كثرة المتع والنسيان

كثرة المتع والنسيان

 

يقول سبحانه وتعالي (قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)) ( الفرقان 18 ) وقال تعالى (بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ (29)) ( الزخرف 29 )

 

 

التفسير العلمي للآيتين

هنا يذكر سبحانه وتعالى إن هؤلاء الناس والذين أعطاهم الله من متع الدنيا ووسع عليهم وأعطاهم التعاليم وساروا عليها وكانوا في سعادة ، مر الوقت فابتعدوا عن الله سبحانه وتعالي ووصل بهم الأمر ان تمسكوا بمن هو دون الله وأشركوا بالله ما ليس لهم علم به بالرغم من إن الله أعطاهم الدنيا من مال وبنين وما في ذلك الوقت من متع ، فهل هذه المتع كانت سبباً لان يشكروا الله أم سبباً في نسيانهم التعاليم والدين الصحيح ، لقد وجد العلماء إن التمتع بمتع الدنيا من الأكل والجنس و النظر إلى آخر المتع تدفع الإنسان إلى أن ينسي أسرع من الذي يقتصد في المتع ، وهنا نتكلم عن الحلال من المتع وليس عن المحرمات ، فهذه المتع سوف تؤدي إلى ضعف الذاكرة وخمولها وفي حالة أن تكون حراماً وخاصة عند الذين تتبلد أحاسيسهم بالذنب فيتمادوا في ذلك فهذا يؤدي إلى النسيان وضعف الذاكرة وتبلد الأحاسيس ، وإذا لم يرعوي هذا الإنسان في شهواته فإنه سيسقط وينتهي أمره لذلك يذكر القرآن الكريم أن المترفين المتنعمين أسرع نسيان من غيرهم وهم أقرب إلى السقوط في الهاوية ، وهم ليسوا سعداء بما هم فيه بالرغم أن المراقب لهم من الخارج يظن انهم في اعلى درجات السعادة وخاصة بمرور الزمن لذلك يقول سبحانه وتعالى ( بل متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر ) أي أن المدة طويلة من زمن آبائهم ، ووجود المتع أدى بهم ان نسوا الذكر وكانت النتيجة النهائية لمن نسي الذكر ( وكانوا قوماً بورا ) وفي الآية الثانية يظهر عامل الزمن كذلك ( بل متعت هؤلاء و آبائهم ) أي لجيلين او أكثر من المتع الدنيوية والتي كما قلنا لم تكن عامل سعادة بالنسبة لهم حيث أنهم رجعوا مستوى الصفر من السعادة أو قريباً منه ومن مدة طويلة وبقي عامل التمتع وتأثيره على الذاكرة فأدى إلى أن نسوا ، وكان أن أرسل الله لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليذكرهم مرة أخرى فجاءهم بالحق الواضح البين لعلهم يؤمنون ففي الآية التي هي من سورة الزخرف يتكلم سبحانه وتعالي عن قريش والذين معهم في الدنيا فهم لا زال لهم أمل ولعلهم يؤمنون عندما جاءهم الرسول أما في الآية من سورة الفرقان ( فإن الله سبحانه وتعالي يتكلم عن الكفار في نار جهنم لذلك فهم لا مجال لان يعودوا فوصفهم سبحانه وتعالي بأنهم قوماً بورا ) ، أي أرض سبخة لا تنبت أي زرع فلم يأتوا بأي خير بل ما كان منهم إلا السيئات والبور هو الفاسد من الطعام والشراب والآلة والارض وهكذا فجاءوا يوم القيامة خاسرين .

وجد الاطباء ان هناك مرضا يسمى (بكويكين ساندروم) يكون فيه المريض اكولا فيسمن كثيرا وينام كثيرا ويصل الى درجه من البلادة والنسيان ، ومن غير هذا المرض فانه لم يعد هناك شك من ان المتع المطلقة واهمها متعة النضر الى المحرمات تورث النسيان وهذا معلوم من القدم وكذلك عامل الزمن من العوامل المهمة في النسيان وهذا هو المذكور في الآيتين السابقتين ولله الامر من قبل ومن بعد

 

 

اقوال المفسرين في الآيه الاولى

 

أضواء البيان – الشنقيطي ج6/ص33

ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء أي ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدا سواك لا نحن ولا هم فنحن ما دعوناهم إلى ذلك بل فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ونحن برآء منهم ومن عبادتهم ثم قال   ولـاكن متعتهم وءاباءهم   أي طال عليهم العمر حتى نسوا الذكرى أي نسوا ما أنزلته عليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك وكانوا قوما بورا قال ابن عباس أي هلكى وقال الحسن البصرى ومالك عن الزهري أي لا خير فيهم ا هـــ الغرض من كلام ابن كثير

وقال أبو حيان في البحر ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء أي ما كان يصح لنا ولا يستقيم إلى آخر كلامه

وإذا عرفت ما ذكره جل وعلا في هذه الآية من سؤاله للمبعودين وجوابهم له فاعلم أن العلماء اختلفوا في المعبودين فقال بعضهم المراد بهم الملائكة وعيسى وعزير قالوا هذا القول يشهد له القرآن لأن فيه سؤال عيسى والملائكة عن عبادة عن عبدهم كما قال في الملائكة

 

