ضيقا حرجا

ضيقا حرجا

يقول سبحانه و تعالي ( فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) ( الأنعام 125 ) .

 

مختصر راي المفسرين في هذه الآية

 

 

من اراد الله هدايته لأنه جاء بعمل صالح فان الله يلقي في قلبه نورا يطمئن به ويضئ روحه ومن اراد ان يضله يجعل قلبه متضايق كالأشجار المتشابكة التي لا ثمر فيها، كانه كلما اقترب من الايمان وجد فيه صعوبة كأنما يتسلق نحو الاعلى .

 

التفسير العلمي لهذه الآية

 

 

إن الهداية للإنسان هي نعمة عظيمة ، وعلى كل من حصل عليها أن يتمسك بها فهي كالصحة فلن يعرف قيمتها حتي تذهب منه ، فهو وهو مهتدي يحس بطمأنينة الطفل في حضن أمه لا يخاف شيئاً ما دام هو عندها ويحس بارتياح نفسي داخلي يجعل كل تكليف ديني من صوم وصلاة وقراءة قرآن وصنوف العبادة والطاعات يجعلها سعادة وراحة واطمئنان ، فتدخل سعادة غامرة إلى نفسه لا يستطيع أن يعرف قيمتها إلا المؤمن ، لذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يقولون ( إنا نجد في الدين لذة لو علم بها الملوك لقاتلونا عليها بسيوفهم ) وهذا انعكس في الأمة الإسلامية بصورة عامة فمعدل الانتحار في البلاد الإسلامية هو 1 / 30 من نسبته في الدول الأوروبية ، وبصورة علمية أدق فإن أخذنا عينات متماثلة أي في بلدين أحدهما مسلم والآخر غير مسلم وهما بنفس المستوي المعيشي ونفس المستوي الاجتماعي ونفس المستوي المهني أي عينة متطابقة لوجدنا أن الانتحار عند غير المسلمين عشرة أضعاف نسبته عند المسلمين ، وليس هذا فقط بل كل موازين السعادة الاجتماعية وانعكاساتها من الطلاق والخيانة والجريمة العامة والقتل و الاغتصاب إلى آخره من موازين السعادة الاجتماعية نجد أن المجتمع المسلم يفوق غيرة مرات عديدة من ناحية السعادة , وبالمقابل المجتمع الغير مسلم يفوقه من حيث الجريمة ، فهذا هو فعل الإيمان الصحيح والاعتقاد السليم انعكس على تصرفات المسلمين إيجابياً ، سعادة وسلامة اجتماعية ، أما من أبتعد عن الدين وأدار وجهه عن الطريق الصحيح فهو يتعذب ويتصارع في داخل نفسه فهو يعلم أن الدين حق وأن الله هو رب العالمين ولكن شهواته ونفسه وشيطانه يغرانه ويبعدانه فيتصارع ذلك في قلبه فيضيق ويتكاثف الفعل ورد الفعل في نفسه فيصبح حرجاً وكلمة حرجاً تعني متزاحماً وهي غير حَرٍجاً ، الحَرَج والحراج هو الزرع الطبيعي يتكاثف بين نافع وضار ويضعف بعضه بعضا ولا يترك مكاناً ومتنفساًَ للمثمر من الأشجار لذلك سترى شجرة مثمرة دمرها ما يتعلق عليها وأضعفها و أمتص كل المغذيات في تربتها من حولها وحتي لو أثمرت ستثمر ثمراً ضعيفاً و سيئاً لا يصل إليه أحد لكثرة ما تشابك عليه من الشوك والأدغال والعوالق ، فالقلب أصبح ضيقاً جداً ولم يبقي فيه متنفساً فينعكس هذا الصراع الفكري الداخلي على نفسيته وارتياحه , فتراه مكتئباً يأخذ الأنفاس العميقة وكأنه مختنق ويحس بجوع الهواء، لا ينفعه أخذ النفس العميق ، فوصف سبحانه وتعالي حالته بأنه( كأنما يصعَد في السماء ) فماذا يحدث لمن يصعد في السماء؟

