مرحلة الصمم التام

 

 

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم,الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ذكر الصمم في القرآن الكريم بكل المستويات المعروفة علميا , أي من درجة الصمم النفسي الإرادي إلى درجة الصمم المركزي الأصيل ,وكلها ذكرت بأسلوب إعجازي ودقيق جدا يطابق آخر ما توصل اليه العلم الحديث, وبدون لي لعنق النص ولا إهلاك المعلومة الطبية الدقيقة .

للصمم درجات , والكلام هنا لكتب علم وظائف الأعضاء( الفسلجة) ولكتب علم الأذن والأنف والحنجرة التي هي إحدى الاختصاصات الدقيقة في الطب, والصمم يبتدئ بالصمم الإرادي النفسي فالصمم المقنع فصمم قناة الأذن الخارجية فالداخلية يليه صمم العصب السمعي ثم الصمم المركزي بنوعيه , وكما سنرى فكلها مذكورة بدقة عالية في المصحف مما يدهش الأطباء , والمعتصمين بالعلم الحديث .بنوعيه مع التفصيلات الفرعية للصمم, وكما سنرى فكلها مذكورة بدقة عالية في القرآن الكريم مما يدهش الأطباء , والمعتصمين بالعلم الحديث

ولقد أسلفنا في الجزء الأول أن هناك أربعة أنواع للصمم وهي : الصمم الإرادي النفسي و الصمم المقنع (MASKING) و صمم الانتقال الصوتي (CONDUCTION DEAFNESS) ونوع آخر من صمم الانتقال الصوتي (كأن في أذنيه وقرا) وتطرقنا إلى توافق العلم مع الآيات التي نزلت بهذا الخصوص.

كما أوردنا في الجزء الثاني ثلاثة أنواع للصمم وهي : صمم الانتقال الصوتي (CONDUCTION DEAFNESS)(في أذنيه وقرا) وصمم مركزي (NERVE DEAFNESS) و صمم الانتقال الصوتي (CONDUCTION DEAFNESS وفي النهاية ذكرنا خطوة نحو صمم أعلى ( اكنة ووقر وحجاب).

وفي الجزء الثالث ذكرنا ثلاثة أنواع من الصمم وهي درجة من الصمم (فلن يسمعوا الحق بعدها) وصمم العوازل (وما أنت بمسمع من في القبور), ثم جاء بعدها الإقفال الكامل على السمع أو ما يعادل الصمم التام.

وبالانتقال إلى المرحلة التالية من الصمم يتبين لنا ما يلي :

 

 

مرحلة الصمم التام

الأصم ولغة الإشارة

إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ) (80-81) (النمل)

فَإِنَّكَ لاتُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاتُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْت َبِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (الروم 52 _53)

ونظرا للتشابه القريب في الآيتين من سورة الروم والآيتين من سورة النمل فعليه سنذكرهما سوية ونعتمد تفسيرهما على أساس مصدريهما عندها لا نجد فرق في تفسيرهما.

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

أن المعنى,أنك لا تسمع الموتى, أي لا تسمع الكفار الذين أمات الله قلوبهم وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه إسماع هدى وانتفاع فمقابلته جل وعلا بالإسماع المنفي في الآية عن الموتى بالإسماع المثبت فيها لمن يؤمن بآياته فهو مسلم، دليل واضح على أن المراد بالموت في الآية موت الكفر والشقاء , قابل قوله آن تسمع إلا من لم يمت دلت على أن المراد بالموتى هنا الأشقياء , وما يستوي الأحياء ولا الأموات   أي لا يستوي المؤمنون والكافرون هذا مثل ضرب للكفار والكفار يسمعون الصوت لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه وإتباع فهكذا الموتى ، اعلم أن الذي يقتضي الدليل رجحانه هو أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من كلمهم فأن سماع الموتى ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة ثبوتا لا مطعن فيه

