النار لا تحرق البطون

النار لا تحرق البطون

 

يقول سبحانه وتعالي (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)) ( البقرة 174 )

 

مختصر اقوال المفسرين في الآية

سنتطرق هنا الى تفسير الآية 174 من سورة البقرة ونبقي تفسير الآية التي بعدها لموضوع آخر بالرغم من ترابطهما في الموضوع العام .

ان علماء اليهود هم المقصودون في هذه الآية ولكنها تشمل كل من يكتم علما نافعا, وان جل الاقوال تؤيد انهم سيأكلون نارا في جهنم وذلك عقابا لهم لكتمهم العلم و المعني قوله تعالى   في بطونهم   ذكر البطون دلالة وتأكيدا على حقيقة الأكل إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضي ونحوه ولهم عذابا مؤلما اضافة الى التوبيخ الشديد فلن يكلمهم الله ولن ينضر اليهم ولن يزكيهم ولم يوضح اي من المفسرين ان كان ما ذكره سبحانه وتعالى (ولهم عذاب اليم )انه توكيد على العذاب الاول وهو اكلهم للنار, كما لم يعلق اي من المفسرين على الإضافة (ولهم عذاب اليم ) الا بقولهم اليم مؤلم .

 

التفسير العلمي لهذه الآية

 

إن اليهود كان عندهم من صفات الرسول صلي الله عليه وسلم الكثير حتي أنهم عرفوه أن نبي زمانه ، ولكنهم خافوا على مصالحهم ومواردهم أن تذهب عنهم فأخفوا الأجزاء من التوراة التي فيها ذكر الرسول صلي الله عليه وسلم لكن الله فضحهم وأنكشف ما أخفوا ، لذلك قال عنهم سبحانه و تعالي ( ويشترون به ثمناً قليلاً ) فهم عندهم معلومات ثمينة جداً ولكن لأبخس ثمن تنازلوا عنها وتنازلوا عن مبادئهم فهم ضالين ومضلين ويستحقون بفعلتهم الخبيثة عدة أشياء ، فهم في الدنيا كأنهم يأكلون في بطونهم النار ، لا بل يقول عنهم سبحانه و تعالي (أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) فهذا المال الذي يأخذوه من قريش مقابل إخفائهم للحق سيأكلون به طعاماً ويتلذذون بهذا الطعام والله سبحانه وتعالي يخبرهم بأن هذا الطعام سيكون في بطونهم ناراً ، ثم أنهم بضلالتهم و فعلتهم لن يكلمهم الله يوم القيامة ولن يتشرفوا بهذا المقام بعد أن أخفوا كلام الله في الدنيا و صدوا عنه ، وكذلك لن يزكيهم الله فقد وضعوا أنفسهم في نجاسة الحنث العظيم في امر عظيم وبثمن بخس لذلك فلن يزكيهم الله ، ثم يقول سبحانه و تعالي عنهم بعد ذلك ( ولهم عذاب اليم ) فهل عندما يأكلون في بطونهم النار ليس عذابا اليما ؟ حتي يقول سبحانه و تعالي بعد ذلك لهم عذاب اليم !

بالرجوع إلي كتب علم وظائف الأعضاء ( الفسلجة) وجد العلماء أن متحسسات الألم في البطن منتشرة في مناطق البطن على شكلين:

أ- مناطق البطن الجدارية و تمثل الخلب (بريتون) الجداري وعضلات البطن والمنطقة المحيطة به من أنسجة وألياف ففيها مستلمات ألم حساسة جداً للمواد الكيماوية أي أنها غير حساسة للألم المتسبب من الحرائق كما انها خالية تماماً من متحسسات الحرارة بمستواها العادي ، ولكن متحسسة جداً للقطع فوق مستوى البريتون إلى الخارج .

ب – متحسسات الألم في البريتون المساريقي وغلاف الأمعاء و الأمعاء و المعدة وغلاف الكبد و الطحال ، فهذه كلها خالية تماماً من متحسسات الحرارة ومتحسسات الألم التي تتحفز بالحرارة ( وكنا وضحنا أن هناك ثلاث أنواع من المستلمات للألم والتي هي تتأثر بالمحفزات، الحرارة و الضغط و الكيماويات ) أي أن ألم احتراق البطن من الداخل غير موجودة و الألم الوحيد الموجود في المعدة و الأمعاء و البريتون المغلف لها هو الألم المتسبب من الضغط ، فلو فتحنا البطن تحت التخدير الموضعي ثم قمنا بقطع الأمعاء بسكين حاد فإن المريض لن يحس بألم (كايتون للفسلجه ص 603 ) وعلي العكس فإن نفخ الأمعاء أو الضغط عليها يؤدي إلي آلام شديدة وقد يؤدي إلى التقيؤ (كايتون للفسلجه ص 604 ) من هذا لو أن ناراً أوقدت في المعدة والأمعاء حتي تنضج فإن الإنسان لن يحس بأي ألم ، وما ذكره سبحانه و تعالي بأنهم يأكلون في بطونهم ناراً فهو له تأثير نفسي عميق ، فإن أكل الإنسان من حرام هو بمعني أنه أكل في بطنه شراً عظيماً ، ولكن لأن الله سبحانه و تعالي يعلم أن هذه النار في البطن ليست عذاب ، ويعلم أنه سيأتي يوما يكشف العلماء الموضوع بأن النار في البطن ليس فيها عذاب لذلك يذكر سبحانه و تعالي بعدها أن له فوق ذلك عذابا أليما عظيما ، أي ان العذاب سيكون حتى ولو اكتشفنا أن البطن التي فيها نار ليست فيها ألماً و عذابا لذك تبعها سبحانه وتعالى(ولهم عذاب اليم) .