إن الإنسان الاعتيادي يحتاج إلي نسبة أكسيجين في الهواء 21% وبالضغط الجوي الاعتيادي ليكون نفسه طبيعياً بالمعدل المثالي للنفس المرتاح والذي يسمي علمياً ( تايدل فوليوم ) وهذا يكون عند الرجل البالغ 500 سم3 وبسرعة 12 الى 15 نفس بالدقيقة، اي من 6-8 لتر من الهواء في الدقيقة وهذا يعني ان 250 سم3 من الاوكسجين يدخل الجسم في الدقيقة (كانون للفسلجه ص647) ،تعتمد كمية الاوكسجين الداخلة الى الجسم على ضغطه الجزئي اي حصته من الضغط لكل الغازات في الهواء المتنفس ، لذلك سيكون ضغط الاوكسجين يساوي ضغط الجو مضروبا في نسبة الاوكسجين في الهواء المتنفس منه لذلك فالضغط الجزئي للأوكسجين في الجو عند سطح البحر هو ،0.21 ×760 والنتيجة 160 ملم زئبق اما إذا كان قد تعرض لإجهاد فإن هذا التنفس يزداد وبنفس معدل زيادة الإجهاد وقد يصل إلى الحد الأعلى من قابلية الإنسان والذي هو 5000 – 7000 سم3 وسرعة التنفس ستزداد لتعوض الزيادة ، وسبب ذلك هو زيادة حاجة جسم الإنسان للأوكسيجين عند الإجهاد ، ولكن لو ان حاجة الإنسان للأوكسيجين لم تزداد ولكن قلت نسبة الأوكسيجين في الهواء فإن الإنسان سيزيد من عمق أنفاسه ليعوض قلة الأوكسيجين فيه ، عندما يصبح الضغط الجزئي للأوكسجين اقل من 60 ملم زئبق فان الانسان يبدا يتحسس نقص الاوكسجين (كانون للفسلجه ص676) ، وفي حالة الصعود إلى الأعلى فبالرغم من ان نسبة الاوكسجين في الهواء ثابتة الا ان الضغط الجزئي سينخفض حيث ان الضغط الكلي سينخفض فأن ضغط الأوكسيجين داخل الرئتين سينخفض وفي حالة ان اشخص غير متعود وكان الصعود مفاجئ فان حالة من العصابية وعدم الارتياح النفسي والتهيج تحدث عند الوصول الى ارتفاع6100 متر (كانون للفسلجه ص647) وقد يصل الى فقدان الوعي ، وهذا يدفع الإنسان الى ان يتنفس أعمق وأسرع لسد النقص وقد يصل إلى الدرجة القصوى من التحمل أي يتنفس بأسرع ما يمكن وأعمق ما يمكن ، ولكن ذلك لن يهيئ الهواء الكافي أو الأوكسيجين الكافي لحاجة الإنسان فيصل عندها إلى حالة اللهاث ويتضايق نفسياً مما يؤدي إلى سرعة في دقات القلب وارتفاع في ضغط الدم وسرعة في التنفس وقد يصل إلى درجة حدوث ارتشاح مائي في الرئة مما يقلل قابلية ونفاذية الأوكسيجين للدم ويزيد الأمور سوءاً فيدق القلب بسرعة أكبر فيحدث إحساساً من الضيق الشديد قد يؤدي بالإنسان إلى الصراخ من شدة الضيق النفسي وحتى لو اعطي اوكسجين 100% فان ارتفاع 10400 متر سيعطي نفس الاعراض (كانون للفسلجه ص685)، لنقارن هذه الاعرض بأعراض الكآبة والصراع النفسي ، فالكافر هنا متضايق نفسياً ويأخذ الأنفاس العميقة من الاكتئاب نتيجة للابتعاد عن الطريق الحق إلى باطل الضالين وكلما حاول الاقتراب من الايمان احس بهذا الضيق لسوء عمله وكسبه ( كذلك جعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) فيكون الرجس والكآبة والتعاسة عليهم فتراه يأخذ الانفاس العميقة ولا تسد عطش الهواء عنده فيخرج يتنفس الهواء في الخارج وبأعمق ما يمكن ولا يكفيه فيصرخ مستغيثا طالبا الهواء وكانه يتصعد في السماء .

 

 

 

 

اقوال المفسرين في هذه الايه

 

التسهيل لعلوم التنزيل – الكلبى ج2/ص20

وضيقه وحرجه ألفاظ مستعارة ومن قرأ حرجا بفتح الراء فهو مصدر وصف به كأنما يصعد في السماء أي كأنما يحاول الصعود إلى السماء وذلك غير ممكن فكذلك يصعب عليه الإيمان وأصل يصعد المشدد يتصعد وقرئ بالتخفيف

ا

لتفسير الكبير – الرازي ج13/ص145

في الآية مسائل

المسألة الأولى تمسك أصحابنا بهذه الآية في بيان أن الضلال والهداية من الله تعالى

واعلم أن هذه الآية كما أن لفظها يدل على قولنا فلفظها أيضا يدل على الدليل القاطع العقلي الذي في هذه المسألة وبيانه أن العبد قادر على الإيمان وقادر على الفكر فقدرته بالنسبة إلى هذين الأمرين حاصلة على السوية فيمتنع صدور الإيمان عنه بدلا من الكفر أو الكفر بدلا من الإيمان إلا إذا حصل في القلب داعية إليه وقد بينا ذلك مرارا كثيرة في هذا الكتاب وتلك الداعية لا معنى لها إلا علمه أو اعتقاده أو ظنه بكون ذلك الفعل مشتملا على مصلحة زائدة ومنفعة راجحة فإنه إذا حصل هذا المعنى في القلب دعاه ذلك إلى فعل ذلك الشيء وإن حصل في القلب علم أو اعتقاد أن ظن بكون ذلك الفعل مشتملا على ضرر زائد ومفسدة راجحة دعاه ذلك إلى تركه وبينا بالدليل أن حصول هذه الدواعي لا بد وأن يكون من الله تعالى وأن مجموع القدرة مع الداعي يوجب الفعل