يقول لو أن أصم ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يستمع, هو تأكيد لحال الأصم لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولي عنه مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته،و كونهم كالموتى والصم والعمى موجب لقطع الطمع عن مشايعتهم ومعاضدتهم مواساة لرسول الله، ولا ريب في أن الأصم لا يسمع الدعاء مع كون الداعي بمقابلة صماخه قريبا منه فكيف إذا كان خلفه بعيدا منه فإن قيل ما معنى قوله   (ولوا مدبرين ) وإذا كانوا صما لا يسمعون سواء ولوا أو لم يولوا, قيل ذكره على سبيل التأكيد والمبالغة,وقيل الأصم إذا كان حاضرا فقد يسمع برفع الصوت ويفهم بالإشارة. إنك لا تسمع الموتى   يعني الكفار لتركهم التدبر فهم كالموتى لا حس لهم ولا عقل وقيل هذا فيمن علم أنه لا يؤمن شبهوا بالموتى على ما قيل لعدم تأثرهم بما يتلى عليهم، قيل كيف تسمعهم الإرشاد إلى طريق الحق وهم موتى وهذا بالنظر لأول الدعوة ولو أحييناهم فلا جدوى لأنهم صم وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ ونفرتهم عنه ثم إنا لو أسمعناهم أيضا فهم عمي لا يهتدون إلى العمل بما يسمعون وهذا خاتمة أمرهم، وما أنت بهادي ألعمي عن ضلالتهم   أي وما أنت بصارف ألعمي عن ضلالتهم فهم مسلمون قيل تعليل لإيمانهم بها كأنه قيل فإنهم منقادون للحق في كل وقت وقيل مخلصون لله تعالى وقيل هو تعليل لما يدل عليه الكلام من أنهم يسمعون إسماعا نافعا لهم،

واتفق معظم المفسرين على أن الموتى يسمعون ، ولكن ليس كسماع الأحياء بل سماع الأرواح وهذا بعلم الله ، وإسماعهم لا يختص به احد.

 

التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآية

إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ

أي أنك يا محمد لا تستطيع أن تجعل الموتى يسمعون وهذا الكلام يخص علميا أجساد الموتى لأننا لا نستطيع علميا أن نؤكد أو ننفي سماع الأموات كأرواح لأنهم لا يجيبون وهذا يعتبر من علم الغيب الذي نعتمد به على الصحيح المنقول, وصحيح المنقول يقول أن الأرواح تسمع ، أما الأجساد الميتة فلا يمكن لها أن تسمع أبدا والسبب أن عملية السماع البشرية محددة ليس فقط بأذن سليمة ولكن بمركز دماغي مركزي في المخ سليم وهذا المركز ميت حتما عند الموتى فنحن نتكلم عن السماع والوعي لذلك أصبح إسماع الموتى أمر خارج نطاق الطبيعة المادية وانتقلت عملية أسماعهم إلى الخالق تبارك وتعالى . وهنا لم تذكر القبور لأننا نتكلم عن موضوع لا يخص العوازل التي تمنع وصول الصوت ، في حين أن أرواح الموتى لها شان آخر ولها تفصيل لسنا في صدده الآن ، والغريب هنا هو ليس إسماع الموتى بل تشبيهه سبحانه وتعالى وبدقة عالية بين الموتى وسماعهم وبين الصم (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء) وإذا عرفنا أن الصمم لا يكون كاملا إلا في حال كونه صمما عصبيا ( سمسونرايت للفسلجة صفحة 357 ) فهذا يعنى أن الصمم ليس بسبب تراكمات في قناة الأذن أو بصورة أدق ليس وقرا ، ولا تهشم طبلة الأذن وتمزقها ولا حتى تحطم في الأذن الداخلية ، بل هنالك تحطم بالمستلمات العصبية في الخلايا الشعرية أو بالعصب السمعي أو بالمركز الدماغي وعلى الجانبين . ومع ذلك نرى أن هناك الكثير من الصم ابتداء من القرن الماضي يتواصلون بواسطة لغة تخاطب خاصة تسمى لغة الإشارة ، وهى أكثر من إشارات عادية حتى أصبح أحدهم يتكلم مع الآخر وكأنه يسمعه فكيف يكون ذلك كالميت ؟ لقد وجدوا في الصمم التام والذي يمثل 75% من الصمم أن التلف هو في قوقعة الأذن وان المركز الخاص بوعي المسموع والمقروء المسمى منطقة ونكز ( WERNICK”S AREA) يبقى سليما أما إذا تحطم المركز الدماغي السمعي ومناطق التواصل مع النطق والقراءة ومنطقة ونكلز( WERNICK”S AREA) وعلى جهتي الدماغ وهذا نادرا فلا يستطيع التواصل ولا معرفة لغة الإشارة ,أما الأصم العادي (كامل الصمم) فهو يستطيع التواصل مع المحيط بلغة الإشارة أو بأي طريقه أخرى ، من هنا فانه سبحانه وتعالى وهو العليم بما كان وما هو كائن وما سيكون لم يذكر الصم في الآية الكريمة هكذا يساوون الموتى ولكن قال (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) فإذا رجعنا إلى لغة التخاطب بالإشارة فإنها لا يمكن أن تكون إلا وجها لوجه ولا حتى في المرآة حيث ستنقلب الإشارة ولن يفهمها، فانه من المستحيل التواصل مع الصم إذا كان مدبرا وإعطاءه ظهره ، عندها لا جدوى من الإشارة وس