التسهيل لعلوم التنزيل – الكلبى ج3/ص76

قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء القائلون لهذا هم المعبودون قالوه على وجه التبري ممن عبدهم كقولهم أنت ولينا من دونهم والمراد بذلك توبيخ الكفار يومئذ وإقامة الحجة عليهم ولكن متعتهم وآباءهم معناه أن إمتاعهم بالنعم في الدنيا كان سبب نسيانهم لذكر الله وعبادته قوما بورا أي هالكين وهو من البوار وهو الهلاك واختلف هل هو جمع بائر أو مصدر وصف به ولذلك يقع على الواحد والجماعة فقد كذبوكم بما تقولون هذا خطاب خاطب الله به المشركين يوم القيامة أي قد كذبكم آلهتكم التي عبدتم من دون الله وتبرؤا منكم وقيل هو خطاب للمعبودين أي كذبوكم في هذه المقالة لما عبدوكم في الدنيا وقيل هو خطاب للمسلمين أي قد كذبكم الكفار فيما تقولونه من التوحيد والشريعة وقرىء بما يقولون بالياء من أسفل والباء في قوله بما تقولون على القراءة بالتاء بدل من الضمير في كذبوكم وعلى القراءة بالياء كقولك كتبت بالقلم أو كذبوكم بقولهم فما يستطيعون صرفا ولا نصرا قرىء فما تستطيعون بالتاء فوق ويحتمل على هذا أن يكون الخطاب للمشركين أو للمعبودين والصرف على هذين الوجهين صرف العذاب عنهم أو يكون الخطاب للمسلمين والصرف على هذا رد التكذيب وقرىء بالياء وهو مسند إلى المعبودين أو إلى المشركين والصرف صرف العذاب ومن يظلم منكم خطاب للكفار وقيل للمؤمنين وقيل على العموم وما أرسلنا قبلك من المرسلين تقديره وما أرسلنا رسلا أو رجالا قبلك وعلى هذا المفعول المحذوف يعود الضمير في قوله إلا أنهم ليأكلون الطعام وهذه الآية رد على الكفار في استبعادهم بعث رسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة هذا خطاب لجميع الناس لاختلاف أحوالهم فالغنى فتنة للفقير

التسهيل لعلوم التنزيل – الكلبى ج3/ص76

قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء القائلون لهذا هم المعبودون قالوه على وجه التبري ممن عبدهم كقولهم أنت ولينا من دونهم والمراد بذلك توبيخ الكفار يومئذ وإقامة الحجة عليهم ولكن متعتهم وآباءهم معناه أن إمتاعهم بالنعم في الدنيا كان سبب نسيانهم لذكر الله وعبادته قوما بورا أي هالكين وهو من البوار وهو الهلاك واختلف هل هو جمع بائر أو مصدر وصف به ولذلك يقع على الواحد والجماعة فقد كذبوكم بما تقولون هذا خطاب خاطب الله به المشركين يوم القيامة أي قد كذبكم آلهتكم التي عبدتم من دون الله وتبرؤا منكم وقيل هو خطاب للمعبودين أي كذبوكم في هذه المقالة لما عبدوكم في الدنيا وقيل هو خطاب للمسلمين أي قد كذبكم الكفار فيما تقولونه من التوحيد والشريعة وقرىء بما يقولون بالياء من أسفل والباء في قوله بما تقولون على القراءة بالتاء بدل من الضمير في كذبوكم وعلى القراءة بالياء كقولك كتبت بالقلم أو كذبوكم بقولهم فما يستطيعون صرفا ولا نصرا قرىء فما تستطيعون بالتاء فوق ويحتمل على هذا أن يكون الخطاب للمشركين أو للمعبودين والصرف على هذين الوجهين صرف العذاب عنهم أو يكون الخطاب للمسلمين والصرف على هذا رد التكذيب وقرىء بالياء وهو مسند إلى المعبودين أو إلى المشركين والصرف صرف العذاب ومن يظلم منكم خطاب للكفار وقيل للمؤمنين وقيل على العموم

 

 

 

 

التفسير الكبير – الرازي ج24/ص55

أما قوله ما كان ينبغى لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ففيه مسائل

المسألة الأولى القراءة المعروفة أن نتخذ بفتح النون وكسر الخاء وعن أبي جعفر وابن عامر برفع النون وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله قال الزجاج أخطأ من قرأ أن نتخذ بضم النون لأن من إنما تدخل في هذا الباب في الأسماء إذا كان مفعولا أولا ولا تدخل على مفعول الحال تقول ما اتخذت من أحد وليا ولا يجوز ما اتخذت أحدا من ولي قال صاحب الكشاف اتخذ يتعدى إلى مفعول واحد كقولك اتخذ وليا وإلى مفعولين كقولك اتخذ فلانا وليا قال الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا النساء 125 والقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو من أولياء والأصل أن نتخذ أولياء فزيدت من لتأكيد معنى النفي والثانية من المتعدي إلى مفعولين فالأول ما بني له الفعل والثاني من أولياء من للتبعيض أي لا نتخذ بعض أولياء وتنكير أولياء من حيث إنهم أولياء مخصوصون وهم الجن والأصنام