إذا ثبت هذا فنقول يستحيل أن يصدر الإيمان عن العبد إلاإذا خلق الله في قلبه اعتقاد أن الإيمان راجح المنفعة زائد المصلحة وإذا حصل في القلب هذا الاعتقاد مال القلب وحصل في النفس رغبة شديدة في تحصيله وهذا هو انشراح الصدر للإيمان فأما إذا حصل في القلب اعتقاد أن الإيمان بمحمد مثلا سبب مفسدة عظيمة في الدين والدنيا ويوجب المضار الكثيرة فعند هذا يترتب على حصول هذا الاعتقاد نفرة شديدة عن الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام وهذا هو المراد من أنه تعالى يجعل صدره ضيقا حرجا فصار تقدير الآية أن من أراد الله تعالى منه الإيمان قوى دواعيه إلى الإيمان ومن أراد الله منه الكفر

قوله تعالى كأنما يصعد فى السماء ففيه بحثان

البحث الأول قرأ ابن كثير يصعد ساكنة الصاد وقرأ أبو بكر عن عاصم يصاعد بالألف وتشديد الصاد بمعنى يتصاعد والباقون إليه يصعد بتشديد الصاد والعين بغير ألف أما قراءة ابن كثير يصعد فهي من الصعود والمعنى أنه في نفوره عن الإسلام وثقله عليه بمنزلة من تكلف الصعود إلى السماء فكما أن ذلك التكليف ثقيل على القلب فكذلك الإيمان ثقيل على قلب الكافر وأما قراءة أبي بكر يصاعد فهو مثل يتصاعد وأما قراءة الباقين إليه يصعد فهي بمعنى يتصعد فأدغمت التاء في الصاد ومعنى يتصعد يتكلف ما يثقل عليه

البحث الثاني في كيفية هذا التشبيه وجهان الأول كما أن الإنسان إذا كلف الصعود إلى السماء ثقل ذلك التكليف عليه وعظم وصعب عليه وقويت نفرته عنه فكذلك الكافر يثقل عليه الإيمان وتعظم نفرته عنه والثاني أن يكون التقدير أن قلبه ينبو عن الإسلام ويتباعد عن قبول الإيمان فشبه ذلك البعد ببعد من يصعد من الأرض إلى السماء

 

الدر المنثور – السيوطي ج3/ص356

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي الصلت الثقفي

أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية   ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا   بنصب الراء وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله   حرجا   بالخفض

فقال عمر أبغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا ولكن مدلجيا

فأتوه به فقال له عمر يا فتى ما الحرجة فيكم قال الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء

فقال عمر كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم

أنه قرأ   ضيقا حرجا   بكسر الراء

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة   ضيقا حرجا   أي متلبسا

وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج   ضيقا حرجا   أي بلا إله إلا الله لا يستطيع أن يدخلها في صدره لا يجد لها في صدره مساغا

وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد   كأنما يصعد في السماء   من شدة ذلك عليه

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله   ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا   يقول من أراد الله أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإسلام عليه ضيقا والإسلام واسع وذلك حين يقول   وما جعل عليكم في الدين من حرج   الحج الآية 78 يقول ما في الإسلام من ضيق

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله   يجعل صدره ضيقا حرجا   قال ليس للخير فيه منفذ   كأنما يصعد في السماء   يقول مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – الأندلسي ج2/ص343

والقول في قوله ومن يرد أن يضله كالقول في قوله فمن يرد الله أن يهديه وقوله يجعل صدره ضيقا حرجا ألفاظ مستعارة تضاد شرح الصدر للإسلام ويجعل في هذا الموضع تكون بمعنى يحكم له بهذا الحكم كما تقول هذا يجعل البصرة مصرا أي يحكم لها بحكمها

قال القاضي أبو محمد وهذا المعنى يقرب من صير وحكاه أبو علي الفارسي وقال أيضا يصح أن يكون جعل بمعنى سمى كما قال تعالى وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا أي سموهم قال وهذه الآية تحتمل هذا المعنى

قال القاضي أبو محمد وهذا الوجه يضعف في هذه الآية وقرأ جمهور الناس والسبعة سوى ابن كثير ضيقا بكسر الياء وتشديدها وقرأ ابن كثير ضيقا بسكون الياء وكذلك قرأ في الفرقان قال أبو علي وهما بمنزلة الميت والميت قال الطبري وبمنزلة الهين واللين والهين واللين قال ويصح أن يكون الضيق مصدرا من قولك ضاق والأمر يضيق ضيقا وضيقا وحكي عن الكسائي أنه قال الضيق بشد الضاد وكسرها في الأجرام والمعاش والضيق بفتح الضاد في الأمور والمعاني وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي حرجا بفتح الراء وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر حرجا بكسرها قال أبو علي فمن فتح الراء كان وصفا بالمصدر كما تقول رجل قمن بكذا وحرى بكذا ودنف ومن كسر الراء فهو كدنف وقمن وفرق وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها يوما بفتح الراء فقرأها له بعض الصحابة بكسر الراء فقال ابغوني رجلا من كنانة وليكن راعيا من بني مدلج فلما جاءه قال له يا فتى ما الحرجة عندكم قال الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية

قال عمر كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير وقوله تعالى كأنما يصعد في السماء أي كأن هذا الضيق الصدر يحاول الصعود في السماء حتى حاول الإيمان أو فكر فيه ويجد صعوبته عليه كصعوبة الصعود في السماء قال بهذا التأويل ابن جريج وعطاء الخراساني والسدي وقال ابن جبير المعنى لا يجد مسلكا إلا صعدا من شدة التضايق وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي يصعد بإدغام التاء من يتصعد في الصادوقرأ عاصم في رواية أبي بكر يصاعد بإدغام التاء من يتصاعد في السماء وقرأ ابن كثير وحده يصعد وقرأ ابن مسعود والأعمش وابن مصرف يتصعد بزيادة تاء و في السماء يريد من سفل إلى علو في الهواء قال أبو علي ولم يرد السماء المظلة بعينها وإنما هو كما قال سيبويه والقيدود الطويل في غير سماء يريد في غير ارتفاع صعدا قال ومن هذا قوله عز وجل قد نرى تقلب وجهك في السماء أي في وجهة الجو

 

تفسير أبي السعود ج3/ص183

ومن يرد أن يضله   أي يخلق فيه الضلال بصرف اختياره إليه   يجعل صدره ضيقا حرجا   بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يكاد يدخله الإيمان وقرىء ضيقا بالتخفيف وحرجا بكسر الراء أي شديد الضيق والأول مصدر وصف به مبالغة   كأنما يصعد   ما هذه مهيئة لدخول كأن على الجمل الفعلية   في السماء   شبه للمبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يكاد يقدر عليه فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة وفيه تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه واصل يصعد يتصعد وقدقرىء به وقرىء يصاعد وأصله يتصاعد

 

تفسير ابن كثير ج2/ص176

وقوله تعالى   ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا   قرئ بفتح الضاد وتسكين الياء والأكثرون ضيقا بتشديد الياء وكسرها وهما لغتان كهين وهين وقرأ بعضهم حرجا بفتح الحاء وكسر الراء قيل بمعنى أثم قاله السدي وقيل بمعنى القراءة الأخرى حرجا بفتح الحاء والراء وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدى ولا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان ولا ينفذ فيه وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا من الأعراب من أهل البادية من مدلج عن الحرجة فقال هي الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل اليها راعية ولا وحشية ولا شيء فقال عمر رضي الله عنه كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير وقال العوفي عن بن عباس يجعل الله عليه الإسلام ضيقا والإسلام واسع وذلك حين يقول   ماجعل عليكم في الدين من حرج   يقول ماجعل عليكم في الإسلام من ضيق وقال مجاهد والسدي ضيقا حرجا شاكا وقال عطاء الخرساني ضيقا حرجا أي ليس للخير فيه منفذ وقال بن المبارك عن بن جريج ضيقا حرجا بلا إله إلا الله حتى لا يستطيع أن تدخل قلبه كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه وقال سعيد بن جبير يجعل صدره ضيقا حرجا قال لا يجد فيه مسلكا إلا صعدا وقال السدي كأنما يصعد في السماء من ضيق صدره وقال عطاء الخرساني   كأنما يصعد في السماء   يقول مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلى السماء وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس   كأنما يصعد في السماء   يقول فكما لا يستطيع بن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه وقال الأوزاعي   كأنما يصعد في السماء   كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا أن يكون مسلما وقال الإمام أبو جعفر بن جرير وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه يقول فمثله في امتناعه من قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه مثل امتناعه عن الصعود إلى السماء وعجزه عنه لأنه ليس في وسعه وطاقته

 

تفسير البيضاوي ج2/ص450

ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا   بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان وقرأ ابن كثير   ضيقا   بالتخفيف ونافع وأبو بكر عن عاصم

 

تفسير البيضاوي ج2/ص451

حرجا بالكسر أي شديد الضيق والباقون بالفتح وصفا بالمصدر   كأنما يصعد في السماء   شبهة مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ونبه به على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه وأصل يصعد يتصعد وقد قرئ به وقرأ ابن كثير   يصعد   وأبو بكر عن عاصم يصاعد بمعنى يتصاعد

 

تفسير الثعالبي ج1/ص557

وقرأ حمزة وغيره حرجا بفتح الراء وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها يوما بفتح الراء فقرأها له بعض الصحابة بكسر الراء فقال أبغوني رجلا من كنانة وليكن راعيا وليكن من بني مدلح فلما جاء قال له يا فتى ما الحرجة عندكم قال الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية قال عمر كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير وقوله سبحانه   كأنما يصعد في السماء   أي كأن هذا الضيق الصدر متى حاول الإيمان أو فكر فيه يجد صعوبته عليه والعياذ بالله كصعوبة الصعود في السماء قاله ابن جريج وغيره وفي السماء يريد من سفل إلى علو وتحتمل الآية أن يكون التشبيه بالصاعد في عقبة كؤد كأنه يصعد بها في الهواء ويصعد معناه يعلو ويصعد معناه يتكلف من ذلك ما يشق عليه وقوله