وستكون حالته السمعية فعلا كالميت بالنسبة لسماع الأصوات، وهنا نؤكد أن الصم إذا أداروا ظهورهم فإنهم إضافة إلى عدم إمكانيتهم السمع لتحطم منظومة القوقعة السمعية وضمور العصب السمعي عندها تكون المراكز الدماغية (القلوب) لا فائدة منها من خلال عينه كذلك لإدارة ظهره، وهذا كالميت الذي تلف السمع عنده في المنظومة السمعية للأذن ثم توقفت عنده المراكز الدماغية ،فقد تساوى مع الصم الذي يدير ظهره ، فيا ترى أي علم ذلك الذي بلغه الله تعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في عصر لم تكن تدرك البشرية شيء عن السماع والتخاطب واليوم تبين لنا أنهما يتحققان بالإشارة ؟! لذلك ذكر الصم أذا ولو مدبرين وما هو إلا من عند الله ، وعندما يذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية العمى يقول عنهم ( وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ) فليس هناك منفذ للرؤيا غير العين فلا إشارة ولا إقبال ولا إدبار ينفع معها ، فيعود سبحانه وتعالى إلى ذكر السمع (إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ) واغفل النضر فهذه إشارة على إمكانية البشر استرجاع السمع حيث وصل العلم إلى درجة أنهم يزرعون حلزون صناعي( قوقعة) في محجر الأذن ، وابقي سبحانه وتعالى الوعي لما أمر به للمؤمنين حقا الذين هم مسلمون والذين لهم آذان واعية (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) .

 

ختم الله على قلوبهم وختم على سمعهم

 

يقول سبحانه وتعالى (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) (البقرة)

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ)

لا يخفى أن الواو في قوله وعلى سمعهم وعلى أبصارهم محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها أو أن تكون للاستئناف قوله وعلى أبصارهم استئناف فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع وأن الغشاوة على الأبصار وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فإن قيل قد يكون الطبع على الأبصار أيضا كما في قوله تعالى في سورة النحل   أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِم ْوَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ الآية108