المسألة الثانية ذكروا في تفسير هذه الآية وجوها أولها وهو الأصح الأقوى أن المعنى إذا كنا لا نرى أن نتخذ من دونك أولياء فكيف ندعو غيرنا إلى ذلك وثانيها ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما يوليهم الكفار قال تعالى فقـاتلوا أولياء الشيطـان النساء 76 يريد الكفرة وقال والذين كفروا أولياؤهم الطـاغوت البقرة 257 عن أبي مسلم وثالثها ما كان لنا أن نتخذ من دون رضاك من أولياء أي لما علمنا أنك لا ترضى بهذا ما فعلناه والحاصل أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ورابعها قالت الملائك إنهم عبيدك فلا ينبغي لعبيدك أن يتخذوا من دون إذنك وليا ولا حبيبا فضلا عن أن يتخذ عبد عبدا آخر إلها لنفسه وخامسها أن على قراءة أبي جعفر الإشكال زائل فإن قيل هذه القراءة غير جائزة لأنه لا مدخل لهم في أن يتخذهم غيرهم أولياء قلنا المراد إنا لا نصلح لذلك فكيف ندعوهم إلى عبادتنا وسادسها أن هذا قول الأصنام وأنها قالت لا يصح منا أن نكون من العابدين فكيف يمكننا ادعاؤنا أنا من المعبودين

المسألة الثالثة الآية تدل على أنه لا تجوز الولاية والعداوة إلا بإذن الله فكل ولاية مبنية على ميل النفس ونصيب الطبع فذاك على خلاف الشرع

أما قوله تعالى ولـاكن متعتهم وءاباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ففيه مسائل

المسألة الأولى معنى الآية أنك يا إلهنا أكثرت عليهم وعلى آبائهم من النعم وهي توجب الشكر والإيمان لا الإعراض والكفران والمقصود من ذلك بيان أنهم ضلوا من عند أنفسهم لا بإضلالنا فإنه لولا عنادهم الظاهر وإلا فمع ظهور هذه الحجة لا يمكن الإعراض عن طاعة الله تعالى وقال آخرون إن هذا الكلام كالرمز فيما صرح به موسى عليه السلام في قوله إن هى إلا فتنتك الأعراف 155 وذلك لأن المجيب قال إلهي أنت الذي أعطيته جميع مطالبه من الدنيا حتى صار كالغريق في بحر الشهوات واستغراقه فيها صار صادا له عن التوجه إلى طاعتك والاشتغال بخدمتك فإن هي إلا فتنتك

المسألة الثانية الذكر ذكر الله والإيمان به و القرآن والشرائع أو ما فيه حسن ذكرهم في الدنيا والآخرة

المسألة الثالثة قال أبو عبيدة يقال رجل بور ورجلان بور ورجال بور وكذلك الأنثى ومعناه هالك وقد يقال رجل بائر وقوم بور وهو مثل هائر وهور والبوار الهلاك وقد احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة القضاء والقدر ولا شك أن المراد منه وكانوا من الذين حكم عليهم في الآخرة بالعذاب والهلاك فالذي حكم الله عليه بعذاب الآخرة وعلم ذلك وأثبته في اللوح المحفوظ وأطلع الملائكة عليه لو صار مؤمنا لصار الخبر الصدق كذبا ولصار العلم جهلا ولصارت الكتابة المثبتة في اللوح المحفوظ باطلة ولصار اعتقاد الملائكة جهلا وكل ذلك محال ومستلزم المحال محال فصدور الإيمان منه محال فدل على أن السعيد لا يمكنه أن ينقلب شقيا والشقي لا يمكنه أن ينقلب سعيدا ومن وجه آخر هو أنهم ذكروا أن الله تعالى آتاهم أسباب الضلال وهو إعطاء المرادات في الدنيا واستغراق النفس فيها ودلت الآية على أن ذلك السبب بلغ مبلغا يوجب البوار فإن ذكر البوار عقيب ذلك السبب يدل على أن البوار إنما حصل لأجل ذلك السبب فرجع حاصل الكلام إلى أنه تعالى فعل بالكافر ما صار معه بحيث لا يمكنه ترك الكفر وحينئذ ظهر أن السعيد لا ينقلب شقيا وأن الشقي لا ينقلب سعيدا

الدر المنثور – السيوطي ج6/ص242

وأخرج الحاكم وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن غنم قال سألت معاذ بن جبل عن قول الله   ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء   أو نتخذ فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ   أن نتخذ   بنصب النون فسألته عن   الم غلبت الروم   الروم الآيتان 1 – 2 أو غلبت قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم   غلبت الروم  

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن الضحاك قال قرأ رجل عند علقمة   ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك   برفع النون ونصب الخاء فقال علقمة   أن نتخذ   بنصب النون وخفض الخاء

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه كان يقرؤها   ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك   برفع النون ونصب الخاء

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة   قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء   قال هذا قول الالهة   ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا   قال البور الفاسد

وانه ما نسي الذكر قوم قط إلا باروا وفسدوا

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله   قوما بورا   قال هلكى

وأخرج الطستي عن ابن عباس ان نافع بن الازرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل   قوما بورا   قال هلكى بلغة عمان وهم من اليمن قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم

أما سمعت قول الشاعر وهو يقول فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم وكافوا به فالكفر بور لصانعه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال البور بكلام عمان

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن   بورا   قال قاسين لا خير فيهم

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله   قوما بورا   قال هالكين   فقد كذبوكم بما تقولون   يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعزيرا والملائكة حين قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم فقد كذبوكم بما تقولون عيسى وعزيرا والملائكة حين يكذبون المشركين بقولهم