 

تفسير الجلالين ج1/ص184

فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله كما ورد في حديث ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقا بالتخفيف والتشديد عن قبوله حرجا شديد الضيق بكسر الراء صفة وفتحها مصدر وصف فيه مبالغة كأنما يصعد وفي قراءة يصاعد وفيهما ادغام التاء في الأصل في الصاد وفي أخرى بسكونها في السماء إذا كلف الإيمان لشدته عليه كذلك الجعل يجعل الله الرجس العذاب أو الشيطان أي يسلطه على الذين لا يؤمنون

 

تفسير السعدي ج1/ص272

فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون   يقول تعالى ـ مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته وعلامة شقاوته وضلاله ـ إن من انشرح صدره للإسلام أي اتسع وانفسح فاستنار بنور الإيمان وحيي بضوء اليقين فاطمأنت بذلك نفسه وأحب الخير وطوعت له نفسه فعله متلذذا به ـ غير مستثقل ـ فإن هذا علامة على أن الله قد هداه ومن عليه بالتوفيق وسلوك أقوم الطريق وأن علامة من يرد الله أن يضله أن يجعل صدره ضيقا حرجا أي في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات فلا يصل إليه خير ولا ينشرح قلبه لفعل الخير كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء أي كأنه يكلف الصعود إلى السماء الذي لا حيلة فيه وهذا سببه عدم إيمانهم فهو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان وهذا ميزان لا يعول وطريق لا يتغير فإن من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ييسره الله لليسرى ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى

 

تفسير السمرقندي ج1/ص499

ثم قال تعالى ومن يرد أن يضله أي عن الإسلام ويجعل صدره ضيقا يعني غير موسع حرجا يعني شاكا وقال ابن عباس كالشجرة الملتفة بعضها في بعض لا يجد النور منفذا ومجازا قرأ ابن كثير ضيقا بتخفيف الياء وجزمها وقرأ الباقون بالتشديد ومعناهما واحد وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر حرجا بكسر الراء وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالنصب فهو المصدر ومن قرأ بالكسر فهو النعت

ثم قال تعالى كأنما يصعد في السماء يعني مثله كمثل الذي تكلف الصعود إلى السماء وهو لا يستطيع فكذلك قلب الكافر لا يستطيع قبول الإسلام قرأ ابن كثير يصعد بجزم الصاد بغير تشديد من صعد يصعد وقرأ عاصم في رواية أبي بكر يصاعد بالألف مع تشديد الصاد لأن أصله يتصاعد فأدغم التاء في الصاد وقرأ الباقون يصعد بتشديد الصاد والعين بغير ألف لأن أصله يتصعد فأدغم التاء في الصاد

 

تفسير السمعاني ج2/ص143

يجعل صدره ضيقا حرجا بحيث لا يصل إليه الإيمان ولا يدخله الإسلام   كأنما يصعد في السماء يقرأ على وجوه يصعد بتشديدين ومعناه يتصعد وكذا يقرأ في الشواذ وقرئ يصاعد بتشديد الصاد بمعنى يتصاعد وقرئ يصعد مخففا من الصعود ومعنى الكل واحد

وفي معناه قولان أحدهما أن معناه كأنما يكلف الصعود فلا يستطيعه وأصل الصعود المشقة وهو قوله – تعالى –   سأرهقه صعودا أي عقبة شاقة ومنه قول عمر – رضي الله عنه – ما تصعدني شيء كما تصعدتني خطبة النكاح أي ما شق علي شيء كما شقت علي خطبة النكاح

والقول الثاني معنى قوله   كأنما يصعد في السماء نبوة من الحكمة وفرارا من القرآن

 

 

تفسير الصنعاني ج2/ص218

يجعل صدره ضيقا حرجا   قالا ليس للخير فيه منفذ   كأنما يصعد في السماء   يقولان مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء

 

تفسير الطبري ج8/ص28

والحرج أشد الضيق وهو الذي لا ينفذ من شدة ضيقه وهو ها هنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الإيمان لرين الشرك عليه

وأصله من الحرج والحرج جمع حرجة وهي الشجرة الملتف بها الأشجار لا يدخل بينها وبينها شيء لشدة التفافها بها

كما حدثني المثنى قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا هشيم قال ثنا عبد الله بن عمار رجل من أهل اليمن عن أبي الصلت الثقفي أن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه قرأ هذه الآية ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا بنصب الراء

قال وقرأ بعض من عنده من أصحاب رسول الله ضيقا حرجا

قال صفوان فقال عمر ابغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا وليكن مدلجيا قال فأتوه به فقال له عمر يا فتى ما الحرجة قل الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء

قال فقال عمر كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير

حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن بن عباس ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا يقول من أراد الله أن يضله يضيق عليه صدره حتى يجعل الإسلام عليه ضيقا والإسلام واسع وذلك حين يقول وما جعل عليكم في الدين من حرج يقول ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم معناه شاكا

ذكر من قال ذلك حدثنا عمران بن موسى قال ثنا عبد الوارث بن سعيد قال ثنا حميد عن مجاهد ضيقا حرجا قال شاكا

