رواية أطول ليل في التاريخ

 

كتبت هذه الرواية عام 2004 لتوضح الظروف التي مرت بالعراق منذ 1968 والى 2004 , وهذا الليل الطويل انبلج بصبح اظلم من الليل الدامس واقتم , لذلك لم انشرها .

تمثل الرواية سجناء يعيشون بظلام تحت الارض ولا يرون سجانهم , ومن ثم يموتون جميعا الا شخص واحد نجى بأعجوبة .

هنا بعض مقاطع الرواية

 

 

المقدمة 

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الرواية مزيج من الحقيقة والخيال يذكر فيها الايام العصيبة التي مر بها العراق منذ 1970 الى احتلاله من قبل القوات الأمريكية وما جرى بعده من اهوال يشيب  لها الولدان.

انا أؤكد ان احداث هذه القصة واقعيه , وهناك الكثير منها نقل مباشرة من افواه اللذين كانوا في تلك السجون , وان الكثير من الاسماء حقيقيه بعد اخذ الاذن منهم او من ذويهم. وبالرغم من ان معظم الاحداث دقيق النقل والشخصية الرئيسية لا  زال موجودا بعد اطلاق سراحه من سجن بوكه الرهيب قرب البصرة على الحدود مع الكويت, الا انني نقلت هذه الاخبار بأسلوب قصصي روائي وعلى الطريقة العراقية القديمة, او ما نسميها بطريقة الف ليله وليله حيث تنتقل في الرواية من محور الى محور, ومن راوي الى راوي وتتشعب  ثم ترجع الى الراوي الاصلي , ثم يتبعه راوي آخر لترى بدايتها في نهايتها. واستعملت مع الرواية في بدايتها صياغة الحالة النفسية معتمدا على كتب الطب النفسي لأضيف عمقا علميا على الرواية, على اساس ان ابتدأ بالمقزز المحزن وانتهي الى السعيد المفرح, لكنني لم استطع الخروج من الطريق الذي وضعته فكانت النتيجة هو انحدار اكثر  واعمق في الحالة المؤلمة الغير محزنه للشخصيات فأصابني الاكتئاب اثناء كتابتي للرواية , وكنت احس بالضيق الشديد مع كل فصل اكتبه , لا بل ولكل صفحه, فأحاول ان اجعل مخرج لكل شخصيه من محنتها فافشل ولا استطيع اخراجها ! حتى ضننت اني اصبت بمرض الاكتئاب وانفصام الشخصية ! لذلك زرت صديقا لي طبيب اختصاص امراض نفسيه , فضحك لحالتي واخذ مني صفحتين لقراءتها, ولكن لأول سطرين شد نظره اليها ولم يلتفت الي حتى قراها, وبصورة لا شعوريه ضرب مكتبه بقبضة يده بقوة جعلت كل الادوات على مكتبه تتطاير واستدار نحوي وقال, اين باقي القصة) قلت له البقيه في العدد القادم, لكنه الح علي لأعطيه باقي القصة , وكانت النتيجة انني لم استطع اكمال كتابتها الا باستعمال مضاد الاكتئاب.

ان هذه القصة ليست من القصص المحزنة التي تدفعك الى البكاء ولن تحصل على متعة البكاء والحزن!لكنها تشد القارئ اليها فاذا قراتها فلن تفرح بأخبارها , مثلها مثل الذي يريد ان يرى مقتولا , حتى اذا رآه ترك في نفسه اثرا سيئا لن يمحى من الذاكرة بسهوله.

عندما ادخلت معطيات الظلم والقهر من خلال الظلام المطلق والضيق الشديد ووصل ممزوجا بالحالة الكلية فكون انفعالات اشد بكثير من ما كنت اريده فأصبحت خطرة جدا على المصابين بالاكتئاب الحاد والاكتئاب الداخلي , وقد تدفع قارئها الى الانتحار وبالخصوص للمصابين باكتئاب الظلام واكتئاب المناطق الضيقة, وقد عرضت على اكثر من اخصائي امراض نفسيه وجربت على اكثر من حاله فكانت نتائجها رهيبة , حتى ان بعظهم  اخذ يضرب راسه بالجدار وهو يستمع الى القصة, لذا فانا احذر كل مصاب بالاكتئاب بعدم قراءتها واذكر ذلك للأمانة وللمسؤولية,  ومع هذا فالرواية ممتعه وتعطي معاني كثيره وخاصة في اكتشاف حقيقة ما يحصل للإنسان اذا وضع في مكان مظلم وضيق لمده طويله , او حالة النوم والاكل على الموتى, كما انها توسع مدارج الساكين الى القيادة والإدارة وطريقة الحصول على طاعه بدون عنف واذلال , وتوضح للدارسين الاسباب الرئيسية التي تدفع الشباب الى العنف وكيف ان افكار الجماعات التي دخلت السجون في تلك الفترة في العراق لا تدعوا الى العنف والارهاب , وان التفريخ للعنف والارهاب اصبح نتيجة الضغوط والسجون والمعتقلات والتعذيب, لا المبادئ التي كانوا يحملونها قبل دخول السجون.

هذه الرواية ليست من قصص الترهيب , فانا اختصرت ما بها من ترهيب حتى انك لتجد ما ذكر من تعذيب اقل مما ذكر في الاعلام من اخبار ابو غريب والسجون الاخرى.