 

تفسير أبي السعود ج6/ص208

قالوا   استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية السؤال كأنه قيل فماذا قالوا في الجواب فقيل قالوا   سبحانك   تعجبا مما قيل لهم لأنهم إما ملائكة معصومون وجمادات لا قدرة لها على شيء أو إشعارا بأنهم الموسومون بتسبيحه تعالى وتوحيده فكيف يتأتى منهم إضلال عباده أو تنزيها له تعالى عن الأنداد   ما كان ينبغي لها   أي ما صح وما استقام لنا   أن نتخذ من دونك   أي متجاوزين إياك   من أولياء   نعبدهم لما بنا من الحالة المنافية له فأنى يتصور أن نحمل غيرنا على أن يتخذ وليا غيرك فضلا ان يتخذنا وليا أو أن نتخذ من دونك أولياء أي اتباعا فإن الولي كما يطلق على المتبوع يطلق على التابع كالمولى يطلق على الأعلى والأسفل ومنه أولياء الشيطان أي أتباعه وقرئ على البناء للمفعول من المتعدي إلى المفعولين كما في قوله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا ومفعوله الثاني من أولياء على أن من للتبعيض أي أن نتخذ بعض أولياء وهي على الأول مزيدة وتنكير أولياء من حيث أنهم أولياء مخصوصو سورة الفرقان 19 وهم الجن والأصنام   ولكن متعتهم وآباءهم   استدارك مسوق لبيان أنهم هم الضالون بعد بيان تنزههم عن إضلالهم وقد نعى عليهم سوء صنيعهم حيث جعلوا أسباب الهداية أسبابا للضلالة أي ما أضللناهم ولكنك متعتهم وآباءهم بانواع النعم ليعرفوا حقها ويشكروها فاستغرقوا في الشهوات وانهمكوا فيها   حتى نسوا الذكر   أي غفلوا عن ذكرك أو عن التذكر في آلائك والتدبر في آياتك فجعلوا أسباب الهداية بسوء اختيارهم ذريعة إلى الغواية   وكانوا   أي في قضائك المبني على علمك الأزلي المتعلق بما سيصدر عنهم فيما لا يزال باختيارهم من الأعمال السيئة   قوما بورا   أي هالكين على أن بورا مصدر وصف به الفاعل مبالغة ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع أو جمع بائر كعوذ في جمع عائذ والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله

تفسير ابن كثير ج3/ص313

قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء   قرأ الأكثرون بفتح النون من قوله   نتخذ من دونك من أولياء   أي ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدا سواك لا نحن ولا هم فنحن ما دعوناهم إلى ذلك بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا ونحن برآء منهم ومن عبادتهم كما قال تعالى   ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك   الآية وقرأ آخرون   ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء   أي ما ينبغي لأحد أن يعبدنا فإنا عبيد لك فقراء إليك وهي قريبة المعنى من الأولى ولكن متعتهم وآباءهم   أي طال عليهم العمر حتى نسوا الذكر أي نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك   وكانوا قوما بورا   قال بن عباس أي هلكى وقال الحسن البصري ومالك عن الزهري أي لا خير فيهم وقال بن الزبعرى حين أسلم

يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور

إذ أجاري الشيطان في سنن الغي ومن ميله مثبور

 

تفسير البيضاوي ج4/ص211

قالوا سبحانك   تعجبا مما قيل لهم لأنهم إما ملائكة أو أنبياء معصومون أو جمادات لا تقدر على شيء أو إشعارا بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده فكيف يليق بهم إضلاله عبيده أو تنزيها لله تعالى عن الأنداد   ما كان ينبغي لنا   ما يصح لنا   أن نتخذ من دونك من أولياء   للعصمة أو لعدم القدرة فكيف يصح لنا أن ندعو غيرنا أن يتولى أحدا دونك وقرئ   نتخذ   على البناء للمفعول من اتخذ الذي له مفعولان كقوله تعالى   واتخذ الله إبراهيم خليلا   ومفعوله الثاني   من أولياء   و   من   للتبعيض وعلى الأول مزيدة لتأكيد النفي   ولكن متعتهم وآباءهم   بأنواع النعم فاستغرقوا في الشهوات   حتى نسوا الذكر   حتى غفلوا عن ذكرك أو التذكر لآلائك والتدبر في آياتك وهو نسبة للضلال إليهم من حيث إنه بكسبهم وإسناد له إلى ما فعل الله بهم فحملهم عليه وهو عين ما ذهبنا إليه فلا ينتهض حجة علينا للمعتزلة   وكانوا   في قضائك   قوما بورا   هالكين مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع أو جمع بائر كعائذ وعوذ

تفسير الجلالين ج1/ص472

18 قالوا سبحانك تنزيها لك عما لا يليق بك ما كان ينبغي يستقيم لنا أن نتخذ من دونك أي غيرك من أولياء مفعول أول ومن زائدة لتأكيد النفي وما قبله الثاني فكيف نأمر بعبادتنا ولكن متعتهم وآباءهم من قبلهم بإطالة العمر وسعة الرزق حتى نسوا الذكر تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن وكانوا قوما بورا هلكي

 