حدثني محمد بن الحسين قال ثنا أحمد بن المفضل قال ثنا أسباط عن السدي ضيقا حرجا أما حرجا فشاكا

وقال آخرون معناه ملتبسا

ذكر من قال ذلك حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة يجعل صدره ضيقا حرجا قال ضيقا ملتبسا

حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن الحسن عن قتادة أنه كان يقرأ ضيقا حرجا يقول ملتبسا

وقال آخرون معناه أنه من شدة الضيق لا يصل إليه الإيمان

ذكر من قال ذلك حدثنا بن وكيع قال ثنا جرير عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير يجعل صدره ضيقا حرجا قال لا يجد مسلكا إلا صعدا

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن عطاء الخرساني ضيقا حرجا قال ليس للخير فيه منفذ

حدثني المثنى قال ثنا سويد بن نصر قال أخبرنا بن المبارك عن معمر عن عطاء الخرساني مثله

حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن بن جريج قوله ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا بلا إله إلا الله لا يجد لها في صدره مساغا

حدثني المثنى قال ثنا سويد بن نصر قال أخبرنا بن المبارك عن بن جريج قراءة في قوله ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا بلا إله إلا الله حتى لا يستطيع أن تدخله

واختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأه بعضهم ضيقا حرجا بفتح الحاء والراء من حرجا وهي قراءة عامة المكيين والعراقيين بمعنى حرجة على ما وصفت

وقرأ ذلك عامة قراء المدينة ضيقا حرجا بفتح الحاء وكسر الراء

ثم اختلف الذين قرؤوا ذلك في معناه فقال بعضهم هو بمعنى الحرج وقالوا الحرج بفتح الحاء والراء والحرج بفتح الحاء وكسر الراء بمعنى واحد وهما لغتان مشهورتان مثل الدنف والدنف والوحد والوحد والفرد والفرد

وقال آخرون منهم بل هو بمعنى الإثم من قولهم فلان آثم حرج

وذكر عن العرب سماعا منها حرج عليك ظلمي بمعنى ضيق وإثم

والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان مستفيضتان بمعنى واحد وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب لاتفاق معنييهما وذلك كما ذكرنا من الروايات عن العرب في الوحد والفرد بفتح الحاء من الوحد والراء من الفرد وكسرهما بمعنى واحد

وأما الضيق فإن عامة القراء على فتح ضاده وتشديد يائه خلا بعض المكيين فإنه قرأه ضيقا بفتح الضاد وتسكين الياء وتخفيفه

وقد يتجه لتسكينه ذلك وجهان أحدهما أن يكون سكنه وهو ينوي معنى التحريك والتشديد كما قيل هين لين بمعنى هين لين

والآخر أن يكون سكنه بنية المصدر من قولهم ضاق هذا الأمر يضيق ضيقا كما قال رؤبة وقد علمنا عند كل مأزق ضيق بوجه الأمر أي مضيق ومنه قول الله ولا تك في ضيق مما يمكرون

وقال رؤبة أيضا

 

تفسير الطبري ج8/ص30

أراد هدايته للإسلام ويجعل صدر من أراد إضلاله ضيقا عن الإسلام حرجا كأنما يصعد في السماء

ومعلوم أن شرح الصدر للإيمان خلاف تضييقه له وأنه لو كان توصل بتضييق الصدر عن الإيمان إليه لم يكن بين تضييقه عنه وبين شرحه له فرق ولكان من ضيق صدره عن الإيمان قد شرح صدره له ومن شرح صدره له فقد ضيق عنه إذ كان موصولا بكل واحد منهما أعني من التضييق والشرح إلى ما يوصل به إلى الآخر

ولو كان ذلك كذلك وجب أن يكون الله قد كان شرح صدر أبي جهل للإيمان به وضيق صدر رسول الله عنه وهذا القول من أعظم الكفر بالله

وفي فساد ذلك أن يكون كذلك الدليل الواضح على أن السبب الذي به آمن المؤمنون بالله ورسله وأطاعه المطيعون غير السبب الذي كفر به الكافرون بالله وعصاه العاصون وأن كلا السببين من عند الله وبيده لأنه أخبر جل ثناؤه أنه هو الذي يشرح صدر هذا المؤمن به للإيمان إذا أراد هدايته ويضيق صدر هذا الكافر عنه إذا أراد إضلاله

القول في تأويل قوله تعالى كأنما يصعد في السماء

وهذا مثل من الله تعالى ذكره ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه لأن ذلك ليس في وسعه

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل

ذكر من قال ذلك حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن عطاء الخرساني كأنما يصعد في السماء يقول مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء

حدثني المثنى قال ثنا سويد قال أخبرنا بن المبارك عن معمر عن عطاء الخرساني مثله

وبه قال أخبرنا بن المبارك عن بن جريج قراءة يجعل صدره ضيقا حرجا بلا إله إلا الله حتى لا يستطيع أن تدخله كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه

حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن بن جريج مثله

 