ونعجب كثيراً وهو ليس بعجب أن في مثل هذا القرآن هذا الكلام الدقيق ,ويأتينا من يقول إنه ضربة حظ أن يذكر القرآن بذلك الدقة ، ولكن هذه ليست الآية الوحيدة فالله سبحانه و تعالي يقول في آية أخري ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)) أنظر هنا كيف ذكرها سبحانه وتعالي و بدقة عالية حيث جعل النص القرآني في حالة من التعايش مع الموقف وأنت تري الذين يأكلون أموال اليتامى و كأنهم قد أوقدوا ناراً و اجتمعوا حولها يأكلون منها بجمرها و حرها وأحسست أن لهم بذلك عذاب عظيم ، وفي نفس الوقت أضاف سبحانه و تعالي لها إضافة جميلة عندما قال سبحانه ( وسيصلون سعيرا ) والذي هو علمياً فيه العذاب الأليم وكما سنري لاحقاً ، أي ان ذكر العذاب بعد ذكر أكلهم للنار الذي مثلهم فيه بأكلهم السحت بالنسبة لليهود ومال اليتامى في الآية الثانية ثم ذكر الألم بعده هو ليست ضربة حظ بل هو دلالة أن الذي أرسل هذا القرآن هو رب العالمين الخالق العالم الخبير .

ولنوضح ذلك اكثر ،فلو اكل شخص ما نارا فما يحدث له علميا من الم، فلو استثنينا الآم الحرق في اليد عند رفع الجمر الى الفم فان الانسان سيضع ما يأكله مباشرة في داخل الفم وقد يبلعه بسرعه اذا كان ساخنا وآلام الحرق في الفم تختفي بسرعه والالم في المريء لا يكاد يحس فاذا وصل المعدة اختفى الالم تماما اي ليس هناك الكثير من الالم ونحن هنا لا ننظر الى مجموع الاضرار ففي جهنم لا يوجد موت وانما عذاب فقط، فالأضرار في المريء والمعدة لا ذكر لها ابدا وكل الحسابات فيها هو تحقيق اعلى درجات من الالم.

 

اقوال المفسرين في تفسير هذه الآية

 

التسهيل لعلوم التنزيل – الكلبى ج1/ص69

إن الذين يكتمون اليهود ما يأكلون في بطونهم إلا النار أي أكلهم للدنيا يقودهم إلى النار فوضع السبب موضع المسبب وقيل يأكلون النار في جهنم حقيقة ولا يكلمهم الله عبارة عن غضبه عليهم وقيل لا يكلمهم بما يحبون ولا يزكيهم لا يثني عليهم فما أصبرهم على النار تعجب من جرأتهم على ما يقودهم إلى النار

 

التفسير الكبير – الرازي ج5/ص23

اعلم أن في قوله إن الذين يكتمون مسائل

المسألة الأولى قال ابن عباس نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ومالك بن الصيف وحيـي بن أخطب وأبـي ياسر بن أخطب كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا فلما بعث محمد عليه السلام خافوا انقطاع تلك المنافع فكتموا أمر محمد عليه السلام وأمر شرائعه فنزلت هذه الآية

المسألة الثانية اختلفوا في أنهم أي شيء كانوا يكتمون فقيل كانوا يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته والبشارة به وهو قول ابن عباس وقتادة والسدي والأصم وأبـي مسلم وقال الحسن كتموا الأحكام وهو قوله تعالى إن كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالبـاطل ويصدون عن سبيل الله التوبة 34

المسألة الثالثة اختلفوا في كيفية الكتمان فالمروى عن ابن عباس أنهم كانوا محرفين يحرفون التوراة والإنجيل وعند المتكلمين هذا ممتنع لأنهما كانا كتابين بلغا في الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذر ذلك فيهما بل كانوا يكتمون التأويل لأنه قد كان فيهم من يعرف الآيات الدالة على نبوة محمد عليه السلام وكانوا يذكرون لها تأويلات باطلة ويصرفونها عن محاملها الصحيحة الدالة على نبوة محمد عليه السلام فهذا هو المراد من الكتمان فيصير المعنى إن الذين يكتمون معاني ما أنزل الله من الكتاب