قال تعالى تفسير السعدي ج1/ص580

قالوا سبحانك   نزهوا الله عن شرك المشركين به وبرؤوا أنفسهم من ذلك   ما كان ينبغي لنا   أي لا يليق بنا ولا يحسن منا أن نتخذ من دونك من أولياء نتولاهم ونعبدهم وندعوهم فإذا كنا محتاجين ومفتقرين إلى عبادتك ومتبرين من عبادة غيرك فكيف نأمر أحدا بعبادتنا هذا لا يكون أو سبحانك   أن نتخذ من دونك من أولياء   وهذا كقول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام   وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم   الآية وقال تعالى   ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون     وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين   فلما نزهوا أنفسهم أن يدعوا لعبادة غير الله أو يكونوا أضلوهم ذكروا السبب الموجب لإضلال المشركين فقالوا   ولكن متعتهم وآباءهم   في لذات الدنيا وشهواتها ومطالبها النفسية   حتى نسوا الذكر   اشتغالا في لذات الدنيا وانكبابا على شهواتها فحافظوا على دنياهم وضيعوا دينهم   وكانوا قوما بورا   أي بائرين لا خير فيهم ولا يصلحون لصالح لا يصلحون إلا للهلاك والبوار فذكروا المانع من اتباعهم الهدى وهو التمتع في الدنيا الذي صرفهم عن الهدى وعدم المقتضى للهدى وهو أنهم لا خير فيهم فإذا عدموا المقتضى ووجد المانع فلا نشاء من شر وهلاك إلا وجدته فيهم فلما تبرؤوا منهم قال الله توبيخا وتقريعا للمعاندين

تفسير السمرقندي ج2/ص532

قوله تعالى قالوا سبحانك أي تنزيها لك ما كان ينبغي لنا أي ما يجوز لنا أن نتخذ من دونك من أولياء وقرأ الحسن وأبو جعفر المدني أن نتخذ بضم النون ونصب الخاء ومعناه ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك إلها فتعبد وقراءة العامة بنصب النون وكسر الخاء يعني ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء فيعبدوننا ويقال معناه ما كان فينا روح نأمرهم بطاعتنا ويقال ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء فنعبدهم فكيف نأمر غيرنا بعبادتنا كقوله تعالى سبحانك أنت ولينا من دونهم سبأ 41 قرأ إبن كثير وعاصم في رواية حفص ويوم يحشرهم بالياء فيقول بالياء وقرأ الباقون الأول بالنون والثاني بالياء

ثم قال ولكن متعتهم وآباءهم يعني أن هذا كان بكرمك وفضلك لما عصوك لم تمنع عنهم الدنيا حتى إغتروا بذلك وظنوا أنهم على الحق حيث لم يصبهم بلاء ولم تمنع منهم النعمة فذلك قوله ولكن متعتهم يعني تركتهم في الدنيا يتمتعون وأجلتهم وآباءهم في المتاع والسعة حتى نسوا الذكر يعني تركوا التوحيد والإيمان بالقرآن وكانوا قوما بورا أي هلكى فاسدين وأصله الكساد يقال بارت السوق إذا كسدت وقال الكلبي بورا يعني هالكين فاسدة قلوبهم غير متقين ولا محسنين

يقول الله تعالى لعبدة الأوثان فقد كذبوكم بما تقولون يعني الأصنام ويقال الملائكة فما يستطيعون صرفا ولا نصرا يعني لا يستطيع الكفار إنصرافا إلى غير حجتهم التي تكلموا بها ويقال لا يستطيعون صرفا أي إنصرافا عن حجتهم ولا نصرا يعني لا ينتصرون من آلهتهم حين كذبتهم ويقال لا تقدر الأصنام ولا الملائكة صرف العذاب عنهم ولا نصرا يعني لا يمنعونهم منه ويقال الصرف الحيلة ويقال لا يقبل منهم فدية أن يصرفوا عن أنفسهم بالفدية

 

تفسير السمعاني ج4/ص11

قوله تعالى   قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء أي ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك ويقال من اتخذ عدو غيره وليا فقد اتخذ من دونه وليا قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا 18 فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون

وقوله   ولكن متعتهم وآباءهم أي بكثرة الأموال والأولاد ويقال بطول العمر ويقال بنيل المراد

وقوله   حتى نسوا الذكر أي نسوا ذكرك وغفلوا عنك ويقال تركوا الحق الذي أنزلت وقوله   وكانوا قوما بورا أي هلكى يقال رجل بائر أي هالك وسلعة بائرة أي كاسدة وفي الخبر أن النبي كان يتعوذ من بوار الأيم تفسير القرطبي ج13/ص10

قالوا سبحانك   أي قال المعبودون من دون الله سبحانك أي تنزيها لك   ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء   فإن قيل فإن كانت الاصنام التي تعبد تحشر فكيف تنطق وهي جماد قيل له ينطقها الله تعالى يوم القيامة كما ينطق الايدي والأرجل وقرأ الحسن وأبو جعفر أن نتخذ بضم النون وفتح الخاء على الفعل المجهول وقد تكلم في هذه القراءة النحويون فقال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر

