لا يكفي.. أكمل المبلغ، ثم تعال.

– أرجوك يا عم! لقد تغيبت هذا اليوم عن المدرسة، وعملت طوال اليوم ببيع المثلجات، وهذا كل ما كسبته!

– لا، لا أستطيع أن أبيعك بأقل من ذلك.. يابني.

– أرجوك.. فغدا يوم الأم، ويجب أن أقدم لأمي الهدية!

– خذ هدية أخرى بثمن أقل.

– لا يا عم.. فهي بحاجة إلى الشموع!

وأخذ يبكي بحرارة. نظر إليه صاحب المحل بحنان، وقال متعجبا:

– لماذا تبكي يا بني، ولماذا تريد تقديم الشموع لأمك؟

– لأنهم دفنوا أمي بعيدا عن أبي، وجدي يقول لي: هم يلتقون في الليل! فكيف سترى أمي الطريق في الليل!؟ وكيف سترى أبي في الظلام!؟ أنا أريد الشموع حتى أشعلها لها لتستطيع الذهاب إلى أبي وتراه..! فهذه كانت أمنيتها قبل أن تموت!.

اترك تعليقاً