أما قوله تعالى ويشترون به ثمنا قليلا ففيه مسائل

المسألة الأولى الكناية في به يجوز أن تعود إلى الكتمان والفعل يدل على المصدر ويحتمل أن تكون عائدة إلى ما أنزل الله ويحتمل أن تكون عائدة إلى المكتوم

المسألة الثانية معنى قوله ويشترون به ثمنا قليلا كقوله ولا تشتروا بآيـاتي ثمنا قليلا البقرة 41 وقد مر ذلك وبالجملة فكان غرضهم من ذلك الكتمان أخذ الأموال بسبب ذلك فهذا هو المراد من اشترائهم بذلك ثمنا قليلا

المسألة الثالثة إنما سماه قليلا إما لأنه في نفسه قليل وإما لأنه بالإضافة إلى ما فيه من الضرر العظيم قليل

المسألة الرابعة من الناس من قال كان غرضهم من ذلك الكتمان أخذ الأموال من عوامهم وأتباعهم وقال آخرون بل كان غرضهم من ذلك أخذهم الأموال من كبرائهم وأغنيائهم الذين كانوا ناصرين لذلك المذهب وليس في الظاهر أكثر من اشترائهم بذلك الكتمان الثمن القليل وليس فيه بيان من طمعوا فيه وأخذوا منه فالكلام مجمل وإنما يتوجه الطمع في ذلك إلى من يجتمع إليه الجهل وقلة المعرفة المتمكن من المال والشح على المألوف في الدين فينزل عليه ما يلتمس منه فهذا هو معلوم بالعادة واعلم أنه سبحانه وتعالى لما ذكر هذه الحكاية عنهم ذكر الوعيد على ذلك من وجوه أولها قوله تعالى أولـئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار وفيه مسألتان

المسألة الأولى قال بعضهم ذكر البطن ههنا زيادة بيان لأنه يقال أكل فلان المال إذا بدره وأفسده وقال آخرون بل فيه فائدة فقوله في بطونهم أي ملء بطونهم يقال أكل فلان في بطنه وأكل في بعض بطنه

المسألة الثانية قيل إن أكلهم في الدنيا وإن كان طيبا في الحال فعاقبته النار فوصف بذلك كقوله إن الذين يأكلون أموال اليتـامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا النساء 10 عن الحسن والربيع وجماعة من أهل العلم وذلك لأنه لما أكل ما يوجب النار فكأنه أكل النار كما روي في حديث آخر الشارب من آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم وقوله إنى أرانى أعصر خمرا يوسف 36 أي عنبا فسماه بإسم ما يؤول إليه وقيل إنهم في الآخرة يأكلون النار لأكلهم في الدنيا الحرام عن الأصم وثالثها قوله تعالى ولا يكلمهم الله فظاهره أنه لا يكلمهم أصلا لكنه لما أورده مورد الوعيد فهم منه ما يجري مجرى العقوبة لهم وذكروا فيه ثلاثة أوجه الأول أنه قد دلت الدلائل على أنه سبحانه وتعالى يكلمهم وذلك قوله فوربك لنسـئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون الحجر 92 ـ 93 وقوله فلنسـئلن الذين أرسل إليهم ولنسـئلن المرسلين الأعراف 6 فعرفنا أنه يسأل كل واحد من المكلفين والسؤال لا يكون إلا بكلام فقالوا وجب أن يكون المراد من الآية أنه تعالى لا يكلمهم بتحية وسلام وإنما يكلمهم بما يعظم عنده من الغم والحسرة من المناقشة والمساءلة وبقوله اخسئوا فيها ولا تكلمون المؤمنون 108 الثاني أنه تعالى لا يكلمهم وأما قوله تعالى فوربك لنسـئلنهم أجمعين الحجر 92 فالسؤال إنما يكون من الملائكة بأمره تعالى وإنما كان عدم تكليمهم يوم القيامة مذكورا في معرض التهديد لأن يوم القيامة هو اليوم الذي يكلم الله تعالى فيه كل الخلائق بلا واسطة فيظهر عند كلامه السرور في أوليائه وضده في أعدائه ويتميز أهل الجنة بذلك من أهل النار فلا جرم كان ذلك من أعظم الوعيد الثالث أن قوله ولا يكلمهم استعارة عن الغضب لأن عادة الملوك أنهم عند الغضب يعرضون عن المغضوب عليه ولا يكلمونه كما أنهم عند الرضا يقبلون عليه بالوجه والحديث وثالثها قوله ولا يزكيهم وفيه وجوه الأول لا ينسبهم إلى التزكية ولا يثني عليهم الثاني لا يقبل أعمالهم كما يقبل أعمال الأزكياء الثالث لا ينزلهم منازل الأزكياء ورابعها قوله ولهم عذاب أليم واعلم أن الفعيل قد يكون بمعنى الفاعل كالسميع بمعنى السامع والعليم بمعنى العالم وقد يكون بمعنى المفعول كالجريح والقتيل بمعنى المجروح والمقتول وقد يكون بمعنى المفعل كالبصير بمعنى المبصر والأليم بمعنى المؤلم واعلم أن هذه الآية مشتملة على مسائل