تفسير القرطبي ج13/ص11

لا يجوز نتخذ وقال أبو عمرو لو كانت نتخذ لحذفت من الثانية فقلت أن نتخذ من دونك أولياء كذلك قال أبو عبيدة لا يجوز نتخذ لأن الله تعالى ذكر من مرتين ولو كان كما قرأ لقال أن نتخذ من دونك أولياء وقيل إن من الثانية صلة قال النحاس ومثل أبي عمرو على جلالته ومحله يستحسن ما قال لأنه جاء ببينة وشرح ما قال أنه يقال ما اتخذت رجلا وليا فيجوز أن يقع هذا للواحد بعينه ثم يقال ما اتخذت من رجل وليا فيكون نفيا عاما وقولك   وليا   تابع لما قبله فلا يجوز أن تدخل فيه من لأنه لا فائدة في ذلك   ولكن متعتهم وآباءهم   أي في الدنيا بالصحة والغنى وطول العمر بعد موت الرسل صلوات الله عليهم   حتى نسوا الذكر   أي تركوا ذكرك فأشركوا بك بطرا وجهلا فعبدونا من غير أن أمرناهم بذلك وفي الذكر قولان أحدهما القرآن المنزل على الرسل تركوا العمل به قاله بن زيد الثاني الشكر على الإحسان إليهم والإنعام عليهم إنهم   كانوا قوما بورا   أي هلكى قاله بن عباس مأخوذ من البوار وهو الهلاك وقال أبو الدرداء رضي الله عنه وقد أشرف على أهل حمص يأهل حمص هلم إلى أخ لكم ناصح فلما اجتمعوا حوله قال ما لكم لا تستحون تبنون مالا تسكنون وتجمعون مالا تأكلون وتأملون ما لا تدركون إن من كان قبلكم بنوا مشيدا وجمعوا عبيدا وأملوا بعيدا فأصبح جمعهم بورا وآمالهم غرورا ومساكنهم قبورا فقوله بورا أي هلكى وفي خبر آخر فأصبحت منازلهم بورا أي خالية لا شيء فيها وقال الحسن بورا لا خير فيهم مأخوذ 4 من بوار الأرض وهو تعطيلها من الزرع فلا يكون فيها خير وقال شهر بن حوشب البوار الفساد والكساد مأخوذ من قولهم بارت السلعة إذا كسدت كساد الفاسد ومنه الحديث   نعوذ بالله من بوار الأيم   وهو اسم مصدر كالزور يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمونث قال بن الزبعري يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشيطان في سنن الغ ي ومن مال ميله مثبور

روح المعاني – الألوسي ج18/ص249

وقوله تعالى   ما كان ينبغي لنا   الخ كالتأكيد لذلك والتفصيل له وجعل الطيبي قولهم   سبحانك   توطئة وتمهيدا للجواب لقولهم   ما كان   الخ أي ما صح وما استقام لنا   أن نتخذ من دونه أولياء   أي أولياء على أن   من   مزيدة لتأكيد النفي ويحسن زيادتها بعد النفي والمنفي إن كان   كان   لكن هذا معمول معمولها فينسحب النفي عليه والمراد نفى أن يكونوا هم مضليهم على أبلغ وجه كأنهم قالوا ما صح وما استقام لنا أن نتخذ متجاوزين إياك أولياء نعبدهم لما بنا من الحالة المنافية له فأنى يتصور أن نحمل غيرنا على أن يتخذ وليا غيرك فضلا أن يتخذنا وليا وجوز أن يكون المعنى ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أتباعا فإن الولي كما يطلق على المتبوع يطلق على التابع ومنه أولياء الشيطان أي أتباعه وقرأ أبو عيسى الأوسود القاريء   ينبغي   بالبناء للمفعول وقال ابن خالويه زعم سيبويه أن ذلك لغة

وقرأ أبو الدرداء وزيد بن ثابت وأبو رجاء ونصر بن علقمة وزيد بن علي وأخوه الباقر رضي الله تعالى عنهما ومكحول والحسن وأبو جعفر وحفص بن عبيد والنخعي والسلمي وشيبة وأبو بشر والزعفراني   يتخذ   مبنيا للمفعول وخرج ذلك الزمخشري على أنه من اتخذ المتعدي إلى مفعولين والمفعول الأول ضمير المتكلم القائم مقام الفاعل والثاني من أولياء ومن تبعيضية لا زائدة أي يتخذونا بعض الأولياء ولم يجوز زيادتها بناء على ما ذهب إليه الزجاج من أنها لا تزاد في المفعول الثاني وعلله في الكشف بأنه محمول على الأول يشيع بشيوعه ويخص كذلك ومراده أنه إذا كان محمولا لا يراد صدقه على غيره فيشيع ويخص كذلك في الإرادة فلا يرد زيد حيوان فإن المحمول باق على عمومه مع خصوص الموضوع وقيل مراده أن الإختلاف لا يناسب مع إمكان الإتحاد والمثال ليس كذلك والزمخشري لما بني كلامه على ذلك المذهب والتزم التبعيض جاء الإشكال في تنكير أولياء فأجاب بأنه للدلالة على الخصوص وامتيازهم بما امتازوا وهو للتنويع على الحقيقة