تفسير القرطبي ج7/ص81

حرجا بالكسر ومعناه الضيق كرر المعنى وحسن ذلك لاختلاف اللفظ والباقون بالفتح جمع حرجة وهو شدة الضيق أيضا والحرجة الغيضة والجمع حرج وحرجات ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه في تركه هواه للمعاصي قاله الهروي وقال بن عباس الحرج موضع الشجر الملتف فكأن قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى ذكره مكي والثعلبي وغيرهما وكل ضيق حرج وحرج قال الجوهري مكان حرج وحرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه تفسير القرطبي ج7/ص82

الراعية وقرئ يجعل صدره ضيقا حرجا وحرجا وهو بمنزلة الوحد والوحد والفرد والفرد والدنف والدنف في معنى واحد وحكاه غيره عن الفراء وقد حرج صدره يحرج حرجا والحرج الإثم والحرج أيضا الناقة الضامرة ويقال الطويلة على وجه الأرض عن أبي زيد فهو لفظ مشترك والحرج خشب يشد بعضه إلى بعض يحمل فيه الموتى عن الأصمعي وهو قول امرئ القيس فإما تريني في رحالة جابر على حرج كالقر تخفق أكفاني وربما وضع فوق نعش النساء قال عنترة يصف ظليما يتبعن قلة رأسه وكأنه حرج على نعش لهن مخيم وقال الزجاج الحرج أضيق الضيق فإذا قيل فلان حرج الصدر فالمعنى ذو حرج في صدره فإذا قيل حرج فهو فاعل قال النحاس حرج اسم الفاعل وحرج مصدر وصف به كما يقال رجل عدل ورضا قوله تعالى   كأنما يصعد في السماء   قرأه بن كثير بإسكان الصاد مخففا من الصعود هو الطلوع شبه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه كما أن صعود السماء لا يطاق وكذلك يصاعد وأصله يتصاعد أدغمت التاء في الصاد وهي قراءة أبي بكر والنخعي إلا أن فيه معنى فعل شيء بعد شيء وذلك أثقل على فاعله وقرأ الباقون بالتشديد من غير ألف وهو كالذي قبله معناه يتكلف ما لا يطيق شيئا بعد شيء كقولك يتجرع ويتفوق وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ كأنما يتصعد قال النحاس ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ يصعد ويصاعد واحد والمعنى فيهما أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد إلى السماء وهو لا يقدر على ذلك

 

تفسير النسفي ج1/ص344

ومن يرد   أى الله   أن يضله يجعل صدره ضيقا   ضيقا مكى   حرجا   صفة لضيقا مدنى و أبو بكر بالغا فى الضيق حرجا غيرهما وصفا بالمصدر   كأنما يصعد في السماء   كأنه كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعى إلى الإسلام من ضيق صدره عن إذا ضاقت عليه الأرض فطلب مصعدا في السماء أو كعازب الرأى طائر القلب في الهواء يصعد مكى يصاعد أبو بكر وأصله يتصاعد الباقون يصعدو أصله يتصعد

 

تفسير الواحدي ج1/ص374

ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا   شديد الضيق   كأنما يصعد في السماء   إذا كلف الإيمان لشدته وثقله عليه

تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ج1/ص119

ومن يرد أن يضله   يتركه ضالا كافرا   يجعل صدره   يترك قلبه   ضيقا   كضيق الزج في الرمح   حرجا   شكا وإن قرأت حرجا يقول لا يجد النور في قلبه منفذا ولا مجازا   كأنما يصعد في السماء   كالمكلف الصعود إلى السماء

 

روح المعاني – الألوسي ج8/ص22

ومن يرد أن يضله   9 أي يخلق فيه الضلالة لسوء اختياره وقيل المراد يضله عن الثواب أو عن الجنة أو عن زيادة الايمان أو يخذله ويخلي بينه وبين ما يريده   يجعل صدره ضيقا حرجا بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يكاد يكون فيه للخير منفذ وقرأ ابن كثير   ضيقا   بالتخفيف ونافع وأبو بكر عن عاصم   حرجا   بكسر الراء أي شديد الضيق والباقون بفتحها وصفا بالمصدر للمبالغة وأصل معنى الحرج كما قال الراغب مجتمع الشيء ومنه قيل للضيق حرج وقال بعض المحققين أصل معناه شدة الضيق فان الحرجة غيضة أشجارها ملتفة بحيث يصعب دخولها وأخرج ابن حميد وابن جرير وغيرهما عن أبي الصلت الثقفي أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ   حرجا   بفتح الراء وقرأ بعض ما عنده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم   حرجا   بكسرها فقال عمر أبغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا وليكن مدلجيا فاتوه به فقال له عمر يا فتى ما الحرجة فيكم قال الحرجة فينا الشجرة تكون بين الاشجار التي لا تصل اليها راعية ولا وحشية ولا شيء فقال عمر رضي الله تعالى عنه كذلك قلب المنافق لا يصل اليه شيء من الخير   كأنما يصعد في السماء   استئناف أو حال من ضمير الوصف أو وصف آخر والمراد المبالغة في ضيق صدره حيث شبه بمن يزاول ما لا يقدر عليه فان صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة وفيه تنبيه على أن الايمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود والامتناع في ذلك عادي وعن الزجاج معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه وأصل   يصعد   يتصعد وقد قريء به فادغمت التاء في الصاد وقرأ ابن كثير   يصعد   وأبو بكر عن عاصم   يصاعد   وأصله أيضا يه ما تقدم    كذلك   إشارة إلى الجعل المذكور بعده على ما مر تحقيقه أو إشارة إلى الجعل السابق أي مثل ذلك الجعل أي جعل الصدر حرجا على الوجه المذكور