اكرر تحذيري لكل مصاب بالاكتئاب بان لا يقرا هذه القصة .عليك بتركها مباشرة اذا احسست بالاكتئاب او بجفاف الريق وصعوبة التنفس او ارتجاف اليدين .

ومن الصفحة تسعين من الرواية المقطع التالي

تتبعنا الصوت إلى ممر ضيق يسمح بمرور شخص واحد ثم دخلنا إلى منطقة سعتها متر ونصف تقريباً وقبل أن ادخل إلى هذا المكان إذا بأبي بكر يصرخ بأعلى صوته الله اكبر الله اكبر، تردد الصدى في أرجاء السجن وعاد إلينا من بعيد ، أو قد يكون هناك شخص آخر كبًر معناً ردا على تكبيرتنا فدخلت مسرعاً خلفه ولم أتمالك نفسي وكبرت بصوت مجلجل، إنّ هناك شيئاً من نور يتسلل من السقف لا ادري كيف أصفه زهور متدلية من الأعلى ، نعيم عظيم لا يقدر بثمن ، رحمة إلهية انه نور الله ، أ هكذا يفرح المؤمنون يوم القيامة بالنظر إلى وجه الله الكريم ؟ ا هذا مثلا لنوره ؟ اخذ قلبي ينبض بقوة وأصبح وجهي طرياً لان الضوء تغلغل فيه واخذ الدم يتدفق إليه ليعانق الضوء والعينان اللتان لم تريا النور منذ سنين، دخلت إليها خيوط الضوء فلم استطع إغلاقها فأكثر من خيط ضوء تسلل إليها، تسمرت في مكاني انظر إلى أعلى ولم تطرف عيني فكيف لها أن تفارق نورها وسالت الدموع من عيني كثيرة على وجهي ولحيتي الطويلة فهي دموع الفرح التي كنت قد نسيتها منذ زمن بعيد، لامست خيوط الضوء جسدي العاري فدبت فيه القشعريرة وومضات جميلة وأناشيد نورانية وأهازيج وفرح ، ثم اخترق جسدي إلى قلبي الخافق وأحسست بالارتعاشة التي لم أذقها لا في حب ولا طعام ولا مال وانتهت خيوط النور إلى أصابع أقدامي ويدي فاصطدمت بالأرض فكان لها رنين كالجرس وارتقى الضوء المنعكس في عروقي وعظامي وارتفع في جسدي ليعيد له القوة المستمدة من نور الله الجليل، وما زالت ترتقي هذه الخيوط الحقيقية حتى شاهدت الظلام يفر مخذولاً من أعلى راسي ورأيت جيشه يقفر من طرفي إذني يدفعه صوت رنين الضوء دفقات متقطعة فتجمعت كلها في قلبي وفي صدري، تجمع النور وتناثرت الزهور من حولي تتراقص ملوحة برأسها فالتقى في نَفَس ٍعظيم فلم أتمالك نفسي إلا أن ينطلق جزء من النور والهواء من فمي الله، الله، الله وظننت أني أطير في الجنة وأتنقل بين أفيائها  انتبهت إلى نفسي وكأنني في حلم ولازالت الانعكاسات الضوئية في روحي وخيوط الضوء تمسك بعيني وكأني قد تعلقت بها وما هي إلا نقلة صعبة لعيني مع كثير من الدموع لأنظر إلى ما حولي وتحت هذا الضوء الخافت وكأني انظر إلى شمس صيف مشرقة، رأيت ما حولي ونظرت إلى أبي بكر الذي قد استعد للضوء أكثر مني ونظرت إلى نفسي وكيف أصبحت لحيتي والتي وصلت إلى خاصرتي وانتبهت أنني في الحقيقة في قبر، مددت يدي إلى جلدي ونظرت إليه لقد أصبح لونه مختلفا ومددت يدي إلى أبي بكر فانتفض من مكانه لقد رأيت بضعة ملابس ما تزال عليه نظر إليّ وقال :

– كيف نتصرف يا أبا محمود ؟

– سنذهب إلى الحاج عمر ونخبره سراً فان الأمر يحتاج إلى مداولة لئلا تحدث مشاكل في هذا المكان الضيق.

وفعلا ذهبنا إلى الحاج عمر ولم نكد نخبره حتى اضطرب ولم يستطع الكلام وقام معنا من توه وسار مسرعا معنا إلى المكان وما كاد يرى النور حتى جلس على ركبتيه ورأسه متجه صوب النور ولم يستطع أن يحيد بوجه عنه وكأنه يريد أن يستلهم النور الإلهي، رأيت وجهه النوراني ولحيته البيضاء وكأنه قطعة نور لم يستمر طويلاً بل رجع إلى الخلف وسحبنا.

– لا تنظر إليه كثيراً فهذا ضوء وليس نور وسيستهلك قابليتكم على الصبر ومتعته تستهلك ما في الروح من طاقة.

الحقيقة لم افهم ما قاله لكني أسرعت معه تاركاً الضوء خلفي وجلسنا معاً.

– لابد للأمر أن ينكشف وسوف تكون فتنة عظيمة فعلينا أن نرتب الأمور فبعد أن توفر الطعام والماء جاءنا الضوء ولكن لمن لم ير النور منذ سنوات سيكون له كالأفيون واستطرد الحاج قائلا: إنّ المتعة التي نحصل عليها سيكون بعدها ضيق وحزن ومن ذلك فهمت ما جرى وأنا انظر إلى النور.

اترك تعليقاً