المسألة الأولى أن علماء الأصول قالوا العقاب هو المضرة الخالصة المقرونة بالإهانة فقوله ولا يكلمهم الله ولا يزكيهم إشارة إلى الإهانة والاستخفاف وقوله ولهم عذاب أليم إشارة إلى المضرة وقدم الإهانة على المضرة تنبيها على أن الإهانة أشق وأصعب

المسألة الثانية دلت الآية على تحريم الكتمان لكل علم في باب الدين يجب إظهاره

المسألة الثالثة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالآية وإن نزلت في اليهود لكنها عامة في حق كل من كتم شيئا من باب الدين يجب إظهاره فتصلح لأن يتمسك بها القاطعون بوعيد أصحاب الكبائر والله اعلم

 

الدر المنثور – السيوطي ج1/ص408

أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله   إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب   والتي في آل عمران   إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا    آل عمران الآية 77   نزلتا جميعا في يهود

وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم وأخذوا عليه طمعا قليلا

وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله   إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب   قال أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم في كتابهم من الحق والهدى والإسلام وشأن محمد ونعته   أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار   يقول ما أخذوا عليه من الأجر فهو نار في بطونهم

وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال سألت الملوك اليهود قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ما الذي يجدون في التوراة قالوا إنا نجد في التوراة أن الله يبعث نبيا من بعد المسيح يقال له محمد بتحريم الزنا والخمر والملاهي وسفك الدماء فلما بعث الله محمدا ونزل المدينة قالت الملوك لليهود هذا الذي تجدون في كتابكم فقالت اليهود طمعا في أموال الملوك ليس هذا بذلك النبي

فأعطاهم الملوك الأموال فأنزل الله هذه الآية إكذابا لليهود

وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود وعلمائهم كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضل وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم فعمدوا إلى صفة محمد فغيروها ثم أخرجوها إليهم فقالوا هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي فإذ نظرت السفلة إلى النعت وجدوه مخالفا لصفة محمد فلم يتبعوه فأنزل الله   إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب  

 

الكشاف – الزمخشري ج1/ص241

إن الذين يكتمون مآ أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولائك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولائك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فمآ أصبرهم على النار ذالك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد 174 – 176

في بطونهم

ملء بطونهم يقال أكل فلان في بطنه وأكل في بعض بطنه

إلا النار

لأنه اذا اكل ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه اكل النار ومنه قولهم أكل فلان الدم إذا اكل الدية التي هي بدل منه قال

أكلت دما إن لم أرعك بضرة

وقال

يأكلن كل ليلة إكافا   أراد ثمن الإكاف فسماه إكافا لتلبسه بكونه ثمنا له

ولا يكلمهم الله

تعريض بحرمانهم حال أهل الجنة في تكرمة الله إياهم بكلامه وتزكيتهم بالثناء عليهم

وقيل نفي الكلام عبارة عن غضبه عليهم كمن غضب على صاحبه فصرمه وقطع كلامه

وقيل لا يكلمهم بما يحبون ولكن بنحو قوله

اخسؤا فيها ولا تكلمون المؤمنون108

 

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – الأندلسي ج1/ص241

وقوله تعالى إن الذين يكتمون الآية قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم و الكتاب التوراة والإنجيل والضمير في به عائد على الكتاب ويحتمل أن يعود على ما وهو جزء من الكتاب فيه أمر محمد صلى الله عليه وسلم وفيه وقع الكتم لا في جميع الكتاب ويحتمل أن يعود على الكتمان والثمن القليل الدنيا والمكاسب ووصف بالقلة لانقضائه ونفاده وهذه الآية وإن كانت نزلت في الأحبار فإنها تتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك لسبب دنيا يصيبها

وذكرت البطون في أكلهم المؤدي إلى النار دلالة على حقيقة الأكل إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضي ونحوه وفي ذكر البطن أيضا تنبيه على مذمتهم بأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له وعلى هجنتهم بطاعة بطونهم وقال الربيع وغيره سمي مأكولهم نارا لأنه يؤول بهم إلى النار وقيل معنى الآية أن الله تعالى يعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة وقوله تعالى ولا يكلمهم قيل هي عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضى عنهم إذ في غير موضع من القرآن ما ظاهره أن الله تعالى يكلم الكافرين كقوله اخسؤوا فيها المؤمنون 108 ونحوه فتكون هذه الآية بمنزلة قولك فلان لا يكلمه السلطان ولا يلتفت إليه وأنت إنما تعبر عن انحطاط منزلته لديه وقال الطبري وغيره المعنى ولا يكلمهم بما يحبون وقيل المعنى لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية ولا يزكيهم معناه لا يطهرهم من موجبات العذاب وقيل المعنى لا يسميهم أزكياء و أليم اسم فاعل بمعنى مؤلم

 