فالجواب أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والختم والكتم سيان ، والتوثق من الشيء بضرب الخاتم عليه، والغشاوة الغطاء ، قال بعضهم هذه الآية إنما جاءت في قوم مخصوصين من الكفار قد فعل الله تعالى بهم هذا الختم والطبع في الدنيا عقابا لهم في العاجل , يخلق الله في قلوب الكافرين مانعا يمنعهم عن الفهم والاعتبار، أن يجعل الله على قلوبهم الختم وعلى أبصارهم الغشاوة من غير أن يكون ذلك حائلا بينهم وبين الإيمان بل يكون ذلك كالبلادة التي يجدها الإنسان في قلبه، وقيل أن المراد بذلك علامة وسمة يجعلها في قلب الكفار وسمعهم فتستدل الملائكة بذلك على أنهم كفار قالوا والختم بهذا المعنى لا يمنع لأنا نتمكن بعد ختم الكتاب أن نفكه ونقرأه ، وإنما خص القلب والسمع بذلك الختم لأن الأدلة السمعية لا تستفد إلا من جهة السمع والأدلة العقلية لا تستفد إلا من جانب القلب، واللفظ يحتمل أن تكون الأسماع داخلة في حكم الختم وفي حكم الغشية إلا أن الأولى دخولها في حكم الختم وقوله ختم الله على قلوبهم يدل على أن محل العلم هو القلب والغشاوة هي الغطاء ومنه الغاشية ومنه غشي عليه إذا زال عقله والغشيان كناية عن الجماع ،ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم لا يعلم كنهه إلا الله تعالى ، كما إن الذين كفروا وقد كفروا بما عندهم من نعتك( يعني اليهود )، والمراد بالقلب محل القوة العاقلة من الفؤاد والختم على الشيء التوثق منه بضرب الخاتم عليه وفيه إشعار بترامي أمرهم في الغي والعناد وتناهي انهماكهم في الشر والفساد ، وعلى سمعهم   عطف على ما قبله داخل في حكم الختم لقوله عز وجل وختم على سمعه وقلبه, وللوفاق على الوقف عليه لا على قلوبهم ولاشتراكهما في الإدراك من جميع الجوانب وإعادة الجار للتأكيد والإشعار بتغاير الختمين وتقديم ختم قلوبهم للإيذان بأنها الأصل في عدم الإيمان وللإشعار بأن ختمها ليس بطريق التبعية بختم سمعهم بناء على أنه طريق إليها فالختم عليه ختم عليها بل هي مختومة بختم على حدة ، والسمع إدراك القوة السامعة ،فإن ما يدرك بالقوة البصارة من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس حيث كانت مستمرة كأن تعاملهم من ذلك أيضا ، استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون ، وقال بعضهم لا ختم ولا غشية على الحقيقة وإنما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصي واستقباح الإيمان والطاعات بسبب غيهم وانهماكهم في التقليد وإعراضهم عن النظر الصحيح ،وأنه يذهب بعقولهم ولكنهم لا يتفكرون فيعتبرون بعلامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ،وقالوا عن الختم، فإن قال فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها أهي مثل الختم الذي يعرف لما ظهر للأبصار أم هي بخلاف ذلك قيل قد اختلف أهل التأويل في صفة ذلك ، قوله ختم الله على قلوبهم إخبار من الله جل ثناؤه عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه ، كانوا يتأولون أن الذين أخبر الله عنهم من الكفار أنه فعل ذلك بهم هم قادة الأحزاب الذين قتلوا يوم بدر

والقلوب جمع قلب وهو في الأصل مصدر سمى به الجسم الصنوبري المودع في التجويف الأيسر من الصدر وهو مشرق اللطيفة الإنسانية ويطلق على نفس اللطيفة النورانية الربانية العالمة التي هي مهبط الأنوار الصمدانية وبها يكون الإنسان إنسانا وبها يستعد لاكتساب الأوامر واجتناب الزواجر وهي خلاصة تولدت من الروح الروحاني ويعبر عنها الحكيم بالنفس الناطقة ولكونها هدف سهام القهر واللطف ومظهر الجمال والجلال ومنشأ البسط والقبض ومبدأ المحو والصحو ومنبع الأخلاق المرضية والأحوال الرديئة وقلما تستقر على حال وتستمر على منوال سميت قلبا فهي متقلبة في أمره ومنقلبة بقضاء الله وقدره ، وكثير من الناس ذهب إلى أن تلك المضغة هي محل العلم وقيل إنه في الدماغ وقيل إنه مشترك بينهما وبني ذلك على إثبات الحواس الباطنية والكلام فيها مشهور ومن راجع وجد أنه أدرك أن بين الدماغ والقلب رابطة معنوية ومراجعة سرية لا ينكرها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