 

زاد المسير – ابن الجوزي ج3/ص120

ضيقا   قرأ الأكثرون بالتشديد وقرأ ابن كثير ضيقا وفي الفرقان   مكانا ضيقا   بتسكين الياء خفيفة قال أبو علي الضيق والضيق مثل الميت والميت

قوله تعالى   حرجا   قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي   حرجا   بفتح الراء وقرأ نافع وابو بكر عن عاصم بكسر الراء قال الفراء وهما لغتان وكذلك قال يونس بن حبيب النحوي هما لغتان إلا أن الفتح أكثر من ألسنة العرب من الكسر ومجراهما مجرى الدنف والدنف وقال الزجاج الحرج في اللغة أضيق الضيق

قوله تعالى < كأنما يصاعد > قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي يصعد بتشديد الصاد والعين وفتح الصاد من غير ألف وقرأ أبو بكر عن عاصم يصاعد بتشديد الصاد وبعدها ألف وقرأ ابن كثير يصعد بتخفيف الصاد والعين من غير ألف والصاد ساكنة وقرأ ابن مسعود وطلحة تصعد بتاء من غير ألف وقرأ أبي بن كعب يتصاعد بألف وتاء قال الزجاج قوله < كأنما يصاعد في السماء > ويصعد اصله يتصاعد ويتصعد إلا أن التاء تدغم في الصاد لقربها منها والمعنى كأنه قد كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه ويجوز أن يكون المعنى كأن قلبه يصعد في السماء نبوا عن الإسلام والحكمة وقال الفراء ضاق عليه المذهب فلم يجد إلا أن يصعد في السماء وليس يقدر على ذلك وقال ابو علي يصعد ويصاعد من المشقة وصعوبة الشيء ومنه قول عمر ما تصعدني شيء كما تصعدتني خطبة النكاح أي ما شق علي شيء مشقتها

 

فتح القدير – الشوكاني ج2/ص160

فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام   الشرح الشق وأصله التوسعة وشرحت الأمر بينته وأوضحته والمعنى من يرد الله هدايته للحق يوسع صدره حتى يقبله بصدر منشرح   ومن يرد   إضلاله   يجعل صدره ضيقا حرجا   قرأ ابن كثير   ضيقا   بالتخفيف مثل هين ولين وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان وقرأ نافع   حرجا   بالكسر ومعناه الضيق كرر المعنى تأكيدا وحسن ذلك اختلاف اللفظ وقرأ الباقون بالفتح جمع حرجة وهى شدة الضيق والحرجة الغيظة والجمع حرج وحرجات ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه وقال الجوهري مكان حرج وحرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية والحرج الإثم وقال الزجاج الحرج أضيق الضيق وقال النحاس حرج اسم الفاعل وحرج مصدر وصف به كما يقال رجل عدل قوله   كأنما يصعد في السماء   قرأ ابن كثير بالتخفيف من الصعود شبه الكافر فى ثقل الإيمان عليه بمن .

فتح القدير – الشوكاني ج2/ص161

يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء وقرأ النخعي يصاعد وأصله يتصاعد وقرأ الباقون   يصعد   بالتشديد وأصله يتصعد ومعناه يتكلف ما لا يطيق مرة بعد مرة كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء وقيل المعنى على جميع القراءات كاد قلبه يصعد إلى السماء

 

معاني القرآن – النحاس ج2/ص486

ثم قال جل وعز   ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا   أي شديد الضيق وقرأ عمر وابن عباس   ضيقا حرجا   وروي أن عمر أحضر أعرابيا من كنانة من بني مدلج فقال له ما الحرجة فقال شجرة لا تصل اليها وحشية ولا راعية فقال كذلك قلب الكافر لا يصل اليه شيء من الايمان والخير 152 ثم قال جل وعز   كأنما يصعد في السماء   وقرأ ابن محيص وابن كثير وشبل   كأنما يصعد في السماء   وقرأ ابن عبد الرحمن المقرىء وابراهيم النخعي   كأنما يصاعد وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ   كأنما يتصعد   ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ يصعد ويصاعد واحد والمعنى فيها أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد الى السماء وهو لا يقدر على ذلك كأنه يستدعي ذلك ومن قرأ   يصعد   فمعناه أنه من ضيق صدره كأنه في حال صعود قد كلفه وقال أبو عبيد من هذا قول عمر   مات صعدتني خطبة ما تصعدتني خطبة النكاح   وقد أنكر هذا على أبي عبيد وقيل انما هذا من الصعود

 

 

اترك تعليقاً