تفسير أبي السعود ج1/ص191

إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب   المشتمل على فنون الأحكام التي من جملتها أحكام المحللات والمحرمات حسبما ذكر آنفا وقال ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في رؤساء اليهود حين كتموا نعت النبي صلى الله عليه وسلم

ويشترون به   أي يأخذون بدله

ثمنا قليلا   عوضا حقيرا وقد مر سر التعبير عن ذلك الثمن الذي هو وسيلة في عقود المعاوضة وقوله تعالى

أولئك   اشارة الى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة من الوصفين الشنيعين المميزين لهم عمن عداهم اكمل تمييز الجاعلين اياهم بحيث كأنهم حضار مشاهدون على ماهم عليه وما فيه من معنى البعد للإيذان بغاية بعد منزلتهم في الشر والفساد وهو مبتدأ خبره قوله تعالى

ما يأكلون في بطونهم إلا النار   والجملة خبر لأن أو اسم الاشارة مبتدأ ثان أو بدل من الأول والخبر ما يأكلون الخ ومعنى أكلهم النار أنهم يأكلون في الحال ما يستتبع النار ويستلزمها فكأنه عين النار وأكله أكلها كقوله اكلت دما ان لم ارعك بضرة

بعيدة مهوي القرط طيبة النشر

 

او يأكلون في المآل يوم القيامة عين النار عقوبة على اكلهم الرشا في الدنيا وفي بطونهم متعلق بيأكلون وفائدته تأكيد الأكل وتقريره ببيان مقر المأكول وقيل معناه ملء بطونهم كما في قولهم أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه ومنه كلوا في بعض بطنكم تعفوا فلا بد من الالتجاء الى تعليقه بمحذوف وقع حالا مقدرة من النار مع تقديمه على حرف الاستثناء وإلا فتعليقه بيأكلون يؤدي الى قصر ما يأكلونه الى الشبع على النار والمقصود قصر ما يأكلونه مطلقا عليه ولا يكلمهم الله يوم القيامة   عبارة عن غضبة العظيم عليهم وتعريض بحر مانهم ما اتيح للمؤمنين من فنون الكرامات السنية والزلفى

ولا يزكيهم   لايثنى عليهم

ولهم   مع ما ذكر

عذاب أليم   مؤلم

 

تفسير ابن أبي حاتم ج1/ص285

حدثنا عصام بن رواد ثنا ادم ثنا ابو جعفر عن الربيع عن ابي العالية قوله ان الذين يكتمون ما انزل الله قال هم اهل الكتاب كتموا ما انزل الله عليهم في كتابهم من الحق والهدى والاسلام وشان محمد – صلى الله عليه وسلم ونعته وروى عن الحسن وقتادة والسدى والربيع بن انس نحو ذلك قوله ويشترون به ثمنا قليلا

1534حدثنا ابو زرعة ثنا عمرو بن حماد ثنا اسباط عن السدى ويشترون به ثمنا قليلا هؤلاء هم اليهود كتموا اسم محمد – صلى الله عليه وسلم واخذوا عليه طمعا قليلا فهو الثمن القليل وروى عن الحسن نحو ذلك

قوله اولئك ما ياكلون في بطونهم الا النار

1535حدثنا عصام بن رواد ثنا ادم ابو جعفر الرازي عن الربيع عن ابي العالية قوله اولئك ما ياكلون في بطونهم الا النار يقول ما اخذوا عليه من الاجر فهو نار في بطونهم قوله ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذب اليم

1536حدثنا ابو سعيد الاشج وعمرو الاودي قالا ثنا وكيع ثنا الاعمش عن ابي حازم عن ابي هريرة قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر قوله اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة

تفسير ابن كثير ج1/ص207

يقول تعالى   إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب   يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم التي بأيديهم مما تشهد له بالرسالة والنبوة فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم آباءهم فخشوا لعنهم الله إن أظهروا ذلك أن يتبعه الناس ويتركوهم فكتموا ذلك إبقاء على ما كان يحصل لهم من ذلك وهو نزر يسير فباعوا أنفسهم بذلك واعتاضوا عن الهدى واتباع الحق وتصديق الرسول والإيمان بما جاء عن الله بذلك النزر اليسير فخابوا وخسروا في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فان الله أظهر لعباده صدق رسوله بما نصبه وجعله معه من الآيات الظاهرات والدلائل القاطعات فصدقه الذين كانوا يخافون أن يتبعوه وصاروا عونا له على قتالهم وباءوا بغضب على غضب وذمهم الله في كتابه في غير موضع فمن ذلك هذه الآية الكريمة   إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا   وهو عرض الحياة الدنيا   أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار   أي إنما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق نارا تأجج في بطونهم يوم القيامة كما قال تعالى   إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا   وفي الحديث الصحيح 2065 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم وقوله   ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم   وذلك لأنه تعالى غضبان عليهم لأنهم كتموا وقد علموا فاستحقوا الغضب فلا ينظر إليهم ولا يزكيهم أي يثني عليهم ويمدحهم بل يعذبهم عذابا أليما وقد ذكر بن أبي حاتم وبن مردويه ها هنا حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر

 

تفسير البيضاوي ج1/ص451

إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا   عوضا حقيرا   أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار   إما في الحال لأنهم أكلوا ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه أكل النار كقوله < أكلت دما إن لم أرعك بضرة بعيدة مهوى القرط طيبة النشر > يعني الدية أو في المآل أي لا يأكلون يوم القيامة إلا النار ومعنى في بطونهم ملء بطونهم يقال أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه كقوله < كلوا في بعض بطنكمو تعفوا >   ولا يكلمهم الله يوم القيامة   عبارة عن غضبه عليهم وتعريض بحرمانهم حال مقابليهم في الكرامة والزلفى من الله   ولا يزكيهم   لا يثني عليهم   ولهم عذاب أليم   مؤلم  

 

تفسير الثعالبي ج1/ص131

ولا يكلمهم الله   قيل هي عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم إذ في غير موضع من القرآن ما ظاهره أن الله تعالى يكلم الكافرين وقال الطبري وغيره المعنى لا يكلمهم بما يحبونه ولا يزكيهم أي لا يطهرهم من موجبات العذاب وقيل المعنى لا يسميهم أزكياء وقوله تعالى

تفسير الجلالين ج1/ص35

174 إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب المشتمل على نعت محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود ويشترون به ثمنا قليلا من الدنيا يأخذونه بدله من سفلتهم فلا يظهرونه خوف فوته عليهم أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار لأنها مآلهم ولا يكلمهم الله يوم القيامة غضبا عليهم ولا يزكيهم يطهرهم من دنس الذنوب ولهم عذاب أليم مؤلم هو النار

 

تفسير السعدي ج1/ص82

   هذا وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله من العلم الذي أخذ الله الميثاق على أهله أن يبينوه للناس ولا يكتموه فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي ونبذ أمر الله فأولئك   ما يأكلون في بطونهم إلا النار   لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه إنما حصل لهم بأقبح المكاسب وأعظم المحرمات فكان جزاؤهم من جنس عملهم   ولا يكلمهم الله يوم القيامة   بل قد سخط عليهم وأعرض عنهم فهذا أعظم عليهم من عذاب النار   ولا يزكيهم   أي لا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة وليس لهم أعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها وإنما لم يزكهم لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها العمل بكتاب الله والاهتداء به والدعوة إليه فهؤلاء نبذوا كتاب الله وأعرضوا عنه واختاروا الضلالة على الهدى والعذاب علي المغفرة فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار فكيف يصبرون عليها وأنى لهم الجلد عليها

 

تفسير السمرقندي ج1/ص141

قوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب نزلت في رؤساء اليهود كانوا يرجون أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم فلما كان من غيرهم خشوا بأن تذهب منافعهم من السفلة فعمدوا إلى صفة النبي صلى الله عليه وسلم فغيروها وقال بعضهم غيروا تأويلها فنزلت هذه الآية إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب يعني في التوراة بكتمان نعت محمد صلى الله عليه وسلم ويشترون به ثمنا قليلا يعني يختارون به عرضا يسيرا من منافع الدنيا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار يعني يأكلون الحرام وإنما سمي الحرام نارا لأنه يستوجب به النار كما قال في آية أخرى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا النساء 10

ولا يكلمهم الله يوم القيامة أي لا يكلمهم بكلام الخير لأنه يكلمهم بكلام العذاب حيث قال احسنوا فيها ولا تكلمون المؤمنون 108 ولا يزكيهم يعني ولا يطهرهم من الأعمال الخبيثة السيئة وقال الزجاج ولا يزكيهم أي لا يثني عليهم خيرا ومن لا يثني عليه الخير فهو يعذبه ولهم عذاب أليم أي وجيع يعني الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب وكذلك كل من كان عنده علم فاحتاج الناس إلى ذلك فكتمه فهو من أهل هذه الآية وهذا كما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كتم علما أعطاه الله تعالى ألجم بلجام من نار

 

تفسير السمعاني ج1/ص170

ه ـ تعالى ـ   أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار فيه قولان أحدهما أن الذين أكلوا من الرشوة فالمأكلة تصير في بطونهم نارا

وقيل معناه أن ذلك الأكل لما كان يفضي بهم إلى النار فكأنهم يأكلون في بطونهم نارا

ومثله قول الشاعر

وأم سليم فلا تجزعن فللموت ما تلد الوالدة

وقال آخر

لدوا للموت وابنوا للخراب

فكلكم يصير إلى الفوات

ومعلوم أن الولد لا يولد للموت ولكن لما كان يؤول إلى الموت لا محالة أضافه إليه

وقوله ـ تعالى ـ   ولا يكلمهم الله يوم القيامة فيه قولان أحدهما أنه لا يكلمهم ولكن يكلمهم بالتهديد والتوبيخ