التفسير العلمي والإعجاز القرآني في هذه الآية

(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ)

 

يذكر سبحانه وتعالى هنا درجة من الصمم ، ودرجته هو الختم والختم إغلاق موثق وتوثيقه هو الختم المتبادل في القلوب , فلنتتبع علميا لما يحدث ولنرى لماذا الغشاوة على أبصارهم:

عرفنا أولا أن المراكز الدماغية العليا في المخ كثيرة جدا منها مراكز للسمع ومراكز للنضر والرؤيا و مراكز للكلام والتخاطب ومراكز للشم والتذوق وهكذا، وهناك مراكز للتنسيق بين الحواس (كايتون وهل للفسلجة ص716) ومركز كل هذه المركز والمسيطر عليها هو قلب الدماغ ووسطه تشريحيا ويسمى (LIMBIC SYSTEM)

55

وفي وسط هذا المكان تقع عقده حجمها لا يزيد على عدة سنتمترات مكعبه(بقدر مضغة) يسمى (HYPOTHALAMUS) والذي يسيطر على كل الفعاليات الإرادية واللاإرادية في جسم الإنسان (كايتون وهل للفسلجة ص732) وهو يتصل بكل (LIMBIC SYSTEM) كل اتصال بطريقين وتخرج منه ايعازات بثلاث اتجاهات إلى شبكية المراكز نحو الأسفل ومنها إلى الحبل ألشوكي فالأعصاب المحيطية والجهاز السمبتاوي وفوق السمبتاوي ،اتجاه نحو الأعلى إلى المراكز العليا في المخ وفي الثلمصواللمبك، الاتجاه الثالث إلى الفندبيلم ثم إلى الغدة البتيوتري للسيطرة على إفرازات الغدد الصماء في الجسد كله فهذا الذي يسمى (HYPOTHALAMUS) وهو يعادل 1% من الدماغ وله السيطرة على كل الجسم (كايتون وهل للفسلجه ص732)إضافة إلى سيطرته على الكثير من الانفعالات ، ومن ضمن سيطرته على المخ الأعلى هو سيطرته على منطقة ونكز( WERNICK”S AREA) والتي تقوم بالتنسيق بين المراكز السمعية ومراكز الكلام وفهم النضر والمراكز الحسيه الأخرى (كايتون وهل للفسلجة ص718) لذلك اعتبر (HYPOTHALAMUS) مسيطرا على السمع مباشرة وغير مباشره.

82

 

حاسة السمع المهمة للوعي تبدأ بالاكتمال قبل الولادة ومركزها سيكون له أهميه في الوعي مبكرا مما يجعل وعي المسموع قبل وعي المقروء فيكون مركزها في المنطقة المجاورة لمركز السمع 41 ، ولأن الإنسان يعي المسموع قبل أن يتعلم الكتابة لذلك فان المسموع سيكون أوعى من المقروء والتعاضد بينهما في منطقة ونكز( WERNICK”S AREA) المجاورة لمركز السمع (كايتون وهل للفسلجة ص718)، بعد هذا المختصر لموضوع كبير سنستطيع الآن الرجوع إلى الآية.