وقال السجاوندي المعنى ما ينبغي لنا أن نحسب من بعض ما يقع عليه اسم الولاية فضلا عن الكل فإن الولي قد يكون معبودا ومالكا وناصرا ومخدوما والزجاج خفي عليه أمر هذه القراءة على مذهبه فقال هذه القراءة خطأ لأنك تقول ما اتخذت من أحد وليا ولا يجوز ما اتخذت أحدا من ولي لأن من إنما دخلت لأنها تنفي واحدا في معنى جميع ويقال ما من أحد قائما وما من رجل محبا لما يضره ولا يقال ما قائم من أحد وما رجل من محب لما يضره ولا وجه عندنا لهذا البتة ولو جاز هذا لجاز في فما منكم من أحد عنه حاجزين ما منكم أحد عنه حاجزين وأجاز الفراء هذه القراءة عن ضعف وزعم أن   من أولياء   هو الاسم وما في يتخذ هو الخبر كأنه يجعله على القلب انتهى

ونقل صاحب المطلع عن صاحب النظم أنه قال الذي يوجب سقوط هذه القراءة أن من لا تدخل إلا على مفعول لا معفول دونه نحو قوله تعالى ما كان لله أن يتخذ من ولد فإذا كان قبل المفعول مفعول سواه لم يحسن دخولها كما في الآية على هذه القراءة ولا يخفى عليك أن في الإقدام على القول بأنها خطأ أو ساقطة مع روايتها عمن سمعت من الأجلة خطرا عظيما ومنشأ ذلك الجهل ومفاسده لا تحصى وذهب ابن جني إلى جواز زيادة من في المفعول الثاني فيقال ما اتخذت زيدا من وكيل على معنى ما اتخذته وكيلا أي وكيل كان من أصناف الوكلاء ومعنى الآية على هذا المنوال ما ينبغي لنا أن يتخذونا من دونك أولياء أي ما يقع عليه اسم الولاية وجوز أن يكون نتخذ على هذه القراءة مما له مفعول واحد ومن دونك صلة و من أولياء حال و من زائدة وعزا هذا البحر إلى ابن جني وجوز بعضهم كون   نتخذ   في القراءة المشهورة من اتخذ المتعدي لمفعولين وجعل أبو البقاء على هذا من أولياء المفعول بزيادة من ومن دونك المفعول الثاني وعلى كونه من المتعدي لواحد يكون هذا حالا وقرأ الحجاج أن نتخذ من دونك أولياء عاصما فقال مقت المخدج أو ما علم أن فيها من وقوله تعالى   ولكن متعتهم وآباءهم   الخ استدراك مسوق لبيان أنهم هم الضالون بعد بيان تنزههم عن إضلالهم على أبلغ وجه كما سمعت وقد نعى عليهم سوء صنيعهم حيث جعلوا أسباب الهداية أسبابا للضلالة أي ما أضللناهم ولكن متعتهم وآباءهم بأنواع النعم ليعرفوا حقها ويشكروها ستغرقوا في الشهوات وانهمكوا فيها   حتى نسوا الذكر   أي غفلوا عن ذكرك والإيمان بك أو عن توحيدك أو عن التذكر لنعمك وآيات ألوهيتك ووحدتك وفي البحر الذكر ما ذكر به الناس على ألسنة الأنبياء عليهم السلام أو الكتب المنزلة أو القرآن ولا يخفى ما في الأخير إذا قيل بعموم الكفار والمخبر عنهم في الآية وشمولهم كفار هذه الأمة وغيرهم وكانوا أي في علمك الأزلي المتعلق بالأشياء على ما هي عليه في أنفسها أو بما سيصدر عنهم فيما لا يزال باختيارهم وسوء استعدادهم من الأعمال السيئة   قوما بورا

18

هالكين على أن   بورا   وصف به الفاعل مبالغة ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع وأنشدوا فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم وكافوا به فالكفر بور لصانعه وقول ابن الزبعري يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور أو جمع بأثر كعوذ في عائذ وتفسيره بها الكين رواه ابن جرير وغيره عن مجاهد وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نافع الأزرق سأله عن ذلك فقال هلكى بلغة عمان وهم من اليمن وقيل بورا فاسدين في لغة الأزد يقولون أمر بأثر أي فاسد وبارت البضاعة إذا فسدت وقال الحسن بورا لا خير فيهم من قولهم أرض بور أي متعطلة لا نبات فيها وقيل بورا عميا عن الحق والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله على ما قال أبو السعود

 

زاد المسير – ابن الجوزي ج6/ص78

سبحانك نزهوا الله تعالى أن يعبد غيره ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء نواليهم والمعنى ما كان ينبغي لنا أن نعبد نحن غيرك فكيف ندعو إلى عبادتنا فدل هذا الجواب على انهم لم يأمروا بعبادتهم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وابن جبير والحسن وقتادة وأبو جعفر وابن يعمر وعاصم الجحدري أن نتخذ برفع النون وفتح الخاء ثم ذكروا سبب تركهم الإيمان فقالوا ولكن متعتهم أي أطلت لهم العمر وأوسعت لهم الرزق حتى نسوا الذكر أي تركوا الإيمان بالقرآن والاتعاظ به وكانوا قوما بورا قال ابن عباس هلكي وقال في رواية أخرى البور في لغة أزد عمان الفاسد قال ابن قتيبة هو من بار يبور إذا هلك وبطل يقال بار الطعام إذا كسد وبارت الايم إذا لم يرغب فيها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من بوار الأيم قال وقال أبو عبيدة يقال رجل بور وقوم بور لا يجمع ولا يثنى واحتج بقول الشاعر يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذا أنابور

 