وقيل في معناه أنه غضبان عليهم كما يقال فلان لا يكلم فلانا إذا كان عليه غضبان

الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم

 

تفسير الطبري ج2/ص89

يعني تعالى ذكره بقوله إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب أحبار اليهود الذين كتموا الناس أمر محمد ونبوته وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة برشا كانوا أعطوها على ذلك

كما حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا سعيد عن قتادة قوله إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب الآية كلها هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم وبين لهم من الحق والهدى من بعث محمد وأمره

حدثنا المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا قال هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق والإسلام وشأن محمد

حدثني موسى بن هارون قال ثنا عمرو قال ثنا أسباط عن السدي إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب فهؤلاء اليهود كتموا اسم محمد

حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال حدثني حجاج عن بن جريج عن عكرمة قوله إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب والتي في آل عمران إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا نزلتا جميعا في يهود

وأما تأويل قوله ويشترون به ثمنا قليلا فإنه يعني يبتاعون به

والهاء التي في به من ذكر الكتمان فمعناه ابتاعوا بكتمانهم ما كتموا الناس من أمر محمد وأمر نبوته ثمنا قليلا

وذلك أن الذي كانوا يعطون على تحريفهم كتاب الله وتأويلهموه على غير وجهه وكتمانهم الحق في ذلك اليسير من عرض الدنيا

كما حدثني موسى بن هارون قال ثنا عمرو قال ثنا أسباط عن السدي ويشترون به ثمنا قليلا قال كتموا اسم محمد وأخذوا عليه طمعا قليلا فهو الثمن القليل

وقد بينت فيما مضى صفة اشترائهم ذلك بما أغنى عن إعادته ها هنا

القول في تأويل قوله تعالى أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم

يعني تعالى ذكره بقوله أولئك هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب في شأن محمد

بالخسيس من الرشوة يعطونها فيحرفون لذلك آيات الله ويغيرون معانيها

ما يأكلون في بطونهم بأكلهم ما أكلوا من الرشا على ذلك والجعالة وماأخذوا عليه من الأجر إلا النار يعني إلا ما يوردهم النار ويصليهموها كما قال تعالى ذكره إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا معناه ما يأكلون في بطونهم إلا ما يوردهم النار بأكلهم

فاستغنى بذكر النار وفهم السامعين معنى الكلام عن ذكر ما يوردهم أو يدخلهم

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل

ذكر من قال ذلك حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار يقول ما أخذوا عليه من الأجر

فإن قال قائل فهل يكون الأكل في غير البطن فيقال ما يأكلون في بطونهم قيل قد تقول العرب جعت في غير بطني وشبعت في غير بطني فقيل في بطونهم لذلك كما يقال فعل فلان هذا نفسه

وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع فيما مضى

وأما قوله ولا يكلمهم الله يوم القيامة يقول ولا يكلمهم بما يحبون ويشتهون فأما بما يسوءهم ويكرهون فإنه سيكلمهم لأنه قد أخبر تعالى ذكره أنه يقول لهم إذا قالوا ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون الآيتين

وأما قوله ولا يزكيهم فإنه يعني ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم ولهم عذاب أليم يعني موجع

 

تفسير القرطبي ج2/ص234

قوله تعالى   إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب   يعني علماء اليهود كتموا ما أنزل في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته ومعنى أنزل أظهر كما قال تعالى ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله أي سأظهر وقيل هو على بابه من النزول اي ما أنزل به ملائكته على رسله   ويشترون به   اي بالمكتوم   ثمنا قليلا   يعني أخذ الرشاء وسماه قليلا لإنقطاع مدته وسوء عاقبته وقيل لأن ما كانوا يأخذونه من 2 الرشاء كان قليلا قلت وهذه الآية إن كانت في الأخبار فإنها تتناول من المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك بسبب دنيا يصيبها وقد تقدم هذا المعنى قوله تعالى   في بطونهم   ذكر البطون دلالة وتأكيدا على حقيقة الأكل إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضي ونحوه وفي ذكر البطون أيضا تنبيه على جشعهم وأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له ومعنى إلا النار أي إنه حرام يعذبهم الله عليه بالنار فسمى ما أكلوه من الرشاء نارا لأنه يؤديهم إلى النار هكذا قال أكثر المفسرين وقيل أي إنه يعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة فأخبر عن المال بالحال كما قال تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نار النساء أي أن عاقبته تؤول إلى ذلك ومنه قولهم لدوا للموت وابنوا للخراب قال فللموت ما تلد الوالده آخر ودورنا لخراب الدهر نبنيها وهو في القرآن والشعر كثير قوله تعالى   ولا يكلمهم الله   عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم يقال فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه وقال الطبري المعنى ولا يكلمهم بما يحبونه وفي التنزيل إخسئوا فيها ولا تكلمون وقيل المعنى ولا يرسل اليهم الملائكة بالتحية   ولا يزكيهم   أي لا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم وقال الزجاج لا يثني عليهم خيرا ولا يسميهم أزكياء و   أليم   بمعنى مؤلم وقد تقدم وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر   وإنما خص هؤلاء بأليم العذاب وشدة العقوبة لمحض المعاندة والاستخفاف الحامل لهم على تلك المعاصي إذ لم يحملهم على ذلك حاجة ولا دعتهم إليه ضرورة كما تدعو من لم يكن مثلهم ومعنى لا ينظر إليهم لا يرحمهم ولا يعطف عليهم وسيأتي في آل عمران إن شاء الله تعال 2 ى