في قوله سبحانه وتعالى ختم الله على قلوبهم ، مما يعني أن هناك عدة قلوب أو مراكز وكل مركز له ختمه,فهناك مواد وهناك ايعازات تثبط وتعطل المركز الدماغي (كايتون وهل للفسلجة ص714) ووجد أن المركز الذي يستعمل بصوره مستمرة باتجاه واحد ولمدة طويلة سوف يصل مع العمر إلى درجة الإغلاق بهذا الاتجاه(كايتون وهل للفسلجه ص720) وبالرغم من أن القلب الدماغي (HYPOTHALAMUS) قد يغير بعض الأماكن لكن الأمر يصعب مع العمر ، أي أن الخاصية الإرادية موجودة ابتداء من الله سبحانه وتعالى ولكن استمرارية أداء عمل ما يكسب ثبات للحالة المكتسبة من البشر ولكن يبقى التغير ممكن إلا في حالة أن يفقد الإنسان سيطرة قلبه الواعي وهذا لن يحدث إلا عند فقدان الوعي بالنوم وأشباهه أو قبل الموت بلحظات أو عند تهشم منطقة قلب الدماغ(HYPOTHALAMUS) ، وهنا أريد أن أعرج على موضوع مهم وهو قلب الإنسان ، فهل المعني به القلب الدموي في الصدر ؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (عن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقول الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ثم إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب رواه البخاري و مسلم)فهل القلب الدموي هو مضغه؟؟ انه يعادل 15 لقمه كبيره وهل علميا القلب الدموي الفاسد يفسد الجسد ؟ فكم من عمليات كبرى أجريت لزرع قلوب وكم منها تم إصلاحها، فكلامه صلى الله عليه وسلم واضح انه يخص الجسد وليس الإنسان كانسان ،والعلم وجد أن المخ فيه العديد من المراكز تعوض بالتبادل مع الجهة الثانية أو بالحركة إلى المجاورة عدا منطقه واحده هي (HYPOTHALAMUS) وهو قلب الدماغ ويسمى علميا بالعربي (ما تحت سرير الدماغ أو ما تحت المهاد) فأي خلل به ينعكس على كل الجسم مباشرة فلا وعي إلا به وهو يعدل علكة أو ما يسمى لبانه أو كما وصفه صلى الله عليه وسلم مضغة وهذه المنطقة لها سيطرة كليه على قلب الإنسان الدموي السليم والانعكاس الذي يحدث من العواطف وجد انه يمر خلال (HYPOTHALAMUS) إلى القلب الدموي فنشعر بتغيرات القلب الدموي مع عواطفنا (كايتون وهل للفسلجة ص733). وإذا ختم الله عليه وهنا ليس أتلفه فان احتمال تغير انعكاسات الوعي ضئيلة وهو الذي يسيطر على وعي المسموع والمرئي وتفسيرها ،بمساعدة المراكز الأخرى وبالأخص منطقة ونكز( WERNICK”S AREA) فهذه القلوب هي المقصودة والسمع واحد وغير قابل للتجزئة لا بل على العكس فان السمع المضاف يضعف التركيز على المسموع( كانون للفسلجة ص178 ) أما القلوب فقلنا أنها أكثر من قلب وكلها تعمل سوية أما الأبصار فان الإنسان يستطيع أن يرى نقطتين أمامه أو أكثر بدون أن يتأثر النظر على أحداها، فمساحة النظر كبيره. لذلك كان سمعا واحدا بينما هناك قلوب وأبصار. لذلك استحق الكفار عذابا عظيما والعياذ بالله فقد عرض عليهم الإيمان وعرفوه وعقلوه ثم رأوا الآيات وسمعوا البينات ولكنهم أساءوا استعمال هذه الحواس ، لذلك استحقوا غضب الله سبحانه وتعالى فختم على قلوبهم وذلك بمنع قابلية تحليل المعلومات بصورة صحيحة لديهم وهذا سببه الانغماس في الشهوات وكثرة عمل المنكرات التي ثبتت تفسيرات خاطئة للحواس ومعلوماتها حتى تبلدت عقولهم ثم ختم الله على سمعهم أو جعل عليه غشاوة ، وهذا دليل على انه شيء خارجيا فانه ختم على حاسة السمع لديهم ولم يختم على آذانهم فإذنهم قد نجدها عند فحصها سليمة تماما كما هو الحالة الذهنية للصمم ، وقد يكون أحسن المخططين للإفساد وأحسنهم في اختراع الحيل ولكن ما ختمه الله سبحانه وتعالى على سمعهم هو أنهم لم يعودوا يفهموا أو يعوا ما يسمعون ، حيث أن السمع يدخل بواسطة بعض الأعصاب إلى (HYPOTHALAMUS) قبل أن يذهب إلى القشرة السمعية في الدماغ إضافة إلى السيطرة بين منطقة ونكز والهايبوثلمس ومن هذا نعرف سبب وعى المسموع ، وكما وضحنا في القسم الأول من هذا البحث فان السمع قد يصيبه الختم مع القلب أو قد يصيبه الغشاوة مع البصر والآية في سياقها يقبل الاحتمالين وقد عرفنا أن السمع قد يختم عليه ابتداء من العصب السمعي إلى المركز الدماغي وقد تكون عليه غشاوة ابتدأ من وقر الأذن إلى آخر مرحلة في وعى المسموع ، أما الأبصار فلم يختم عليها سبحانه وتعالى بل جعل عليها غشاوة معتمه وهم بذلك يستحقون العذاب بسبب كفرهم وعملهم الباطل .