فتح القدير – الشوكاني ج4/ص67

   ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء   أى ما صح ولا استقام لنا أن نتخذ من دونك أولياء فنعبدهم فكيف ندعو عبادك إلى عبادتنا نحن مع كوننا لا نعبد غيرك والولي يطلق على التابع كما يطلق على المتبوع هذا معنى الاية على قراءة الجمهور نتخذ مبنيا للفاعل وقرأ الحسن وأبو جعفر نتخذ مبنيا للمفعول أى ما كان ينبغى لنا أن نتخذنا المشركون أولياء من دونك قال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر لاتجوز هذه القراءة ولو كانت صحيحة لحذفت من الثانية قال أبو عبيدة لا تجوز هذه القرادة لأن الله سبحانه ذكر من مرتين ولو كان كما قرأ لقال أن نتخذ من دونك أولياء وقيل إن من الثانية زائدة ثم حكى عنهم سبحانه بأنهم بعد هذا الجواب ذكروا سبب ترك المشركين للإيمان فقال   ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر   وفى هذا ما يدل على أنهم هم الذين ضلوا السبيل ولم يضلهم غيرهم والمعنى ما أضللناهم ولكنك يارب متعتهم ومتعت آباءهم بالنعم ووسعت عليهم الرزق وأطلت لهم العمر حتى غفلوا عن ذكرك ونسوا موعظتك والتدبر لكتابك والنظر في عجائب صنعك وغرائب مخلوقاتك وقرأ أبو عيسى الأسود القاريء ينبغى مبنيا للمفعول قال ابن خالويه زعم سيبويه أنها لغة وقيل المراد بنسيان الذكر هنا هو ترك الشكر   وكانوا قوما بورا   أى وكان هؤلاء الذين أشركوا بك وعبدوا غيرك في قضائك الأزلى قوما بورا أى هلكى مأخوذ من البوار وهو الهلاك يقال رجل بائر وقوم بور يستوى فيه الواحد والجماعة لأنه مصدر يطلق على القليل والكثير ويجوز أن يكون جمع بائر وقيل البوار الفساد يقال بارت بضاعته أى فسدت وأمر بائر أى فاسد وهى لغة الأزد وقيل المعنى لا خير فيهم مأخوذ من بوار الأرض وهو تعطيلها من الزرع فلا يكون فيها خير وقيل إن البوار الكساد ومنه بارت السلعة إذا كسدت

 

 

اقوال المفسرين في الآيه قال تعالى ( بل متعت هؤلاء و آبائهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) ( الزخرف 29 )

 

الدر المنثور – السيوطي ج7/ص374

أخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ   بل متعت هؤلاء   برفع التاء

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه   بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين   قال هذا قول أهل الكتاب لهذه الأمة وكان قتادة رضي الله عنه يقرؤها   بل متعت هؤلاء   بنصب التاء

وأخرج ابن جرير عن السدي   ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر قال هؤلاء قريش قالوا للقرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هذا سحر

الكشاف – الزمخشري ج4/ص251

حتى جاءهم الحق ورسول مبين فخيل بهذه الغاية أنهم تنبهوا عندها عن غفلتهم لاقتضائها التنبه ثم ابتدأ قصتهم عند مجيء الحق فقال ولما جاءهم الحق جاؤوا بما هو شر من غفلتهم التي كانوا عليها وهو أن ضموا إلى شركهم معاندة الحق ومكابرة الرسول ومعاداته والاستخفاف بكتاب الله وشرائعه والإصرار على أفعال الكفرة والاحتكام على حكمة الله

تفسير ابن كثير ج4/ص127

بل متعت هؤلاء   يعني المشركين   وآباءهم   أي فتطاول عليهم العمر في ضلالهم   حتى جاءهم الحق ورسول مبين   أي بين الرسالة والنذارة   ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون   أي كابروه وعاندوه ودفعوا بالصدور والراح كفرا وحسدا وبغيا   وقالوا   أي كالمعترضين على الذي أنزله تعالى

 

تفسير السعدي ج1/ص765

فقال تعالى   بل متعت هؤلاء وآباءهم   بأنواع الشهوات حتى صارت هي غايتهم ونهاية مقصودهم فلم تزل يتربي حبها في قلوبهم حتى صارت صفات راسخة وعقائد متأصلة   حتى جاءهم الحق   الذي لا شك فيه ولا مرية ولا اشتباه   ورسول مبين   أي بين الرسالة قامت أدلة رسالته قياما باهرا بأخلاقه ومعجزاته وبما جاء به وبما صدق به المرسلين وبنفس دعوته صلى الله عليه وسلم

تفسير السمعاني ج5/ص99

قوله تعالى   بل متعت هؤلاء وآباءهم أي أمتعتهم بأنفسهم وأموالهم وأولادهم وأمتعت آباءهم

وقوله   حتى جاءهم الحق ورسول مبين أي جاءهم القرآن يبين الهدى من الضلالة والحق من الباطل

وقوله   ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون أي جاحدون

 

زاد المسير – ابن الجوزي ج7/ص310

ثم ذكر نعمته على قريش فقال   بل متعت هؤلاء وآباءهم   والمعنى إني أجزلت لهم النعم ولم أعاجلهم بالعقوبة   حتى جاءهم الحق   وهو القرآن   ورسول مبين   وهو محمد صلى الله عليه وسلم فكان ينبغي لهم أن يقابلوا النعم بالطاعة للرسول فخالفوا

 

 

 

اترك تعليقاً