 

تفسير النسفي ج1/ص85

الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب   فى صفة محمد عليه السلام   ويشترون به ثمنا قليلا   أى عوضا أو إذ ثمن   أولئك ما يأكلون في بطونهم ملء بطونهم تقول أكل فلان فىبطنه وأكل فى بعض بطنه   إلا النار   لأنه إذا أكل ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه اكل النار ومنه قولهم أكل فلان الدم إذا أكل الدية التى هى بدل منه قال يأكلن كل ليلة اكافا

 

أى ثمن إكاف فسماه إكافا لتلبسه به بكونه ثمنا له   ولا يكلمهم الله يوم القيامة   كلاما يسرهم ولكن بنحو قوله اخسؤا فيها ولا تكلمون   ولا يزكيهم   ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم أو لا يثنى عليهم   ولهم عذاب أليم   مؤلم فحرف النفى مع الفعل خبر أولئك وأولئك مع خبره خبران والجمل الثلاث معطوفة على خبر إن فقد صار لأن أربعة أخبار من الجمل  

 

تفسير الواحدي ج1/ص145

174   إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب   يعني رؤساء اليهود   ويشترون به

بما أنزل الله من نعت محمد ص في كتابهم   ثمنا قليلا   يعني ما يأخذون من الرشى على كتمان نعته   أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار   إلا ما هو عاقبته النار   ولا يكلمهم الله يوم القيامة   أي كلاما يسرهم   ولا يزكيهم   ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم

تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ج1/ص24

إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب   ما بين الله في التوراة من صفة محمد ونعته   ويشترون به   بكتمانه   ثمنا قليلا   عوضا يسيرا نزلت في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وجدي بن أخطب   أولئك ما يأكلون   ما يدخلون   في بطونهم إلا النار   إلا الحرام ويقال إلا ما يكون نار في بطونهم يوم القيامة   ولا يكلمهم الله   بكلام طيب   يوم القيامة ولا يزكيهم   ولا يبرئهم من الذنوب ويقال ولا يثنى عليهم ثناء حسنا   ولهم عذاب أليم   وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم

 

زاد المسير – ابن الجوزي ج1/ص176

قوله تعالى   إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب  

قال ابن عباس نزلت في اليهود كتموا اسم النبي صلى الله عليه وسلم وغيروه في كتابهم والثمن القليل ما يصيبونه من اتباعهم من الدنيا   أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار   قال الزجاج معناه إن الذين يأكلونه يعذبون به فكأنهم يأكلون النار   ولا يكلمهم   هذا دليل على أن الله لا يكلم الكفار ولا يحاسبهم

قوله تعالى   ولا يزكيهم   فيه ثلاثة أقوال احدها لا يزكي اعمالهم قاله مقاتل والثاني لا يثني عليهم قاله الزجاج والثالث لا يطهرهم من دنس كفرهم وذنوبهم قاله ابن جرير

 

فتح القدير – الشوكاني ج1/ص171

قوله   إن الذين يكتمون   قيل المراد بهذه الآية علماء اليهود لأنهم كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم والاشتراء هنا الاستبدال وقد تقدم تحقيقه وسماه قليلا لانقطاع مدته وسوء عاقبته وهذا السبب وإن كان خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ وهو يشمل كل من كتم ما شرعه الله وأخذ عليه الرشا وذكر البطون دلالة وتأكيدا أن هذا الأكل حقيقة إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضى ونحوه وقال في الكشاف إن معنى   في بطونهم   ملء بطونهم قال يقول أكل فلان في بطنه واكل في بعض بطنه انتهى وقوله   إلا النار   أي أنه يوجب عليهم عذاب النار فسمى ما أكلوه نارا لأنه يؤول بهم اليها هكذا قال أكثر المفسرين وقيل إنهم يعاقبون على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة ومثله قوله سبحانه   إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا   وقوله   ولا يكلمهم الله   فيه كناية عن حلول غضب الله عليهم وعدم الرضا عنهم قال فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه وقال ابن جرير الطبري المعنى ولا يكلمهم بما يحبونه لا بما يكرهونه كقوله تعالى   اخسؤوا فيها ولا تكلمون   وقوله   ولا يزكيهم   معناه لا يثني عليهم خيرا قاله الزجاج وقيل معناه لا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم

 

 

اترك تعليقاً