 

 

القطع على الأذن كلها

 

قال سبحانه وتعالى (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) (الكهف)

مختصر أقوال المفسرين في هذه الآية

 

وضربه جل وعلا على آذانهم في هذه الآية كناية عن كونه أنامهم أي ضربنا على آذانهم حجابا مانعا من السماع فلا يسمعون شيئا يوقظهم والمعنى أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات

وعبر بالضرب ليدل على قوة المباشرة والالتصاق واللزوم ومنه   ضربت عليهم الذلة   وضرب الجزية وضرب البعث وذكر الجارحة التي هي الآذان إذ هي يكون منها السمع لأنه لا يتحكم نوم إلا مع تعطل السمع ، وكذلك هو عبارة عن إلقاء النوم عليهم ، وضربنا حجابا يمنع من أن تصل إلى أسماعهم الأصوات الموقظة ، أو هو التمثيل المبنى على تشبيه الأنامة الثقيلة المانعة عن وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها في الحجب عن الشعور عند النوم لما أنها المحتاج إلى الحجب عادة إذ هي الطريقة للتيقظ فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف أي ألقينا عليهم النوم كما يقول القائل لآخر ضربك الله بالفالج بمعنى ابتلاه الله به وأرسله عليه

 

 

التفسير العلمي والإعجاز القرآني للآية

 

من المعلوم أن من معاني الضرب هو القطع, فهنا يبين سبحانه وتعالى اشد أنواع الصمم المعروف حيث تم قطع كامل لكل الايعازات العصبية الصادرة من الأذن , أما حرف الخفض (على) تعني فوق أي فوق مستوى الأذن , وقد تعني إيقاف عمل العصب كاملا او إيقاف كامل الارتباطات المركزية للعصب, او إيقاف عمل المراكز المتخصصة ,لذلك حدث توقف كامل للسماع وبنسبة 100% حتى الأصوات ذات المنشأ المركزي والتشويش والطنين قد تتوقف كاملا ، ومن ضمنها الأصوات التخيلية القادمة من المراكز العليا والتي ممكن أن تفسر صوتا في مركز السمع.

