الطفلة الصغيرة ندى

ندى

بنتهم الجميلة الصغيرة ندى عمرها سنتان وشعرها احمر وعيونها زرقاء صافية كالسماء هادئة جدا واحبوها كثيرا كان ابوها من مدينة بعيدة ولما كان ابواه قد توفيا ولا اخ ولا اخت له فلذلك استقر في هذه المدينة الجميلة بعد ان تزوج بأم ندى الموظفة معه في المكتبة العامة والتي احبها كثيرا. بنتهم الجميلة لم تنم ليلتها انها تصرخ بشدة وترفض النوم وهذه اول مرة تفعل ذلك

  • يا ابا ندى انتصف الليل ولا ادري ما جرى لبنتنا؟

–اظن السبب هو صوت المقاومات ودوي القنابل الذي يهز المدينة كلها

  • لا يا ابا ندى لقد نامت في الايام الماضية وقد مضى على ضرب الطائرات لنا اكثر من عشرة ايام.

حاولوا معها كل الطرق ففركت لها بطنها كما كانت تفعل امها واعطتها قطرات مغص ومهدئ ولكن ندى لم تكف عن البكاء حتى الصباح. كانت ام ندى حامل في الشهر التاسع ومتعبة جدا قالت لزوجها

  • لن استطيع الذهاب معك الى الطبيب خذها وحدك فأنا احس بآلام في بطني
  • استريحي يا حبيبتي سآخذها الى المستشفى واعود بعد ساعة ان شاء الله.

لم يكن بيتهم بعيد عن المستشفى ولا يحتاج الى واسطة يكفي مشيا على الاقدام لعشرة دقائق حمل بنته الصغيرة التي لازالت تصرخ وقد احمرت عيناها من البكاء وسار بها الى ان وصل المستشفى وما ان دخل على الطبيب حتى سكتت تماما فحصها الطبيب فلم يجد عندها شئ

  • انها سليمة مئة بالمئة ولا تحتاج الى علاج
  • –ولكن يا دكتور لم تسكت طوال الليل لقد كانت تصرخ بقوة حتى وصلنا الى المستشفى. نظر اليه الطبيب متعجبا
  • انها بخير ولن يتكرر ذلك عليها ان شاء الله فحملها وما ان خرج من غرفة الطبيب حتى سمع صوت انفجار شديد اهتزت له المستشفى لا بل المدينة كلها وكأنه رأى زوجته مرمية على الارض وقد سمع صوت استغاثتها
  • ياالهي لقد اثر الصوت على عقلي ولكن علي ان اسرع الى البيت اخذ يوسع الخطى ويحث السير والقلق يسيطر عليه فأخذ يظم ندى الهادئة الجميلة الى صدره ولكن ما ان اقترب من منطقته حتى شاهد ان القيامة قامت وآلاف الناس اكتظت بهم المنطقة وسمع عويل الاطفال والنساء وبكاء الرجال والشيوخ.سأل احد الواقفين فأجابه:

–لقد اصيبت عشرة بيوت والقتلى كثيرون. خفق قلبه بشدة واخترق الصفوف ووصل الى داره الذي اصيب بأضرار بسيطة من الخارج دفع الباب ودخل فلم يستطع النظر لقد سقطت قطعة سمنت كبيرة على بطن زوجته فمزقتها فسقط على الارض وانقطعت انفاسه واستيقظ بعد لحظات على صوت بنته ندى التي كانت تقبل امها وتصيح ماما ماما .حمل بنته وخرج ونادى على المساعدة انهم كانوا مشغولين بالبيوت المهدمة ولم ينتبهوا لهم الا بعد مدة. اخرجوها من تحت الكونكريت ووضعوها مسجاة مع كثير من الجثث التي دفنت مساء ذلك اليوم الرهيب. لم يعد البيت صالحا للسكنى لقد سقطت السقوف وانخلعت الابواب وماتت الزوجة الحبيبة التي بكى عليها كما تبكي النساء وحمل بنته يطوف بها المدينة من الصباح حتى المساء وكان يسير وهو يبكي بصوت خافت والتجأ في النهاية الى غرفة في فندق في سوق المدينة. مضت خمسة ايام اخرى وهو يطوف ببنته ويأوي اخر النهار في الفندق ولا يدري ما يفعل. في احد الايام خرج مبكرا وكان هدير المقاومات يصم الاذان وصوت الطائرات ودوي القنابل في كل مكان وبنته الباكية على أمها يحملها على صدره خرج مسرعا ولا يدري لماذا وبدون وعي وصل الى داره نظر اليها نظرة طويلة وبكى وكأنه كان يودعها الوداع الاخير ورجع الى السوق متعبا مرهقا جلس عند صاحب دكان صديق له على مقعد صغير

  • لماذا تحمل بنتك معك يا ابا ندى؟ . قص عليه مصيبته وهو يبكي بحرارة واخذت بنته تبكي معه وكانت الدموع تنزل على خد صاحب الدكان كان مرهقا جدا فانزل بنته من يده وقبلها وقال لصاحب الدكان

–ارجوك ابقي بنتي عندك لحظات واعود اليك لقد نسيت حاجة لي في الفندق. اسرع نحو الفندق فهو لا يريد ان يفارق بنته ولا لحظة واحدة حتى انه اخذ يركض بسرعة كالمجنون وكان يصطدم بالمارة الذين اكتظت بهم السوق ودخل الفندق وصعد الى غرفته وبعد لحظات انطلقت صواريخ حاقدة على السوق ولم يبق من الفندق حجر على حجر لقد قتل كل من في الفندق ومئات في السوق قربه اما صاحب الدكان فبعد ان تطايرت اغراض محله وانقلبت الدنيا عليه وتأخر ابو ندى عنه اخذ البنت وذهب الى البيت قالوا في اخبار ذلك اليوم انهم قصفوا جسر المدينة بأحدث طائرات التورنادو التي لا تخطئ هدفها ولكن الصواريخ سقطت على السوق قال لي صديق ان ندى الآن عند خالها فطائرات التورنادو بحثت عن خالها ليقضوا عليه فهم لا يريدون لهذه الطفلة من يرعاها.

اترك تعليقاً