وهنا يخبرنا عز وجل عن أصحاب الكهف, وقصتهم معلومة لنا جميعا, فأصحاب الكهف ثلة من الشباب بكامل لياقتهم البدنية فروا بدينهم من حاكم ظالم فالتجئوا إلى كهف ليتخفوا به , ولحكمة منه سبحانه وتعالى دخلوا في حالة مشابه للنوم 300 سنه شمسيه وهي تعادل 309 سنه قمريه, الحالة كانت مشابه للنوم ولكنها حتما ليست نوم,والقرآن على دقته العلمية المعتادة , لذا لم يذكرهم سبحانه وتعالى ابدأ أنهم نيام, بل أشار إشارة فهمت أنها نوم فقال سبحانه وتعالى (وضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا)وقال سبحانه (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود)وفسر المفسرون كلمة (رقود) بأنها تعني النوم لأنها قابلت(وتحسبهم إيقاظا ) وما كان العرب يعرفون عكس اليقظة ما عدا النوم والموت, فلا يعرفون السبات ولا فسلجته ولا أي حالة أخرى ممكن أن يكونوا بها, وبدقه عالية غير معتادة عند البشر أشار سبحانه وتعالى للحالة التي فهمت في زمن الرسالة بالنوم ولكن لم يصرح سبحانه وتعالى أنها نوم, وقد اخطأ رواة المسيحية لاعتقادهم أن الفتية ناموا لذلك سموهم (النائمين السبعة), ولكن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه جعلك وأنت تقرا القرآن في حالة تفهم أنهم في نوم عميق, ولو صرح القرآن بأنهم ناموا لكان خطأ علميا سنكتشفه في وقتنا هذا , فالعلم الحديث بين النوم وأنواعه ودرجاته فحالة أصحاب الكهف ليست بالنوم, إنما هي حالة مشابهة للنوم وفيها صفات مغايرة لما نعرفه عن النوم وهي اقرب إلى السبات, في حالة النوم بنفس مواصفات أصحاب الكهف فان قوة السمع ستبقى مرهفة وأنهم قد يستيقظوا لأول صوت , وبأمر الله سبحانه وتعالى انتهى فعل الأذن , كل الأذن وهي سليمة تماما, فلم تعد تسمع , ولكن ليس بطريقة الوقر كما أوضحنا سابقا , حيث سيبقى لهم درجه من السمع , وليس بطريقة الختم كونهم يسمعون ولا يعون , ولكن بطريقة إنهاء السمع تماما بقطع الصلة الكلية بالمركز الدماغي العلوي للسمع فلا يوجد صوت حتى ولا بالأحلام.

و لم يقل سبحانه وتعالى انه أصمهم بل قال (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) (الكهف) السبب هو أن الله سبحانه وتعالى أوقف بالضرب فوق مستوى الأذن فتوقفت وظائف أخرى للأذن لم تكن معروفة في زمن نزول الرسالة وهي حاسة التوازن وحاسة التعجيل والحركة وحاسة الوضع الجسمي بالنسبة للمحيط وكلها موجودة في الأذن ولا يستطيع الإنسان السير أو التوازن بدونها( كانون للفسلجة ص184 ) (كايتون وهل للفسلجة ص206-694-697), وهذه تدخل كجزء من منظومة تسيطر على تقلب الإنسان أثناء النوم, وحيث أن مستوى نوم أهل الكهف(أذا ما اعتبرناه نوما) تجعلهم يتقلبون كثيرا وقد يسيروا تقلبا مسافة طويلة خلال ثلاثمائة سنه وخاصة أن التقلب للإنسان غير متوازن في الحالة الاعتيادية لذلك قطع سبحانه وتعالى فعل الأذن في السيطرة على هذا العمل عند أهل الكهف وأوقف المركز الدماغي في أعلى النخاع المستطيل والمختص بالتوازن والذي هو كذلك حلقة الصلة بين المخيخ والمحيط العضلي, ووكل بهم ملكا ليقلبهم(ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) وحاسة السمع هنا ستتوقف بمستوى المعجزة الربانية بحيث أنهم لن يسمعوا أي صوت حيث مر عليهم رعد يصم الآذان وأصوات المارة وهم يتنادون إضافة إلى الصوت الداخلي القادم من الدماغ وهنا وصلنا إلى أعلى درجات الصمم بما أراده الله لأصحاب الكهف .

هل خطر ببالك مرة أن رجلا يرعى الغنم في بادية مقفرة أهلها لا يعرفون شيئا من الحضارة ويعبدون الحجارة وتنخرهم الأوهام , لا يعرفون من الدين ألا النزر ولا يجدون ما يأكلون إلا القليل, حياتهم أشبه بالإنسان القديم ولا يجيدون إلا الاقتتال فيما بينهم ثم يأتيك بمثل هذا الكتاب الذي فيه من المعلومات التي لم تكتشف إلا بأدق الأجهزة في وقتنا هذا , عندها لا يسعني إلا أن أقول تبارك الله أحسن الخالقين.

اترك تعليقاً